الإمام الخميني أحدث تحولاً كبيراً في الدور العملي للمرأة الإيرانية والمسلمة
الإمام الخميني أحدث تحولاً كبيراً في الدور العملي للمرأة الإيرانية والمسلمة
يرى الإمام الخميني(قده) أنّ المرأة هي "مظهر تحقق آمال البشر وأنها هي التي تربي الرجال العظماء والنساء العظيمات"، لما كان لها من دور ريادي في انتصار الثورة، وأنها من أهم المؤثرات التي تؤثر في أركان النظام الاجتماعي لأيِّ مجتمعٍ وصلاحها وفسادها يؤثر بشكل حيويٍّ في ذلك المجتمع.
شكلّت المرأة، منذ خمسينات القرن الماضي مفردة أساسية من مفردات المشروع الفقهي الاجتهادي للإمام الخميني، حيث أخذ على طرح مسألة أزمة الوعي لدى المرأة المسلمة واستعادتها لذاتها وهويتها المطلوبة، وعدّ قضية المرأة أنموذجاً للمشكلة التي يعاني منها المجتمع الإيراني، والتي تعود إلى أمرين الاستبداد السياسي، واستغراق الفقهاء بالقضايا القديمة التي عايشت مجتمعا سابقا بظروف مختلفة، وعمل على تشخيص قضية المرأة تشخيصا مركبا مزج فيه مسؤولية النخبة والمجتمع عن وضع المرأة(1) فجاءت الدعوة إلى تأصيل حقوق المرأة المسلمة كجزء من اهتماماته الفقهية بالتجديد في الفقه الإسلامي والاجتهاد عامة، مما أحدث تجديدأ في البناء الفقهي الإسلامي المرتبط بدور المرأة وحدود حركتها والوظيفة التي أعطاها إياها الإسلام، وبثّ روح الحياة في هذه الفتاوى والمباني الفقهية، من خلال عدم الوقوف عند حدود الاحتياط الشخصي المفرط الذي لا يستطيع أن يلبي حاجات الإنسان والمجتمع.
هذه الجرأة في المنهج تعود لاهتمام الإسلام الكبير بالمرأة، والعناية التي يوليها الإسلام للنساء فهو يرى "أنّ جميع السعادات تنطلق من حضن المرأة وينبغي أن تكون المرأة مبدأ جميع السعادات(2). ويرى أن المرأة "مظهر تحقق آمال البشر والمرأة هي التي تربي الرجال العظام والنساء العظيمات فمن حضن المرأة يعرج الرجل(3)، كما يؤكد الإمام الخميني(قده) أن "المرأة إنسان بل إنسان عظيم"(4).
أحدث الإمام الخميني تحولاً كبيراً في الدور العملي للمرأة الإيرانية خصوصا والمرأة المسلمة عموما، من خلال طرح مجمل قضايا المرأة بعيدا من المقاربات التقليديّة، وحوّلها إلى رؤى ثورية تستند إلى الإسلام الأصيل تساهم في النهوض بها، وهذا ما برز في دور المرأة في الثورة الإسلامية في ايران ثم في الصحوة الإسلامية، وهذا التحول إنما مردّه إلى إيمانها بمبادئ الثورة الإسلامية التي منحتها مكانة رفيعة، من خلال العودة بها إلى الإسلام المحمدي الأصيل، ونماذج نسائية للاقتداء بها، من الموروث الديني ونبعه الصافي، فقد اتخذ الإمام(رض) من يوم العشرين من جمادي الآخرة ـيوم مولد الصديقة فاطمة الزهراء يوما للمرأةـ لتكون النموذج القدوة للمرأة المسلمة. تعرفت المرأة على مكانتها، وعلى أدوارها المختلفة داخل الأسرة والمجتمع، وللتأكيد على دور المرأة العظيم كان يقول أنّ: "المرأة كالقرآن لأن كليهما أوكلت له مهمة صنع الرجال".
