مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الإمام الخميني بمناسبة مولد فاطمة الزهراء(س) ويوم المرأة بتاريخ 12/ 3/ 1986

كلمة الإمام الخميني بمناسبة مولد فاطمة الزهراء(س) ويوم المرأة بتاريخ 12/ 3/ 1986

بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك لكنّ جميعاً أيتها السيدات، وجميع نساء البلدان الإسلامية، العيد السعيد، عيد ميلاد المولود الأعظم السيدة فاطمة الزهراء، وأرجو أن تقتفي النساء المكرمات قاطبةً الطريق الذي خطه الله تبارك وتعالى للمرأة المسلمة، وأن يحققن الأهداف الإسلامية السامية. إنه لمفخرة كبرى أن اختاروا يوم مولد الصديقة الزهراء يوماً للمرأة. إنه لمفخرة ومسؤولية.
أراني قاصراً عن الحديث عن الصديقة الزهراء، لذا سأكتفي بذكر حديث نقله (الكافي) الشريف بسند معتبر جاء فيه أن الإمام الصادق(ع) قال: عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً قضتهن في حزن وألم. وخلال هذه الفترة زارها جبرئيل الأمين وعزّاها بمصابها وأخبرها ببعض ما سيحدث بعد أبيها.
يشير ظاهر الرواية إلى أن جبرئيل تردد عليها كثيراً خلال هذه الخمسة والسبعين يوماً. ولا اعتقد ان مثل هذا قد ورد بحق أحد غير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام.. فعلى مدى خمسة وسبعين يوماً توارد جبرئيل عليها وأخبرها بما سيحصل لها وما سيلحق بذريتها فيما بعد، وكتب امير المؤمنين ذلك. فهو كاتب الوحي. فكما انه كان كاتب وحي رسول الله ـوطبيعي أن الوحي، بمعنى نزول الأحكام، انتهى بوفاة الرسول الأعظم- كان أيضا كاتب وحي الصديقة الطاهرة خلال هذه الخمسة والسبعين يوماً.
إن موضوع مواردة جبرئيل شخصاً ما ليس بالموضوع الاعتيادي؛ فلا يتبادر إلى الأذهان إن جبرئيل يتوارد على أي شخص. إن مثل هذا يستلزم تناسباً بين روح هذا الشخص ومقام جبرئيل ـالروح الأعظم- سواء آمنا بأن هذا التنزيل على هذا النبي أو أن ذلك الولي يتمّ عن طريق الوحي الأعظم، يأتي به إلى المرتبة الدنيا، أو أنّ الله تعالى هو الذي يأمره بالنزول وتبليغ ما يؤمر به.. سواء قلنا بذلك الذي يؤمن به بعض أهل النظر، أو قبلنا هذا الذي يردده بعض أهل الظاهر؛ فما لم يوجد تناسب بين روح الشخص وجبرئيل الذي هو الروح الأعظم، فان هذه المواردة لن تتحقق. وإذا ما كان هذا المعنى وهذا التناسب متحققاً بين جبريل -الروح الأعظم- والأنبياء أولي العزم كرسول الله وعيسى وموسى وإبراهيم وغيرهم، فهو لا يتوفر لأي شخص. كما أنه لم يتحقق بعد الصديقة الزهراء لأي أحد. حتى بالنسبة للأئمة؛ لم أجد ما يشير إلى مواردة جبرئيل بهذا النحو لأي واحد منهم. بل الذي رأيته أن جبرئيل تردد كثيراً على فاطمة الزهراء خلال الخمسة والسبعين يوماً هذه، وقد أخبرها بما سيحدث لذريتها من بعدها. وكان أمير المؤمنين يكتب ذلك. ولعلّ من الأمور التي ذكرها أمر صاحب الزمان، وربما كانت أحداث إيران ضمن تلك الأمور، نحن لا نعلم، ربما كان ذلك.
على أية حال، إنني أعتبر هذا الشرف وهذه الفضيلة أسمى من جميع الفضائل التي ذكرت للزهراء رغم عظمتها كلّها، وهي لم تتحقق لأحد سوى الأنبياء، بل الطبقة السامية منهم وبعض مَنْ هم بمنزلتهم من الأولياء؛ ولم يتحقق لأحد بعدهم مثل هذا، وهو من الفضائل التي اختصت بالصديقة فاطمة الزهراء.
يجب أن تفخرن بأن جعلوا من هذا اليوم يوماً للمرأة. ولابد لكنّ من تحمل أعباء مسؤوليته.. فإذا ما اقتنعتن بأن يكون العشرين من جمادى الآخرة، يوم مولد الصديقة فاطمة الزهراء، يوماً للمرأة، فان ذلك يلقي على عاتقكن مسؤوليات كثيرة. فإذا ما امتنع أحد عن ذلك فهذا يعني أنه لم يقبل ذلك اليوم يوماً للجهاد. وإذا ما آمنت أمّة بأن يكون اليوم الفلاني يوماً للحرب، وقبل أبناؤها ذلك، فإن كل مَنْ يتخلف عن ذلك يعمل خلافاً لواجبه الإنساني..

وعليه فإذا ما اقتنعتن أنتن أيتها النساء وقبلتن بأن يكون يوم مولد الصديقة الزهراء، بما تتسم به من كمالات ومنزلة، يوماً للمرأة، فهذا يعني استعدادكن لتحمل أعباء المسؤولية العظيمة التي اضطلعت بها الصديقة الزهراء ومنها مسؤولية الجهاد؛ فالصديقة الزهراء جاهدت خلال هذه الفترة الوجيزة على قدر استطاعتها، وحاججت سلطات عصرها وواجهتهم بخطبها.

