الأسرة المسلمة بين الإتفاقيات الدولية والمقاصد العليا للشريعة د.رشا الدسوقى
المقدمة: لم تجتمع الدول العربية والإسلامية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة لضرورة ملحة من أجل أزمة دولية أو إيقاف حرب مدمرة أو لتطبيق قرارات معطلة للسلام العالمي. لقد عقدت الأمم المتحدة المؤتمرات المتلاحقة للمرأة وجمعت دول العالم بعد أن تخلت عن تلك الوظائف الأساسية والمهام الدولية المنوطة بها لتخدم الحركات النسوية والمنظمات الراديكالية.
المبحث الأول التعريف بالحركة النسوية العلمانية وأهدافها
المطلب الأول: ماهية الحركة وخلفيتها:
إن المحرك الرئيسي والقوى الدافعة للمؤتمرات النسوية للأمم المتحدة والتي تضيع وثائقها وتبلور قراراتها الخاصة بالمرأة هي الحركة النسوية "النوعية"، Gender Feminism، الناشط الأساسي في منظمة النساء للبيئة والتنمية. فقد كان ﻟ"الحركة النسوية" الرادكالية دور واضح، وخطير ومهم في صياغة مسودة برنامج العمل لمؤتمر المرأة في بكين والذي عقد في سبتمبر 1995م، والوثيقة نتاج جهد مضن لحركة ذات نفوذ وأفكار جذرية، وتابعات لا حصر لهن، مؤيدات لها، وتدعمها منظمات نسائية وممولون وسياسيون ذوو قوى مؤثرة يروجون لفلسفة الحركة ويعملون على تنفيذ برامج عملها بكل ثقلهم ونفوذهم.
وتتصف هذه الحركة بأنها عالمية لا تحدها حدود جغرافية ولا تمنعها قيم مجتمع ولا ديانته أو تقاليده من محاولة النفاذ إليه أو إلى الأسرة بصفة عامة والأسرة المسلمة بصفة خاصة، سواء أكانت في الشرق أم في الغرب، تارة بالتستر وراء شعارات "التحرر" و"المساواة"، وتارة ثانية بصياغة عبارات المحافظة على "صحة المرأة الإنجابية" وهي في الحقيقة تهدف إلى القضاء على أنوثتها وأمومتها، وتارة ثالثة بالبرامج التنفيذية السياسية والاجتماعية واللإقتصادية الدولية التي تهدف في ظاهرها إلى فتح آفاق العمل للمرأة بإدخالها في مشاريع صغيرة ومشاريع "تنظيم الأسرة" وهي في باطنها تتدخل في البنية الاجتماعية لتغيير قيمتها الأساسية ومرجعياتها الدينية، وهي كذلك تتحكم في تعداد سكان العالم الإسلامي عن طريق برامج تنظيم الأسرة وخلق شكل جديد للأسرة المسلمة تسميه "أسرة المستقبل"، والهدف هو التحكم التدريجي في خصوبة المرأة ومن ثم تحديد النسل والحد من تكاثر المسلمين(1).
وكان نفوذ المنظمات الأهلية في الأمم المتحدة في السنوات القليلة الماضية قد زاد، وكانت أكثر المنظمات الأهلية نشاطا فيها هي منظمة النساء للبيئة والتنمية، وترأس هذه المنظمة سيدة الكونجرس السابقة "بيللا آبزوج" وقد تفوقت على حركة المنظمات الأهلية الأخرى، وعمل في حزبها فريق من العاملين النشطاء قاموا بتجهيز المسودة حتى تمارس الضغوط المطلوبة لتمرير برنامج عملها، وكان لهذه المنظمة أكبر الأثر في تنظيم الاجتماع العالمي النسائي الإستراتيجي في جلن كوف بنيويورك في نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر 1994م، وفي ذلك الاجتماع جاء النشطاء من جميع أنحاء العالم وفريق العاملين من الأمم المتحدة للتخطيط لمؤتمر كوبنهاجن للنساء، وحين أخفقت المتطرفات في إدخال التعديل الخاص بالحقوق المتساوية في ميثاق الولايات المتحدة قمن بتكوين منظمة دولية تعوضهن ذلك النقص وهي منظمة "رفع جميع أنواع التمييز ضد المرأة" واسمها:2CEDAW وقد حققت لهن ما لم يحققنه من خلال المنظمة الأولى، وهي تعطى حق الإجهاض وتضرب عرض الحائط بالقيم الدينية التي تناقض النسوية الراديكالية، وكانت وحليفاتها مصممات على الفوز في كوبنهاجن وبكين بما لم يستطعن تحقيقه في القاهرة وهو قبول وجهة النظر النوعية متضمنة الحقوق الإنجابية والجنسية:health reproductive and gender.
