السيدة قدس إيران.. جنباً إلى جنب الإمام في مسيرته(1)
ستون عاماً من العمر قضتها إلى جنب الإمام، رافقته في حياته وشاركته أفراحه وأتراحه، ولا شوهد أقرب وأكثر صدقاً في حكاية حياة الإمام منها. لقد لمست عن قرب عظمة الإمام وخلوصه وتقواه ومعنوياته ونظمه وصدقه، وبكلمة واحدة شخصيته الرفيعة. إنها رأت بأم عينها وأودعت في قلبها كثيراً من الحقائق والدروس الحلوة التي سمعها الآخرون أو قرأها؛ وليست هي إلاّ قرينة الإمام وكريمته وعزيزته الحاجة السيدة خديجة الثقفي(قدس إيران)، التي تحظى باهتمام وتكريم عشاق الإمام.
إن حكايتها لسلوك الإمام العائلي رواية صادقة عن خصائص القيادة الإلهية المقدسة، وذلك بعد مضي عشرين عاماً من خطّ نسخة فريدة وتبلور نظام إلهي. وقد أجرت ابنتها الدكتورة السيدة زهراء مصطفوي معها لقاءً مطوّلاً[...]
ـ السيدة مصطفوي: أماه السلام عليكم، أرجو قبول عذري؛ إن كنت موافقة، أردت أن تتفضلي بالحديث المختصر عن حياتك المشتركة مع الإمام، وكذا عن أحوالك قبل الزواج، وعن عائلتك من الناحية العلمية والاقتصادية.
ـ قرينة الإمام: وعليكم السلام؛ بسم الله الرحمن الرحيم إذا أردت الحديث عن عائلتي فينبغي أن أبدأ من عدة أجيال مضت. فالوالد هو الحاج ميرزا محمد الثقفي كان من علماء طهران، وقد أثر عنه التفسير (نوين) في عدة مجلّدات، وقد كان في أغلب أوقاته مشغولاً بالتأليف، وقلّما يمارس الوظائف الأخرى مثل أخذ الوجوهات الشرعية (أخماس وزكوات)، والاتصال بالتجار وما شابه ذلك. وقد كان يأمّ جماعة. وباعتبار أن الوالدة كانت من عائلة متمولة فقد كان في غني عن البحث عن مورد. وقد كان والدها الميرزا أبو الفضل الطهراني من نوابغ زمانه، وقد توفي عن عمر يناهز الأربعين، وكان له كتاب (شفاء الصدور) وهو شرح على زيارة عاشوراء. وقد كان الإمام يقول: كان السيد الميرزا أبو الفضل من العظماء، وقد طُبع له ديوان شعر بالعربية.
ـ يبدو أنه كانت له مكتبة ضخمة تم وقفها.
ـ نعم كانت له مكتبة ضخمة، وقد سمعت من أبي أنه وهبها لمدرسة (سپهسالار) أي مدرسة الشهيد مطهري حالياً. وقد كانت له دروس في تلك المدرسة إضافة إلى أنه كان يصلي هناك.
والده هو الحاج ميرزا أبو القاسم الثقفي كان معروفاً باسم (الحاج ميرزا أبو القاسم كلانتر) وهو من مجتهدي عصره، وأحد كتبه هو تقريرات درس المرحوم الشيخ الأنصاري (من العلماء العظام) وقد كان هذا الكتاب في متناول الجميع.
ـ على هذا، كان الوضع الاقتصادي لعائلتكم جيداً؟
ـ نعم؛ لقد ورثت جدّتي أباها، وقد كان زوجها مسئولاً عن الخزينة (خازن المماليك) وكان متمولاً. أما الوالدة فكان أبوها يعطيها 30 توماناً يومياً. أما أبي فقد كان طالب حوزة ورغم أنه ما كان يملك شيئاً، إلاّ أن أباه كان يقطن زقاق (صدر أعظم) الذي كانت بيوته ملكاً لأتابك. وأتابك كان زوج عمة أمي. وقد كان العلماء آنذاك يحظون باحترام واهتمام جهاز الحكومة، لأن شؤون الدولة جميعها كانت تحت إشراف العلماء. وقد كان الوالد الحاج ميرزا أبو الفضل يحظى باحترام وتقدير من قبل أتابك، وبما أنهما كانا أقارب، كانت علاقتهما وثيقة.
