خديجة(ع) في أحاديث الرسول (ص)
لقد اكتسَبَت خديجةٌ(ع) بفضل إيمانها العميق بالرسالة المحمدية، وتفانيها في سبيل الإسلام وبسبب حرصها العجيب على حياة صاحب الرسالة وسلامته، وعملها المخلص على إنجاح مهمته، ومشاركتها الفعّالة، في دفع عجلة الدعوة إلى الإمام، ومشاطرتها للنبي في أكثر ما تحمله من محن وأذى بصبر واستقامة وحب ورغبة.
لقد اكتسبت خديجة بفضل كل هذا وغيره مكانة سامية في الإسلام، حتّى أن النبيّ ذكرها في أحاديث كثيرة وأشاد بفضلها، ومكانتها وشرفها على غيرها من النساء المسلمات المؤمنات، وذلك ولا شك ينطوي على أكثر من هدف.
فمن جملة الأهداف التي ربما توخاها النبيّ(ص) من الإشادة بخديجة(ع) إلفات نظر المرأة المسلمة إلى القدوة الّتي ينبغي أن تقتدي بها في حياتها وسلوكها في جميع المجالات والأبعاد، والظروف، والحالات.
هذا مضافاً إلى ما يمكن أن تقدمه المرأة وهي نصف المجتمع (إن لم تكن أكثره أحياناً) من دعم جدّي للرسالة، مادياً كان أو معنوياً.
وفيما يلي نأتي ببعض الأحاديث الشريفة الّتي تعكس مكانة خديجة، ومقامها، ومدى إسهامها في نصرة الإسلام ودعم دعوته، وإرساء قواعده.
1ـ عن أبي زرعة عن أبي هريرة يقول قال رسول اللّه(ص) [وآله]:
أتاني جبرئيل عليهالسلام فقال يا رسول اللّه هذه خديجة قد أتتك ومعها آنية فيها إدام أو طعام أو شراب، فاذا هي أتتك فاقرأ عليهاالسلام من ربّها ومنّي، وبَشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخَبَ فيه ولا نصَبِ»(1).
٢ـ عن عائشة قالت: ما غِرتُ على امرأة ما غِرتُ على خديجة، ولقد هَلَكتْ قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لما كنتُ أسمعه يذكرها، ولقد أمره ربُه عزّ وجلّ أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة، وإن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (أي خليلاتها وصديقاتها)(2).
٣ـ وعن عائشة أيضاً قالت ما غِرت على نساء النبيّ(ص) إلا على خديجة، وإني لم أدركها، (قالت): وكان رسول اللّه(ص) إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت: «أي عائشة» فاغضبتُه يوماً فقلت: خديجة!! فقال رسول اللّه(ص): «إني قد رزقت حبّها»(3).
٤ـ ومن هذا القبيل ما كان يقوم به رسول اللّه(ص) مع صاحبات خديجة من الاحترام لهن والاحتفاء بهنّ:
فقد وقف(ص) على عجوز فجعل يسألها، ويتحفاها، وقال: «إن حسن العهد من الايمان، إنها كانت تأتينا أيام خديجة»(4).
٥ـ وروي عن أنس قال كان النبيّ(ص) إذا اُتي بهدية قال: «إذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة»(5).
٦ـ روى مجاهد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول اللّه(ص) لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً فقد أبدلك اللّه خيراً منها، فغضب حتّى أهتز مقدَمُ شعره من الغضب، ثم قال: «لا واللّه ما أبْدلَني اللّه خيراً منها، آمنَتْ بي إذْ كَفَر الناسُ، وصدَّقتني وكذَّبني الناسُ وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء» قالت عائشة فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبداً(6).
٧ـ عن يعلى بن المغيرة عن ابن أبي رواد قال: دخل رسولُ اللّه(ص) على خديجة في مرضها الّذي ماتت فيه، فقال لها: «يا خديجة أتكرهين ما أرى منك، وقد يجعل اللّه في الكُره خيراً كثيراً، أما علمت أن اللّه تعالى زوَّجني معك في الجنة مريم بنتَ عمران، وكلثمَ اُخت موسى وآسية امرأة فرعون...»(7).
٨ـ عن عكرمة عن ابن عباس قال خطَّ رسول اللّه(ص) أربع خطط في الأَرض وقال: أتدرون ما هذا؟ قلنا: اللّه ورسولُه أعلم، فقال رسولُ اللّه(ص): «أفضل نساء الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمَّد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(8).
٩ـ عن أنس جاء جبرئيل إلى النبيّ(ص) وعنده خديجة فقال: إن اللّه يقرئ خديجة السلام فقالت: إن اللّه هو السلام، وعليك السلام، ورحمة اللّه وبركاته(9).
١٠ـ عن أبي الحسن الأول (الكاظم) عليهالسلام قال قال رسول اللّه(ص): «إنّ اللّه اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(10).
١١ـ عن أبي اليقظان عمران بن عبد اللّه عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول اللّه(ص) فسمعتُه يقول: قال رسول اللّه(ص) يقول: «خديجةُ بنتُ خويلد سابقةُ نساء العالمين إلى الايمان باللّه وبمحمد(ص)»(11).
١٢ـ عن عروة قال قالت عائشة لفاطمة رضي اللّه عنها بنت رسول اللّه(ص): ألا ابشرك أني سمعت رسول اللّه(ص) يقول: «سيدات نساء أهل الجنة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول اللّه(ص)، وخديجة بنت خويلد وآسية»(12).
١٣ـ عن أبي عبد اللّه (الصادق) عليهالسلام قال: دخل رسول اللّه(ص) منزله، فاذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها وهي تقول: واللّه يا بنت خديجة، ما ترين إلا أن لاُمِكِ علينا فضلا، وأىُ فضل كانَ لها علينا؟!
ما هي إلاّ كبعضنا، فسمع(ص) مقالتها لفاطمة، فلما رأت فاطمة رسول اللّه(ص) بكت، فقال: ما يبكيك يا بنت محمَّد؟! قالت: ذكرتْ اُمّي فتنقّصتْها فبكيتُ، فغضب رسول اللّه(ص).
ثم قال: «مَهْ يا حميراء، فان اللّه تبارك وتعالى بارك في الوَدُود الولود، وأَن خديجة رحمها اللّه ولدَتْ مِنّي طاهِراً، وهو عَبْدُ الله وهو المطهّر وَوَلدَتْ منّي القاسم، وفاطمة، ورقية، واُم كلثوم، وزينب، وأنت ممن أعقم اللّهُ رحمه فلم تلدي شيئاً»(13).
أجل هذه هي خديجة بنت خويلد شرفٌ وعقلٌ، وحبٌ عميق لرسول اللّه(ص)، ووفاء وإخلاص، وتضحية بالغالي والرخيص في سبيل الإسلام الحنيف.
هذه هي خديجة أول من آمنت باللّه ورسوله، وصدّقت محمَّداً فيما جاء به عن ربه، من النساء، وآزرته، فكان(ص) لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه من ردّ عليه، وتكذيب له إلاّ فرّجَ اللّه عنه بخديجة الّتي كانت تخفف عنه(14)، وتهوّن عليه ما يلقى من قومه، بما تمنحه من لطفها، وعطفها، وعنايتها به(ص)، في غاية الإخلاص والودّ والتفاني.
ولهذا كان رسول اللّه(ص) يحبُّها حباً شديداً ويجلّها ويقدرها حق قدرها(15)، ولم يفتأ يذكرها، ولم يتزوج عليها غيرَها حتّى رحلت وفاء لها، واحتراماً لشخصها ومشاعرها، وكان يغضب إذا ذكرها أحدٌ بسوء، كيف وهي الّتي آمنت به إذ كفر به الناسُ، وصدّقته إذ كذّبه الناسُ، وواسته في مالها إذ حرمهُ الناسُ.
ولهذا أيضاً كانت وفاتها مصيبة عظيمة أحزنت رسول اللّه(ص) ودفعته إلى أن يسمّي ذلك العام الّذي توفي فيه ناصراه وحامياه، ورفيقا آلامه (زوجته هذه: خديجة بنت خويلد، وعمه المؤمن الصامد الصابر أبو طالب عليهماالسلام) بعام الحداد، أو عام الحزن(16) وأن يلزم بيته ويقلّ الخروج(17)، وأن ينزل(ص) عند دفنها في حفرتها، ويدخلها القبر بيده، في الحجون(18).
عن ابن عباس في حديث طويل في زواج فاطمة الزهراء عليهاالسلام بعلي عليهالسلام اجتمعت نساء رسول اللّه(ص)، وكان يومئذ في بيت عائشة ليسألنّه أن يُدخلَ الزهراء على (عليّ) عليهالسلام فاحدقْن به وقلت: فَديناك بآبائنا وأُمهاتنا يا رسول اللّه قد اجتمعنا لأمر لو أنّ خديجة في الأحياء لتقرّتْ بذلك عينُها.
قالت أمُ سلمة: فلما ذكرنا خديجة بكى رسولُ اللّه(ص) ثم قال: «خديجة وأين مثل خديجة، صدَّقْتني حين كذَّبني الناس ووازرتني على دين اللّه وأعانتني عليه بمالها، إنّ اللّه عزّ وجلّ أمرَني أنْ أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب (الزمرّد) لا صخَبَ فيهِ ولا نصَب»(19).
لقد كانت خديجة من خيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهنّ مالا، وأحسنهن جمالا وأقواهنُّ عقلا وفهماً وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشدَة عفافها وصيانتها(20) ويقال لها: سيدة قريش(21)، وكان لها من المكانة والمنزلة بحيث كان كل قومها وسراة أبناء جلدتها حريصين على الاقتران بها(22)، وقد خطبها -كما يحدثنا التاريخ- عظماء قريش وبذلوا لها الأموال، وممن خطبها عقبة بن ابي معيط و الصلت بن أبي يهاب وأبو جهل وأبو سفيان فرفضتهم جميعاً، واختارت رسول اللّه -وهي في سن الأربعين وهو(ص) في الخامسة والعشرين- وهي تمتلك تلكم الثروة الطائلة، وهو(ص) لا يمتلك من حطام الدنيا إلاّ الشيء اليسير اليسير، رغبة في الاقتران به ولما عرفت فيه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة والصفات العالية، وهي ما كانت تبحث عنه في حياتها وتتعشقه وإذا بتلك المرأة الغنية الثرية العائشة في أفضل عيش تصبح في بيت زوجها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك الزوجة المطيعة الخاضعة، الوفية المخلصة، وتسارع إلى قبول دعوته، واعتناق دينه بوعي وبصيرة وإرادة منها واختيار، وهي تعلم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ومتاعب، وتجعل كل ثروتها في خدمة العقيدة والمبد، وتشاطر زوجها آلامه، ومتاعبه، وترضى بأن تذوق مرارة الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وفي سنّ الرابعة أو الخامسة والستين. وهي مع ذلك تواجه كل ذلك بصبر وثبات(23)، ودون أن يذكر عنها تبرُّم أو توجع.
هذا مضافاً إلى أنها كانت تعامل رسول اللّه(ص) بأدب تامّ يليق بمقام الرسالة والنبوة، على العكس من غيرها من بعض نساء النبيّ اللائي كنّ ربما يثرن سخطه وغضبه، ويؤذينه في نفسه وأهله.
وإليك فيما يأتي بعض ما قاله عنها كبار الشخصيات، والمؤرخين ممّا يكشف عن عظيم مكانتها عند المسلمين أيضاً، قال اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام: «كنتُ أولَ من أسلَم، فمكَثْنا بِذلِكَ ثلاث حجَج وما عَلى الأَرض خَلْقٌ يُصلّي ويشهَد لرسول اللّه(ص) بما أتاهُ غيْري، وغير ابنة خويلد رحمها اللّه وقد فعل»(24).
وقال محمَّد بن إسحاق: كانت خديجة أولَ من آمن باللّه ورسوله وصدّقت بما جاء من اللّه، ووازرته على أمره فخفف اللّه بذلك عن رسول اللّه، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج اللّه ذلك عن رسول اللّه(ص) بها إذا رجع إليها تثبِّتُه، وتخفّف عنه، وتهوّن عليه أمر الناس حتّى ماتت رحمها اللّه(25).
وعنه أيضاً: أن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واح، فتتابع على رسول اللّه(ص) هلاك خديجة وابي طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام، وكان رسول اللّه يسكن اليها(26).
وقال أبو امامة ابن النقاش: ان سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ومؤازرتها ونصرتها وقيامها للّه بمالها ونفسها لم يشركها فيهُ احدٌ لا عائشة ولا غيرها من اُمهات المؤمنين(27).