وبالقليل من التحليل نستطيع فهم مصطلح "النسوية النوعية" Gender Feminismالذي ظهر وراج في كتاب "كريستينا هوف سومرز" بعنوان:"من الذي سرق النسوية؟" حيث شرحت الفرق بينه وبين لفظ "التكافل السنوي" في الحركات النسوية السابقة، قالت إن التكافل النسوي هو الاعتقاد بضرورة المساواة الأخلاقية والقانونية للجنسين والمطالبة بالمعاملة العادلة دون تفرقة، وهؤلاء النساء يرين أن حال المرأة في الغرب قد تحسن والدليل على ذلك، في نظرهن، زيادة ارتياد المرأة أماكن العمل خارج البيت وأنها أصبحت بذلك نافعة للمجتمع، إذ إن النساء الآن يشكلن في أمريكا 55% من القوة العاملة، وقد ضاقت الفجوة بين أجر المرأة وأجر الرجل مقارنة بالماضي، "ونساء التكافل العلمانيات" يردن فرصة متكافئة للحصول على الحقوق وفرص العمل، أما النسوية النوعية فتعتقد أن النساء الأمريكيات مسجونات في إطار نظام ظالم -نظام أبوي- يتحكم الرجل فيه ويفرض سيطرته على المرأة، وأن حالها قد ازداد سوءاً ويردن إحداث ثورة نوعية "جنسية" وهؤلاء هن الراديكاليات أو ويسمين أنفسهن المتحرراتLiberals، والحق يُقال إنهن قلة بدليل أنه حين أجرت جريدة التايمز منذ سنوات مسحا في الولايات المتحدة لمعرفة نسبة النسويات كانت النتيجة أنهن يشكلن 27% فقط من الأمريكيات، غير أن لهن نفوذا في الأماكن الحساسة على المستوى العالمي ونجد أن غالبية النساء الأمريكيات يردن حقوق المرأة ولا يعتبرن أنفسهن نسويات نوعيات أو حتى نسويات متكافلات.
المطلب الثاني: إخفاء مصطلحات وأهداف الحركة في الوثائق:
وأهم دور قامت به هذه الحركة هو القضاء على ظاهرة الأسرة التقليدية، كما عهدتها مجتمعات العالم منذ بدء الخليقة، والعمل على انقراضها وتآكل دورها كوحدة تراحمية فاعلة ومصدر أساسي للقيم والمبادئ والتثقيف والتنشئة، ليختفى دورها بإحلال غيرها من المنظومات وتقويتها بشتى السبل المادية والإعلامية للإسراع بذلك الإحلال. ومن سمات النسوية النوعية أنها لا تنادي بحقوق المرأة من أجل رفعتها أو سداد احتياجاتها، بل لفلسفة تعتنقها ولا تقتنع بغيرها. ولمعرفة الجذور الفلسفية للنسوية النوعية لا بد من توضيح "نظرية النوع". وحسب هذه النظرية تعتقد النساء النوعيات أن الرجل ليس رجلاً لأن الله خلقه رجلاً ولا المرأة امرأة لأن الله خلقها هكذا، إن الحالة التي تبدو لنا طبيعية ليست كذلك، وليست هناك مجموعة خواص لنوع بعينه، حتى سمات الحياة النفسية لا تخص الجنسين، وليس هناك جنس أفضل من جنس، فهذه النظرية لا تقبل العلاقة القائمة الآن بين الرجل والمرأة وتعتبر أنها مفروضة اجتماعيا في إطار الحياة الزوجية بحيث تصبح المرأة الجانب المظلوم مهيض الجناح. ولهذا فالنكاح في نظر "النوعيات" يعتبر اغتصابا، والعلاقة بين جنسين متضادين لا تعطي المرأة حقها، ومن ثم فالشذوذ هو البديل للعلاقات التي خلقها الله -العلاقات الفطرية والطبيعية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام- ويصبح من الطبيعي في نظرهن شاذاً والشاذ طبيعياً. فالماركسية هي في الواقع أساس تبرير نظرية الشذوذ. والالتزام بفكرها وتطبيق برنامجها عن طريق الحركة النوعية من أجل تدمير الأسرة(3).
فهذه النظرية مبنية على نظرية ماركس لفهم التاريخ. فالتاريخ في نظره عبارة عن صراعات طبيعية يصارع فيها المظلوم الظالم، وحين يفيق المظلوم ويعي مظلمته يتبرم ويثور فيتغلب على الظالم ويصبح هو الدكتاتور وبهذا ينقلب المظلوم ظالماً، ويقول فريدريك أنجلز زميل ماركس في كتابه "أصل الأسرة، الملكية والدولة": "إن أول عامل تسبب في هضم الحقوق النسوية هو وضع عبء الإنجاب على المرأة".
وينشأ أول عداء في الزيجات المبنية على اختيار شريك واحد. وأول ظلم طبيعي هو ظلم الرجل للمرأة حيث أراد الرجل أن يعرف من هو أبو المولود ففرض على المرأة زوجاً واحداً، ولهذا استعبد المرأة. ويرى أنه من الضرورة إزالة الملكية الخاصة "حتى لا يتحكم الرجل بما له في المرأة"، ولا بد من إباحة الطلاق وقبول الزنا واللقطاء ودفع المرأة للخروج من البيت -إلى القوى العاملة- ووضع الأطفال في حضانات، كما أنه لا بد من محو الدين، وبهذا تختفي الحالة الطبيعية للمرأة كأم، ولقد أضافت النسوية المتطرفة أن الماركسية فشلت في تحرير المرأة بالكامل إذ إنها لم تهاجم الأسرة مباشرة، فالأسرة هي سبب ما يسمى "بالطبيعي"(4).
