زينب بنت خزيمة: "أم المؤمنين" وأم المساكين
رابعة أمهات المؤمنين: "زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، الهلالية"، وهي أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين.
ويبدو أن قصر مقامها ببيت الرسول (ص)، قد صرف عنها كتَّاب السيرة ومؤرخي عصر المبعث، فلم يصل الينا من أخبارها سوى بضع روايات لا تسلم من تناقض واختلاف.
لم يختلفوا في نسبها من جهة أبيها، كما صرح ابن عبد البر في ترجمتها بالاستيعاب، بعد سياق نسبها. وهو ما أجمعت عليه مصادرنا لترجمتها أونسبها(١).
وأما من جهة أمها، فأغفلته جمهرة هذه المصادر. ونقل ابن عبد البر فيها قول أبي الحسن الجرجاني النسابة: "وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة بنت الحارث -أم المؤمنين- لأمها" قال ابن عبد البر: "ولم أر ذلك لغيره، والله أعلم". وحكاه ابن سيد الناس عن ابن عبد البر، ولم يعقب عليه.
وأقول: بل ذكره كذلك، النسابة "أبو جعفر ابن حبيب" في مبحث (أسلاف رسول الله(ص)) من قِبَل ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية. أمها: "هند بنت عوف بن الحارث بن حماطة، الحميرية" وأخوات ميمونة لأبيها وأمها: أم الفضل لبابة الكبرى أم بني العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى أم خالد بن الوليد، وعزة بنت الحارث.... وأختهن لأمهن: زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية. وأسماء بنت عميس زوج الشهيد الطيار جعفر بن أبي طالب، [....]، وسلامة بنت عميس زوج عبد الله بن كعب...
"ولا يُعلم امرأة في العرب كانت أشرف أصهارا من هند بنت عوف، أم ميمونة وأخواتها"(٢).
واختلفوا فيمن كانت عنده قبل النبي (ص)، والراجح -والله أعلم- أنها: كانت عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب، فخلفه عليها أخوه عبيدة بن الحارث، استشهد رضي الله عنه في بدر، فخلفه عليها النبي (ص).
وهي رواية ابن حبيب في المحبر، والجرجاني النسابة -حكاه ابن عبد البر- وابن سيد الناس في عيون الأثر، والمحب الطبري في السمط، وأحد الأقوال في ترجمتها بالاستيعاب والاصابة.
[....]
وفي السيرة الهشامية أنها كانت عند عبيدة بنت الحارث بن عبد المطلب، وكلنت قبله عند جهم بن عمرو بن الحارث الهلالي، وهو ابن عمها.
وفي قول رابع أنّها كانت عند عبد الله بن جحش فاستشهد في احد، فخلف عليها النبي(ص). حكاه ابن عبد البر -عن الزهري- وابن حجر في الإصابة: ففي "الإصابة" انه عبد الله بن جحش، وقد استشهد "بأحد".
[....]
"وفي هذه السنة -الرابعة- تزوج رسول الله(ص) زينب ينت خزيمة من بني هلال، في شهر رمضان...[....]
واختلفوا مرة ثالثة فيمن تولى زواجها من النبي (ص).
في الإصابة عن "ابن الكلبي" أنّ رسول الله (ص) خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه فتزوجها...
وقال ابن هشام في السيرة:
"زوَّجه إياها عمها: قبيصة بن عمرو الهلالي، وأصدقها الرسول أربعمائة درهم".
واختلفوا رابعة في المدة التي أقامتها ببيت النبي(ص): ففي الاصابة رواية تقول: "كان دخوله (ص) بها، بعد دخوله على حفصة بنت عمر، ثم لم تلبث عنده شهرين أو ثلاثة وماتت".
ورواية أخرى عن الكلبي:
"فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر وماتت في ربيع الآخر سنة أربع".
وفي شذرات الذهب:
"وفيها -يعني السنة الثالثة- دخل بزينب بنت خزيمة العامرية، أم المساكين، وعاشت عنده ثلاث أشهر ثم توفيت".
