كلمة مسؤولة وحدة الهيئات النسائية الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر المنظمات الدولية وقضايا المرأة
كلمة الحاجة عفاف الحكيم مسؤولة وحدة الهيئات النسائية في حزب الله في افتتاح مؤتمر "المنظمات الدولية وقضايا المرأة" الذي أقامته وحدة الهيئات النسائية في مبنى الجمعيات بتاريخ 9- 10- 2014م:
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين...
بداية أرحب براعي مؤتمرنا سماحة نائب الأمين العام في حزب الله الشيخ نعيم قاسم حفظه الله، بسعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية، برئيس جامعة المصطفى العالمية في لبنان، بضيفاتنا الكريمات الأستاذة "فريبا علا سوند"، و"د. نيرة قوي"، بالمشاركين المحترمين في فعاليات هذا المؤتمر، بالحضور المميز للهيئات النسائية والفعاليات الإعلامية والثقافية النشطة في مجتمعنا من سائر المناطق وسائر المؤسسات، أرحب بكم جميعاً، وأهلاً وسهلاً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
اخترنا لمؤتمرنا هذا العام عنوان "المنظمات الدولية وقضايا المرأة" وذلك بهدف إلقاء الضوء على مجمل ما يحمله هذا الموضوع من تفاصيل وأبعاد، لا تطال المرأة وحسب، بل تطال مجتمعاتنا بأسرها أفراداً وأسر، تطالنا كأمة يُعمل بشتى السبل لحرفها عن مسارها ومعتقداتها وقيمها لتحويلها إلى نسيج متفسخ هزيل تسلس قيادته ويسهل التلاعب فيه كيف يشاء.
تفاصيل تستدعي منا التنبه لما يدور حولنا، وتحديداً لكل ما حضّر ويُحضَّر لساحتنا النسائية من مشاريع مشبوهة، خصوصاً وقد بات هناك عددٌ من الجمعيات الأهلية -في العالم العربي ومنه لبنان- تلعب دوراً مريباً في تنفيذ الأجندة الأممية التي يراد عولمتها تحت مظلة قضايا المرأة.
هذه الأجندة التي حملت مشروع التحرر المطلق لنسائنا ونساء العالم، حملت المشروع الاستكباري الآيل إلى طمس الهويات والمعتقدات وإلغاء الخصوصيات الثقافية والأعراف والتقاليد لدينا ولدى كافة الشعوب، ليُعمل من ثم على إرساء قواعد كونية تنظم وتحكم السلوك البشري في العالم كله.
يقول الرئيس الأمريكي كلينتون: "إننا نريد أن نسيّر العالم وفقاً لنمط الحياة الأمريكية" ويتابع "أن أمريكا مؤمنة بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري وأننا نشعر أن علينا التزاماً مقدساً بتحويل العالم إلى صورتنا".
وقال بعده الرئيس بوش: "إنّ أسلوب الحياة الأمريكية غير قابل للتفاوض ولا تنوي أمريكا التخلّي عنه حتى لو اقتضى الأمر خوض الحروب".
وقالت ابنة ديك تشيني: "إن نساء العرب هن أهم وسيلة لإحداث تغييرات في المنطقة".
وإنه من هذا المنظور انطلقت الهجمة الخبيثة -قبل منتصف القرن الماضي- لتغريب أو أمركة العالم، عبر تنميط القيم وجعلها واحدة بين البشر في المأكل والملبس والعلاقات وكل ما يتصل بحياة الإنسان الفردية والاجتماعية وخصوصاً قيم الاستهلاك، رافعين شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عن المرأة.
وتبقى الملاحظة هنا: أنّ موضوع المرأة أُعطي أولوية عملية مبكرة إذ تمّ تأسيس لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة عام 1946م أي بعد عام واحد من إعلان ميثاق الأمم المتحدة، حيث بدأت هذه اللجنة نشاطها يومذاك كمراقبة لأوضاع المرأة ونشر حقوقها، وبعدها راح الدور يتقدم ويتسع، بحيث بلغت شدة اهتمام الأمم المتحدة بحقوق المرأة حداً جعلها لا تكتفي بما أوردته في ميثاقها العام، وفي الاعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 من الإقرار بالمساواة في الحقوق والحريات بين المرأة والرجل، بل عمدت إلى إصدار القرارات والاتفاقيات التي تؤكد على ضرورة تحسين أوضاع المرأة بصورة مضطردة.
