لماذا الهجوم على موقف الإسلام من المرأة؟ أسباب متعددة تكمن وراء ذلك منها الخوف من الإسلام وجهله...
إنّ دراسة هذه المسألة(مسألة حقوق المرأة في الإسلام) لهي من أهم المسائل والقضايا الفكرية والحضارية في الوضع الراهن، فلم يزل خصوم الإسلام والمقلِّدون لهم ومن يجهلون الفكر والأحكام والمفاهيم الإسلامية يواصلون هجومهم الظالم على الفكر والتشريع الإسلاميين، مدّعين ظلامة المرأة في الإسلام.
ومن دراسة وتحليل عناصر هذه المعركة الفكرية(معركة حقوق المرأة) بين الإسلام والمادية العلمانية، يتّضح لنا أنّ محور المعركة يدور حول مسألة أساسية هي أنّ الفكر العلماني ينادي بالإباحيّة والإنحلال الجنسي، تلك النظرية التي تتحوّل فيها المرأة إلى أداة متعة وإشباع غريزي يقود إلى تدمير الاُسرة والمجتمع والمرأة. في حين ينادي الإسلام بتكريم المرأة والترفّع بها عن هذا المستوى المتدنِّي، ومنحها الحقوق والمكانة التي تؤهِّلها لمشاركة الرّجل في بناء الحياة، والتعبير عن إنسانيّتها على أسس إنسانية رفيعة- سنعرِّف بها في هذا البحث بشكل موجز.ويجدر بنا قبل الحديث في هذا الموضوع أن نعرِّف بالأسباب الأساسية لهذه المعركة(معركة حقوق المرأة) واتّهام الإسلام بغمط المرأة حقّها.
إنّ الكتّاب والمفكّرين الإسلاميين ودعاة الإسلام وعلماء ومؤسّسات الدعوة والثقافة الإسلامية، لا سيّما أبناء الجاليات الإسلامية في العالم غير الإسلامي وبالأخصّ في أوروبا وأمريكا، إنّ كل هؤلاء يتحمّلون واجبهم في التعريف بهذه المسألة الهامّة، من خلال البحوث والدراسات والمؤتمرات والندوات على الأصعدة جميعها، السياسية والنفسية والاجتماعية والأسرية والمدنية المختلفة.
إنّ أهم الأسباب الكامنة وراء عمليات الهجوم على الفكر الإسلامي في هذا المجال يمكن تلخيصها بالآتي:
1ـ الخلط بين التقاليد المتخلِّفة وبين نظرية الإجتماع الإسلامي:
إنّ من الأمور الأساسية التي يجب على الكتّاب والمثقّفين الإسلاميين ودعاة الإسلام إيضاحها وبيانها هي المغالطات التي يحاول خصوم الفكر الإسلامي، أو المخدوعون بالفكر المادي المنحلّ، أو الذين اختلطت عليهم المفاهيم فتغلّب الخلط وسوء الفهم، هو الخلط وعدم التمييز بين ما هو اسلامي يقوم على أسس القيم والمبادئ الإسلامية وبين ما هو عادات وتقاليد اجتماعية متخلِّفة نشأت في مجتمعات المسلمين المتخلِّفة، والتي تتناقض وروح الإسلام ومبادئه ومنهاج تنظيمه للمجتمع والعلاقات الجنسية وأسس العلاقة بين الرّجل والمرأة، فراحوا ينسبون عن جهل أو عمد كل ما يشاهدونه في مجتمع المسلمين الى الإسلام. ولا بدّ لنا هنا من أن نشير إلى أنّ هناك فرقاً بين مجتمع المسلمين القائم الآن، وبين المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يقوم على أساس الإسلام[...].
وأنّ هذا التخلّف الاجتماعي في مجتمع المسلمين هو جزء من التخلّف العام في مجال العلم والمعرفة والتنمية والتصنيع والصحّة...الخ.
