السيدة قدس إيران.. جنباً إلى جنب الإمام في مسيرته(2)
ـ كيف كانت معاملته لكِ عموماً؟ هل كان يكنّ لك نفس الاحترام الذي كنت تحضين به قبل الزواج أم لا؟ وهل هذا الاحترام كان مستمراً إلى آخر أيام حياته؟
ـ نعم؛ كان يحترمني ويهتمّ بي كثيراً، وما كان يجرحني بكلمة واحدة. وفي يوم من الأيام كانت بنتاه صدّيقة وفريدة -أما أنتِ فقد كنت صغيرة- قد ذهبا إلى بيت الجار من السطح، فاعترض على ذلك وكان متوتراً وقلقاً، ظناً أن في بيتهم خادماً، فكنت أطمئنه بأن الخادم لم يكن آنذاك؛ ورغم عصبيته التي قد تصل إلى قمتها ما كان يسيء الأدب تجاهي. كان يختار لي مكاناً جيداً من الغرفة ويتجامل في تقديمي على نفسه.
وما كان يبدأ تناول الطعام قبل مجيئي. وكان يطلب من الأطفال أن يتأنوا في الأكل إلى مجيء الوالدة. ما كان يتفوه بكلام بذي أبداً. ولكني لا أقول أنه وفّر لي حياة مع رخاء؛ بل حياته كانت بسيطة باعتبار أنه كان طالب حوزة. وما كان يحب أن يمدّ يده إلى الآخرين للسؤال، كما كان ذلك حال أبي. فكلاهما كان يحبان العيش بما كان في أيديهم من ميزانية. رغم ذلك كان يحترمني. وكان يرفض عملي في البيت. كان يقول لي دائماً: لا تكنسي. وإذا ما أردت غسل خمار أحد الأطفال في الحوض كان يأتي ويقول: "قومي؛ ما عليك أن تغسلي ذلك". كنت أكنس الغرفة في غيابه وكذلك الحال بالنسبة لملابس الأطفال، فقد كنت أغسلها في غيابه. وفي سنة من السنوات التي غاب فيها خادمنا الدائم -كنا آنذاك في الإمام زاده قاسم، أي في السنوات الأخيرة حيث كبر الأطفال وتزوجوا- كنت أذهب لغسل الأواني بعد إتمام وجبة الغذاء، وكلّما كان يراني هناك -وقد كانت فريدة موجودة في بيتنا- كان يأمر فريدة بغسل الأواني عوضاً عني.
ـ أمي العزيزة! إن هذه المطالب الصريحة والواضحة تكشف عن أن الإمام ما كان يعدّ غسل الأواني بل حتى خمار أحد أطفالك من وظائفك. وكان ينزعج من قيامك بهذه الأعمال في الحالات التي تتطلب الحاجة منك القيام بها بنفسك، ويعدّ ذلك إجحافاً لك. وأنا أذكر جيداً أنه ما كان يأمرك بغلق الباب عند دخولك الغرفة، بل يقوم هو بعد جلوسك ويغلق بنفسه. إن احترام الإمام لك كان ولايزال مما اشتهر عنه. لقد سمعت أنك درست عند الإمام، أرجو إيضاح ذلك.
ـ بعد مرور سنة واحدة على إكمالي للمرحلة الابتدائية ذهبت إلى الإعدادية ودرست الأول المتوسط هناك، وبعد مضي شهرين من دراستي استأجرت معلمة تعلمني الفرنسية، كما ودرست شهرين عند معلمة أخرى. كنت أمنح كل منهما 2 تومان شهرياً. بعد قدوم والدي من قم إلى طهران تعلمت على يديه كتابة جامع المقدمات مدة من الزمن وبعد أن تزوجت استمر السيد الإمام في تعليمي، وبعد اطلاعه على قابليتي يبدأ بتدريسي جامع المقدمات، وقد درست جميع دروس جامع المقدمات؛ بالطبع بدأت في السنة الأولي بدراسة علم الفلك، وبعد ذلك بدأت بجامع المقدمات. وعندما شرعت بالسيوطي كان لي طفلان، وعندما أتممت دراستي له كان لي أربعة أطفال، وعندما جاء الطفل الرابع وهو فريدة، أصبحت معدومة الفرصة للدراسة، رغم ذلك شرعت بدراسة شرح اللمعة. وبعد فترة من الزمن وجدت نفسي عاجزة عن الإكمال، فتركت الدراسة؛ وقد استغرقت دراستي ثماني سنوات. وبعد انطلاق الثورة ذهبنا إلى العراق. فبدأت بدراسة اللغة العربية، وبما أنّي كنت أفقد الصديقات شرعت بتعلّم العربية من خلال الكتب الدراسية؛ فتناولت كتاب الثالث الابتدائي ثم السادس ثم الصف التاسع أخذته من "حسين"، وبما أني كنت أجهل بعض الكلمات، جاء لي أحمد العزيز بمعجم فارسي ـ عربي عندما سافر إلى طهران. ثم مالت نفسي إلى مطالعة القصص الروائية الجميلة، ورغبتي بها كان دافعاً لي على مطالعتها. وسبب تركي للدراسة في وقت مبكر من عمري هو عدم وجود المشجعين لي على ذلك، رغم أن رغبتي للدراسة كانت شديدة قياساً لما كان عليه المعارف والصديقات.
