مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة في طهران كانون الثاني 2014

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة في طهران كانون الثاني 2014

 


كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة والذي عقده مجمع التقريب بين المذاهب في طهران من 15 إلى 17 ربيع الأول 1435، الموافق 17 إلى 19 كانون الثاني 2014.

 

القرآن الكريم والاهتمام بشؤون المسلمين:

قال تعالى في كتابه الكريم:«كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بأذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد»(سورة إبراهيم، الآية: 1)
وعن رسول الله(ص): "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن".
نعلم أن القرآن الكريم هو كتاب حياة الإنسان ومرآة نفسه وفطرته، ومفتاح سعادته وسعادة البشرية التي أخرجها بكنوز علومه من الظلمات إلى النور وشيد لها تلك الحضارة التي لم يعرف الإنسان مثيلاً لها إلى يومنا هذا..
وحسب القرآن عظمة ومنزلة أنه كلام الخالق جل وعلا الذي"لا يأتيهِ الباطلُ من بينِ يديهِ ولا مِن خلفهِ تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ"(سورة فصلت، الآية: 42)
وأنه معجزة النبي المصطفى(ص) والدليل الخالد على نبوته والدستور الثابت من السماء للأمة الإسلامية في مختلف شؤون حياتها وأن آياته الكريمة كانت المربية والمهذبة للأرواح والعقول والمعلم والهادي إلى نظام الحياة اللائق بالإنسان.
وأن هذه الآيات التي نزلت من لدن عزيز حميد ما هي إلّا الغذاء الرباني للإنسانية كافة ولأمة رسول الله محمد(ص) خاصة. الأمة التي شاء تعالى أن تكون خير أمة، إذ اختصت بالرسالة الخاتمة التي جاءت تبياناً لكل شيء، بحيث شمل اهتمام القرآن شؤون المسلمين كافة وبات هو المتصدي لتنظيمهم وإدارتهم، بات القيّم والمهيمن والمنظّم لكل جوانب وتفاصيل حياتهم وقضاياهم الكبيرة والصغيرة.
كما أصبح القرآن في العصر الأول هو القول الفصل والكلمة الأخير، وكان حملة القرآن يتمتعون بمكانة مرموقة في المجتمع بعد أن كان الرسول(ص) قد أعطى الأمة التعليم القائل "أشراف أمتي أصحاب الليل وحملة القرآن".
هكذا كان واقع الأمة في صدر الإسلام الأول.. وهنا وقبل أن نعود إلى ما انتهى إليه حال المسلمين في واقعنا الإسلامي، على امتداد الجغرافيا أي المنطقة الواسعة التي تقطنها غالبية من الناس تدين بالإسلام، والتي تشير الاحصاءات المتداولة إلى أن عدد سكانها يبلغ حوالي(3،1) مليار وثلاثمائة مليون نسمة، أما عدد نفوسهم على الكرة الأرضية فيقارب المليارين- أي أن العالم الإسلامي من حيث النفوس يبلغ حوالي ربع سكان العالم الذين تعدادهم حوالي ستة مليارات نسمة.
المهم أنّه قبل العودة إلى هموم العالم الإسلامي الذي ابتعد عن مفتاح سعادته، نحتاج إلى وقفة يسيرة


