مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

استضافة امرأة للرسول(ص) في طريق الهجرة إلى المدينة

استضافة امرأة للرسول(ص) في طريق الهجرة إلى المدينة

 

 

الظاهر أن بين خروجه(ع) من مكة ودخوله المدينة خمسة عشر يوما، لأنه أقام بغار ثور ثلاثة أيام، ثم سلك طريق الساحل وهي أبعد من الطريق الجادة. واجتاز في مروره على أم معبد بنت كعب من بني كعب بن خزاعة.
قال ابن هشام: وقال يونس عن ابن إسحاق: اسمها عاتكة بنت خلف بن معبد ابن ربيعة بن أصرم.

وقال الأموي: هي عاتكة بنت تبيع حليف بني منقذ بن ربيعة بن أصرم بن صنبيس(1) بن حرام بن خيسة بن كعب بن عمرو. ولهذه المرأة من الولد معبد ونضرة وحنيدة بنو أبى معبد، واسمه أكثم بن عبد العزى ابن معبد بن ربيعه بن أصرم بن صنبيس.
وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا.


وهذه قصة أم معبد الخزاعية:

قال يونس عن ابن إسحاق: فنزل رسول الله(ص) بخيمة أم معبد واسمها عاتكة بنت خلف بن معبد بن ربيعة بن أصرم، فأرادوا القرى فقالت: والله ما عندنا طعام ولا لنا منحة ولا لنا شاة إلا حائل.

فدعا رسول الله(ص) ببعض غنمها فمسح ضرعها بيده ودعا الله وحلب في العس حتى أرغى وقال: اشربي يا أم معبد.

فقالت: اشرب فأنت أحق به.

فرده عليها فشربت، ثم دعا بحائل أخرى ففعل مثل ذلك بها فشربه، ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى دليله، ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى عامرا، ثم تروح. وطلبت قريش رسول الله(ص) حتى بلغوا أم معبد فسألوا عنه، فقالوا: أرأيت محمدا من حليته كذا وكذا؟ فوصفوه لها.

فقالت: ما أدري ما تقولون، قدمنا فتى حالب الحائل.

قالت قريش: فذاك الذي نريد.


وقال الحافظ أبو بكر البزار، حدثنا محمد بن معمر، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا عبد الرحمن بن عقبة بن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جابر قال:

لما خرج رسول الله(ص) وأبو بكر مهاجرين فدخلا الغار، إذا في الغار جحر فألقمه أبو بكر عقبه حتى أصبح، مخافة أن يخرج على رسول الله(ص) منه شيء. فأقاما في الغار ثلاث ليال ثم خرجا حتى نزل بخيمات أم معبد، فأرسلت إليه أم معبد: إني أرى وجوها حسانا، وإن الحي أقوى على كرامتكم منى. فلما أمسوا عندها بعثت مع ابن لها صغير بشفرة وشاة، فقال رسول الله(ص): "أردد الشفرة وهات لنا فرقا" يعنى القدح. فأرسلت إليه أن لا لبن فيها ولا ولد.

قال: هات لنا فرقا فجاءت بفرق فضرب ظهرها فاجترت ودرت فحلب فملأ القدح فشرب وسقى أبا بكر، ثم حلب فبعث فيه إلى أم معبد.

ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد، وعبد الرحمن بن عقبة لا نعلم أحدا حدث عنه إلا يعقوب بن محمد، وإن كان معروفا في النسب.


وروى الحافظ البيهقي من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني، سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بكر قال:

خرجت مع رسول الله(ص) من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر رسول الله(ص) إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبد الله إنما أنا امرأة وليس معي أحد، فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى.

قال: فلم يجبها وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز يسوقها،

فقالت: يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين فقل لهما تقول لكما أمي اذبحا هذه وكلا وأطعمانا.

فلما جاء قال له النبي(ص): انطلق بالشفرة وجئني بالقدح.

قال: إنها قد عزبت وليس بها لبن،

قال: انطلق، فجاء بقدح فمسح النبي(ص) ضرعها ثم حلب حتى ملا القدح، ثم قال: انطلق به إلى أمك.

فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى.

ففعل بها كذلك ثم سقى أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي(ص).

فبتنا ليلتنا، ثم انطلقنا. فكانت تسميه المبارك. وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر فرأى ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك.

فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟

قال: أو ما تدرين من هو؟

قالت: لا.

قال: هو نبي الله.

قالت فأدخلني عليه.

قال: فأدخلها فأطعمها رسول الله(ص) وأعطاها.

زاد ابن عبدان في روايته: - قالت: فدلني عليه، فانطلقت معي، وأهدت لرسول الله(ص) شيئا من أقط ومتاع الأعراب.

قال: فكساها وأعطاها.

قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت. إسناد حسن.

وقال البيهقي: هذه القصة شبيهة بقصة أم معبد، والظاهر أنها هي. والله أعلم




الهوامش:
1- في الإصابة: خبيس.
2- كسر الخيمة: جانبها.
3- يربض الرهط: يشبعهم حتى يربضوا.
4- تفاجت: فرجت ما بين رجليها.


المصدر: السيرة النبوية: ابن كثير. دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1396 - 1976 م. ج2.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق