مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في الملتقى الرابع لاتحاد المنظمات الأهلية

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في الملتقى الرابع لاتحاد المنظمات الأهلية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في 9 آذار 2009

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في الملتقى الرابع لاتحاد المنظمات الأهلية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في 9 آذار 2009 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 


فلسطين مسؤولية الأمم
«وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا» (سورة الإسراء، الآيات: 4-5)
أكثر من ستين عاماً مضت على زرع الغرب المستعمر للكيان الصهيوني على أرض فلسطين مستهدفاً شعبها وإنسانها وترابها المقدس، بهدف تحقيق وتثبيت اختراق استعماري متقدم في قلب العالم العربي والإسلامي وإنشاء قاعدة محصّنة واستراتيجية لمشروع الهيمنة والنفوذ في المنطقة.
أكثر من ستين عاماً مضت على قيام العصابات الإرهابية الصهيونية بإرتكاب جرائم مروعّة، في أفظع عملية اقتلاع وإخراج للعوائل الفلسطينية، وتشريدها من مدنها وقراها، لتقيم من ثمّ للمهاجرين الوافدين من الصهاينة مستوطنات بأسماء يهودية بديلة..
أكثر من ستين عاماً من طغيان متواصل وظلم وحروب، وتوسع واحتلال، وتدمير وقتل ومجازر، والشعب الفلسطيني في حال من التململ والصبر والصمود والإباء إلى أن أذن الله تعالى وتمّ انبعاث وانتصار الثورة الإسلامية المباركة على أرض إيران، بقيادة الإمام الخميني المقدس وكان أن عبرت الأمة بكاملها ومعها قضية فلسطين سنيّ اليأس والإحباط والاستسلام. عبرت أجواء الاستغراق المذل في الدعة والإستكانة والخنوع عبرت ثقافة الإنبهار والتميّع والهزيمة التي عمل ملوك المنطقة ورؤسائها على إشاعتها في ذلك الحين والتي كان لها في مجتمعاتنا السيطرة المطلقة.

فثورة الامام الخميني "رض":
أولاً:
إضافة إلى أنها أسست لثقافة المقاومة وبثت في الأمة روح الحميّة والحماس، وجعلت إرادة النهوض والمواجهة تعم المنطقة بأسرها، فإنها حققت أكبر أمل هفت إليه قلوب الملايين في العالم الإسلامي حين كسرت طوق التبعية والخوف، وأثبتت للعالم كله بأن الإسلام هو أقوى محرك وأقوى جامع ودافع، وإن هذا الإسلام قوة لا تقهر متى إستيقظ في قلوب أبنائه.
ثانياً: ثورة الإمام "رض" نظرت للكيان الصهيوني الغاصب كخطر، ليس فقط على الأرض والموارد والثروات، وإنما على القيم الإنسانية والدينية والحضارية بأكملها وعليه فإنها طرحت رؤية واضحة، وقدمت منهجاً عملياً حاسماً في التعاطي مع هذا التهديد التاريخي للأمة، معتبرة إن اسرائيل غدة سرطانية ولا بد من استئصالها، لأن من طبيعة الغدة السرطانية أن تفسد الجسد ولا تقف عند حدود، ولذا حدد الإمام المنهج والمسار بقوله "يجب أن تزول إسرائيل من الوجود"، مؤكداً بأن استعادة المقدسات واجتثاث هذه الغدّة لا يكون بالوسائل السياسية، وإنما بالمواجهة والقتال المعتمد على الإيمان. جاعلاً من خيار الجهاد خياراً -وحيداً- لحسم هذه المسألة.
وقد رأينا أن ما دعا إليه الإمام، وما فعلته الثورة في إيران وجسدته الحركات الجهادية في لبنان وفلسطين، قد دفع بطموحات العدو الصهيوني ووضعه أمام المواجهة الفريدة والمتميزة للمقاومين البواسل. فبعد التحرير عام 2000 عبّر إسحاق شامير عن حال الذهول والصدمة بقوله: "إن بضع مئات من مقاتلي حزب الله يجبرون الدولة الأقوى في الشرق على هذا الخروج الإنهزامي. لقد أثبت حزب الله إن هناك عرباً من نوع آخر".
وبعد عدوان تموز 2006 الذي شنّ على لبنان والذي وصفه شمعون بيريز بأنه "حرب وجود" يومها خاطبت تسيبي ليفني الإعلاميين بعد وقف إطلاق النار بقولها: "إن أقوى قوة في العالم لن تستطيع نزع سلاح حزب الله في لبنان".
هكذا انهزموا واضطروا لأن يدوّنوا في وثائقهم العسكرية مكرهين بأن (إسرائيل هُزمت والمقاومة انتصرت في حرب تموز 2006) واضطر كبار قادتهم العسكريين إلى الإستقالة والابتعاد عن الأضواء.
غير أن المقاومة الإسلامية التي جاهدت وضحّت على أرض لبنان والتي تنتمي إلى فكر هذا الإمام وتلتزم بنهجه وطريقه، هي بفعل هذا الإلتزام حققت هذا النصر العسكري المؤزر، وأسقطت أخطر مشروع أمريكي صهيوني حلمت به دوائر الإستكبار في هذه المرحلة، وأثبتت بالتجربة أن الفئة القليلة المؤمنة والمتوكلة على الله تعالى قادرة على إلحاق الهزيمة بأقوى جيش في الشرق الأوسط، وقادرة على إذلاله وقهره وإسقاط أسطورته.
وهذه المسلّمة أيضاً، هي عينها التي أثبتتها المقاومة على أرض فلسطين العزيزة، في الحرب الصهيونية الشرسة على غزة والتي استمرت واحداً وعشرين يوماً. وحيث الفئة القليلة المؤمنة الصابرة في غزة تثبت من جديد وتؤكد نفس المقولة، رغم القتل الذريع والدمار المروع والحصار الذي فاق كل تصور.