وبفضل الإمام الخميني وإرشاداته وأقواله وأعماله استطاعت المرأة أن تقوم بدورها الريادي في التربية والإشراف والتخطيط والإعمار إبداء الرأي والنقد البناء، وهكذا المرأة هويتها الإسلامية الصحيحة وصِبغتها كعضو في هذه المنظومة الخمينية، لها أهميتها الكبرى، في وقت لم يكن للمرأة في الماضي اهتمامها بهذا الجانب، ولم يكن ثمة دور مفترض للمرأة في المسؤوليات العامة للمجتمع. وهنَّ أيضاً لم يكنَّ يفترضن لأنفسهن دوراً معيناً. ويقول الإمام الخميني(قده) "استعادت اليوم المرأة، هذا العضو الفاعل في المجتمع مكانتها ببركة النهضة الإسلامية"(5)
نهضت المرأة الإيرانية مع قائد الثورة الإمام الخميني وأصبح حضورها واسعاً في مختلف المجالات، قدّمت الغالي والنفيس في طريق الجهاد، على طريق الثورة الإسلامية، تميزت بصمودها وإيمانها والتزامها حتى كانت ركيزة أساسية لانتصار الثورة الإسلامية، كانت في الطليعة، يقول الإمام الخميني: "أنتن أيتها النساء الأبطال، كنتن وما زلتن في طليعة هذا النصر(6) ويقول أيضاً: "لقد أثبتن أيتها النساء أنكن دائماً في الصفوف الأمامية، وأنكن سباقات على الرجال، وأن الرجال يستلهمون عزيمتهم منكن... إن رجال إيران استلهموا بطولاتهم من النساء وتعلموا منهن، كما استلهم رجال قم أيضاً عزيمتهم منكن أيتها السناء العزيزات واقتدوا بشجاعتكن(7). إن هذا الانتصار الذي تحقق لنا مدين لجهود النساء قبل الرجال إذ كانت نساؤنا في الصفوف الأمامية"(8)
وعندما يقول الإمام الخميني(قده) "إننا نعتبر نهضتنا وثورتنا مدينة للنساء" دلالة على الدور الريادي للنساء اللواتي كن في مقدمة صفوف الثورة وهذا ما تحدث عنه الإمام الخميني: "النساء المتلقيات تربية إسلامية نزلن إلى الشوارع، حملن أرواحهن على الأكف وقدن النهضة إلى النصر"، كما كان هم الدور المحفز للرجل للمشاركة بالثورة ومن كثرة تضحياتها وعطاءتها يصرّح الإمام الخميني(قده): "نحن نعتبر نهضتنا مدينة للنساء. كان الرجال ينزلون إلى الشارع اقتداء بالنساء وهن حفزن الرجال، وكان في طليعة النهضة. إن مثل هذه المرأة بإمكانها أن تنتصر على قوة شيطانية عتيدة"(9)
تجلى الدور الإسلامي للمرأة المسلمة بكل بتفاصيله في نهضتها، وفق الضوابط الصحيحة، فلم يتعارض حراكها مع احتشام المرأة المسلمة، "الشعب الذي تعلن حتى نساؤه المحترمات من خلال التظاهرات المحتشمة عن مقتهن ورفضهن لنظام الشاه، شعب منتصر"(10)
قبل الصحوة الإسلامية، كانت المرأة المسلمة غائبة عن المكان والزمان، بعدها أصبحت العنصر في صناعة الحاضر والمستقبل، من خلال وعيّها بمسؤولياتها ودورها الفاعل في مختلف الساحات الاجتماعية، والتربوية، والثقافية والسياسية وحتى حضورها العالمي، ونشير هنا إلى حرص الإمام الخميني أن يظهر أهمية ودور المرأة الإيرانية للعالم أجمع، وذلك بضمُّها إلى الوفد الذي حمل رسالته التاريخية إلى غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي السابق، وذلك في 3/1/1989 ميلادي حيث جعل الوفد مكونا من عالم الدين والجامعي والمرأة.