ـ إن تخصيص الإمام وقتاً لتدريسك مدة ثمان سنوات في بداية الزواج، يُعدّ تشجيعاً لك على مواصلة الدراسة، وقبل هذا كنتِ قد ذهبت إلى المدرسة لا الكتاتيب رغم أن أكثر الناس آنذاك بل حتى أنا ذهبت إلى الكتاتيب لا المدرسة، وهذا هو بذاته تشجيع لك على التعلّم والدراسة.
ـ نعم؛ إن قبوله تدريسي واستمرار هذا التدريس مدة ثمان سنوات كان نوعاً من التشجيع. لكن لو كان أربعاً من أمثالي يدرسن ويتباحثن معي لكانت النتيجة مختلفة. فالطالب يتشجع إلى الدراسة عندما يرى زملائه في الصف يدرسون معاً؛ كنت أقرأ القصص الروائية في العراق، وعندما تطورت عربيتي بدأت بقراءة الجرائد والمجلات وبلغت مستوي أني طالعت في السنة الأخيرة من إقامتنا في العراق كتاب "الحضارة الإسلامية" باللغة العربية.
ـ أمي العزيزة! باعتبار اطلاعي على مستواكِ العلمي ومستوى طلاب الجامعات، فإنّي أعدّك بمستوى الجامعيين المتفوّقين، وذلك بفضل مساعيك الشخصية وتشجيع سماحة الإمام. فالإمام كان يسعى دائماً لرفع مستواك العلمي؛ ويا ترى هل كان يتدخل في شؤونك الخاصة مثل اختيار الملابس والخروج من البيت؟
ـ كلا؛ أذكر في الاسبوع أو الشهر الأول من حياتنا المشتركة أنه قال لي: لا علاقة لي بشؤونك الخاصة وارتدي ما تحبين من الملابس، وما أريده منك هو الالتزام بالواجبات والاجتناب عن المحرمات، أي أن لا ترتكبي ذنباً. ما كان يؤكد على المستحبات كثيراً. ما كان يتدخّل في شؤوني؛ فكنت أعمل وأعيش بالشكل الذي تهوى إليه نفسي؛ فما كان يتدخل بلقاءاتي مع الصديقات ولا في خروجي من البيت؛ فقد كان مشغولاً بالدرس والتحصيل وأنا مشغولة بشؤوني الخاصة.
ـ أماه! كنت حظيظة أن كان زوجك عارفاً بالإسلام، حيث كان عالماً بحدود صلاحيات الرجل في مجال التحكم بالمرأة؛ ولذلك ما كان يتدخل في شؤونك الخاصة؛ بل ما كان يطلب منك إلاّ أداء الواجبات والانتهاء عن المحرمات، وهذا هو معنى التسليم إلى الله.
أماه! تفضلي بالحديث عن القضايا السياسية أثناء الثورة وقبل ذلك؛ هل الإمام كانت تربطه علاقة بالسيد الكاشاني؟
ـ إن السيد الإمام كان يحب السيد الكاشاني. عندما جاء السيد إلى طهران وأقام في بيت الوالد مدّة ثمانية أيام، كان قد التقي بالسيد الكاشاني آنذاك وبيت السيد الكاشاني كان في نفس الزقاق الذي كان فيه بيت الوالد. وكانا صديقين، وفي ذلك الوقت قال السيد الكاشاني للوالد: "أين وجدت هذه الأعجوبة".