في النتائج:
من هنا، فإن انتصار المقاومين في لبنان وفلسطين أسّس كما نرى لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني.
وقد بات بإمكاننا اليوم اعتبار النتائج الباهرة لآخر حلقات هذا الصراع، المتمثلة بعدوان تموز على لبنان والحرب المجنونة على غزة في فلسطين، محطة زمنية فاصلة بين مرحلتين؛ مرحلة الطغيان والعلو والتسلط والغرور الإسرائيلي، في مقابل ما كان من اليأس والإحباط والإستسلام والهوان والذل لدى العرب والمسلمين في الحقبة السابقة.

وحيث بدأت من ثم المرحلة الجديدة التي نحن فيها مرحلة الثقة والأمل والقدرة والإرادة وعودة الروح لدى أمتنا، في مقابل العجز والإرباك والفشل والتراجع لدى الكيان الصهيوني، وأين منها سنوات الغطرسة التي سلفت يوم استعاد قادة الكيان الصهيوني المخزون الإجمالي لثقافتهم العنصرية فأعلنوا باستعلاء وقح حقود (إن فلسطين دولة يهودية إلى الأبد) وذلك بهدف إسدال الستار على مبدأ حق العودة للأصحاب الحقيقيين والذي أقرته الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان ونستنتج مما تقدم:
1. إن هذا الكيان الصهيوني الغاصب إنما بنيَ بدعم إستعماري دولي وحماية دولية وما يزال، وامتلك من أسباب القوة، واستعمل كل أنواع السلاح بما فيها المحرّم دولياً وفوق هذا تمتع بغطاء ودعم دولي كامل.
ولكن النتيجة أن الصهاينة اليوم، وبعد هذه العقود الستّة، على احتلال فلسطين يعتبرون أن الوضع الأمني لإسرائيل -في هذه اللحظة- هو أسوأ لحظة يعيشها هذا الكيان.
2. إن السنوات والأشهر الأخيرة شهدت من التحولات ما يمنحنا اليقين بالإنتصار على هذا المشروع، أثر الهزائم التي لحقت به في لبنان وفلسطين فضلاً عن اندحار مشاريع الهيمنة.
فالمسار العام الذي نراه ونشاهده في المنطقة اليوم هو مسار لا يعود إلى الوراء. إنه مسار زوال "إسرائيل" ومعها الأنظمة وبقاء الأمة التي احتضنت قضية القدس وفلسطين.
3. إن انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح عام 2006، ومقومات انتصار المقاومة الإسلامية في فلسطين وغزة، ما هي إلا إرهاصات وإشارات للمعركة الفاصلة في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس بين المؤمنين المجاهدين، وبين اليهود الصهاينة، ومن ورائهم من قوى الاستكبار بفرعيه الأمريكي والأوروبي.
وهنا نلمس تأثير المعادلات الجديدة التي فرضتها المقاومة في لبنان وفلسطين في مسيرة الصراع، بعد أكثر من ستين عاماً على قيام هذا الكيان الصهيوني الغاصب على الأرض المقدسة، في قلب عالمنا العربي والإسلامي.