واستكمالا لدورهن في محو الأسرة، الوحدة الاجتماعية الأولى، تتهم النسويات النوعيات الأسرة بأنها تخلق العراقيل في سبيل تطور المرأة من الناحية الإنسانية، وبعد سنوات من نشر فلسفتهن راجت فكرة تحدي العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة وفكرة الزواج، وتحرك النسويات في المدارس والجامعات يطالبن بحرية التخطيط لأسرة المستقبل دون التخرج من أي عقوبة قانونية أو اجتماعية إذا قامت الأسرة على أساس زواج المرأة بأخرى أو اتخذت الخليلات من أمثالها، وتختار الفتاة أن تعيش بلا ذرية أو تختار المشاركة في أمومة اصطنعتها بالحصول على نطف من معامل بيولوجية أو عن طريق تأجير أرحام الأخريات أو اللجوء إلى اللقيطات لخوض هذه التجربة الجديدة، وقد أطلقن على هذا النوع من الارتباط أشكالاً جديدة أو أنماطاً جديدة للأسرة، وبهذه الحقوق يصبح لديهن الحق في استقلالهن التام خارج سجن الإطار النوعي أو الجنسي. وهذه نانسي شودري، الكاتبة النسوية، في كتابها "إنجاب المرأة" تهاجم الأمومة على أنها سجن للمرأة في إطار نوعي تفرضه على نفسها، بمعنى أن السيدة الأم ليس من الضروري أن تكون سيدة ولا أماً، وترى شودري تغيير المجتمع كي تتغير الأنماط الأسرية التقليدية فتتغير المرأة لتلعب دور الرجل(5).
وتعتقد النوعيات أنه حين يزداد عدد النساء في القوى العاملة خارج البيت يكون هذا مدعاة إلى التغيير داخل البيت، ولا يتوقف ذلك على رغبة النساء، بل يفرض المجتمع عليهن ذلك ويصبح أمراً واقعاً لا يستطعن مقاومته، وكل مناهضة لهذا الوضع تعتبر من قبيل التخلف والرجعية، ويفرض التيار النوعي نفسه فتصبح معتقداته قانوناً بعد أن يخضع له صناع القرار، وترى النوعيات أن مسؤوليات المرأة الأسرية هي العبء الأول على المرأة والعقبة الكؤود في سبيل برنامج عمل النوعيات، فلا بد من العمل على اقتلاع فكرة الأسرة التقليدية من أذهان نساء العالمين.
المطلب الثالث: تدويل المواثيق:
وقد استطاعت النوعيات صياغة بنود وثيقة مؤتمر بكين من أجل تطبيقها دوليا حتى على الدول الإسلامية دون الإفصاح عن مصطلحاتهن الخفية. وحتى وقت توقيع الوثيقة لم تكن أي دولة إسلامية عربية على دراية كاملة بحجم الأجندة الدولية ولا بمدى خطورتها. وكان التحقق من مزالق الوثيقة داخل أورقة المؤتمر كافيا ليتخذ ممثلو الدول الإسلامية المناصرون للشريعة قرارا بالانسحاب من المؤتمر وبرفض التوقيع على وثيقته. ولم تستطع أي دولة رفع البنود المعترص عليها نهائيا من الوثيقة. ولم يتبق لهم أية خيار سوى التحفظ وهو أضعف الإيمان. وحتى التحفظ كان محط كيد صائغي الوثيقة فشنت منظمات الجندر حربا من أجل رفع تلك التحفظات فيما بعد. لكن لا يفوتنا أن الهدف كان التدرج في إكمال التورط في الوثيقة التي تلزم كل مسلم بتأييد التوجه العلماني النسوي وتحقيق جميع أهدافه من الإباحية والتسيب والانفلات الخلقي، فتمرير النصوص الإنجليزية وخديعة المصطلحات، ثم قبول التحفظ ثم رفعه، ورط الجميع في التوقيع على وثيقة يشوبها التدليس المعتمد دون علم الموقعين بحقيقة محتواها.
ويسوقنا هذا إلى توضيح حق سيادة كل دولة في الحفاظ على كيانها الداخلي وقوانينها التي تحمي قيمها ومبادئها المختلفة. ولقد تسببت خطورة المواثيق على كيان "الأسرة" في نقد الأمم المتحدة وخرقها حق السيادة. يقول باتريك فيجان، وهو متخصص في شؤون الأسرة بمؤسسة التراث: "إن سياسة الأمم المتحدة واتفاقياتها تستهدف الأسرة منذ عقود مضت. فلم تلغ المنظمات الدولية (المحركة للجهاز الدولي) القيم الدينية فقط من اتفاقيتها الدولية ولكن بسبب خرقها حق السيادة اتهمتها الكثير من الدول بأنها أصبحت أداة مروجة للفكر النسوي الذي هدم الدين والأسرة وخرق المواثيق الموقعة رسميا والتي تحمي سيادة كل دولة وتحمي خصوصياتها"."وتقول تيريزا واجنر، محررة مجلس أبحاث الأسرة: "إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصبح أداة دفع للإجهاض، والشذوذ والموت الرحيم وغيره من القضايا المدمرة."(6) ويقول باتريك فاجان "إن مواثيق المرأة وحقوق الطفل تحارب الأسرة والدين والسيادة وتضغط على الدول لتغيير قوانينها ولتصبح معادية للأسرة وتبنى أيديولوجية نسوية. ولهذا أصبحت الأمم المتحدة منطمة تعمل ضد الأسرة."(7) إن المنظمات الدولية لا حق لها في سلب حق السيادة من الدول التي استدرجتها للحضور والتوقيع على هذه المواثيق الدولية والتي تلغى حقها في تقرير مصيرها. ويترك الأمر لأصحاب القرار في الدولة بمنع استلاب حق السيادة منها كما فعل أصحاب القرار في الولايات المتحدة.