وقد جاء في المنتقى: إن رسول اللّه(ص) عند ما اُمِرَ بأن يصدع بالرسالة صعد على الصفا، وأخبر الناس بما أمره اللّه به فرماه أبو جهل قبحه اللّه بحجر فشجّ بين عينيه، وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتّى أتى الجبل، فسمع عليّ وخديجةٌ بذلك فراحا يلتمسانه(ص) وهو جائع عطشان مرهق، ومضت خديجة تبحث عنه في كل مكان في الوادي وهي تناديه بحرقة وألم، وتبكي وتنحب، فنظر جبرئيل إلى خديجة تجول في الوادي فقال: يا رسول اللّه الا ترى إلى خديجة فقد أبكت لبكائها ملائكة السماء؟ اُدعُها اليك فاقرأها مني السلام وقل لها: إن اللّه يقرئك السلامَ، ويبشّرها أن لها في الجنةِ بيتاً من قصب لا نصَبَ فيه ولا صخَب فدعاها النبي(ص) والدماء تسيلُ من وجههِ على الارض وهو يمسحها ويردّها، وبقي رسول اللّه(ص)، وعلي وخديجة هناك حتّى جَنَّ الليلُ فانْصرفوا جميعاً ودخلت به خديجةُ منزلها، فأقعدَتْه على الموضع الّذي فيه الصخرة واظلّته بصخرة من فوق رأسه، وقامت في وجهِه تستره ببُردها وأقبلَ المشركون يرمونه بالحجارة، فاذا جاءتْ من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة، وإذا رمَوْهُ مِن تحته وقتْهُ الجدرانُ الحُيّط، وإذا رُميَ من بين يديه وقتْهُ خديجة رضي اللّه عنها بنفسها، وجعَلتْ تنادي يا معشر قريش ترمى الحُرّةُ في منزلها؟ فلَمّا سمِعوا ذلك انصرفُوا عنه، وأصبَحَ رسولُ اللّه(ص)، وغدا إلى المسجد يُصلّي(28).
ولقد بَلَغ من خضوعها لرسول اللّه(ص) وحبّها له أنها بعد أن تمَ عقدُ زواجها برسول اللّه(ص) قالت له(ص): «إلى بيتك، فبيتي بيتك، وأنا جاريتك» (29).
وجاء في السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية: ولسبقها إلى الإسلام وحسن المعروف جزاها اللّه سبحانه فبعث جبرئيل إلى النبي(ص) وهو بغار حراء وقال له: اقرأ عليهاالسلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب؛ فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبرئيل السلام، وعليك يا رسول اللّه السلام ورحمة اللّه وبركاته، وهذا من وفور فقهها رضي اللّه عنها حيث جعلت مكان ردّ السلام على اللّه الثناء عليه ثم غايرت بين ما يليق به وما يليق بغيره، قال ابن هشام والقصب هنا الؤلؤ المجوف، وأبدى السهيلي لنفي النصب لطيفة هي أنه(ص) لما دعاها إلى الايمان أجابت طوعاً ولم تحوجه لرفع صوت ولا منازعة ولا نصب بل ازالت عنه كل تعب، وآنسته من كل وحشة، وهوّنت عليه كل عسير فناسب ان تكون منزلتها الّتي بشرها بها ربُها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها رضي اللّه عنها واقراء السلام من ربها خصوصية لم تكن لسواها، وتميزت أيضاً بأنها لم تسؤه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم تغاضبه قط، وقد جازاها فلم يتزوج عليها مدة حياتها وبلغت منه ما لم تبلغه امرأة قط من زوجاته(30).
افتخار أهل البيت بخديجة عليهاالسلام:
وما يدل على سمو مقامها وعلو منزلتها أن أهل البيت عليهمالسلام طالما افتخروا بأن خديجة منهم، وأنهم من خديجة وقد كانوا يعتزون بها، ويشيدون بمكانتها:
فقد خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين عليهماالسلام جالسان تحت المنبر فذكر علياً عليهالسلام فنال منه ثم نال من الحسن فقام الحسين عليهالسلام ليردَّ عليه فأخذه الحسن بيده وأجلسه ثم قام فقال: «أيُّها الذاكِرُ عَليّاً أنا الحَسن وأبي عليّ وأنت معاويةُ وأبوك صخرٌ واُمي فاطمة واُمُّك هند وجدي رسُول اللّه وجدُّك عُتبةُ بنْ رَبيعة وجدتي خديجة وجدتُك قتيلة فلعن اللّه أخْمَلَنا ذكراً والأَمُنا حَسَباً وشَرَّنا قديماً وحديثاً. فقال طوائفُ من أهل المسجد: آمين(31).
