مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

إلى زوجة سماحة السيد أحمد، السيدة فاطمة الطباطبائي(5)

إلى زوجة سماحة السيد أحمد، السيدة فاطمة الطباطبائي(5)

إبنتي:
الدنيا وكل ما فيها جهنم، ويظهر باطنها في آخر المطاف، وما وراء الدنيا إلى آخر المراتب، الجنة، ويظهر باطنه في آخر المطاف، وعند الخروج من خدر الطبيعة.
ونحن وأنتم والجميع، نسير إما نحو مقر جهنم، أو نحو الجنة والملأ الأعلى.
في الحديث أن النبي الأعظم(ص)، كان جالساً يوماً في جمع من الصحابة، فسمعوا فجأةً صوتاً مهيباً، سألوه، ما هذا الصوت؟ فقال: "حجرٌ ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها".
قال أهل القلب، في ذلك الوقت، سمعنا أن رجلاً كافراً عمِّر سبعين سنة، مات الآن ووصل إلى جهنم.
 نحن جميعاً في الصراط, والصراط يمرّ على متن جهنم".
ويظهر باطنه في ذلك العالم، وهنا لكل إنسان صراطه الخاص به، وهو يسير إما الصراط المستقيم الذي ينتهي إلى الجنة وأعلى، أو الصراطِ المنحرف شمالاً، أو المنحرف يميناً، وكلاهما ينتهيان إلى جهنم.
 ونحن نسأل الله المنان الصراط المستقيم «اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم» الذي هو انحراف من جهة «ولا الضالين» وتُشاهد هذه الحقائق في الحشر عياناً.
صراط جهنم الذي وردت الروايات في وصفه من حيث الدقة والحدة والظلمة هو باطن الصراط المستقيم في هذا العالم.
كم هو طريق دقيق ومظلم، وكم هو صعبٌ العبور منه لأمثالنا نحن العاجزين.
أولئك الذين اجتازوه دون أي انحراف، يقولون "جزنا وهي خامدة" وكل شخص ينعكس هناك سيره في هذا الصراط، بمقدار ما سار فيه.
ضعي الغرور والآمال الشيطانية الكاذبة جانباً، وجدّي في العمل وتهذيب نفسكِ وتربيتها، فإن الرحيل قريب جداً، وكل يوم يمر وأنت غافلة، يجعلك متأخرة.
لا تقولي أيضاً ولماذا أنت لست مستعداً.
مهما كنت أنا فأنا لنفسي.
والجميع أيضاً كذلك.
جهنم كل شخص وجنّنته نتيجة أعماله.
نحصد الشيء الذي زرعناه.
فطرة الإنسان وخلقته [مبتنيتان] على الاستقامة والحسن.
حب الخير فطرة الإنسان.
نحن أنفسنا نحرف هذه الفطرة، ونحن أنفسنا ننشر الحجب، ونلبس أنفسنا هذه الشِباك "هؤلاء العاشقون الذين هم في الصراط كلهم يبحثون عن معين الحياة" يطلبون الحق ولا يعرفونه، يطلبون الماء جميعاً، وهم في الفرات".
الليلة الماضية سألتِ عن أسماء الكتب العرفانية، ابنتي، اهتمي برفع الحجب لا جمع الكتب.
إذا نقلت الكتب العرفانية والفلسفية من السوق إلى المنزل، من مكان إلى مكان، أو جعلتِ نفسك مخزناً للألفاظ والاصطلاحات، وعرضت في المجالس والمحافل ما في جرابك، وخدعت الحضار بمعلوماتك، وزدتِ ثقل حملك بخداع الشيطان والنفس الأمارة الأخبث من الشيطان، وأصبحت بلعبة إبليس زينة المجالس وقصَدكِ –لا سمح الله– غرور العلم والعرفان، وسيقصد، فهل بهذه المحمولات الكثيرة زدت الحجب أم خففتها.
أورد الله عز وجل لإيقاظ العلماء الآية الشريفة: «مثل الذين حمّلوا التوراة» ليعلموا أن اختزان العلوم –حتى إذا كان علم الشرائع والتوحيد– لا يخفف الحجب بل يزيدها، وينقل [صاحبه] من الحجب الصغار إلى الحجب الكبار.
لا أقول اهربي من العلم والعرفان والفلسفة، واقضي عمركِ بالجهل، فإن هذا انحراف.
أقول: اسعي وجاهدي كي يكون الدافع إلهياً، ومن أجل المحبوب، وإذا عرضتِ {شيئاً من العلم} فليكن لله ولتربية عباده، لا للرياء والتظاهر فتصبحي –لا سمح الله– من علماء السوء الذين يتأذى أهل النار برائحتهم.
أولئك الذين وجدوه وعشقوه ليس لهم دافع سواه، وبهذا الدافع أصبحت كل أعمالهم إلهية، الحرب، والصلح، والضرب بالسيف، والكرّ،.. وكل ما تتصورين، "ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين" لولا الدافع الإلهي لما كانت تعادل فلساً، حتى إذا كانت سبباً لفتح كبير.
لا يظن أن مقام الأولياء خصوصاً ولي الله الأعظم عليه وعلى أولاده الصلوات والسلام، ينتهي هنا.
القلم لا جرأة له على المضي، والبيان لا طاقة له ليشرح، وماذا نقول للمحجوبين، نحن المحجوبين، وماذا نعلم نحن لنقول...
ما هو موجود ليس مما يُحكى وهو أعلى من أفق وجودنا.
ولكن لا بأس، فإن ذكر الحبيب يؤثر في القلب والروح، حتى إذا لم يفهم من ذكره شيء كالعاشق الأمي الذي ينظر إلى كتابة رسالة المحبوب، فيأنس لأن هذه رسالة المحبوب، وكالفارسي المضطرب لعدم معرفته العربية ليقرأ القرآن الكريم، ويأنس به لأنه منه [تعالى] وتعتريه حالةٌ هي أفضل آلاف المرات من [حالة] الأديب العالم، الذي شغل نفسه بإعراب القرآن، ومزاياه الأدبية، وبلاغته وفصاحته.
وكالفيلسوف العارف الذي يفكر بمسائله العقلية والذوقية، ويغفل عن المحبوب، كمطالعة الكتب الفلسفية والعرفانية التي تنشغل بمستوى الكتاب ولا اهتمام لها بالقائل.

12 شهر رمضان المبارك 1404 هجرية
روح الله الموسوي الخميني


 
المصدر: جريدة العهد.

التعليقات (0)

اترك تعليق