المبحث الثاني الأضرار التي ألحقتها النسوية العلمانية بالأسرة:
المطلب الأول: إقحام المفاهيم المنافية للشرع باسم حقوق الإنسان وفرضها دوليا:
وبعد هذه الخلفية عن صائغي الوثائق الدولية للمؤتمرات النسوية، نعرض الآن للضرر الذي حاق بالأسرة وأصابها في مقتل من جراء الإستراتيجيات والعوامل الخارجية التي تشكل ضغوطا على الكيان الأسري كوحدة اجتماعية. والأسرة هي النواة الصلبة، والقلب النابض، والمحور الذي ترتكز عليه بقية المحاور، والحصن الصامد للأمة الإسلامية والقيم الإنسانية. واستهدافها هو جزء من الموجات العاتية، كما أوضحت سالفا، لفرض المبادئ النسوية عليها باسم "المساواة بين المرأة والرجل" وباسم "حرية المرأة وتحررها" من الأغلال وذلك بدءا صياغة وترويج المفاهيم المنافية للشريعة التي نتج عنها تحجيم النموذج الأسري الإسلامي المتميز في دول العالم جميعها. فالزواج بأركانه المعتبرة وصورته الشرعية الوحيدة التي عرفها المسلمون هي بين المرأة والرجل من أجل إقامة الأسرة المسلمة ومحورها عبادة الله تعالى لتحقيق مهمة الاستخلاف في الأرض وإقامة الدين والمحافظة على عقيدة وأخلاق الذرية المسلمة.
1) حق الشذوذ الجنسي:
غير أن الوثيقة ابتدعت أنماطا جديدة، وأشكالا غريبة، وتكوينات مستحدثة ما هي إلا جزء من الإطار العلماني النوعي النسوي. فل تنظر إلى نص الوثيقة باللغة العربية والتي وقع عليها المسلمون حيث جاء بها: "لتدعيم الأسرة، وتدعيم استقرارها مع الأخذ بعين الاعتبار تعدد أنماطها" (الفقرة أ،5،2)، لم يخف على أحد هنا أن الأنماط تعنى "الشذوذ". وقد قامت منظمات الأسرة في أمريكا بالاعتراض على جميع البنود التي تشير من قريب أو بعيد إلى هذا المعنى. وإليك ترجمة النص الذي ورد باللغة الإنجليزية وتحليله من قبل رائدة المنظمات الأسرية سوزان رويلانس: "في الفقرة 97 من وثيقة المؤتمر الرابع للمرأة يتضح معنى الحقوق الجنسية، فمن ضمن حقوق الإنسان للمرأة حقها في التحكم فيما يخص علاقاتها الجنسية بحرية ومسؤولية ويشمل هذا صحتها الإنجابية دون ضغط أو تمييز أو عنف."(8)
وتعليقا على إقحام الحقوق الجنسية (الشذوذ، والممارسات الحميمة خارج نطاق الأسرة)كحق من حقوق الإنسان تقول سوزان رويلانس:"كان هناك نقاش طويل حول خلق حق جديد من حقوق الإنسان وما إذا كان لهن (المنطمة النسوية صائغة الوثيقة) الحق في القيام بخلق ذلك الحق، وقد علقت السودان أثناء مناقشة هذا الموضوع بأن هذا المفهوم مبهم يستوجب الإجماع وسيستغرق ذلك وقتا طويلا. ولن ندعم حقا جديدا. ورغم إصرار صائغي الوثيقة أن ذلك ليس حقا جديدا فقد صدرت تقريرات عديدة بعد المؤتمر تسمى ذلك الحق حقا جديدا من حقوق الإنسان(9).
وقد استخدم صائغو الوثيقة استراتيجية غموض المصطلح عند الإشارة إلى ضرورة "القضاء على أشكال التمييز في الزواج وأشكال الاقتران الأخرى" وأسموها Different forms of the family، وهذه الأشكال المتعددة تكون إما أسرة من رجل وامرأة متعايشين أو متحدين بدون زواج، أو أسرة مثلية بين رجلين أو امرأتين ومن حقهما الحصول على طفل بالتبني أو السفاح أو استئجار الأرحام، أو أسرة تتكون من مجموعة من النساء والرجال يتبادلون المتعة وقد ينجبون أطفلا غير معروفي الأب.
وقد استخدم المؤتمر عبارات لا تنم عن الهدف الأساس من هذا الاجتماع العالمي الذي حضرته 36000 امرأة وكان قد أعلن عن هدفه في تحقيق الدعم الأفضل للأسرة، والعمل على استقرارها، وزاد بين السطور، الأخذ في الاعتبار "تعدد أشكالها"، واتضح فيما بعد أن "التعددية" ما هي إلا المباشرة بدون زواج والتماثلية في العلاقات(10).
