مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مقام السيدة سكينة بنت علي (ع)

مرقدالسيدة سكينة بنت علي عليه السلام في داريا

يقع مقام السيدة الجليلة سكينة بنت علي (ع) في بلدة داريا جنوب غرب مدينة دمشق والتي تبعد عنها 10 كلم، وقد اكتشف القبر حديثاً بعد أن كان على مدى مئات السنين معروفاً فقط من قبل أهالي المنطقة.
السيدة سكينة هي ابنة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد اختلف المؤرخون في نسبها للسيد فاطمة عليها السلام، إلاّ أنّ وجود رواية في كتاب بحار الأنوار للمجلسي قد يؤيّد كونها ابنة السيدة الزهراء (ع).

السيدة سكينة في الروايات
 ذكر اسم السيدة سكينة (ع) في روايات ثلاث وردت في العديد من الكتب الروائية وغيرها، نذكر بعضاً منها:
1- رواية وردت في كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي:
 - الحسن بن محمد الطوسي في (الأمالي): عن أبيه، عن الحفار، عن إسماعيل بن علي، عن علي بن علي أخي دعبل، عن الرضا، عن آبائه، عن الحسين (عليهم السلام) قال: ادخل على أختي سكينة بنت علي خادم فغطت رأسها منه فقيل لها: إنه خادم، فقالت: هو رجل منع من شهوته . 
  2-  رواية في كتاب دلائل الإمامة للطبري:
  - وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن علي بن عيسى المعروف بابن الخياط القمي، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر العسكري، قال: حدثني صعصعة بن سياب بن ناجية أبو محمد، قال: حدثنا زيد بن موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمه زيد بن علي، عن أبيه، عن سكينة وزينب ابنتي علي، عن علي (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسية، وإن بنات الأنبياء لا يحضن. (
3- رواية في كتاب بحار الأنوار للمجلسي:
وهي رواية طويلة في ذكر مرض الزهراء عليها السلام ووفاتها وتغسيلها، نذكر مقطعا منها يرد فيه ذكر سكينة على لسان أمير المؤمنين (ع):
...فقال علي [ع]: والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا أم كلثوم! يا زينب! يا سكينة! يا فضة! يا حسن! يا حسين! هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق واللقاء في الجنة. فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: واحسرتا لا تنطفئ أبدا من فقد جدنا محمد المصطفى، وأمنا فاطمة الزهراء يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام وقولي له إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا...
 وهذه الروايات تدلّل على وجود شخصية باسم سكينة هي ابنة الإمام علي عليه السلام، وإن لم تكن رواية المجلسي تدلّ بشكل قاطع على أنها ابنة الزهراء عليها السلام، خاصة أنّه في كلام الإمام حين نادى أولاده  ذكر لفضة وهي خادمة الزهراء (ع). إضافة إلى أن هذه الروايات تضيء على بعض جوانب شخصية السيدة سكينة كما في الرواية المنقولة في وسائل الشيعة، كذلك دورها في نقل الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله مع أختها الحوراء زينب عليها السلام.

         
     
                                                          

السيدة سكينة في كربلاء
ولقد شاركت السيدة سكينة في كربلاء مع أخيها الحسين عليه السلام، ووقفت إلى جانب أخيها الحسين عليه السلام وكذلك إلى جانب أختها زينب عليها السلام بعد استشهاد أخيها.
فقد ورد في كتاب "نور العين في مشهد الحسين" لأبي إسحاق الإسفراييني والمتوفى سنة 418 هـ؛ أنّه عندما أراد الحسين الخروج من مكة إلى الكوفة، طلب من أخته سكينة أن تتجهّز للرحيل، فقامت ودموعها تجري على خديها –[لما تعرفه من استشهاد الحسين (ع) وعترته في كربلاء]- وأنشدت تقول:
ألا إنّ شوقي في الفؤاد تحكما                       ودمعي جرى يحكي من الوجد عندما
ولما تهيّأ للمسير ركابهم                              فقلت لعيني أبدلي الدمع بالدما
فإن عاد لي يا عين كان لك الهنا                    وإن طال بنا الإبعاد بشرت بالعمى
 أيا قلب لا تنسَ الوداد الذي جرى                  فأيامنا كان بها العيش منعما
وغادرنا سهم الفراق أصابنا                          وجرعنا كاس التفرق علقما...
وورد في الكتاب أنّه لمّا جاء فرس الإمام الحسين عليه السلام إلى خيم النساء ممرغاً وجهه بدم الحسين (ع) ويصهل صهيلاً عالياً، حتى سمعت النساء صوته، فخرجت السيدة سكينة (ع) وصاحت: "واقتيلاه واغريباه واحسبناه هذا الحسين بين العداء مسلوب العمامة والرداء..." ثم التفت إلى الميمون (فرس الإمام (ع)) فرأته يبكى ويصهل فأنشدت:
فويلك يا ميمون فارجع بسرعة                           وخبر عن السبط الشريف هدى العلا
وأين تركت السبط ميمون قل لنا                         وأين الذي قد كان للخطب حاملا
أميمون تغدر بالحسين وما لنا                            كفيل وللحمل الثقيل تحملا
أميمون ضيعت الحسين وجئتنا                          تحمحم في خيماتنا ثم تصهلا
أميمون أسقيت الحسين حمامه                       وبين الأعادي في دماء تجندلا
أميمون هلا قد فديت جنابه                              ولكن قضاء الله أصبح منزلا
أميمون أشفيت العدا من ولينا                          وألقيته بين الأعادي مجندلا
أميمون فارجع لا تطل خطابنا                            فما عدت ترجو ودنا تؤملا...
أخي من ترى من بعد فقدك يا أخي                 يدافع عنا من يصول من الملا
                                  أخي من نراه حاميا ومناصرا


