مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ميراث المرأة عدلٌ أم مساواة؟

ميراث المرأة عدلٌ أم مساواة؟ هل من العدل أن تُعطى نصف حصة الرجل؟ لماذا ترث المرأة في شيء دون شيء، بينما يرث الرجل في كلّ

عندما نتحدث عن ميراث المرأة في الإسلام، يُثار العديد من الإنتقادات والتساؤلات:
لماذا لم يُنصف الإسلام المرأة؟
هل من العدل أن تُعطى نصف حصة الرجل؟
لماذا ترث المرأة في شيء دون شيء، بينما يرث الرجل في كلّ شيء؟
الأحكام الشرعية تعود لمصلحة الإنسان:
إ
نّ ما يجب الإلتفات إليه عند كل مسلم أنّ أحكام الشريعة الإسلامية في واقعها هي أحكام تعبدية؛ أي كلفنا بها الله المشرع الحكيم، بعد أن آمنّا بوجود خالق واحد هو المدبّر والمشرّع، وآمنّا أنّه حليم في أفعاله وأقواله، عادل في أحكامه، وبعد أن آمنّا أيضاً بنبوة سيّد المرسلين محمد (ص)، وأنّ كل ما جاء به هو من عند الواحد الأحد.
علماً أنّ الإنسان مهما بلغ من العلم والفطنة والذكاء، فإنّه لا يميّز بين ما يصلحه وبين ما يفسده، بالشكل الذي يعرفه الخالق البارئ: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبير»(سورة الملك، الآية 14).
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية نحن نعتقد أنّ كلّ الأحكام الصادرة عن المشرّع الحكيم، ترجع إلى مبادئ: مصالح فيما أمر به، ومفاسد فيما نهى عنه. وما من حكم شرّعه تعالى لعباده إلا وله علّة أوجبته.
ويكفي الإنسان العاقل أن يعلم أنّ هذا الحكم، شرّعه الحكيم العادل المطّلع على خفايا الأمور وسرائر النفوس، العارف بما خلق بكلّ تفاصيله، حتى يركن هذا الإنسان ويرتاح إلى أنّه تشريع لا لغو فيه ولا عبث، بل هو من لدن حكيم عليم.
وإنّ الإختلاف الحاصل بين إرث المرأة والرجل لا يعني أنّ الفضل والزيادة في جانب الرجل دون المرأة، بل قد يتساويان وقد يفضل أحدهما على الآخر؛ فإذا ماتت الزوجة وتركت زوجاً وبنتاً أو بنات مثلاً، لم يكن للزوج إلّا الربع، والباقي للبنت الواحدة وهو الثلاثة أرباع، أو للبنات المتعددات بينهنّ بالتساوي.
أما الزيادة الحاصلة في حصّة الرجل في حالات معينة؛ كحالة وجود الأبناء المتعددين، وكذلك الأخوة من الأبوين أو الأب، واختلافهم في الجنس حيث مورد القاعدة "للذكر مثل حظّ الأنثيين" لها ما يبررها، وذلك لأنّ الرجل يتحمل العبء الإقتصادي للعائلة دون المرأة؛ فالمهر واجب على الزوج بالغاً ما بلغ، وليس على المرأة شيء من ذلك، بل هو وإن كان مؤجلاً فهو دينٌ في ذمّة الزوج، لا تبرأ منه إلّا بدفعه أو بإبراء الزوجة له، والنفقة أيضاً واجبة عليه، ولو كانت الزوجة غنيّة ميسورة، وإذا تخلّف عن نفقتها، صار ديناً في ذمته واجب السداد.
كذلك يجب على الرجل الأب أن ينفق على أولاده، والابن على والديه، وفي كلّ ذلك يجب على الذكور تحمّل مسؤولية النفقة دون الإناث، فلا يجب على الأم الإنفاق على أولادها مثلاً، إذا كان هناك ذكرٌ من جهة أبيهم كالجدّ، وأب الجدّ، وكان قادراً على الإنفاق.
تعريف الإرث:
ا
لإرث لغة هو بقية الشيء. واصطلاحاً هو استحقاق شخص مال غيره بموته، لاتصاله به بنسب أو سبب.
الميراث في الديانات السابقة:
إنّ نظام الإرث في الإسلام هو نظام مثالي وعادل ومنصف، وبالأخص بالنسبة إلى المرأة؛ حيث لا نرى له مثيلاً، في الأديان السابقة(1):
ففي الديانة اليهودية ترث البنت من أبيها فقط إذا لم يكن له ابن ذكر، والزوجة لا ترث شيئاً.
وعند الرومان لا تعتبر الزوجية سبباً من أسباب الإرث؛ فلا ترث الزوجة من زوجها شيئاً.
وعند الأمم الشرقية القديمة كالكلدانيين، والسريانيين، والفينيقيين وغيرهم، ينتقل الميراث بين الذكور حتى الأصهار مع حرمان النساء والأطفال.
أما عند عرب الجاهلية، فقد كان الميراث خاصاً بالذكور القادرين على حمل السلاح والحماية، دون النساء والأطفال.
ويظهر من كلمات المسيحيين عدم وجود أحكام ميراث، إلّا ما نصّ عليه العهد القديم، أمّا العهد الجديد فليس فيه ما يدل على ذلك أبداً.
ميراث المرأة في الإسلام:
في قراءة للتشريع الإسلامي، نجد أحكاماً تفصيلية لميراث المرأة؛ فهي كالرجل إمّا ترث بالسبب كالزوجية، أو بالنسب كالبنت والأخت والأم والجدّة وغير ذلك.
1- ميراث المرأة كزوجة دائمة: ترث الزوجة الربع مما ترك زوجها إن لم يكن له ولد، وإن كان له ولد ترث الثُمن فقط، قال تعالى: «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِنْ بَعدِ وَصِيّة تُوصُون بِهَا أَوْ دَين». (سورة النساء، الآية 12).
2- ميراثها كابنة:
أ- إن كانت بنتاً واحدة ولم يكن معها ولد ذكر: ترث النصف، لقوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَولَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ». (سورة النساء، الآية 11).
وأما النصف الآخر فيردّ إليها، إن لم يكن معها وارث آخر: أب المتوفّى، أمه أو زوجته، حيث يُعطى هؤلاء نصيبهم منه، وإن بقي شيء ردّ إليها؛ لأنّ بعض الحصص أقل من النصف الآخر.
ب- إن كان معها ولد ذكر: فقد دلّت الآية أنّ للذكر مثلَي نصيبها.
ج- عدة بنات: بنتان فصاعداً؛ فمع عدم وجود الإبن كان نصيبهنّ الثلثين كما في نصّ الآية المتقدمة. أما إن كان معهنّ ولد ذكر، فيرث على قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين).
3- ميراثها كأخت: إن كانت واحدة كان لها النصف، ويردّ إليها الباقي كلّه مع عدم وجود وارث غيرها. وإن كنّ أكثر، فلهنّ الثلثان مع عدم وجود الأخ الوارث، وإلا فللذكر مثل حظ الأنثيين.
هذا في الأخت من الأبوين أو الأب. أما في الأخت من الأم؛ فإن كانت واحدة فلها السُدس، وإن تعددت فلكل واحدة الثلث، قال تعالى: «وَإِن كَانَ رَجُلُ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ منْهُمَا السُّدُس فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أو دَيْنٍ غَيْرَ مُضَار وَصِيًّة مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَليمٌ»، (النساء، الآية 12).
4- ميراثها كأم: ترث السُدس إذا كان لابنها المتوفى أخوة؛ لقوله تعالى: «فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمّهِ السُّدُس مِنْ بَعدِ وَصِيّة يُوصِي بِهَا أَو دَين»، (النساء، الآية 11). وترث الثُلث إن لم يوجد "حاجب" من الأولاد، أو الأخوة بشروط مفصّلة في الكتب الفقهية.
وهذه الحصص المذكورة للمرأة تسمى بالفروض؛ لأنها سهامٌ مقدّرة في كتاب الله تعالى.