لقد تحول مؤتمر بكين إلى مؤتمر للشذوذ من قبل محركي منظمة بيللا أبزوج، وقد أيد بنود الشذوذ مسيرة جابت أرجاء ساحة المؤتمر وعدد أعضاؤها 7000 عضوة سحاقية أو مؤيدة لحق السحاق. وغنى عن القول بيان الحكم الفقهي في السحاق وهو الزنا بين النساء، وهو حرام بإجماع الفقهاء، فقد روي عن الرسول الكريم قوله: "السحاق زنى النساء بينهن"، وقوله: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد". أما الشذوذ فقد حدد عقوبته فقهاء الأمة بالأدلة الشرعية وهو يتراوح بين قتل الفاعل والمفعول به أو توقيع العقوبة التعزيرية(11). [...].
إن تغيير وتبديل المرجعيات الأمة بالمنظومات النسوية الإباحية هو صد عن سبيل الله لتطبيق الناس شرع ربهم، بل هو صدمة حضارية تصيب مفاهيم الأمة وتصدر لها مرض الميوعة الذي ينسبها خصوصيتها وثقافتها الإسلامية ويحدث لها الارتباك الفكري والخلط القيمي، ويسرب لها التخبط في التعابير والمصطلحات التي تصطدم بالدين الإسلامي بكل ما يحتويه."ومعلوم حين تصطدم حضارتان أو ثقافتان فإن الأقوى (بضغطها وإجبارها الآخرين على إتباعها)تطرد الأضعف وتحجمها ثم يتبع ذلك فقدان الثقة بها من قبل أهلها وتتوقف عن التعامل مع الواقع."(12) وهذا يعني أن بالقوة القسرية يجبر المسلم على هجر تعاليم الإسلام. إن الدين، لللإنسان المسلم، وهو منهج حياة، ولأن الحركة النسوية لا دين لها فهي ترى الإباحية نوعا من التحرر الفكري الذي لا علاقة له بالدين. وفي النهاية إن فرض تغليب المنظومة العلمانية على المسلمين هو صد عن مقاصد الشريعة في حفظ الدين عقيدة وأخلاقا وسلوكا.
2) حق الثقافة الجنسية في المدارس:
ويستمر استهداف الأسرة المسلمة باستهداف الأطفال والشباب في المدارس باسم استقلالية الأطفال ومنحهم "الحرية" في الممارسات وانتشار "الثقافة الجنسية". وقد طبق ذلك فعلا في الولايات المتحدة وقام بعض الآباء والأمهات من المسلمين بتقديم طلبات إعفاء أولادهم من مقرر "وحدة الأسرة" في المدارس العامة لمخالفته تعاليم دينهم، فهذا المقرر يتعامل مع مفهوم الشذوذ على أنه أمر طبيعي. كما اعترضت منظمات الأسرة الأمريكية على ذلك(13). وقضية ترويج الشذوذ في المدارس هي غيض من فيض مما تهدف إليه الثقافة الجنسية التي تدفع بالإباحية والانحراف وممارسة العلاقات الحميمة خارج نطاق الأسرة الشرعية التي يحلم بتكوينها مستقبلا الشاب المسلم. هذا السلوك عرفه المسلمون من خلال شريعتهم الغراء، باسم جريمة الزنا. والزنا يزهد الشباب في الزواج الشرعي ويجعله يستعيض عنه بالفواحش والمعاصي والرذيلة التي تمرر بلا عقوبة شرعية.
وغني عن الإيضاح أن هذا الاستهداف يؤدي إلى تفريغ المجتمع من بنيته التحتية المتمثلة في شباب الأمة الحاملة لمهمة الرسالة الإستخلافية وإعمار الكون بمبادئ وأخلاق الإسلام. فلا مستقبل لإسلام رغب الشباب فيه عن الزواج الشرعي الذي يجسد الطاعة لله واستعاض عنه بالزنا الذي يغضب الله. وهكذا نرى أننا بصدد منظومة ثقافية وافدة تحمل الجراثيم الانحلال والإباحية وتشكل أمراضا اجتماعية تفتك بكيان المجتمع(14). إن تغليب هذه الثقافة هو إيذان بإنهاء الثقافة الإسلامية التي إذا فقدها المرء ماتت ثقافته الدينية(15). وما نشر ثقافة الشذوذ الجنسي والصحة الإنجابية بين الأطفال والشباب إلا صد عن مقصد الشريعة في حفظ العقل المناط بالتكليف. فتغييب إرادة العقل المكلف بنبذ الشرع يعطله عن فهم الدين وتنزيله على الواقع لحماية الإنسان من ارتكاب الآثام. ناهيك عن تحذير العقل واحتوائه وغسل أدمغة العامة والشباب بالزخم الإعلامي المستمر والمسخر لخدمة تلك المفاهيم الوافدة.
3) تقوية حقوق الأبناء برفع سلطة الآباء عنهم:
وهذه الأجندة ما هي إلا استكمال لأجندة أخرى صدرت في مؤتمر "حقوق الطفل" الذي أعلنت وثيقته في نوفمبر 1989 تحت شعار محاربة القسوة والتمييز ضد الأطفال ونتج عنه إعطاء الطفل سلطة مستقلة عن الآباء. واستمر هدف تقوية الأبناء على الآباء في ميثاق المرأة في بكين حيث نصت الوثيقة على تحجيم دور الآباء وتهميشهم. وفوق ذلك أعلنت منظمة اليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) أن "كل الأطفال أطفالنا" وأعطت نفسها حق سن القوانين الدولية لإثبات هذه المقولة كما أن الحكومات التي وافقت على الوثيقة أعطي لها الحق في ضمانة أي طفل إن شاءت. وللعالم أجمع أن يسأل "ما هي سلطة الأمم المتحدة كي تحدد علاقة الطفل بأبيه؟" وقد كررت وثيقة بكين (1995) حقوق الآباء اثنتين وعشرون مرة تناقصت إلى ثمان مرات عند نهاية المفاوضات على الوثيقة. لقد حجم دور الأب فصار إرشاديا فقط وألغيت سلطته التربوية(16).