نعاين فيها ولو بإيجاز بعضاً من مضامين ما حملته الرسالة الخاتمة التي أحاطت بكافة شؤون المسلمين إذ نجد:
1- في القرآن مأدبة رب العالمين
2-  في القرآن تبيان لكل شيء
3- وفي القرآن حماية وحفظ للمتقين
4- وفي القرآن خزائن العلم والمعرفة
5- وفي القرآن حدود وحرمات وفرائض وواجبات
6- وفي القرآن وحدة الأمة وعزتها
7- وفي القرآن حصانة المسلم وحرمته
وذلك أن الإنسان المسلم يتمتع في الإسلام بحصانة فريدة في ماله ودمه وعرضه. وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن رسول الله(ص) أنه قال "المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله"(مسند أحمد ج5 ص4)
وأن هذه الحصانة والحرمة التي يمنحها الإسلام للإنسان المسلم حصانة نادرة لأننا لا نجد للإنسان حرمة وحصانة في أية حضارة من الحضارات كالتي نعهدها في الإسلام(1) باعتبار أن حرمة المؤمن في الإسلام أعظم من حرمة الكعبة كما ورد عن رسول الله(ص).
وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله(ص) "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله"(مسند أحمد بن حنبل 2 ص 472)
8- وفي القرآن علاقة المسلم بالمسلم كما رسمها الإسلام:
قال تعالى«إنما المؤمنون أخوة» (سورة الحجرات، الآية: 10).
هذه الآية الكريمة على إيجازها تقرر دعامة أساسية من دعائم الدين؛ هي الأخوّة الإيمانية التي تعتبر من أوثق الروابط على الاطلاق لمن عرفها وعاشها، ولذلك نجد أن الصالحين من عباد الله قد سحقوا جميع الروابط أو تجاوزوها في سبيل الرابط الإيماني.
إنها نماذج من اهتمام القرآن بشؤون المسلمين ومن الارتباط الواعي الذي كان عليه الجيل الأول من الذين أدركوا عظم المسؤولية وضخامة الأمانة التي بين أيديهم.
وإنّه بهذا الوعي تمكّنوا من الارتفاع والنهوض بين يدي رسول الله(ص) وأقاموا صرح دولة العدل في المدينة المنورة والتي كان شعارها قول الله عز وجل «إنما المؤمنون أخوة».
وبناء عليه، فإنّ مجد المسلمين عمّ الدنيا ووصلت حضارتهم لتكون أفضل الحضارات ومعنوياتهم أعلى المعنويات، ورجالهم أكمل الرجال، وبلادهم أكبر مساحة من جميع البلدان. وكانت لهم الغلبة والسيطرة على العالم(2).
من هنا لا يجد الباحث عناءً كبيراً إذا أراد أن يبيّن أثر القرآن في نهوض الأمة، إذ يكفيه أن ينظر إلى أحوال الناس قبل نزول الوحي إلى قلب رسول الله(ص) ثم لينظر مرة أخرى في أحوالهم بعد ذاك.
غير أنَّ ما نقف أمامه اليوم -قلقين حائرين- هو ما وصلت إليه مجتمعاتنا، ما وصلت إليه الأمة والمتمثل في هذا التراجع والتمزق والعنف والشحن الطائفي الكريه الذي منينا به، والذي يعيشه اليوم أبناء القرآن، تعيشه تلك الأمة التي صنعها الوحي وصاغها رسول الله(ص) ورعاها الأئمة الهداة(س)، وذلك رغم أنَّ المسلمين الآن يملكون أعداداً كبيرة، ولديهم ثروات هائلة وأرصدة معنوية، وثقافة غنية وتراث زاخر..

 


أسباب التراجع والتخلف:
أولاً: التراجع عن القرآن:

وإنه لأهمية الموضوع، وأهمية دور القرآن في حياتنا- أفراداً ومجتمعات ودوره في حياة الأمة  اخترت فقرات يسيرة من كتاب "القرآن في كلام الإمام الخميني" وجدت أنها تغني عن كل قول إذ يقول(رض) ".. ولكي يعزل الإسلام عن الحياة فإن أكبر وسيلة وأكثرها أثراً هي إخراج القرآن عن المجال الذهني والقلبي والعملي للأمة الإسلامية، وهذا بالتأكيد ما عمل له المتسلطون الأجانب والعملاء الداخلون سالكين هذا السبيل عبر الاستعانة بشتى أنماط الوسائل".
"إنهم لا يستطيعون أن يتحملوا وجود القرآن الذي يصدر بكل وضوح أمر «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل».. ويصدح بقول«ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً»..
ويتابع(رض) "ألقوا اليوم نظرة على ميدان حياة المسلمين فأين تجدون القرآن؟ هل تجدونه في أجهزة الحكومات؟ أو في النظم الاقتصادية؟ أو في تنظيم العلاقات والمناسبات بين الناس بعضهم مع البعض الآخر؟ في المدارس والجامعات؟ في السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول؟ في تقسيم الثروات الوطنية بين فئات الشعب؟ في أخلاقية المسؤولين في المجتمعات الإسلامية وكل فئات الشعوب التي تتأثر بهم- قليلاً أو كثيراً؟ في السلوك الفردي للحكام المسلمين؟ في العلاقات بين الرجل والمرأة؟ في الأرصدة المصرفية؟ في أنماط المعاشرة؟ في أي مكان من الحركة العامة والاجتماعية للناس؟".
هكذا تمت عملية التراجع عن الوحي المنزل، عن القرآن الكريم الذي هو بصائر وهدى ورحمة ونور وبشرى وسعي لإخراج الناس كلّ النّاس من الظلمات إلى النور، هكذا كان التراجع إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه من كوارث وأزمات وأجواء تكفيرية يندى لها الجبين و«إنّ هذا لَهُوَ البلاء المبين» (سورة الصافات، الآية: 106).