العثور على المقام وإعادة بنائه
         
               البناء القديم للمقام قبل عملية البناء والتطوير
في عام 1985، وعند تعبيد طريق جديد بمنطقة (داريا) في مدينة دمشق، وجد قبر يعرف لدى أهل داريا بأنه قبر "السيدة سكينة بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع"، وقد كان قبرها الشريف معروف ومشهور لدى كثير من أهالي تلك المنطقة والذين عرفوا منذ أمد بعيد بإيمانهم وتشيعهم وحبهم وولائهم للنبي الأكرم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، فيزورونه وينذرون النذورات ويتوسلون بصاحبة القبر الشريف في المصائب والشدائد، ويروون العديد من الروايات حول كرامات صاحبة القبر الشريف.
لهذا فقد أمر محافظ منطقة ريف دمشق آنذاك، احتراما منه واعتقادا لمقام أهل البيت ع، بوقف العمل وعدم تهديم القبر الشريف، وأخبر أحد السادة وهو السيد أحمد الواحدي بوجود قبر ينسب لأبنة أمير المؤمنين ع، وبعد إجراء تحقيقات واسعة تبيّن وجود مستندات ومصادر روائية وتاريخية تثبت نسب السيدة (ع) ومن جملة المستندات سند عقاري مسجّل يرجع تاريخه إلى عام 1938م أي منذ الاحتلال الفرنسي لسوريا، وقد سجّل بفتحة سماوية تحوي بئر ماء وشجرة كينا وشجرة رمان ومقام يدعى سكينة بنت الإمام علي (ع)، وكان لغرفة المقام زقاق ضيق بجانبها، ولها نافذة حجرية يضع الناس عليها بعض الشموع أو أشياء أخرى.
وقد ذهب السيد الواحدي لإيران واجتمع بالمراجع والعلماء ومنهم آية الله الإمام السيد الخامنئي دام ظله وأخبرهم بذلك وقد أيدوا إشادته وضرورة بناء وإعمار القبر الشريف.
وشُكّلت لجنة لمتابعة الإعمار، ولجنة متابعة في إيران لتأمين النفقات النقدية لشراء خمسة آلاف متر مربع من العقارات والأراضي المجاورة للقبر الشريف.
وبدأ البناء للمرقد الشريف ومن مراحل الاعمار:
- كشف القبر للسيدة الجليلة عام (1985)
- بناء غرفة مؤقتة فوق القبر الشريف عام ( 1986)
- بدء شراء البيوت والاراضي والعقارات المجاورة عام (1995)
- بناء الحرم المعدني المؤقت والخدمات عام (1997)
- هدم البناء المعدني المؤقت عام (2003)، ثمّ البدء ببناء الهيكل البيتوتي الدائم للمقام عام (2004)، ثمّ استُكمل العمل على المقام من إكساء القبة والمآذن والإكساء الداخلي وتجهيزه بالوسائل اللازمة. 
وقد ساهم العديد من الخيرين من إيران وعمان والكويت وقطر والسعودية والهند والإمارات ودول أخرى، وأهدوا العديد من المواد العينية لتجهيز المقام.

           
مأساة المقام وتعرضه للانتهاكات
إنّ مرقد السيدة سكينة بضعة أمير المؤمنين (ع) هو موضع احترام كافة الطوائف الدينية والمذهبية في سوريا، إلاّ أنّ دخول الجماعات المسلّحة إلى الساحة السورية أدّى إلى تعرّض هذا المرقد لانتهاكات يندى لها الجبين، فقد استهدفه الإرهابيون بقذائف الهاون وقاموا بضرب المأذنة والقبة، ما أدّى إلى أضرار بليغة بالمقام، كذلك وُجد على جدرانه آثار الطلقات النارية التي افتعلها الإرهابيون قبل الإنسحاب من المنطقة. وقد حُرّرت المنطقة والمقام على أيدي وسواعد شريفة من الغيارى على الأوطان والمقدسات، ودُحرت الجماعات المسلحة الإرهابية عن المنطقة، عسى الله أن يوفق المحبين لإعادة إعمار المقام، وأن تعمره قلوب عاشقي أهل البيت عليهم السلام.






المصادر والمراجع:
- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 20 ، ص 227، ح25491.
- الطبري، محمد بن جرير: دلائل الامامة، ص 145 – 146.
- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار،  ج 43 - ص 178 – 180.
- الإسفراييني، أبو إسحاق: نور العين في مشهد الحسين، نسخة إلكترونية.
- موقع العتبة العباسية المقدسة.
- شبكة الناصرة الثقافية.
- وكالة أهل البيت للأنباء.
- موقع العالم الإسلامي.


إعداد موقع ممهدات

التعليقات (0)

اترك تعليق