ـ يبدو أن الوالد سبق وأن سكن مدينة قم لفترة.
ـ جاء الشيخ عبد الكريم الحائري إلى قم سنة 1340هـ.ق، وباعتبار أن تاريخ ولادتي 1333هـ.ق فإني كنت آنذاك سبع سنوات تقريباً. والدي في السنة التاسعة والعشرين أو الثلاثين من عمره قرّر أن يذهب إلى مدينة قم لأجل الدراسة، وقد كنتُ آنذاك تسع سنين.
ذهب أبي برفقة أمي إلى قم ومكثوا مدة خمس سنين هناك، وأنا لم أذهب معهم بل بقيت عند جدتي، وما كان والدَي يتوقعان التحاقي بهم لأني كنت مع جدتي منذ الصغر.
ـ أنا عشت مع جدتي منذ الشهر السادس مع عمري. وكانت تُدعي السيدة مخصوص، وكنا ندعوها نحن السيدة ماماني. وعندما هاجر والدي إلى قم، كنت مع جدتي نزورهما كل سنتين مرة. لم تكن آنذاك سيارات، بل عربات حصانية ودليجنسات وكنا نبيت في الطريق ليلتين في علي آباد وفي مكان آخر. الوالد كان قد استأجر بيتاً موقراً في زقاق السيد إسماعيل في السوق. البيت كان كبيراً فيه ساحة وبرّاني، وصاحب البيت كان تاجراً محترماً، وقد كان له خادم في البيت باسم ذبيح الله واثنين من الحشم وأشخاص آخرون كانوا يترددون عليه لأجل أداء أعمال مختلفة.
كان لأمي ثلاثون توماناً شهرياً، لذا أرسلتنا إلى المدرسة، وكان آنذاك مدرسة حديثة فيها صف يضمُ عشرين طالبةً، وما كان الكل يتمكن من إرسال أطفاله إلى المدرسة إلاّ بنات الأطباء والتجار والمجتهدين. ونحن كنا ثلاث أخوات نذهب إلى المدرسة ودرسنا إلى الصف الثامن أنا في طهران وأختي في قم، وفي الصف الثامن طرح حديث الزواج.
ـ بعد ما بلغ الحديث موضوع الزواج، نرجو أن تتكلمي عن زواجك، وكيف الإمام حصل عليك أو وجدك؟
ـ باعتبار أن الوالد قطن قم مدة خمس سنوات، وأنا ذهبت لزيارته عدة مرات، مرة كنت بنت العاشرة وأخرى بنت الثلاثة عشرة وأخرى بنت الأربعة عشر، وفي إحدى هذه المرات طلب الوالد من جدتي بقائي إلاّ أنّ جدتي أرادت الإقامة لمدة خمسة عشر يوماً فقط باعتبار قرب العيد. ترجّاها والدي كثيراً قائلاً لها: "لم أشبع من رؤية قدسي، فاتركيها عندنا مدة شهرين، وعندما تأتي إلى طهران في الصيف نأتي بها معنا". وقد رضخت الجدّة في النهاية، أما أنا فما كنت راضية على البقاء، رغم ذلك بقيت مدة أشهر. وقد كنت تخرّجت من الصف السادس ولم يوافق الوالد على ذهابي إلى الثانوية، وقد كانت ثانويات البنات آنذاك قليلة جداً، وكان الوالد يقول: "إن المعلمين والمفتشين والفراش كلهم رجال، فلا تذهبي"، ولأجل ذلك بقيت في قم أشهراً، ثم رجعت بصحبة الوالدة إلى طهران.