وكذلك اضطربت فيها نقول المحدثين: ذكرها الدكتور هيكل باسم :زينب بنت مخزوم" في قضية زواج زينب بنت جحش. وجزم بأنها "قد كانت زوجا لعبيدة بن المطلب الذي استشهد يوم بدر، فلم تلبث إلا سنة أو سنتين(؟!) كما جزم بأنها "لم تكن ذات جمال"(٣) ومبلغ علمي أنه ما من مصدر مما وقفت عليه، تعلق بوصف شكلها وصورتها.
[....]
على أنه مهما يختلف المؤرخون وكتَّاب السيرة في أمر زينب بنت خزيمة، فقد أجمعوا على وصفها بالطيبة والكرم والعطف على الفقراء، ولا يكاد اسمها يذكر في أي كتاب مما ذكرنا إلا مقرونا بلقبها الكريم: أم المساكين.
في السيرة الهشامية:
"وكانت تسمى أم المساكين لرحمتها اياهم ورقتها عليهم"(٤).
وفي الاستيعاب والإصابة:
"وكان يقال لها أم المساكين، لأنها كانت تطعمهم وتتصدق عليهم"
ومثله في تاريخ الطبري(٤) وشذرات الذهب(٥).
ولا بد لي من أن أشير هنا إلى مقال كتبه فضيلة الأستاذ "الشيخ محمد المدني" في مجلة الرسالة -عدد ١١٠٣ تاريخ ٤/٣/٩٦٥- فيه ما نصه:
"وكانت زبنب بنت جحش رضي الله عنها هي أجودهن -يعني أزواج النبي- وأبرهن باليتامى والمساكين... حتى كانت تعرف بأم المساكين".
ولست أدري من أين جاء فضيلته بهذا اللقب للسيدة زينب بنت جحش، فكل مصادرنا عن السيرة وطبقات الصحابة وكتب التاريخ الاسلامي الأولى، تجمع على أن لقب أم المساكين إنما كان للسيدة "زينب بنت خزيمة"!
والراجح أنها ماتت في الثلاثين من همرها كما ذكر "الواقدي" ونقل "ابن جحر" في الإصابة، ولم أقف على خبر عنها في حياتها الزوجية القصيرة، فحسبنا أن نتمثلها هناك قريرة العين مما نالت من شرف الزواج النبي (ص) وأمومة المؤمنين، منصرفة عن شواغل الحريم، بما كان يشغلها من أمر المساكين، قانعة بحظها من تقدير النبي (ص)، والمؤمنين، لا يرهقها طمع ولا تنهكها غيرة...
ورقدت في سلام، كما عاشت في سلام. وصلى عليها النبي عليه الصلاة والسلام، ودفنها بالبقيع فكانت أول من دفن فيه من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
ولم يمت منهن في حياته (ص)، غير السيدة خديجة أم المؤمنين الأولى -ومدفنها بالحجون في مكة- والسيدة زينب بنت خزيمة الهلالية، أم المؤمنين وأم المساكين.
________________________
(١)الطبقات الكبرى، ونساء الاستيعاب والإصابة. والسيرة الهشامية ٤/٢٩٧، وتاريخ الطبري ٣/١٧٩، والمحبر لابن حبيب ٨٣، وجهرة أنساب العرب٢٦٢، والسمط الثمين١١٢، وعيون الأثر٢/٣٠٢.
(٢)المحبر: ١٠٥- ١٠٩ ومعه الإصابة: ٨/٩٥.
(٣)٢٨٨، ٢٩١.
(٤)الرسول: ١٧٦ من الترجمة العربية.
(٥)السيرة: ٤/٢٩٦.
(٦)٣/٣٣.
(٧)١/١٠.
المصدر: عبد الرحمن، الدكتورة عائشة (بنت الشاطئ): نساء النبي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، ١٩٨٥م-١٤٠٦ﻫ.
بتصرف
اترك تعليق