ولا بد لكنّ من الاقتداء بسيرتها لكي تترجمن إيمانكن بيوم مولدها يوماً للمرأة؛ أي يتجلى يوم مولد فاطمة الزهراء يوماً للمرأة حقاً.. ينبغي الاقتداء بزهدها وتقواها وعفافها وجميع الخصال التي اتصفت بها. يجب اتباع سيرتها إذا ما آمنتن بهذا اليوم.

أما إذا تقاعستن عن اتباعها، فيجب أن تعلمن أنكن لم تعشن يوم المرأة، إنكنّ، وأي شخص آخر، لن تدخلوا في يوم المرأة، ولن تنالوا هذا الشرف ما لم تؤمنوا بهذا الأمر. وأنا آمل أن تؤمنّ بذلك وان تجاهدن من اجل هذه المسؤوليات التي تتحملن أعباءها، سواء في ميدان اكتساب العلم، الذي هو أمر مهم، أو في ميدان الدفاع عن الإسلام. فهذه أمور واجبة على كل رجل وامرأة، صغيراً وكبيراً.
الدفاع عن الإسلام، وعن البلد الإسلامي، واجب لا يختلف فيه أحد من علماء الإسلام ومن المسلمين، ان ما هو موضوع جدل ونقاش هو موضوع الجهاد الابتدائي وهو غير واجب على المرأة؛ أما الدفاع عن حريمها، عن وطنها، عن حياتها، عن مالها وعن الإسلام، فهو واجب على الجميع.
وإذا ما أصبح الدفاع واجباً على الجميع، فمن الطبيعي أن تتضافر الجهود لتوفير مستلزماته، التي من جملتها إقامة دورات التدريب العسكري وتعليم أنواع الفنون العسكرية لمن يتيسر له ذلك. فلا يكون الأمر بهذه الصورة، وهي أنه يتحتم علينا الدفاع ولكننا لا نعرف كيف ندافع، بل لا بد من تعلّم أساليب الدفاع، وبطبيعة الحال يجب أن يكون المحيط الذي تتدربن فيه على فنون القتال محيطاً سليماً، أي أن يكون محيطاً إسلاميا يُحافَظ فيه على العفاف من جميع الجوانب وتتوفر فيه الشؤون الإسلامية.
لقد كانت النساء في الجمهورية الإسلامية سبّاقات في تحمل أعباء المسؤولية، كما هو الحال في مختلف الإحداث التي شهدتها إيران خلال تاريخها الحديث، فلقد كنّ سبّاقات في "نهضة التنباك"، وفي الحركة الدستورية، وفي الأحداث التي تشهدها البلاد في الظرف الراهن حيث تساهم المرأة بدور كبير، بل ينبغي القول إن دورها مضاعف. فلو افترضنا إن مجموعة من النساء اتجهن إلى ساحة المعركة للقتال، فهنّ في هذه الحال، فضلاً عن تحمل أعباء القتال، يضاعفن من عزيمة الرجال؛ إذ إن للرجال تجاههن إحساساً خاصاً، فالرجل قد لا ينفعل كثيراً حتى لو رأى أمامه مئة شخص يقتلون، ولكنه قد يبدي رد فعل سريع إذا ما رأى امرأة تتصرف تصرفاً لا يليق وإن كانت تلك المرأة أجنبية، ولا يعنيه شأنها. إن مثل هذه الحساسية موجودة لدى الرجال.

وعليه فإن حرصكن على التواجد في الطليعة في جميع القضايا، بما فيها قضية الدفاع والجهاد، وتقديم الدعم إلى الجبهات، سيزيد من عزم الرجال ويدفعهم إلى الإقدام، والتحلي بالشجاعة اللازمة للنزول إلى ساحة المعركة.
[...]
لا بد لكنّ أيتها النساء من الالتفات إلى هذا المعنى، فمثلما يجب على الرجال في الجبهات أن يكونوا سبّاقين إلى مقاتلة العدو، عليكن أنتن أيضاً خلف الجبهات أن تقدّمن أنواع الدعم، وأن تتأهبن ليوم يصبح فيه -لا سمح الله- الدفاع العام واجباً على جميع من يمتلك القوة والقدرة دون استثناء. فلا بد من الاستعداد للدفاع.

وبطبيعة الحال، إن خندق العلم خندق دفاع أيضاً، دفاع عن ثقافة الإسلام؛ فكما تعلمن إن الثقافة الإسلامية كانت مظلومة في القرون الأخيرة، بل منذ وفاة الرسول الأكرم وحتى عصرنا الحاضر، كانت الثقافة الإسلامية مظلومة.. كانت أحكام الإسلام مظلومة، فلا بد من إحياء هذه الثقافة. ومثلما ينشغل السادة الرجال في الجبهة العلمية والثقافية، عليكنّ أنتن أيضا الانشغال بهذه الجبهة. وآمل أن يمنّ الله على الجميع بتوفيقه لمواصلة التقدم في هذا الخندق أيضاً. وأسأل الله أن يمنّ بالنصر الدائم على الرابضين في الجبهات والمنشغلين بالدفاع عن بلادهم وعن الإسلام، وأسأله سبحانه أن يمنّ بالتأييد والتوفيق والسلامة عليكم جميعاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

 


المصدر:http://iranwomen.org

التعليقات (0)

اترك تعليق