ويبقى ما لا بد من الإلتفات إليه هو أن الهجمة التي تعرضت لها المقاومة في لبنان وفلسطين كشفت:
1
)
أن الانتصارات الباهرة التي حققتها كلتا المقاومتين، شكلت مرحلة فاصلة ونقطة تحول كبرى في الصراع العربي الإسرائيلي، بعد أن أثبتنا أن المقاومة رغم فرق القدرات قادرة على ابتداع النصر ودحر الإحتلال وتعطيل مخططات العدو.
2) أكدت وحدة الجماهير في العالمين العربي والإسلامي، من خلال مسيرات التضامن العارمة والتي أظهرت أن الأمة ما زالت واحدة في انتمائها ومشاعرها، واستعداد الكثيرين من أبنائها للشهادة في هذا السبيل، كما أظهرت أن الفتنة المذهبية هي صنيعة أعداء الأمة من أجل تفريق المسلمين كمقدمة للسيطرة عليهم وعلى بلادهم ومقدراتهم، ويبقى الأهم أنها أظهرت أن هذا الصراع يدور بين هذا الكيان والشعب الفلسطيني، ومعه كافة الشعوب العربية والإسلامية.
3) كشفت عن واقع الأنظمة العربية المهترئة؛ مبيّنة أن هذه الأنظمة بلغت في ارتباطها بالمشروع الأمريكي حد الإرتباط العضوي، وبلغت في الإنفصال عن قضاياها وقضايا شعوبها حد العداء.
4) كشفت عن الدور الذي لعبه ما يسمى بعرب التسوية والإعتدال في دعم العدوان على شعب غزة على أطفالها ونسائها وشيوخها ومقاومتها المظفرة وتبنّيهم لعرقلة أي تحرك يؤدي إلى وقف إطلاق النار وهذا ما لم يخفيه قادة العدو بل صرّحوا به أمام أجهزة الإعلام.


أخيراً:
إن انتصار المقاومة في لبنان وفلسطين كشف عن مكامن الخلل والضعف داخل الكيان الصهيوني، كما كشف عن مكامن الترابط والقوة لدى أمتنا العربية والإسلامية وإنه بقدر ما يتجه العدو نحو المزيد من الإرتباك والتخبط، فإن أمتنا تتجه نحو إستعادة قوتها وهيبتها وثقتها بنفسها.
وقد نجحت المقاومة في لبنان وفلسطين بفضل الله تعالى في تعبئة الأمة الإسلامية عامة، والشعوب العربية منها تحديداً، وتمكنت من إستعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين دافعة بالجميع نحو تحمل مسؤولياتهم في مواجهة المشروع الصهيوني. ويبقى الأهم هو تحقق الطموح بجعل هذه المواجهة الاولوية التي لا تتقدم عليها أية اولوية أخرى مهما كانت أهميتها، على قاعدة أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية.
وفي الختام نوجه تحية إكبار لأبناء غزة لنسائها وشيوخها وأطفالها، ولكل المرابطين على أرضها  للشعب الفلسطيني الأبي الذي صبر وصمد وقدم التضحيات الجسام، والذي جسد إرادة أمة وعزيمة شعب وإصرار أصحاب حق.
نوجه التحية للشعب الإيراني العزيز الذي احتضن قضية فلسطين بهذه القوة, ولثورته المباركة التي طردت منذ اليوم الأول لإنتصارها كل الصهاينة وأعوانهم، وأقامت سفارة فلسطين ووقفت إلى جانب الشعوب والحكومات العربية في مواجهة إسرائيل وما زالت حتى اليوم تتابع نهج الإمام "رض" ودربه بقيادة ولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي دام ظله الشريف، وتتحمل في سبيل موقفها العقائدي الصارم من مسألة فلسطين والقدس الكثير من الآلام وأشكال التأمر والضغوط المختلفة.

وفق الله تعالى كل المخلصين وأيد بنصره المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

ألقيت هذه الكلمة في 9 آذار 2009، في الملتقى الرابع لاتحاد المنظمات الأهلية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

التعليقات (0)

اترك تعليق