خلال فترة إقامة الوالد في قم مدة خمس سنوات، تعرّف على عدة أصدقاء، كان السيد روح الله واحداً منهم، ولم يكن حاجاً آنذاك، وهو رجل متدين ونجيب وفاهم وكيّس وقد ارتضاه الوالد رغم أني كنت أختلف معه في العمر اثنا عشرة سنة، أما الوالد فكان يختلف معه بسبع سنوات، ومن بين أصدقاء الوالد هو السيد محمد صادق اللواساني وقد كان صديقاً للسيد روح الله كذلك، وفي الوقت الذي جاء فيه الوالد إلى طهران، كان السيد اللواساني قد تحدث مع السيد روح الله (حيث كان له من العمر 26 ـ 27 سنة) حول موضوع الزواج وقد كان السيد روح الله قد قال للسيد اللواساني: "لم أرتضِ بعدُ ببنت، ولا أريد الزواج ببنت من مدينة خمين"، فقال له السيد اللواساني: "إن السيد الثقفي له بنتان، وكلاهما حسنتان كما تقول زوجة أخي". لقد حكي لي هذا كله أبي بعد ذلك على كلِّ حال، كان يرتدي الملابس الجيدة، فكان يرتدي الجلود الإسلامبولية ويذهب إلى الدرس. وكان الطلبة يتعجبون من ملابسه؛ فقد كان عالماً ومتديناً وأنيقاً في نفس الوقت. كان أبي لا يدعنا نذهب إلى المدرسة إلاّ بعد ارتداء السروال الطويل وأحذية سوداء وبسيطة، وأكمام طويلة. لكنه ـروحياًـ ما كان يحب التجمّل وكان حقاً من أهل العلم وروحانياً. وكان السيد (الإمام) دائماً يقول: "والدك روحاني رفيع المستوي، وصاحب علم وفضل كبير، لكن من المؤسف أنّه ما كان شيء من زمام شؤون الروحانيين بيده".
ـ بما أنه كان صاحب علم وفضل، لابد وأن كانت له تأليفات؟
ـ أنا لا أعرف عن ذلك شيئاً إلاّ تفسيراً واحداً، وإذا أردت الإطلاع فاسألي من الأخوين السادة علي وحسن، فانهما يعلمان بهذه القضية. ورغم أنّ الكثير قد أخذ منه كتباً مجانياً، ورغم أنه قد وهب مكتبته إلى الجامعة، لا زالت له مكتبة تملأ غرفة كاملة إلى السقف تحتوي على كتبه وكتب والده وكتباً أخرى قد حصل عليها.
ـ أماه، تكلمي عن كيفية حصول الخطبة؟
ـ ما تقدم كان دافعاً للسيد أحمد أن يقدم على خطبتي للإمام، وقد استغرقت موافقتي على الزواج مدة عشرة أشهر؛ وذلك لأني كنت غير مستعدة للمجيء إلى قم، وكنت عند المجيء إلى قم لا أقيم أكثر من 10 ـ 15 يوماً، وبعد ذلك كنت أطالب جدتي بإرجاعي إلى طهران. وذلك لأن قم لم تكن كما هي الآن؛ فقد كانت مكتظة بالمقابر، والقبور كانت ملتصقة بجدار صحن الحرم، والأزقّة كانت ضيقة وفما كنت أقيم في قم كثيراً، بل أرجع في وقت مبكر، وقد كنت منزعجة عندما أرغمني الوالد مرة للبقاء في قم مدة شهرين.
لقد بدأت مراحل الخطبة، وقد قال لي أبي آنذاك: "لا إشكال من جانبي، حتى لو غرّبك عن جدتك وبعدك عنها، لأنه إنسان لا يدع السيدة قدسي تتأذى". وباعتبار صداقته مع السيد، كان يعرفه جيداً. أما أنا فكنت أقول: لا أذهب إلى قم أبداً، وكانت هناك أمور تجعلني أكره الذهاب إلى قم.
ـ إذن ما حصل أن ذهبت إلى قم؟ يبدو أنك رأيت مناماً إذا كنت تذكرين ذلك.
ـ رأيت منامات مباركة، أدركت بعدها أن هذا الزواج مقدّر، وفي آخر مرّة التي تمت القضية بعدها، رأيت الرسول وأمير المؤمنين والإمام الحسن مجتمعين في بيت صغير، وقد كان نفس البيت الذي استأجرناه للعرس.