وحسبنا ما حدث في السياسات الرسمية للولايات المتحدة، وهي الدولة السباقة إلى تنفيذ المواثيق العلمانية وتدمير الأسرة الناشطة واعتراضها على جبروت المواثيق. فمع وجود الآباء نجد أنه يتحكم في الطفل كل من المدرسة، والخدمات الاجتماعية، وجهة العمل، والمجتمع ذاته (البيئة)، والمجتمع الطبي، والكنيسة؛ الجميع، بمن فيهم الآباء، بدرجات متساوية(17). ولقد تم فعلا تنفيذ جميع ما ورد عن الصحة الإنجابية لتدمير الشباب المسلم؛ فقد وضع مكان صندوق الأمم المتحدة للسكان مفهوم الصحة الإنجابية موضع التنفيذ وفقا لبرنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية كجزء من سياسات الصحة العامة في البلاد المسلمة بمساعدة صندوق وزارات الصحة والسكان تحت مسمى التوازن بين الجنسين وتتضمن مفهومي الحقوق الإنجابية وتأمين وصول خدمات الصحة الإنجابية المتيسرة والمأمونة لجميع فئات السكان وخاصة الشباب "اليافعين"، وقد نجح المكتب في تأمين 3.0 ملايين دولار في إحدى الدول بما في ذلك 2.4 مليون دولار أسهمت بها حكومتها في الصندوق الإستئماني. وتستمر الجهود لتأمين أموال إضافية تلزم من أجل مشاريع مكونات قيد الإنجاز تستهدف اليافعين والممارسات التقليدية الضارة(18).
وفي العام المنصرم، رصدت الأمم المتحدة ثمانية مليار دولار لإباحة الممارسات الجنسية الفوضوية(19). وقد سخرت جميع وسائل الإعلام من أجل الترويج لتلك السياسة وسبل تنفيذها، وبالثقل الإعلامي الناتج عن تكريس تلك الوسائل اكتملت إستراتيجيات القضاء نهائيا على مجرد تخيل الرغبة في تكوين أو محاولة تكوين أسرة شرعية.
المطلب الثاني: استهداف العلاقات الأسرية:
1) فرض الإباحية على أفراد الأسرة:
وقد وصل مروجو الصحة الإنجابية والعلاقات الإنجابية فعلا إلى الكيان الأسري واستهدف علاقة المرأة بزوجها وأطفالها. فالمرأة بالذات فرد أساس وركن داعم للبنية الأساسية للأسرة. وكان الهدف هو تخيلها عن مهامها الأسرية واستهداف أولادها في برامج الصحة الإنجابية والبرامج الإباحية، وفوق ذلك مطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين، عن غير طريق الزواج، واعتبار ذلك من الشؤون الشخصية، أو من الحرية الشخصية، التي لا يحق لأحد أن يتدخل فيها. ومع الأخذ في الاعتبار أن المرأة في الإسلام قد منحها الله عز وجل جميع الحقوق التي تصبو إليها نساء العالم الآن بما فيها حق التمثيل السياسي وتقلد الوظائف الملائمة لطبيعتها لخدمة المجتمع والنهوض به(20) إلا أن استهداف أنوثتها وأمومتها ووظيفتها كزوجة حانية وكأم مربية سيؤدي إلى الاضطراب في هيكل الأسرة المسلمة المعاصرة كوحدة أساسية ونواة للمجتمع.
2) استهداف الأمومة وإجارة الأرحام:
ثم نادت الوثائق بحق آخر باسم "حرية التحكم في الجسد" بإجارة رحم المرأة، فقد وردت صراحة في بنود بكين 5 + (بند 79) وأباحت الوثيقة جميع أشكاله. فالمعترف به شرعا أن كل صور تبادل الإخصاب غير شرعية ما عدا ما هو بين الزوج والزوجة الشرعيين. ولا يجوز تبرع الزوج لإخصاب أي امرأة غير زوجته الشرعية ولو كانت عاقرًا. والجائز علاجها أو إخصابها صناعيًّا عن طريق زوجها (IVF). ما ورد في الوثائق هو إباحة التلقيح الخارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل (متبرع)، وبويضة من امرأة ليست زوجته (متبرعة)، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة (وهي غير متبرعة بالبويضة)(21).
