مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

إلى زوجة سماحة السيد أحمد، السيدة فاطمة الطباطبائي(1)

إلى زوجة سماحة السيد أحمد، السيدة فاطمة الطباطبائي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم
"فاطمة التي طلبت مني رسالة عرفانيةً، طلبتْ من نملةٍ عرش سليمان، كأنها لم تسمع "ما عرفناك" ممن طلب منه جبريل نفحةً عرفانيةً".
أخيراً بعد الإصرار حملْتني على أن أكتب وبشكل ببغاويٍّ، عدة أسطر عمَّا قلبي غير مطلعٍ عليه، وأنا أجنبيّ عنه، وهذا في الوقت الذي رمى ضعف الشيخوخة ما كان في كنانتي –رغم أنه لم يكن شيئاً يذكر– في دائرة النسيان، وأضيفت إلى ذلك الابتلاءات التي لا تُحكى ولا تُكتب، ويكفي أن أذكر تاريخ هذه الكتابة، ليُعلم في أي زمان بدأتُ الكتابة حتى لا أرد طلبك: السبت 24 شعبان المعظم 1404/ 5 خرداد 1363، وليلاحظ القرّاء أوضاع العالم وإيران في هذا التاريخ.
من أين أبدأ، الأفضل أن يكون ذلك من الفطرة.
«فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله»
هنا أكتفي بالفطرة الإنسانية، رغم أن هذه خاصية الخلقة «وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم».
"الكل يقولون: "نحن سميعون وبصيرون ومدركون إلا أننا معكم أيها الأجانب ساكتون".
نحن أيضاً نلقي نظرةً على العرفان الفطري للناس، ونقول: بمقتضى الفطرة والخلقة، لا يمكن أن يتوجه الإنسان إلى غير الكمال المطلق، و{لا يمكن أن} يتعلق قلبه إلا به.
كل الأرواح والقلوب متوجهة إليه، ولا تبحث عن غيره، ولا يريدون أن تبحث، وتمدحه هو ولا تستطيع أن تمدح غيره.
مدح كل شيء مدح له، رغم أن المادح -ما دام في الحجاب- يظن أنه يمدح غيره، وفي التحليل العقلي الذي هو أيضاً حجاب، الأمر كذلك أيضاً.
ذلك الذي يطلب الكمال كيفما كان {في كل مجال} يعشق الكمال المطلق، لا الكمال الناقص، كل كمال ناقص محكوم بالعدم، والفطرة تنفر من العدم.
طالب العلم يطلب العلم المطلق، ويعشق العلم المطلق، وكذلك طالب القدرة، وطالب كل كمال.
الإنسان –فطرةً– عاشق الكمال المطلق, وما يريده في الكمال الناقص هو كماله، لا نقصه، لأن الفطرة منزجرةٌ منه، والحجب الظلمانية والنورانية هي التي توقع الإنسان في الخطأ.
الشعراء والمداحون يظنون أنهم يمدحون الأمير الفلاني، أو المقتدر الفلاني، أو الفقيه الفلاني.
إنهم يمدحون القدرة والعلم لا بشكلهما المحدود، حتى إذا ظننَّا المحدودية، وهذه الفطرة لا يمكن تبديلها وتغييرها.
«لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم».
وما دام الإنسان في حجاب نفسه، ومشغولاً بنفسه، ولم يخرق الحجب -حتى الحجب النورانية- ففطرته محجوبة، والخروج من هذا المنزل يحتاج –بالإضافة إلى المجاهدات– إلى هداية الحق تعالى.
نقرأ في المناجاة الشعبانية المباركة:
"إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقةً بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً ...".
كمال الانقطاع هذا، هو الخروج من منزل النفس والنفساني، وكل شيء، وكل شخص، والالتحاق به والانقطاع عن الغير، وهو هبة إلهية إلى الأولياء الخلّص بعد الصعق الحاصل من الجلال الذي يقع إثر اللحظ {ولاحظته} إلخ..
وما لم تُنوَّر أبصار القلوب بضياء نظرته، لا تُخرق حجب النور، وما دامت هذه الحجب باقية فلا سبيل إلى معدن العظمة، ولا تحصل الأرواح على التعلق بعز القدس، ولا تحصل مرتبة التدلّي "ثم دنا فتدلى" وأدنى من ذلك الفناء المطلق، والوصول المطلق.
"أيها الصوفي، يجب الحصول على الصفاء من طريق العشق.
"العهد الذي عاهدته يجب الوفاء به"..
ما لم يتحقق لك وصال المحبوب فيجب أن تفني نفسك في الطريق إليه". 
لا تتحقق النجوى السرية للحق مع عبده الخاص، إلا بعد الصعق واندكاك جبل الوجود.
رزقنا الله وإياك.
12 شهر رمضان المبارك 1404 هجرية
روح الله الموسوي الخميني

 
المصدر: جريدة العهد.

التعليقات (0)

اترك تعليق