ـ أي أنك رأيت بيتاً في المنام، كان هو ذاته الذي أجرتموه للعرس، هكذا؟
ـ نعم؛ نفس الغرف والمواصفات التي قد رأيتها في المنام، وحتى الستائر التي قد اشتروها لنا بعد ذلك كانت نفسها التي قد رأيتها في المنام، ففي ذلك الجانب من البيت غرفة جالس فيها الرسول والأمير والإمام الحسن، وفي الجانب الآخر الذي يضمّ غرفة للنساء (التي أصبحت فيما بعد غرفة العروس) أنا كنت فيها مع عجوز مرتدية عباءة منقّطة بنقاط صغيرة وكان يقال لها (جادر لكي)، وهي عجوز ذات ملامح ناعمة، وقد كان الزجاج يشكل جزءً من باب الغرفة وكنت أنظر من خلال هذا الزجاج. سألت العجوز: مَن هؤلاء؟ فأجابت: إن الذي على رأسه عمامة سوداء هو الرسول (ص). والرجل الذي له مولوي أخضر (عمامة صغيرة) وقبعة حمراء يتصل بها شال (وقد كانت هذه الملابس مألوفة آنذاك)، وفي النجف كان الخادم يرتدي هذا الزي من الملابس) هو أمير المؤمنين. وفي ذلك الجانب شاب يرتدي عمامة سوداء، قالت فيه العجوز إنه الإمام الحسن. وبعدها قلت: هذا الرسول وذلك الأمير، وبدأت بإبراز الفرح؛ فقالت العجوز: "أنت التي تكرهين هؤلاء!!". فقلت: "كلا، أنا لا أكره هؤلاء، بل أحبهم" ثم قلت: "أنا أحب هؤلاء جميعهم؛ فذلك رسولي وذلك إمامي الأول والآخر إمامي الثاني". قالت العجوز: "أنتِ تكرهين هؤلاء"، وفزعت آنذاك من النوم، كنت منزعجة لِمَ استيقظت بسرعة. وفي الصباح حكيت المنام لجدتي، فقالت جدتي: "أماه؛ يبدو أن هذا سيد حقاً، وأنت قد آذيت الرسول والأئمة برفضك إيّاه، فلا حلّ للمشكلة إلاّ رضائك؛ وهذا هو تقديرك".
ـ متى كان البناء أن تخبرونهم بالجواب؟
ـ كنت أجيب بالرفض كلّما كانت تقترح عليّ جدتي الموضوع؛ والجواب النهائي كان مبهماً. وكان السيد أحمد اللواساني يأتي ليلياً من قبل الخطيب ويسأل عن الجواب؟ وتتكرّر منه هذه الممارسة، وكان جواب جدتي: لم ترضَ النساء بعد. وباعتبار الصداقة التي كانت بين السيد أحمد والوالد، كان يأتي بين الحين والآخر بعربة ويقيم ليلتين أو ثلاثة في بيت الوالد ثم يرجع إلى قم.
وبعد مضي فترة، وفي المرّة الخامسة من مجيء السيد أحمد خلال شهرين أراد الجواب الأخير؛ فأراد الوالد أن يقول له "لا يمكنني أن أوافق، لأن القضية تتوقف على إرادة البنت والأمر بيدها وبيد جدتها، ونحن نكنّ لجدتها الاحترام الوافر". وعدم موافقة جدتي كان بسبب أن شريكها في الأملاك قد خطبني.
ـ والدك كان نيّراً كثيراً، وملتزماً بضرورة إحراز رضاك ورضا جدتك، عكس ما كان عليه الآباء آنذاك في عدم الالتفات إلى متطلبات البنات.
ـ نعم، نعم، عندما استيقظت صباحاً، حكيت المنام إلى الجدة، وبعد أن جمعنا مائدة الإفطار دخل الوالد، وقد كان ذلك في الشتاء والمدفأة تعمل، وكل ذلك كان بغتة ومن دون سبق قصد وبرمجة.
ـ أي أن المنام، واستشارة الجدّة، ودخول الوالد البيت كلها حصلت دفعة وفجأة.
