مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

رسالة إلى زوجة سماحة السيد أحمد الخميني حفظه الله

رسالة إلى زوجة سماحة السيد أحمد الخميني حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي فاطمة:
أخيراً فرضتِ عليّ كتابة عدة أسطر، ولم تقبلي عذر الشيخوخة، والتألم، والابتلاءات.
الآن، أبدأ الحديث من آفات الشيخوخة والشباب، حيث إني أدركت المرحلتين، أو فقولي طويتهما، و"أنا" الآن في منحدر البرزخ أو النار، وجهاً لوجه مع أعوان حضرة ملك الموت، وغداً تعرض عليّ صحيفة أعمالي السوداء، ويطلبون مني حساب عمري الضائع، ولا جواب لديّ سوى الأمل برحمة من وسعت رحمته كل شيء، الذي أنزل على من هو رحمة للعالمين «لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً»، عسى أن أصبح مشمولاً لهذا النحو من الآيات الكريمة.
لكن، ما العمل بالنسبة للعروج إلى حريم الكبرياء، والصعود إلى جوار المحبوب والورود إلى ضيافة الله، التي يجب الوصول إليها بالسعي الشخصي.
في الشباب حيث كان النشاط والاستطاعة، وبمكائد الشيطان انشغلت بالمفاهيم والاصطلاحات المنمّقة والمبهرجة، ولم يحصل لي منها جمعية ولا حال، ولم أحاول أبداً الحصول على روحها، ولا إرجاع ظاهرها إلى باطنها، ومُلكها إلى ملكوتها وقلنا:
"لم يتحصل من قيل المدرسة وقالها، إلا الكلام المحزن، بعد كل ذلك الجهد والتوثب".
وقد غُصت في عمق الاصطلاحات والاعتبارات، وانشغلت بدلاً من رفع الحجب بجمع الكتب، وكأنه ليس في الكون والمكان وجود لغير حفنةٍ من ورق ممزق، سمّيت باسم العلوم الإنسانية، والمعارف الإلهية، والحقائق الفلسفية، مع أنها تحول بين الطالب المفطور بفطرة الله، وبين الوصول إلى المقصد، وتغرقه في الحجاب الأكبر.
الأسفار الأربعة بطولها وعرضها منعتني عن السفر نحو المحبوب.
لا من الفتوحات حصل لي فتح، ولا من "فصوص الحكم" حصلتُ على حكمة، فضلاً عن غيرهما الذي له قصة محزنة.
وعندما بلغتُ الشيخوخة، أصبحت في كل خطوة مني مبتلىً بالاستدراج، إلى أن بلغت الكهولة وما فوقها، التي أكابدها الآن «ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علمٍ شيئاً».
لأنك -ابنتي- بعيدة عن هذه المرحلة فراسخ، ولم تتذوقي طعمها، أوصلكِ الله إليها، فإنك –ودون أخذ عوارض الشيخوخة بنظر الاعتبار– تتوقعين مني الكتابة والحديث، وتمزجين أيضاً بين النظم والنثر، ولا تعلمين أنني لستُ كاتباً ولا شاعراً ولا خطيباً.
وأنتِ يا ابنتي العزيزة التي لم تخبري الحياة بعد (أصبحت حلوى قبل أن تصبحي حصرماً)! اعلمي أنكِ سوف تحملين على ظهرك يوماً، حمْل التأسف الثقيل على الشباب الذي تضيعينه بهذه المشاغل، أو بما هو أفضل منها، كما أحمله أنا أن قافلة العشاق المحبين لله فاتتك -لا سمح الله- إذاً، اسمعي من هذا الهرم البائس، الذي يحمل هذا الحمل وقد انحنى تحته.
لا تكتفي بهذه الاصطلاحات التي هي الفخ الكبير لإبليس، وكوني بصدد البحث عنه جل وعلا.
أيام الشباب وأنسها وملذاتها سريعة الزوال، وأنا قد طويت جميع مراحلها، وأصارع الآن عذابها الجهنمي.
والشيطان الداخلي مصرٌّ على إبقاء روحي في قبضته كي -والعياذ بالله تعالى– يسدد الضربة الأخيرة.
ولكنّ اليأس من رحمة الله الواسعة، هو في حد ذاته من الكبائر العظيمة، ولا قدّر الله أن يبتلى العاصي به.
يقال إن الحجاج بن يوسف، مجرم التاريخ، قال في آخر عمره: اللهم اغفر لي، رغم أني أعلم أن الجميع يقولون إنك لا تغفر لي وعندما سمع الشافعي ذلك قال: إذا كان قال ذلك فلعلّ.
وأنا لا أعلم هل وفّق ذلك الشقي لهذا الأمر أم لا، وأعلم أن الأسوأ من كل شيء هو اليأس.
وأنتِ يا بنيتي لا تغترّي بالرحمة، فتغفلي عن المحبوب ولا تيأسي فتخسري الدنيا والآخرة.
حفظ الله بحقِّ أصحاب الكساء الخمسة، أحمد وفاطمة وحسن ورضا وعلي –الذين هم سلالة الرسول العزيز ووصيه وبهذا أفتخر ويفتخرون– من الشرور الشيطانية والأهواء النفسانية.
انتهى هنا كلامي، وحجة الله تامّة عليّ، والسلام.
ربيع الثاني 1407
آذرماه 1365


المصدر: جريدة العهد.

التعليقات (0)

اترك تعليق