 

 

 

 

ثانياً: التراجع عن الاعتصام بحبل الله جميعاً..
وحيث يؤكد القرآن الكريم على المسلمين كافة ويأمرهم ويوصيهم بالوحدة والتضامن، ويهددهم إن تقاعصوا عن هذا الأمر بأنهم سيفشلون وتذهب ريحهم، مشدّداً على الأخوة وعلى الابتعاد عن البغضاء والأحقاد، وإنّه بهذا الخصوص  اخترت نصّاً هاماً للإمام الخامنئي دام ظله إذ يقول سماحته: "الوحدة مبدأ أساسي في الدين الإسلامي المقدس. ابدأوا من الذات المقدسة للباري تعالى. وهي اساس الوحدة ومظهرها وإلى مظاهر وآثار هذه الوحدة التي توجه كل ما في عالم الوجود نحو ذلك القطب العظيم المتسامي«كل إلينا راجعون»(سورة الانبياء، الآية: 93) كل شيء يتحرك نحو الذات الإلهية المقدسة«وإلى الله المصير»(سورة النور، الآية: 42).
ويتابع حفظه الله [الخطاب في الإسلام هو {يا أيها الذين آمنوا} وليس يا أيها الذين تشيعوا أو يا ايها الذين تسننوا. الخطاب موجه للمؤمنين. المؤمنون بماذا؟ المؤمنون بالقرآن والمؤمنون بالإسلام والمؤمنون بالرسول(ص). ولكلٍّ معتقداتُه المختلفة عن معتقدات الآخر. حين يقول عز وجل«واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»(سورة آل عمران، الآية: 103) فإنما يخاطب بها المؤمنون. ولا يخاطب جماعة معينة من المؤمنين حين يقول«وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما»(سورة الحجرات، الآية: 9) إنما خاطب كافة المؤمنين وليس فئة خاصة من المؤمنين".

 

 