ـ نعم؛ وبعد دخول الوالد أتيت أنا بالشاي، فقال: "جاء السيد أحمد للمرة الخامسة وقال لي كلاماً لا قدرة لي على النطق به" والكلام الذي كان قد تفوّه به السيد أحمد بعد ما قال له أبي إن النساء غير موافقات، هو: "إنها عاشت مرفّهة، ولا يمكنها أن تكيّف نفسها مع حياة الطلبة البسيطة، وهذا كلام يقوله المخالفون".
الجميع كان مخالفاً، أولهم أنا ثم الجدة والأم والأقارب. والوالد كان يقول: الأمر إليكم، لكني أثق به كرجل مثقّف ومتدين، وديانته تحول دون قضاء السيدة (قدسي إيران) أوقاتاً مزعجة.
قال لي الوالد: "إذا لم تتزوجي حالياً، فلا علاقة لي بزواجك بعد ذاك".
كنت في الخامسة عشر من عمري وكنت أحترم الوالد كثيراً. وكنت لا أتردد أمامه من دون عباءة وعندما يدعونا كنا نأتيه مرتدين العباءة ـ عباءة كانت، لي أو لأختي. أنا سكتّ آنذاك. جاءت الجدة بالكز (نوع من الحلويات التقليدية الايرانية) كمراسم استقبال، فقال الوالد: "أتناول الكز كعلامة على موافقة السيدة قدسي ورضاها"، وأكل قطعة الكز. أما أنا فما تفوّهت بشيء لأن عظمة المنام كانت قد استحوذت عليّ. وقد غادر الوالد البيت بعد تناوله الكز.
وبعد أسبوع جاء السيد أحمد اللواساني والسيد بسنديده والسيد الهندي (أخوا الإمام) والسيد محمد صادق اللواساني والخطيب بصحبة خادم كان باسم مسيّب جاءوا جميعاً إلى بيت الوالد لأجل الخطبة، وقد كانوا جميعاً أصدقاء إلاّ السيد الهندي.
فأرسل الوالد، الخادم ذبيح الله إلى بيتنا وقال: "إن السيدة عندها ضيوف وطلبت مجيء السيدة قدسي إيران إلى البيت". سألته الجدة: "من هو الضيف"؟ كانوا قد أوصوه أن لا يصرّح لهم بمجيء الخطيب إلى بيت الوالد خوفاً من تكرر الرفض من قبلي؛ وبعد ما ذهبت إلى بيت الوالدة فهمت الموضوع.
إن اختي التي كانت أصغر مني سنة ونصف السنة، صرخت "جاء العريس! جاء العريس". وأخذوا بي لأري العريس من خلف الغرفة، وكان جالساً في موقع بحيث يكون أمام من أراد النظر إليه من خلف الغرفة. وقد كان السيد أصفر الوجه، ذات شعر أصفر بعض الشيء، جالساً قرب المدفأة؛ وعندما رجعت، ذهبت أمي وأخواتي لرؤيته، لأنهن ما كنّ قد رأينه من ذي قبل.
ـ هل ارتضيت العريس؟
ـ ما وجدت فيه بأساً، إلاّ أني كنت أصغر من أن أتّخذ قراراً، كما كنت ذاتياً بسيطة. رجع الوالد ببطء وسأل الوالدة: "ما قالت قدسي إيران بعد ما رجعت؟". وقد قيل لي فيما بعد أن الوالد عندما رآني ساكتة خرّ ساجداً لله. لأنه كان قد ارتضى العريس بنفسه. وكان يردد دائماً "قلبي يميل إلى أن يكون لي ولد من أهل العلم وعريس كذلك" وقد حصل ذلك. حيث إن ولده الثاني السيد حسن أصبح من أهل العلم كما كان الوالد نفسه.