تبوأت المرأة مكانتها السامية واستعادت حقوقها في ظل الدستور المنبثق عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عمل الإمام الخميني على تحرير المرأة من الفساد الذي أوقعوها فيه(10) ورفض بشدة تحول المرأة إلى سلعة(11) كان شديد الحرص على المرأة: "أن تكون إنساناً كبقية الآدميين وأن تكون حرة مثل سائر الأحرار.(12)
فالحرية يجب أن لا تكبلها وتجعلها مقلدة وتابعة للغير، والحرية المستوردة من الغرب تقود إلى التيه والضياع، وهي حرية مستوردة، حرية استعمارية "تسود البلدان التي يريدون لها أن تكون تابعة، هذه الحريات يأتون بها هدايا"(13)
بينما الإسلام يعطيها الحرية التي تحفظ كرامتها وتنمي طاقاتها وتدفعها نحو الأهداف الإنسانية النبيلة "نحن لا نسمح، ولا الإسلام يوافق، أن تكون المرأة سلعة ودمية بأيدينا، الإسلام يدعو للحفاظ على شخصية المرأة، ويريد أن يصنع منها إنساناً جاداً ونافعاً، ولا يسمح مطلقاً بتحول المرأة إلى أداة للشهوة بأيدي الرجال(14)
لم يقتصر هذا التحول على المرأة الإيرانية فقط، إنما امتدت بركات الصحوة الإسلامية خارج الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تلقفتها النساء المسلمات العطشى إلى المثل الإسلامية النبيلة فارتويّن منها، وأصبحت الهويّة الإسلامية واحدة، والقدوة والنموذج، والسيدتين الزهراء وزينب عليهما السلام حاضرات بينهما، فكرا وعملا وسلوكا ونهجا، بعد أن كنّ في حال: ضياع وتشتت بسبب الأفكار الدخيلة تحت ستار الحرية، وغربة حيث كنّ يبحثّن عن دور لهنّ نابع من تراثهن وأصالتهن، حتى بزغ فجر الثورة الإسلامية وعقدت المرأة العزم على تربية الإنسان المؤمن ومشاركة الرجل في ميادين الحياة، تحملت مسؤولياتها الكبيرة تجاه الأسرة والمجتمع والقيام بواجبها وبالدور المطلوب في التمهيد لدولة صاحب الزمان تجاه أسرتها ومجتمعها، استناداً إلى قيم الإسلام الأصيل في العدالة والإحسان، والدفاع عن الحريات، والمقدسات، ونصرة المستضعفين. آمنت بخطاب الإمام الخميني ونهجه، الذي لم يكن محدودا بالشعب الإيراني، بل تجاوزه ليكون عالمياَ، حيث كان يخاطب المستضعفين دون تحديد الهوية واللون، متحررا من كل تبعية لا شرقية ولا غربية، متصديا للاستكبار العالمي، والكيان الصهيوني.
كان للمرأة المسلمة الدور الكبير في محاربة الصهيونية والإرهاب ومواجهة العنف التكفيري، مع حركات الثورية والفصائل المسلحة، بعد أن خرج الاهتمام بالقضية الفلسطينية من الإطار العربي إلى دائرة الإسلام الواسعة، وبرزت نظرية جديدة في الصراع العربي–الصهيوني، تمثلت في الطرح الإسلامي الأصيل، الذي قاد المواجهة الفعلية مع جيش الاحتلال في لبنان، وهزم مشروعه الصهيوني بإسقاط اتفاقية 13 أيار 1982 من خلال انتفاضة شعبية انطلقت شرارتها من المسجد بعد إيجاد ترابط عضوي بين انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وتجربة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان وبين انتعاش الحالة الثورية داخل فلسطين، والتي توجت حركتها بالانتفاضة لتتشكل حركات تحررية جماهيرية. وجاء حصاد الثورة الإسلامية الإيرانية، وبلغ أوجه عندما دحرت المقاومة الإسلامية الجيش الصهيوني في 25 أيار 2000، وأثبتت بطلان مقولة "أن العين لا تقاوم المخرز"، وأن "قوة لبنان في ضعفه"، حيث أنها استطاعت إعادة البناء النفسي، بولادة ثقافة مقاومة شعبية تجلت معالمها في انتصار تموز 2006 الذي شكل تاريخ فاصل بين ثقافتين، ثقافة الهزيمة وثقافة الانتصار مبشرا ببزوغ فجر جديد للحرية. وعبّر عنه الأمين العام لحزب الله بقوله الشهير: "ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصار".
استطاعت المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق إعادة البناء النفسي والمعنوي للشباب المسلم، بولادة ثقافة مقاومة شعبية، كان لوسائل الإعلام الحرة الدور الأساسي في نقل الوعي من خلال فضح الوحشية الإجرامية، ونقل ثبات وصمود قوة الممانعة والمقاومة في وجه المحتل. فنقلت لحظة بلحظة المشاهد فكانت الشعوب المسلمة تعيش الحدث وتعنز بالانتصارات فتتغذى في شريانيها حركة الوعي كان صمود غزة حصادا آخر ونموذجا مختلفا للتصدي والصمود في وجه الغطرسة والهيمنة الصهيونية-الأمريكية. كل معطيات الصمود والانتصارات والعزة تؤكد لنا ما بشّر به الإمام الخميني(قده) "إنه عصر الشعوب". فالقرار والمصير والنصر الحتمي والنهائي للشعوب، فلا صفقة قرن ستمر ولا عمليات تطبيع ستنجح، فقد خرج المارد (الشعب) من القمقم.
اترك تعليق