ـ بهذا يتضح أن السيد الكاشاني قد أدرك ذكاء الإمام ونباهته منذ أن رآه في المرة الأولي. ويبدو أنه قد أدرك منذ ذلك الحين أن الإمام يختلف عن باقي الطلاب. ماذا فعل الإمام في قضية نواب صفوي؟
ـ أرادوا إعدام نواب صفوي وأخوته وكنت صديقة لأمهم. وقد ذهب السيد الإمام آنذاك إلى السيد البروجردي لأجل التدخل في القضية، إلاّ أن السيد رفض ذلك، فاُعدموا.
ـ ما هي ذكرياتك عن بداية النضال عام 1342هـ.ش [1963]؟
ـ كانوا يصادرون الأملاك بالقوة ويعطونها إلى الرعية. وكان السؤال عن حلية الزراعة والخبز الناتج عنها يتكرّر دائماً. بعد فترة ذهبت أنا برفقة مصطفي إلى النجف وكربلاء. وقد سمعنا هناك تدهور الأوضاع في إيران. وكان السيد مصطفى قلقاً تجاه الأوضاع، ويطالبني بالرجوع إلى إيران. وعندما رجعنا وجدنا البيت مكتظاً بالناس، فذهبنا إلى بيت أخيكِ، وقد تبدل بيت السيد مصطفى إلى مقهى. والاضطرابات أخذت بالازدياد، إلي أن بلغت نقطة خطاب الإمام يوم عاشوراء. وقد كان ذلك اليوم صوت همهمة الإمام وتنفّسه مشهوداً في البيت. جاءوا تلك الليلة وركلوا الباب، ذهب السيد لهم وقال: لا تركلوا الباب، فقد جئت. وفي أثناء ارتدائه لقباه وعباءته كسروا الباب وداهموا البيت، وأخذوا السيد معهم. كان محتجزاً في دارٍ مدة يومين أو ثلاث، ثم نقلوه إلى سجن قصر احتجزوه هناك مدة 10 أو 12 يوم، وما كان مسموحاً لنا بأخذ طعام له. ويبدو أنهم كانوا يذهبون إليه وينصحونه لرفع اليد عن نضاله. طالب السيد بكتاب دعاء وملابس فأرسلنا له ما أراد. وبعد ذلك نقلوا السيد إلى عشرت آباد ليضلّ هناك مدة شهرين، ما كانوا يسمحون لأحد الالتقاء به أو الإتيان بشيء له إلاّ الطعام، لهذا جئنا إلى طهران في بيت الوالدة وكنا نرسل له الغداء كل يوم. ثم اُطلق سراحه بعد شهرين، أخذوا به في البداية إلى منطقة داودية في دار الحاج عباس نجاتي. أنا ذهبت برفقة بناتي إلى هناك في اليوم الأول، وبعد ما اختلت الغرفة وبقينا نحن لوحدنا قلت له: هل يصعب عليك البقاء هناك؟! فمدّ يده على رقبته وأخرج قطعة صغيرة مفتولة من جلده. وما قلت آنذاك شيئاً إلاّ أني كنت مزعوجة جداً.
ـ لا زلت تنزعجين عندما تذكرين بعض الذكريات. أعتذر يا أمي، إنّي أبكيتك لمرات في هذا اللقاء بسبب إحياء الذكريات المرّة. أعتذر حقاً.