ـ هل الوضع المعيشي بعد الزواج كان مثل وضعك قبل الزواج؟
ـ في البداية عندما أراد السيد أن يتزوج، وكان البناء أن يجيبه الوالد بالإيجاب، قال الوالد للسيد أحمد: إنّ النساء يُشكلون على الزواج. فسأل السيد أحمد ما هي إشكالاتهم؟ أجاب الوالد: أحد الاشكالات هو أن البنت لا تعرفه وهو من مدينة خمين والبنت من طهران وقد عاشت مرفّهة، والوضع المالي والمعيشي لجدّتها جيد جداً، وقد لا تتكيف في العيش مع طالب حوزة ومعيشته الخاصة. وهل يملك الخطيب شيئاً؟ فإذا كان مورده الوحيد مرتب الشيخ عبد الكريم، فلا يمكنها العيش معه حقاً؛
ـ أماه! سمعت أن العرس كان في شهر رمضان المبارك، رغم أن المألوف هو حصول العرس في غير هذا الشهر، لماذا؟
ـ لأن الدروس كانت معطّلة.
ـ وهذا يعني أن الإمام كان بدرجة من الالتزام بالدرس بحيث ما كان مستعداً لتعطيل دروسه حتي لأجل الزواج.
ـ نعم كان ملتزماً.
ـ هل مراسم العقد والعرس كانت مجلّلة أم بسيطة؟
ـ العقد لم يكن مجلّلاً. كان الوالد جالساً في المضيف ودعاني إلى المجيء قربه، وقد كنت قادمة من المدرسة توّاً، فوضعت عباءة أختي الصغيرة على رأسي وذهبت قربه: قال: اجلسي في ذلك الجانب من المدفأة؛ إن عائلة العريس جاءوا في اليوم الأول من شهر رمضان واليوم هو الثامن من الشهر ووالدتكِ استقبلتهم بحفاوة مذ ذاك. فهم قد أقاموا في بيت الوالد.
كانوا يبحثون عن بيت يستأجرونه لأخذ العروس، وقد كان القرار أن يتم العرس في طهران ثم نذهب إلى قم. وقد وجدوا بيتاً بعد ثمانية أيام. وقد كان نفسه الذي رأيته في المنام، وقد قال لي الوالد: "وكّليني لكي أوكّل السيد أحمد لإجراء صيغة العقد في شاه عبد العظيم". والسيد كان قد وكّل أخاه السيد بسنديده. وعندما طلب مني والدي هذا تأملت بعض الوقت وقلت: "رضيت". ثم ذهبوا إلى شاه عبد العظيم لإجراء صيغة العقد. وبعد أن قالوا إنا هيّأنا البيت، قال الوالد: أعطوهم وسائل البيت. وقد كانت الوسائل عبارة عن سجادة وملحف ومدفأة ووسائل الطبخ وأشياء أخرى؛ كما أرسلوا معي مربيتي مع بنتها عذراء لأجل الاستقبال والطبخ. وفي الليلة الخامسة عشر أو السادسة عشر من شهر رمضان دعا السيد الأصدقاء والمعارف وقد ارتديت آنذاك ثوباً أبيض وأنيقاً كانت بنت العمة قد خاطته وطرزته بالورد حسب ذوقها الحسن.
ـ ما كان مقدار صداقك؟ وهل مقداره كان باقتراحٍ منكم أو من السيد الوالد؟
ـ كان 1000 تومان. وكانوا قد قالوا للوالد بالإمكان جعل دارٍ من دورنا في خمين صداقاً للبنت؛ إلاّ أن الوالد رفض ذلك باعتبار جهله بأسعار الأملاك في مدينة خمين.
ـ هل طالبت بصداقك؟
ـ كلا، لم أطالب. لكنه أوصى في نهاية الأمر بسدس بيته في قم كجزء من الصداق.
ـ هناك نظرية مطروحة تقول إن التي كان صداقها قبل ستين سنة مقداراً معيناً كألف تومان، فهي لا تطالب حالياً بأكثر من ألف تومان. وهناك من يقول إن المطالبة حالياً بما يعادل قيمة الألف تومان في ذلك الزمان.
ـ نعم؛ إنّ الألف تومان آنذاك تكفي لتجهيز العروس بجهاز كامل. وقد جعل لي سهماً في البيت ظناً منه أني قد أحتاج السكن في البيت يوماً ما.
...يتبع...
المصدر:www.navideshahed.com نقلاً عن مجلة ندا.
اترك تعليق