وقد ترث المرأة بالقرابة ما زاد عن ذلك كما تقدّم، كما لو انفردت البنت أو الأخت أو الأم بأن لم يكن معها وارث آخر على الإطلاق، فكلّ الميراث لها بالفرض والقرابة.
ولا يرث معها أيّ من الذكور، إذا كانوا في مرتبة لاحقة، مثلاً: البنت الواحدة هي من الطبقة الأولى من طبقات الإرث، فترث كل شيء، ولا يرث أحد من الطبقة الثانية معها كأخوة الميت وأجداده، الذين هم أعمامها وأجدادها.
باستثناء الزوجة فقط، إذا انفردت، لم يزد فرضها (حصتها) عن الربع، والباقي يرجع إلى الإمام (ع)، والروايات في ذلك كثيرة(2).
5- ميراثها كجدّة وعمّة وخالة: ترث أيضاً، لكن بالقرابة، حيث لم يحدّد لها فرض معيّن في الكتاب العزيز، فمع انفرادها ولا وارث معها أبداً، كان كلّ شيء لها. أما عند اجتماعها مع غيرها فهناك تفاصيل لا يسع المقام ذكرها. ولكن يمكننا القول بشكل عام: إنّ أقارب الميت من ناحية الأم يقسّم المال بينهم بالتساوي، وأما من ناحية الأب والأم معاً أو الأب، فالقاعدة للذكر مثل حظّ الأنثيين(3).
هل ترث الزوجة العين أم القيمة؟
تقدّم أنّها ترث من كلّ ما تركه الزوج إما الثُمن وإما الربع، إذا كان من المنقولات كالمال النقدي والمتاع ونحو ذلك. أما في غير المنقول، فترث ممّا على الأرض من بناء أو شجر ونحو ذلك، لكن بالقيمة لا بالعين. ( وذلك يعني أنها لا تحصل على ملكية العقارات بالوارثة من زوجها، بل تقدّر قيمة الممتلكات ويُدفع لها نقداً). وقد وردت بذلك روايات عديدة ومعتبرة، منها صحيحة الأحول عن أبي عبدالله (ع) قال: "سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئاً، ولهنُّ قيمة البناء والشجر والنخل يعني من البناء والدور، وإنما عنى النساء الزوجة"(4).
وأما الأرض الأرض، فالمعروف من مذهب فقهاء الشيعة الإمامية أنّها لا ترث منها لا عيناً ولا قيمةً. إلّا أنّها ليست مسألة إجماعية (أي أنّ العلماء قد اختلفوا فيها). وقد ذهب السيد المرتضى إلى أنها ترث قيمة الأرض(5)، وقد التزم بهذا القول سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله).
هذه إطلالة سريعة على ميراث المرأة في الإسلام، وقد اتضح أنّ الإسلام راعى في هذه التشريعات جانب العدل والمصلحة والإنصاف بما لا مزيد عليه، على أننا كمسلمين نرجع في كلّ ذلك إلى التعبد بهذه الشريعة الغرّاء كما ذكرنا سابقاً

الهوامش:

(1) يراجع: رسالة في أحكام ميراث المرأة في الفقه الإسلامي، لورود عادل إبراهيم غورتاني.
(2) يراجع: الحر العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، ط1، مؤسسة آل البيت، قم، 1409 هـ.ق، ج17، باب 4 من أبواب ميراث الأزواج.
(3) يراجع: كتاب الإرث في أي من الكتب الفقهية والرسائل العملية.
(4) الصدوق، محمد بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، (لا.ط)، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413 هـ.ق، ج4، ص348.
(5) النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام في شرائع الإسلام، ط1، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ، ج39، ص210.

المصدر: مجلة نجاة، العدد 25.
إعداد: الشيخ اسماعيل حريري.

التعليقات (0)

اترك تعليق