ـ لا إشكال في ذلك. بعد ذلك اقترح السيد روغني أن يأتي السيد الإمام إلى بيته. وقد تموضع الكثير من رجال الأمن (الساواكيين) أمام دار السيد روغني، كما أنهم أجّروا بيتاً لنا يقرب من بيت السيد روغني. وكان قد تموضع 30 شخصاً تقريباً من رجال الأمن، كانوا يحدّون من التردد من وإلى البيت، وما كانوا يسمحون لشخص بالدخول إلاّ الوالدة والأخت. وقد قضينا مدة سبعة أشهر في القيطرية عند دار السيد روغني. وبعد ذلك قال لنا رئيس الساواك آنذاك الذي كان اسمه أنصاري: أخبرونا متى ما أردتم الذهاب إلى قم، للمجيء بسيارة لكم. وذهبنا بعد ذاك إلى قم ووجدنا البيت قد ملأته الرجال، فأجّروا لنا بيتاً يتصل بجدار بيتنا وفتحوا باباً يتصل بالبيت. وقضينا فترة ثمانية أشهر في قم أي من العيد [النيروز] وحتى الثالث عشر من آبان حيث ألقى خطابه المعروف حول الحصانة القضائية للأمريكيين [كابيتولاسيون]. في الليل جاءوا خلف الباب وأنا كنت في الشرفة والإمام في جانب آخر، ورأيت أن واحداً بعد الآخر يتسلقون الجدران، فصرخت "سيد" ورأيتهم يركلون الباب الذي بيننا وبين الباب الخارجي. وعند سمع السيد صوتي صاح: "كسرتم الباب، إني قادم". ورأيت أن واحداً آخر من رجال الأمن قد تسلّق الجدران، فخفت، وكان ذاك في السحر. فخرج السيد من الغرفة وصرخ: "كسرتم الباب.. أخرجوا وأنا سآتي"، وعندما رأوا السيد خرج من الغرفة واتجه نحوي نزلوا من الجدران. جاء السيد وأعطاني ختمه ومفتاح صندوقه، وقال لي: "فلتكن هذه عندك حتى أخبرك"، وخرج من ذلك الباب فأخفيت ما أعطاني ولم أخبر بها أحداً. كان ذلك، لأنّ السيد توقع أن يأخذوا ختمه ومفتاح صندوقه. فزع آنذاك أحمد وكان 17 أو 18 سنة، سألني: أينَ أبي؟ قلت: "خرج من هذا الباب، أنت لا تذهب خلفه" لكنه ذهب. قال بعد ذلك: "لم أتحرك إلاّ أقداماً قليلة حتى رأيت بعدها أحد رجال الأمن موجهاً سلاحه نحو وجهي محذراً إياي من التقدم أكثر".
ـ لا تنزعجي يا أمي، وإذا كانت ذكريات تلك الأيام تزعجك إلى هذا الحد، فإني سأضطرّ لعدم السؤال. أرجو أن تكوني صبورة كما كنت إلى الآن. أذكر إذّاك عندما جئتك رأيتك ترجفين، وعندما سألتك عن صحتك أجبت بقوة؟ إني بصحة جيدة، لكني لا أعلم لِمَ أرجف. وأنا دائماً يتغير حالي عندما أذكر تلك اللحظة وأذكر مظلوميتكِ. حسناً يا أمي، لم تذكري لنا ما فعلت بالمفتاح والختم وكيف أرجعتيهما إلى الإمام في النهاية.
ـ كنت قد أخفيت المفتاح والختم إلى أن ذهب السيد إلى العراق؛ وبعدها أرسل لي رسالة من النجف طلب مني إرسالها بواسطة شخص أمين. طرحت الموضوع على السيد إشراقي، فقال لي: إنّي أطمئن إلى الشيخ عبد العلي القرهي وعنده جواز سفر؟ فكتبت رسالة أرفقت معها المفتاح والختم فدفعهما إليه في النجف.
ـ إن إيداع الإمام المفتاح والختم بيدك أنت دون شخص آخر رغم أنه بإمكانه أن يقول لك أودعيهما عند شخص آخر، يكشف عن ثقة الإمام بك ومستوى المقاومة وحفظ السر الذي كنت تتمتعين بهما، أرجو أن تحكي لنا عن إقامته في تركيا.
ـ إنّ مدينة "بورسا" كانت محلّ إقامة السيد وكان يرافقه رجل من الأمن باسم حسن وهو من أهالي مدينة ساوه، وكان هو أيضاً من المبعدين لوحده دون عائلته، لذا كان غير مرتاح. وإلى جنب حسن كان شخص تركي باسم "علي بيك" كانا يراقبان السيد دائماً. وعندما أبعدوا أخوك مصطفى، كانا يذهبان سوية خارج البيت، وجلّ الوقت كان الإمام يصرفه في البيت لأجل كتابة رسالته العملية "تحرير الوسيلة".
ـ ماذا فعل نظام الشاه بالأخ؟
ـ بعد توقيف السيد، ذهب أخوك إلى بيت آية الله السيد المرعشي النجفي، والناس كانوا ملتفين حوله؛ وإثر اكتشاف النظام أن لأخيك دوراً مؤثراً، ألقاه في سجن قزل قلعة مدة شهرين ثم أبعده إلى تركيا.