إنّ الصورة الاجتماعية المشوّهة التي ينتزعها بعض الباحثين الاجتماعيين من بيئات اجتماعية متعدِّدة، كالدراسة التي تجري على وضع المرأة الاجتماعي في ريف مصر، أو العراق، أو المغرب العربي، أو صحراء الجزيرة العربية...الخ، فتشخِّص مشاكل المرأة من خلال النظرة الريفية أو الصحراوية المتخلِّفة الظالمة للمرأة، ثمّ تعرض تلك الدراسات صورة ممثّلة للإجتماع الإسلامي؛ لأنّ أفراد تلك المجتمعات أناس مسلمون، ويتغافل عن أنّ تلك المفاهيم والممارسات لا علاقة لها بالفكر والممارسة الإسلامية، وهي لا تتعارض فحسب مع القيم والأحكام الإسلامية، بل وقد كرّس الإسلام جزءاً من فكره وقوانينه وقيمه لمحاربتها وتغييرها.
2 ـ الجهل بالإسلام:
إنّ من المشاكل التي يواجهها الفكر الإسلامي في مرحلتنا الراهنة هي:
الجهل بالإسلام من قبل الآخرين، لا سيّما في أوروبا وأمريكا وبقيّة العالم غير الإسلامي. فهؤلاء يجهلون أبسط مبادئ الفكر الإسلامي، بل ويفهمونه فهماً مشوّهاً محرّفاً يقوم على أساس الخرافة والارهاب وسفك الدماء والتخلّف والتعصّب، وتلك الأفكار هي من صنع الحركة الإستشراقية والصهيونية ومؤسّسات الكنيسة والتبشير الكنسيّ.
فليس في ذهن الإنسان الغربي شيئ من صورة الإسلام، بل كل ما في فهمه وتصوّره هو تلك الصورة الشوهاء، ولو عرف الإنسان الغربي حقيقة الإسلام لأقبل عليه، ولتفتّح عقله للحوار العلمي ولاستقبله بحريّة الانفتاح الفكري.
ونستطيع أن نقرأ وبشكل موجز هذه المشكلة الكبرى في خطاب الرئيس الألماني(رومان هوتسوغ) الذي ألقاه بمناسبة تكريم السيدة (آنا ماري شمل) في 10/1/1995، المستشرقة الألمانيّة المنصِفة في حفل تسلّمها جائزة السّلام من(رابطة الكتاب الالماني). قال رادّاً على المعارضين لمنح "شمل" جائزة السّلام؛ لأنّها تناصر الفكر الإسلامي، وتتعامل معه بإنصاف، وتدعو الى فهمه وتغيير الصورة الشوهاء التي كوّنها الإعلام الأوروبي عن الإسلام والمسلمين، قال: "وهناك ظاهرة تبدو واضحة في علاقاتنا وتعاملنا مع الإسلام في عصرنا الحاليّ. إنّنا لا نتجنّى على الرأي العام الألماني إذا قلنا أنّ ما ينعكس في مخيّلة الكثير منّا عند ذكر الإسلام إنّما هو(قانون العقوبات اللاّإنساني)أو(عدم التسامح الديني) أو(ظلم المرأة) أو (الاُصولية العدائيّة)، ولكن هذا ضيق أفق يجب أن نغيِّره، فلنتذكّر بالمقابل موجة التنوير الإسلامي التي حفظت للغرب قبل ستة أو سبعة قرون أجزاء عظيمة من التراث القديم، والتي وجدت نفسها آنذاك أمام نمط من الفكر الغربي، لا شكّ أنّها شعرت أنّه أصولي وغير متسامح"(1).