ثالثاً: التراجع عن القيادة الربانية إلى الحاكم المستبد:
فالأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، في غالبها، أنظمة استبدادية؛ يعتقد حكامها أنَّهم يملكون الأرض بما فيها وبمن عليها، وأنّ أيّ قرار فيها هو حقٌّ مطلق لهم لا لغيرهم، باعتباراتهم ليسوا عرضة لأي محاسبة أو مسائلة؛ فأموال الدولة هي أموالهم لا فرق بين المال العام والمال الخاص لأن الشعب وأمواله ملك لهم.
ومن هنا فإن الفقر يعتبر من أهم الأوصاف التي يتصف بها العالم الإسلامي، رغم امتلاكه لثروات طبيعية هائلة وموارد مالية غزيرة وأراضي زراعية شاسعة.
 يقول -مهدي النجار- في (مأزق العالم الإسلامي) مبيّناً منشأ وواقع الاستبداد في عالمنا الإسلامي: "أن الاستبداد السياسي(الوراثي) بنوعيه الملكي والجمهوري، هو من التجذّر في العالم الإسلامي بحيث يعتبر واحداً من الصفات الأساسية لنوع الحكم السائد، وهو امتداد لمبدأ التوريث الذي ابتدعه الأمويون (663-754م) لأول مرة باعتباره الحاكمية المشروعة التي وفقها يعتبر الحاكم مصدراً للسلطات كلها عسكرية واقتصادية وإدارية، لا تخرج هذه السلطات من قبضة يده حيث اعتبر معاوية بن أبي سفيان (ت68م) أول خلفاء بني أمية أن السلطة هبةٌ من الله، ويتابع النجار:
وقد هيمن هذا النوع من الحكم على امتداد حكم الدولتين الأموية والعباسية (663-1258) أي من القرن السابع حتى القرن الثالث عشر، وليس بمستغرب أن تطول مدة حكم بعض الخلفاء حتى تضرب الرقم القياسي.. 46 سنة إلّا أن هذا الرقم القياسي يبدو اعتيادياً ومعتدلاً إذا ما قورن بفترة مكوث حكام الدول الإسلامية المعاصرين الذين يعزّ عليهم التخلّي قيد أنملة عن مقاعدهم إلى حين يداهمهم الموت، فيتركوها لأولادهم حتى لو لم يبلغوا سن الرشد.
ويتابع: وإنه باستثناء منطقة الخليج العربي المعروفة بحكمها الوراثي حتى النهاية، فإن متوسط مدة إمساك الزعماء المعاصرين في العالم الإسلامي بالسلطة هو حوالي ربع قرن للزعيم الواحد (باستثناء ورثته) وهي مدة من الزمن كافية لأن يفعلوا أي شيء لشعوبهم. إلّا  أنّهم كما تشير التقارير والأرقام لم يفشلوا فشلاً ذريعاً في نقل شعوبهم إلى مسارات الحداثة والرفاه وحسب، بل أغرقوا بلدانهم في الفقر والبطالة والمديونيات..."


القرآن المنقذ الوحيد للمسلمين:
وهنا لا بد من التركيز على الحديث الشريف الذي استودع فيه رسول الله(ص) تلك الوصية الجديرة بالتفات جميع المسلمين، وهو "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن" وإنّ أجواءَ مجتمعات المسلمين فيما مضى لم تلوّث إلى هذا الحد الذي تلوثت به اليوم من سحب سوداء متراكمة وقطع من الليل المظلم.
فمن أجواء التكفيريين الكريهة التي شوّهت وجه الحياة بالكوارث، والمصائب والذبح والتقتيل، وقطع الرؤوس، ونزع القلوب من الصدور إلى مكائد المكر الشيطاني المتمثل بقوى الاستكبار الأمريكي الصهيوني، والتي تعمل بشراسة من أجل زرع الأحقاد وتأجيج الفتن الطائفية التي تؤدي إلى تقطيع أوصال الأمة وإزهاق الأرواح وإشعال نار الحقد والعداوة العمياء.
وإنَّه في ظل هذه الأجواء الخانقة سابقاً وحالياً وحدها القيادة الربانية المستندة إلى القرآن قدّمت الأنموذج والدرس وكانت المنقذ.
فثورة حفيد رسول الله الإمام الخميني العظيم(رض) أحبطت كما شهدنا وشهد العالم أحلام المستكبرين، وبددت آمالهم، وأرست قواعد النظام الإسلامي عبر نماذج من أصحاب الليل وحملة القرآن، وعرّفت الجميع بأن العودة إلى القرآن هي عودة إلى الحياة الحقيقية التي تليق بالإنسان..
والجمهورية الإسلامية، حالياً، بقيادة الإمام الخامنئي دام ظله، والتي جاءت تجسيداً للقرآن وكانت من أكبر مصاديق العمل به. هي اليوم تقف بالمرصاد للمخططات الأمريكية والصهيونية وتعمل بقوة من أجل تبديد مشاعر اليأس لدى المسلمين، ورسم معالم الانتصار وترسيخ الأمل في نفوسهم.

الهوامش:

1- السلام في الإسلام لسماحة الشيخ محمد مهدي الأصفي، ص 186.
2- من حديث للإمام الخميني(رض).

التعليقات (0)

اترك تعليق