ـ هل كنت راضية على ذهاب الأخ إلى تركيا؟
ـ كلا.
ـ أذكر أنه جاءكم الأخ عندما أراد الذهاب إلى تركيا، وأذكر أنّي أعنته على شدّ العمامة. وكنت مخالفة مع ذهابه، وتقولين له: "لقد مضى من السيد عمراً وهو يناضل الشاه، فهو مسنّ حالياً، أما أنت فشاب بذمتك زوجة وأطفال وزوجتك حامل حالياً، ما أفعل بزوجتك. وبما أنّ الأخ كان مرغماً على الذهاب وما كان يريد إيذائك، قال: إن الجميع مجتمعون هنا، إلاّ الوالد فهو وحيد وفريد في تركيا، فعلي الذهاب قربه وقد أخذوه في النهاية؛ وكان يوماً عصيباً ومرّاً هل تذكرين؟ [تؤيد زوجة الإمام ذلك بالبكاء]. أعتذر، إنَّ هذه الذكريات مؤلمة لنا جميعاً. الآن تكلّمي عن كيفية ذهاب الإمام إلى العراق، وعن الحوادث التي حصلت له في طريقه إلى العراق؛ ومن المحتمل أن الوالد أو الأخ تحدث عن ذلك. لأن هذا موضوع قلّما تطرّق له شخص. وأغلب السادة، التحق به في العراق فيفتقدون المعرفة بما جرى للإمام قبل ذلك.
ـ بعد إطلاق سراحه في تركيا خيّروه الرجوع إلى إيران أو الذهاب إلى العراق، إلاّ أنهم عملياً أرغموه على الذهاب إلى العراق. بعد دخوله العراق قررّ أن يذهب إلى كربلاء في البداية لأجل الزيارة، ثم يذهب إلى النجف. وخلال تواجده في الكاظمية ثلاثة أيام أو أربعة كان يذهب إلى سامراء. وفي هذه الأثناء كذلك دعاه أحد الأشخاص الذين كان لهم دار في كربلاء واعتاد الاصطياف في فصل الحرارة ليسكن بيته في هذه المدة، فذهب وسكن هناك مدة ثلاثة أيام، إلى أن أعدّ الحاج الشيخ نصر الله الخلخالي من أصدقاء السيد وصرّافي العراق بل من صرّافي نصف الممالك العربية، بيتاً له في كربلاء، كما أنه هيّأ للإمام بيتاً في النجف. وفي كربلاء أقام السيد مدة ثلاثة أيام في بيت الحاج الشيخ نصر الله. وقد قال الأخير للناس والطلاب: أعّدوا للإمام بيتاً ووسائل البيت لكي لا يقيم الإمام في غير بيته؛ والوسائل التي اشتروها وأعدوها للبيت كانت سجادة وبسط مستعملة، ثلاثة أو أربعة من ملاحف النوم وسماور كبير، وكيس سكر، وصندوق من الشاي، وأربعين فنجاناً وصحون مختلف أنواعها لأجل الاستقبال، أربع صواني (أطباق) وكمية من الأواني الأخرى. وقد أطلع الرجال بأن يأتوا في الساحة التي مقاساتها 5X6متراً. وبعد ما وصل إلى منزله في النجف قادماً من كربلاء، أقام مدة 14 عاماً. والدار كان صغيراً جداً. ومساحة مطبخه كانت لا تسع فراش سرير واحد. كنا نضع قدر الطعام خارج المطبخ عندما نريد صبّ الطعام. كانت هناك غرفتان في الطابق التحتاني حجم كل منهما 3X4، كما كانت هناك غرفتان في الطابق الفوقاني، إحداهما كانت غير مؤهلة للاستخدام، ففرشنا واحدة منهما للإمام. وآجرنا البيت المجاور لتخصيصه للاستقبال. والدار عموماً كان صغيراً وقديماً.
ـ أمي العزيزة! رغم أني أستنبط من الكلام أنك كنت تعانين من الأوضاع الاقتصادية في العيش مع الإمام، إلاّ أنك كنت تتحملين ذلك كله قناعة منك. ألا تتصورين أنك وكذا أطفالك متأثرون جميعاً بالإمام من الناحية العقائدية والأخلاقية؟
ـ نعم، إن معنويات الإمام وسلوكه وكلماته أثرت على الأطفال، وبخاصة في مجال الديانة، فإن أطفالي متدينون حقاً وأنا أشكر الله على ذلك، وهو يرجع إلى الإمام وآثار وجوده.