وأما الملاحظة الثانية فتكمن فيما تميزت به الاتفاقيات الخاصة بالمرأة من الزامية قانونية، فاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة -سيداو- عام 1979م والتي تعتبر من أخطر الاتفاقيات جاءت لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها، إمّا بتصديقها أو بالانضمام إليها.
وهكذا تتالت الاتفاقيات التي تتناول حقوق المرأة وكثرت المؤسسات واللجان التي أنشئت لهذا الغرض كما تمّ إدخال هذه القضية في كل فروع منظمات الأمم المتحدة المتعددة الاختصاصات، بحيث باتت هيئة الأمم هي الناطق الرسمي والمصدر الوحيد لبرامج حركات تحرير المرأة في العالم.
وهذا إضافة إلى سلسلة المؤتمرات العالمية الخاصة بالمرأة والتي تبنتها الأمم المتحدة واهتمت بها منظماتها اهتماماً بالغاً بحيث أفردت لها أرصدة مالية ضخمة وطرحت فيها شعارات استقطابية جاذبة، تتعلق بالمساواة والحقوق والقضاء على كافة أشكال التمييز والعنف ومشاركة المرأة في هياكل السلطة ومواقع صنع القرار.
فكان أول مؤتمراتها في المكسيك عام 1975، ثم تبعه المؤتمر الثاني في كوبنهاجن عام 1980 ثم المؤتمر الثالث في نيروبي عام 1985 وأخيراً كان المؤتمر الرابع الذي شاركنا فيه -والذي انعقد في العاصمة الصينية -بكين- في أيلول عام 1995 وقد كان بحق من أكبر التجمعات النسائية إذ بلغ عدد المشاركين فيه حوالي 50 ألف وبلغت اجتماعاته 5000 اجتماع شملت 300 قاعة واستمر لثمانية ايام متواصلة.
ويبقى الأهم إنه كان لهذا المؤتمر -الذي بدأ التحضير له قبل خمس سنوات من انعقاده- دوراً كبيراً في كشف المرامي الخفية لهذه السلسلة من المؤتمرات؛ إذ طرحت فيه بصراحة ووضوح مجموعة من الآراء والمسائل التي حملت تهديداً مباشراً للأسرة والأديان والقيم الحضارية.
وقد رأينا خلال هذا المؤتمر بأم العين الكثير من الغرائب؛ كان منها على سبيل المثال تظاهرات حاشدة قدرت بـ 4000 امرأة للشاذات مع العديد من اليافطات التي حملت مطالبهن.
كما وصلت الأمور بوفد نسائي أن قدّم اقتراحاً بإلغاء كلمة "أم" لأنها بحسب زعمهنّ تشكل امتهاناً للمرأة وتجعلها أقرب إلى حيوان مهمته الأساسية أن يلد ويرضع.
هذه الأمثلة تظهر عمق الهوة التي يمكن أن تنحدر إليها المجتمعات -إذا تقاعسنا عن دورنا-، وإذا بقي هذا الإلحاح عبر برامج المنظمة الدولية لفرض الرؤية الغربية العلمانية ونقل الحياة الغربية بفسادها وانحرافها وعللها إلى المجتمعات الأخرى.
ولعل هذا الوضع يمثل أكبر تحدٍ يواجه المرأة المسلمة المعاصرة ويجعلها أمام المواجهة المتعددة الأبعاد، وذلك أن 80% من النساء في معظم البلاد العربية والإسلامية تعانين من الأميّة والفقر، وتدني الوعي بالحقوق والمطالب المشروعة وهذا ما يفسح المجال بالتالي للبرامج والمقررات الدولية التي تجتاج وتتقدم ضمن أساليب مدروسة تحقيقاً للهيمنة، وتأطيراً للشعوب بعيداً عن هويتها وحاجاتها الحقيقية.
