مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور المرأة في صناعة جيل النصر

دور المرأة في صناعة جيل النصر من أبرز القواعد التي تشكل الطروحات الحديثة في التربية الاسلامية

من أبرز القواعد التي تشكل الطروحات الحديثة في التربية الاسلامية قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"لا تربوا أبناءكم على عادتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، و بقدر ما يعكسه القول من فقه الواقع و التماهي مع روح العصر، والنظرة التجديدية التي توافق بين جوهر الإسلام وتطورات الزمان ونبذ لعادة «إنا وجدنا آباءنا على أمة»، إلا أنّ المربين قد أساءوا فهمه وتطبيقه فأصبحنا آباءً وأمهات نحاول توفير كل وسائل الراحة، والتسلية، والتعليم الأجنبي، والنوادي، وكل وسائل التقنية لأبنائنا حتى لا يكونوا شواذا عن أبناء عصرهم، دون أن يترافق هذا العطاء المادي السخي في توفير الوسائل والمرافق مع منهجية تربوية، بعين على المدخلات وعين ٍعلى النهاية تفكر دائما ماذا سيكون ابني وابنتي عندما يكبرون، بنظرة تتعدى ما كان عليه آباؤنا الذين أنفقوا الغالي والرخيص، وكان أقصى طموحاتهم أن يكون أولادهم آطباء أو مهندسين.
إن الأحداث و المنعطفات الخطيرة التي تمر بها الأمة تلزم الأمَّ، وهي المحضن الأول المسؤول عن تربية الأولاد، أن تعي خطورة دورها في تربية الجيل الذي قد يحقق النصر أو يأتي بالهزيمة، هذا الجيل يحتاج جيلا من الأمهات كالخنساء أو بأضعف الإيمان كأم عبد الله الصغير التي لم تعدم قولة حق تزيد بها الطامة والتجريم على رأس ابنها بعد سقوط الأندلس قائلة:"ابك مثل النساء مُلكا مُضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال".
 
الحضارة نفوذ النساء الطيبات
وما بين هذين النموذجين يعول على الأمِّ أن تربي القادة و الجنود و العلماء أو تفسد فتنتج أشباه الرجال، رجال يولدون ويموتون دون أن يزيدوا شيئا في قيمة الأمة ان لم يكونوا سببا في انتكاسها، و قد وعى فلاسفة الغرب خطورة دور المرأة في التربية فقال أحدهم:"إذا أردت جيلا عظيما فعليك بتربية المرأة لانها هي التي تصنع العظماء"، وقال الشاعر امرسون عن تعريف الحضارة:"هي نفوذ النساء الطيبات"، والطيبة هنا لا تعنى السذاجة أو البلاهة و ترك الأمور للتياسير، فنفوذ الطيبة يعني توجيه الجهود والأخذ بالأسباب برؤية مستقبلية لتحقيق النفع والخير للآخرين.
 
موظفة7/24
 وفي مرحلة التخبط والاستيراد الأعمى للنظريات النسوية والجندرة في بلادنا أصبح الخطر دورا لأم في تربية أبنائها ظلما لحقوقها وتحقيرا لشخصيتها، واستصغارا لقدراتها بينما عاد الغرب في كثير من دوله بعدما ذاق مرارة انعدام التربية للاعلاء من شأن الأمومة، ووظائفها حيث تحتفي برامجهم الاعلامية بالأم على أنها أعظم الموظفات الماهرات بدوام متصل على مدى أربع وعشرين ساعة سبعة أيام في الأسبوع "mother 24\7 " وتتوالد البرامج لمربيات محترفات يعلمن الأمهات كيفية التواصل مع أبنائهن وتنمية مواهبهن والسيطرة على الغضب والعناد،إلخ... و لو لم تكن التربية من الأهمية بمكان لكان أولى بالدول المتقدمة التي تنادي بحرية الفكر والممارسة والتفرد أن لا تلقي لها بالا.

وبالعودة إلى وصية الخنساء لأبنائها قبل خروجهم للقادسية قالت:"إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله الا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت آباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدا فاغدوا الى قتال عدوكم مستبصرين ولله على أعدائه مستنصرين"، أمٌّ طاهرة في ذاتها وفكرها ومدركة لدورها مع أبنائها.

وهذا الجلد منها والاستجابة من أولادها ليسا وليدي الموقف واللحظة الحاسمة، فلا يقدر عليهما الا أم ٌّ ربّت نفسها وأولادها على علو الهمة سنين طوالا حتى بلغوا أشدهم جميعا أم مجاهدة و أبناء شهداء.
وإلا لكان موقفها بعد استشهاد أولادها ضربا من الخيال أو جنوح الفطرة عندما حمدت الله على استشهادهم جميعا، وكان أن حظيت كما لم تحظى أي أم وأولادها بذاكرة افتخار وتقدير على مر الأيام.

ماذا كان بين الأخت التي بكت أخاها صخرا حتى تلفت وبين الأم التي ما ذرفت دمعة سوى من حنان قلب الأم على أولادها غير نضج في الإيمان وإدراك للمسؤولية التي تتعدى المشاعر الدنيوية التي تعتمل في صدور الأمهات للأبناء من حب وخوف واستحواذ، مشاعر تقدر عليها جميع الأمهات فيما لا تقدر على ما قدرت عليه الخنساء الا القليلات، ولذا قيل إن الحروب والانتصارات تدور في قلوب الأمهات قبل أن تدور على جبهات القتال، ما بين أمومة الأم وأمومة الوطن والدين والفكرة.

كنا نريد أن نربي أبناءنا لزمان غير زماننا فإذا بزمانهم يأتي أكثر قتامة وظلاما وتحديا على مستوى الأمة. فإذا أردنا أن تتماشى التربية مع روح العصر فعلى الآباء والأمهات أن يتسلحوا بإدراك رسالية التربية بحيث يكون من وراء العطاء والمنع هدف يدركه الأولاد، ومن وراء التعليم وتنمية المواهب توظيف لخدمة هدف سامٍ، إن نعمة الوجود في كنف أسرة يستوجب بالضرورة شعورا بأسرة كبرى فقد أعضاؤها أمهاتهم وآباءهم وأخوتهم لتصبح الكفالة واجبا وجدانيا، وحالة اجتماعية وليس فقط مادية فجروح الآخرين لا تداوى بفتح الجيب فحسب ولكن بفتح القلب وصدق الحبيب(ص) إذ قال:"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه و حسن الخلق". وهذا الفهم الأسري الشامل والمجتمع والأمة الحميمة والتعاضد واللُحمة لا يزرعها في الأسرة الا الأمّ.

لقد أدركت الأمم والحضارات من قبلنا دور النساء في صناعة النصر فوصف العماد الأصفهاني دور نساء الأفرنج في صناعة النصر قائلا:"وفي الإفرنج نساء فوارس لهن دروع وقوانس يبرزن في حومة القتال ويستبسلن وكل هذا يعتقدنه عبادة ويجعلنه لهن عبادة". فمعركة المرأة الحقيقية هي في تربية الجيل فإذا فتحت المرأة الثغور تسلل الوهن والأعداء فتؤتى الأمة من قبل النساء.



المصدر:
http://yomgedid.kenanaonline.
د . ديمة طارق طهبوب

التعليقات (0)

اترك تعليق