ـ هل تشعرين بهذا التأثير في ذاتكِ؟
ـ لقد تأثّرت بسلوكه وتقواه كما هو الحال بالنسبة للأطفال، إلاّ أن تأثيره على الأولاد من الناحية الأخلاقية مشهود في الأولاد.
ـ لو كان زوجك شخصاً غير مؤمن، فهل تعتقدين أنك لا تتغيرين من الناحية الخلقية وكذا الإيمان؟
ـ كنت أضعف في الديانة، كما أن الآن قويت فيها حقيقة.
ـ من وجهة نظر أخلاقية غير دينية، هل سمعت الإمام يوماً يحذرك أو يحذّر الأولاد بأن يصونوا لسانهم، أو يتقيدوا بسلوكهم؟
ـ كان يذكّرنا بالمواظبة على الأخلاق والسيرة الحسنة، فيدعونا لعدم التكبّر، ولا أحد من الأولاد وكذا نفسي كزوجة للإمام يتكبّر، ولا أتصور أنه خطر في ذهننا أنّنا من عائلة الإمام وأن ذلك دافعاً لنا نحو التكبر والعجب.
ـ ما يخطر ببالك من إرشادات أخلاقية وتربوية؟
ـ لا أذكر من ذلك شيئاً، فإنه قلّما ينصح، لكنه كان يؤكد على التربية الدينية عندما يبلغ الطفل السبع، ويطالبني بأن آمر الأطفال بالصلاة كي يعتادوا عليها في التسع؛ إلاّ أني كنت أقول له: ضع كل شأن من الشؤون التربوية بعهدتي إلاّ الصلاة، فإنهم لا يصغون إلي. كان يهتم بشأن الصلاة ويسألهم عن أدائهم للصلاة، ويصدّقهم إذا ادّعوا الأداء، ولا يلح بالسؤال منهم، ولا يتفحص في صدق كلامهم.
ـ تعتقدين أنّ أكبر دور للإمام في مجال تربية الأطفال والعائلة هو تقوية الاعتقادات المذهبية فيهم.
ـ نعم، أخذتم الأخلاق والإيمان منه؛ أما السلامة والتكيّف مع الحياة ومع الأزواج فأخذتموها مني.
ـ أماه! كيف تقضين أيامك بعد رحيل الإمام، وكيف هو سلوك الأولاد معكِ، وكذا معاملة المسؤولين؟
ـ إن معاملة المسؤولين جيدة جداً، وقد زارنا السيد الخامنئي عدة مرات وسأل عن أحوالي. وكذا الشيخ هاشمي الرفسنجاني زارنا عدة مرات، في الأعياد وفي أوقات أخرى.
ـ هل تترددون على عوائل المسؤولين؟
ـ نعم، إن عوائل المسؤولين يتعاطفون معي ويحبونني، وكذا الناس، ونحن يتردد بعضنا علي الآخر في الأعياد والمناسبات المختلفة.
ـ كيف معاملة الأولاد لك؟ وما وصية الإمام في ذلك المجال؟
ـ إن الأولاد يحترمونني كثيراً، وقد كان الإمام أوصى السيد أحمد العزيز أن يواظب وأن يتلافى ما فاته، وتداركه بالنسبة للوالدة.
ـ كان الإمام يمتدح دائماً تحملك وصبرك وعفوك كما كان يوصي بك. ونحن شهدنا دورك في نضال الإمام، وشهدنا تعرجات حياتك المشتركة وهبوطها وصعودها، ومعاناتك الغربة في النجف والبُعد عن الأطفال ورغم ذلك لم نشهد شكاوى أو مخالفة واعتراض على الإمام. وقد كان الإمام نفسه يكرّر حكايته لهذه النقطة. ما توقعاتك من الأولاد؟
ـ أتوقع منهم الاحترام ما دمت حية كما احترموني إلى الآن. وأنا راضية عن الجميع؛ عن أحمد العزيز وبناتي وزوجة ابني، الجميع جيدون جداً.
المصدر:www.navideshahed.com نقلاً عن مجلة ندا
اترك تعليق