وفي مقطع آخر من خطابه يُوضِّح الرئيس الألماني سبب العداء للإسلام، بأنه جهل الأوروبيين بالإسلام؛ لذا نجده يتساءل في خطابه: "أليس محتملاً أن يكون سبب عدم تفهّمنا للإسلام هو رسوخه على أسس عميقة من التديّن الشعبي، بينما نحن إلى حدّ كبير في مجتمع علماني؟ وإذا صدق ذلك فكيف نتعامل مع هذه الإشكالية ؟
هل يحقّ لنا أن نصنِّف المسلمين الأتقياء مع(الاُصوليين الإرهابيين) فقط لمجرّد افتقادنا نحن للإحساس السليم تجاه الاستهزاء بالمشاعر الدينية للآخرين، أو لكوننا لم نعد قادرين على التعبير عن هذا الاحساس السليم"(2).
ثمّ يعترف الرئيس الألماني بعدم معرفته بالإسلام بشكل أفضل إلاّ بعد الاطلاع على كتب المستشرقة المنصفة (شِمل)، قال:
"لم يبدأ اطّلاعي على تلك التعدّدية والتنوّعية الهائلة في نطاق الاتجاهات الإسلامية، في تاريخ الإسلام وواقعه المعاصر بادئ ذي بدء إلاّ من خلال كتب (آنا ماري شمل)، وربّما مرَّ سواي بنفس هذه التجربة. انّنا بحقّ في حاجة الى تعويض ما فوّتنا على أنفسنا من فهم بعضنا بعضاً ..."(3).
ثمّ يدعو الرئيس الألماني إلى فهم الإسلام لتحديد موقف آخر منه غير الموقف الذي بُني على الجهل به، قال:
«أقرّ أنّه لا يوجد أمامنا خيار آخر سوى زيادة معرفتنا بالعالم الإسلامي، إذا أردنا أن نعمل من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية»(4).
ثمّ يقول: "إنّ السبب الحقيقي للتشوّق لمعرفة الإسلام والتعرّف على حضارته الغنيّة إنّما ينبع من انتمائنا إلى حضارة مغايرة له. لقد أيقظت السيِّدة شمل هذا الشوق في نفسي، وأتمنّى أن يكون هذا هو حال الكثير سواي ..."(5).
"ولقد مهّدت لنا آنا ماري شمل هذا الطريق للّقاء بالإسلام..."(6).
إنّ معركة منح جائزة السلام في ألمانيا للمستشرقة (شِمل) عام 1995، واتّفاق الرأي العام السياسي والمثقّف من رجال الفكر والأعلام والاستشراق والفن والأدب في ألمانيا، التي تعتبر من أهم دول العالم في التاريخ المعاصر، وانتصار جبهة (شِمل) التي تعني انتصار التيار الداعي إلى تفهّم الإسلام على حقيقته لتحديد الموقف منه، ومن هؤلاء الطبقة المتقدِّمة من المفكِّرين والسياسيين وفي طليعتهم الرئيس الألماني الذي قرأنا عبارات هامّة من خطابه كشفت لنا جانباً خطيراً من الجوانب التي يتحمّلها الكاتب والمفكِّر والفنّان والأديب المسلم.
كما تتحمّلها المؤسّسات الدينية وعلماء الدين، وهو مسؤولية التعريف بالإسلام على حقيقته النيِّرة الناصعة التي تتفاعل مع العقل والقلب والوجدان. عملاً بالمنهج القرآني في الدعوة إلى الله سبحانه :«ادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن». (النحل/ 125).
إنّ تلك المعركة الحضارية التي جرت في ألمانيا وحسمت لصالح الداعين إلى فهم الإسلام لتؤكِّد لنا عظمة الإسلام واستعداد الإنسان مهما كان بعيداً لأن يتفهّم ويتقبّل الإسلام، ذلك المبدأ الذي ثبّته القرآن بقوله:
«إذهبا إلى فرعون إنّه طغى* فقولا له قولاً ليِّناً لعلّه يتذكّر أو يخشى». (طه/ 43 ـ 44).