وقد فتحت الوثيقة الباب على مصراعيه لعقود إجارة الأرحام وهو عقد تتعهد بمقتضاه امرأة بشغل رحمها، بأجر أو بدون أجر، بحمل ناشئ عن نطفة أمشاج مخصبة صناعيا لزوجين استحال عليهما الإنجاب لفساد رحم الزوجة. ولصاحبة الرحم أسماء متعددة: "الأم الحاضنة"، "الأم البديلة"، "أم بالوكالة"، "(ذات) الرحم المستعار"، أو "البطن المؤجر"، "والبيع حسب الحالة المستقبلة من أجل أجنة بالوكالة". "وتأجير الأرحام" هو الاسم الأكثر انتشارا في أوروبا وأمريكا. وقد يتشابه عقد إجارة الأرحام في بعض خصائصه مع بعض العقود كعقد الإيجار والبيع، والعمل، والوديعة، والعارية، والزواج، والرضاع، والتنازل، غير أن عقد إجارة الرحم مناف للشرع شكلا وموضوعًا. وقد أصبحت عمليات الأرحام المستأجرة في أوربا وأمريكا منظمة في شكل شركات ووكالات لتأجير الأرحام كجمعية "الأمهات البديلات"، ويتوافد عليها عدد كبير من الأزواج القادرين على دفع آلاف الدولارات للنساء الراغبات في استضافة أجنة لهم في أرحامهن بسبب الفقر(22). وهذا نذير بما تحمله الوثائق الموقعة من برامج متكاملة ومترابطة طبقت في البلاد التي التزمت بالتوقيع على تلك الوثائق الموقعة من برامج متكاملة ومترابطة طبقت في البلاد التي التزمت بالتوقيع على تلك الوثائق وغرر بها لعدم وضوح المصطلحات. والغزو الوثائقي يكمل زحفه على مجتمعاتنا الإسلامية لو أبيحت هذه الممارسات المحاربة لشرع الله عز وجل.
لقد سادت الإباحية عالم المرأة الغربية من جراء سياسة المؤتمرات والوثائق والبرامج التنفيذية، واستهداف المرأة المسلمة في عقر دارها بات غاية في الوضوح. إن ممارسة إجارة الأرحام يفقد المرأة كرامتها وتصير كالدابة المستأجرة للاستخدام حسب الطلب ولنصبح التجارة في بدنها باستئجار رحمها تحقيرا وامتهانا لعفتها واستغلالا لأنوثتها وتحجيمها لدورها كأم. لقد نظرت الوثيقة للمرأة على أنها جسد بلا روح فأفقدتها إنسانيتها ولم تعترف بأن لها روحًا أصلاً أو أن لها احتياجات روحية، وادعت أنها تمنحها حقا من حقوق الإنسان التي منحها الشرع الحنيف إياها مسبقا بما يواكب فطرتها، فقد ألغت الوثيقة الحقوق الفطرية للمرأة كحقها في العفة، وحقها لحماية عرضها، وحقها في الفضيلة، وحقها لحفظ نسلها واستبدلت كل هذه الحقوق بالاتجار في العرض وجعلته حقًّا إنسانيًّا(23).
أما عن استهداف المزيد من قيم الأمة الإسلامية، فقد نجحت الوثيقة في نزع الحياء عن المرأة في الغرب العلماني وأفقدتها علاقتها المتينة بالفضيلة بعد أن عملت برامج الأمم المتحدة على إيصال المفاهيم المتردية إلى الفتيات في المدارس. وبتطبيق الوثائق في بلادنا صارت بنية ذلك المجتمع مفككة وأعضاؤه بعيدين عن مهمة الاستخلاف في الأرض وإقامة الدين وإصلاح الأخلاق والاستقامة في المعاملات. ناهيك عن القيام بدور ذي قيمة في التنمية والارتقاء والنهضة. إن ضياع العفة والفضيلة هو صد واضح عن مقصد الشريعة في المحافظة على الأعراض.
غير أن إنهيار الأسرة الأمريكية بسبب الحركة النسوية العلمانية قد تسبب في ردة عكسية عند آلاف من النساء الأمريكيات اللاتي قمن نتيجة التفلت الأسري والاجتماعي باستنفار أمهات العالم في مؤتمر أعدته المنظمة القومية للنساء (أكتوبر 2002) من أجل القيام بثورة قيمية سموها "حركة الأمومة" وهي عضو "معهد القيم الأمريكية". وانضمت إليها ندوة بعنوان "الأمومة النسوية: دروس مستقاة لأمومة القرن الواحد والعشرين". كما قام المجلس بعقد مقابلات مع ألفي أم أدلت برأيها عن الأمومة. وكانت النتيجة أن 90% منهن عبرن عن عشقهن لهذه المهمة الفريدة والهبة الربانية التي تستمتع بها المرأة. وقد أعد الجميع تقريرا جاء فيه:نحن النساء اللاتي يربين أطفالهن، نحن اللاتي يمنحن الحنان والأمومة، نوجه نداءا لجميع الأمهات من أجل تجديد تحديد الهدف، وتجديد العاطفة، وتجديد القدرة على العمل من أجل الأمومة. نحن نوجه النداء لجميع الأمهات من أجل تجديد الالتزام للقيام بتكريم دور الأم ودعم الأمومة.