والجدير بالذكر أن مؤتمر بكين اليوم بات يمثل الإطار الاستراتيجي والتصوري الذي تدور في فلكه مجموع الجمعيات ومؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني (التي تتزعمها وتفعلها في العالم العربي والإسلامي الاحزاب والفلول النسائية العلمانية).
باختصار هذا بعضٌ من صورة الواقع الذي أدى إلى انعقاد العديد من اللقاءات الدولية بشأن المرأة والتي أصبحت توصياتها تلقائياً تُفرض على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتصبح بالتالي ملزمة للدول والشعوب، ليس فقط بقوة الشرعية الدولية بل أيضاً بقوة النفوذ الذي اكتسبته الحركات النسوية داخل هذه البلدان بفضل الدعم الأجنبي، بحيث أصبحت تشكل لوبيات للضغط والمطالبة أزاء الحكومات، وهذا ما رأينا نماذجه في لبنان من خلال منظمة كفى عنف التي تواصلت معنا قبل سنتين بهدف رفع مشروعها إلى مجلس الوزراء وتمريره بعد الحصول على إمضاء الوحدة المركزية للهيئآت النسائية في حزب الله ليكون مكملاً لما جمع من امضاءات.
فكان أن تصدينا بعد الاطلاع عليه بأسلوب علمي وموضوعي، من خلال تشكيل لجنة ضمّت نخبة من الفعاليات العلمية والعلمائية والفكرية والحقوقية، بحيث توصلنا بعد عدة لقاءات من وضع ورقة لنقاط التباين وأسباب عدم الموافقة وتمّ إرسالها باليد لكنهم صمتوا وأقفلوا الحوار ثم كان ما كان، بعد إرسالنا وفداً من أخواتنا للقاء اللجنة البرلمانية المختصة بمتابعة هذا الملف، فكان أن بهروا بالآراء والافكار المقدمة كما أبلغنا، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو أن أمثال هذه الجمعية وغيرها لا تتلقى فقط التمويل وإنما تتلقى البرامج بكامل تفاصيلها إضافة إلى الدعم السياسي.
أخيراً: نختم بأن التحدي الذي يواجهنا في قضية المرأة، ليس تحدياً هيناً ولا بسيطاً كما قد يبدو، فموضوع المرأة اليوم لم يعد مسؤولية أفراد ومبادرات معزولة تنطلق من هنا وهناك، القضية في عالمنا اليوم باتت تطرح على بساط النقاش الدولي، باتت تخضع بشكل وبآخر لنوع من التدويل السياسي والثقافي، وهذا يعني إن موضوع المرأة والأسرة عموماً صار جزءاً من المواجهة الحضارية الشاملة.
و إزاء هذه المخاطر، رأينا أن من واجبنا إقامة هذا المؤتمر من أجل القاء الضوء على هذا الجانب الهام؛ باعتبار أنّه آن الأوان للنساء في ساحاتنا من أن يسعين مجتمعات لوضع استراتيجية شاملة مبنية على تحديات الواقع وهادفة إلى إحداث تغييرات نوعية وكمية تفضي إلى تقديم الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين كمخلص حقيقي للبشرية، وكمنقذ وباعث لعزة وكرامة الإنسان الرجل والإنسان المرأة، الإسلام الذي أزال الجاهلية وحمى الشعوب من الفساد والإنهيار الأخلاقي.
الإسلام الذي كان نتاجه بعد مسيرة أربعة عشر قرناً هو قيام الثورة الإسلامية المباركة في إيران على يد الإمام الخميني العظيم(رض)، والتي شكلت أهم حركة لإحياء الدين في عصرنا وبرهنت من خلال التجربة العملية وبما لا يدع مجالاً للشك على كفاءة الدين الحنيف وقدرته على احداث تحولات هائلة على مختلف الصعد ومنها وضع المرأة.
الإسلام الذي كان نتاجه في هذه المرحلة العزيزة الحضور الباهر والمتميز والجليل للإمام القائد الخامنئي دام ظله ولأبناء المقاومة الإسلامية وقيادتها المظفرة والحكيمة لسماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أعزه الله.
والسلام عليكم ورحمة الله
اترك تعليق