من ذلك نفهم أنّ القرآن يأمر دعاة الإسلام أن يحملوا الفكر الايماني ويوجِّهوا الخطاب الإسلامي لأكثر الناس عداوة وتشدّداً ورفضاً للايمان، وأن لا يقعوا في دائرة اليأس، ويغلقوا أبواب الحوار الفكري، فإنّ الظروف والأجواء التي يتقبّل فيها الخطاب الإسلامي تختلف من مرحلة إلى أخرى، ومن جوّ نفسي واجتماعي وحضاري وظرف تاريخي إلى آخر، فإنّ ما يرفض اليوم يقبل غداً، وما يرفض عن هذا الطريق يقبل عن طريق آخر.
3 ـ الشهوانيّة والانحراف الجنسي:
ولعلّ من أبرز دوافع أولئك الذين ينادون بحريّة المرأة، أو الاباحة الجنسيّة، هو دافع الشهوانيّة، والانحراف الجنسيّ.
وقد تحدّث القرآن الكريم عن تلك الدوافع، وكشف خطرها، وآثارها المدمِّرة. قال تعالى:
«فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهواتِ فسوف يلقون غيّاً»(مريم / 59).
وقال: «زُيِّن للنّاس حُبُّ الشّهوات من النِّساء والبنينَ والقناطيرِ المقنطرةِ من الذّهب والفضّة»(آل عمران/ 14).
وقال: «ويريدُ الّذين يتبعون الشّهواتِ أن تميلوا ميلاً عظيماً»(النساء / 27).
وفي هذه الآيات يوضِّح القرآن خطر النزعة الشهوانيّة، وأنّها تمثِّل الغيّ: (وهو الجهل الناشئ من اعتقاد فاسد)، والميل هو: (الانحراف عن الاستقامة والاعتدال) الذي جاء واضحاً في بيان قرآنيّ آخر:
«الّذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالاخرة هم كافرون »(هود/ 19).
وفي ما أوردنا من تقارير واحصاءات تتحدّث عن الانحرافات الجنسيّة لدليل عمليّ على ما بيّنه القرآن للنّاس، وحذَّرَ منه.
4 ـ الحقد المتوارث والخوف من الإسلام:
ومن دوافع الحملة على الإسلام، وتشويه موقفه من المرأة، هو الحقد المتوارث على الإسلام، والعمل على تشويه مبادئه، وقيمه السامية، منذ صدع الرّسول الهادي محمّد (ص) والذي تصاعد في حملات الحروب الصليبيّة وما بعدها. فتوارثت أوروبا عن طريق التقليد الأعمى والأحقاد والكراهيّة للإسلام، والعمل على تشويه مبادئه الناصعة، وتضليل الرأي العام. كلّ ذلك خوفاً من الإسلام كمشروع حضاريّ يحطِّم مصالحهم التي جنَوها، وما زالوا يجنونها من العالم الإسلامي، ويقضي على طغيانهم، وهيمنتهم على العالم بصورة عامّة، والعالم الإسلاميّ بصورة خاصّة، لا سيّما بعد انطلاقة الوعي الإسلامي، وبروز الإسلام كمشروع تتبنّاه الحركات الإسلاميّة، وتجسِّده تجربة حيّة بإقامة دولة اسلاميّة هي الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.
وقد حشّدت القوى الدوليّة أجهزتها ومخطِّطيها، وعبّأت عملاءها في كلّ مكان لمقاومة الوعي الإسلامي والنيل من المشروع الإسلامي، ومن دعاته، وحملة لوائه.
(1)_ د. نديم عطا الياس، سيقهر الماء صُمَّ الحجر، ص 42.
(2)_ المصدر السابق، ص 46.
(3)_ المصدر السابق، ص 50.
(4)_ المصدر نفسه.
(5)_ المصدر نفسه.
(6)_ المصدر السابق، ص 51.
مصدر: كتاب دور المرأة في بناء المجتمع- بلاغ.كوم
اترك تعليق