نحن نوجه نداء إلى حركة الأمومة لضمان كرامة الأطفال وسلامتهم. نحن نطالب بحركة الأمومة التي تهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات في مجتمعنا، المجتمع الذي تدفعه الفردية المتطرفة وقيم الاستهلاك التي فقدت الشعور بقيم عالم المرأة - تلك القيم الأخلاقية الضرورية التي لا غنى عنها للأطفال والمجتمع الصالح. نحن نطالب بالتوقف الكامل للهجمة على الأمومة وثقافة تحقير الأمومة، وعمل الأمهات. ومن هذا المنطلق فنحن نطالب بالدعم الكامل للحركة النسائية المناصرة للأمومة... إن العمل الذي نقوم به يحتل المرتبة الأولى في الأولويات غير أنه دائمًا لا يلاقي التقدير الملائم. كما أن المجتمع وأجهزة الإعلام تهمش رعاية الأطفال والعناية بهم. نحن نواجه فراغًا متناميًا في معاملة ورعاية بعضنا البعض واهتمام بعضنا بالبعض. وملخص البرنامج العملي التنفيذي للحركة نبلوره في عدة نقاط هامة هي: التصدي الفكري لانهيار القيم الأخلاقية ونشر الأبحاث والمقالات في الصحف عن تغير القيم في مجتمعنا. التصدي للخطاب السلبي عن قيم الأمومة والأسرة. عمل برامج كاملة لتدريب الأمهات والآباء وتقوية ثقافاتهم عن مسؤولية التربية. دعم ورش عمل تدربهم على حل المشاكل بين الأب والأم وبين الآباء والأبناء. حل أسباب الخلافات الزوجية وخلق الجو الأسري الملائم لاحتضان الأطفال دون ضغوط نفسية تنعكس عليهم. حماية جو الأسرة حتى لا ينفر الأطفال من محيط الأسرة. عمل جدول لأفراد الأسرة تمكنها من قضاء وقت أكبر تقوي فيه العلاقات الأسرية. تنظيم ورش عمل تدرب الآباء والأمهات على علاج مشاكل الطفل والتدريب على كسب ثقته ومصاحبته. إذا كانت المرأة مضطرة للعمل فلا بد من توعيتها بعدم ترك الأطفال إلا مع الجدات أو من هم أقرب للأم أو الأب لضمان حسن الرعاية(24).
المطلب الثالث: تفعيل آليات إفقاد الأسرة وظائفها الأساسية:
1)الطعن في "القوامة":
لقد عملت المواثيق على إفقاد الأسرة وظائفها الأساسية. ويتضح ذلك بتحليل العوامل التي أثرت على العلاقات الأسرية بين الزوج والزوجة أي التي أثرت في كيان الأسرة الداخلي. وهي تبدأ بالطعن في المعنى الشرعي للقوامة(25). فقد روجت الحركة النسوية بالإعلام المكثف والأدبيات المنتشرة غربًا وشرقًا تشويه معنى القوامة وطمست صحة مبادئها واستغلت سوء فهم معظم الرجال لمعنى القوامة الحقيقي، واستدلت على ذلك بسوء المعاملة داخل الأسر فأثرت على النساء وصدرت لهن فهمًا سقيمًا عن الحرية والاستقلال وحثتهن على رفض ذلك المفهوم وخلطت الأمر بالشرع وليس بسوء فهمه أو تطبيقه ومن ثم حثت العامة من النساء على رفض المبادئ الدينية بعد نشرها بشكل مغلوط والدعاء أن الله يفضل الرجال على النساء.
غير أن الشريعة كلها عدل وكلها رحمة. ومقاصدها في الزواج هي تكوين وحدة تسودها المودة والرحمة، يتعامل فيها الأب والأم على أنهما من نفس واحدة، يحترم كل منهما الآخر، ليحققا المقصد الأول وهو حفظ الدين ثم النسل أو الذرية وتعليمها ذلك الدين. كما أن من مقاصدها في الزواج الحفاظ على العرض. فالإعفاف والإحصان وتبعل كلا الزوجين للحفاظ على علاقتهما الحميمة من خلال الشرع هو وظيفة لتسهيل الاستمتاع المشروع، وهو مسؤولية لحماية الفضيلة وليس رفاهية أو واجبا يستهان به في أجواء تنازع فيه القوى الخارجية الزوج والزوجة وظيفتهما الأسرية بمعناها الشمولي. وحتى المحافظة على الفضيلة في الكيان الأسري كانت مستهدفة في وثيقة بكين. فحق الفراش، الذي هو حق ناتج عن علاقات طبيعية بين الزوج والزوجة، سمته الوثيقة "اغتصاب الزوج"(26)،بمعنى أن طلب الإعفاف من قبل الزوج الشرعي، المستقيم، حاربته الوثيقة واستبدلته بممارسة الحريات الجنسية من خلال مفاهيم الصحة الإنجابية والإجهاض واستئجار الأرحام.
2) إدماج الزوجة الأم في التنمية بهدف الإضرار بواجبات الأمومة:
وبعد تقوية الأبناء على الآباء حثت الوثيقة بثقل شديد على التمكين للمرأة في القوى العاملة كي تزيد من الدخل القومي. وهو ما أسمته The Empowerment of Women وهو مفهوم في ظاهره يعني دعم مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية والسياسية. واعتمدت سياسة التمكين الاستخدام الكثيف للسلطة في بلاد المسلمين وارتبطت مساحة المكون القمعي فيه بمقدار التخلف ودرجة المقاومة للتغييرات التي تسعى إليها الدولة المعنية. إلا أن سياسات التمكين لم تتوقف عند حد الأدوات الدستورية والقانونية بل تضافرت مع مختلف القوى الإعلامية والسياسية الأخرى(27). وحين استجابت المرأة لهذا النداء كان ذلك له أسوأ الأثر على أسرتها. والضغط كان شديدا على عامة النساء للخروج إلى العمل، لضرورة أو لغير ضرورة، في وسط هذا الخضم الهائل من التشويش الإعلامي الذي حثهن على
اترك تعليق