وقيل: إن الحسين(ع) ساير أنس بن مالك فأتى قبرَ خديجة فبكى ثم قال: إذْهَبْ عَنّي قال أنس؛ فاستخفيتُ عنه فلما طال وقوفُه في الصلاة سمعته يقول:
يا رَبِّ يَا رَبِّ أنْتَ مَولاهُ فَاْرحَمْ عُبيْداً إلَيْكَ مَلْجاهُ
يا ذا المَعالِي عَلَيْكَ مُعْتَمدي طُوبْى لِمَنْ كُنْت اَنتَ مَوْلاهُ
طُوْبى لِمَنْ كانَ خادِماً أرقاً يَشْكُوْ إلى ذِيْ الجَلالِ بَلْواهُ
إلى آخر الابيات(32).
هكذا كان أهل البيت النبوي ـ اقتداءً برسول اللّه(ص) يحترمون خديجة ويكرمونها لما كان لها من شخصية عظيمة ولما أسدته إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام من خدمات لا تنسى على مرّ الدهور.
إن بيان ونقل الأحاديث والروايات، وكذا الأقوال الّتي وردت في شأن خديجة والحديث عن شخصيتها ومكانتها ومدى إسهامها في إنجاح ونصرة الدعوة المحمدية خارج عن إمكانية هذه الدراسة، ونطاقها، لذلك نكتفي بهذه الإلماعة العابرة تاركين الكلام بإسهاب حولها إلى مجال آخر.
__________________
1- صحيح مسلم: ج ٧، ص ١٣٣، مستدرك الحاكم: ج ٣، ص ١٨٤ و ١٨٥ بطرق متعددة صحيحة على شرط الشيخين.
2 و3- صحيح مسلم: ج ٧، ص ١٣٤، ومثلها في صحيح البخاري: ج ٥، ص ٣٨ و ٣٩.
4ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ١٨، ص ١٠٨.
6ـ سفينة البحار: ج ١، ص ٣٨٠ (خدج).
7ـ أسد الغابة: ج ٥، ص ٤٣٨، ورواها مسلم أيضاً: ج ٧، ص ١٣٤، وكذا البخاري: ج ٥، ص ٣٩ وقد حذفا آخرها من: فغضب حتّى ... إلى آخر الرواية.
8ـ السيرة الحلبية: ج ١، ص ٣٤٧، وأُسد الغابة: ج ٥، ص ٤٣٩.
9ـ الخصال للصدوق: ج ١، ص ٩٦، كما في بحار الأنوار: ج ١٦، ص ٢.
10ـ المستدرك على الصحيحين: ج ٣، ص ١٨١٦.
11ـ الخصال: ج ١، ص ٩٦، كما في البحار: ج ١٦، ص ٢.
12 و 13ـ المستدرك على الصحيحين: ج ٣، ص ١٨٤ ـ ١٨٦ ووردت روايات بمضمون ذيل الحديث في صحيح مسلم: ج ٧، ص ١٣٣.
14ـ الخصال: ج ٢، ص ٣٧ و ٣٨، كما في بحار الأنوار: ج ١٦، ص ٣.
15ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة: ج ١، ص ٣٢٨.
16ـ أعلام النساء: ج ١، ص ٣٣٠.
17ـ تاريخ اليعقوبي: ج ٢، ص ٣٥، وقد روي عنه(ص) أنه قال بهذه المناسبة: «اجمتعت على هذه الاُمة مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشدّ جزعاً » المصدر نفسه، وراجع تاريخ الخميس: ج ١، ص ٣٠١ نقلا عن سيرة مغلطاي.
18ـ السيرة الحلبية: ج ١، ص ٣٤٧، المواهب اللدنية حسب نقل تاريخ الخميس: ج ١، ص ٣٠٢ وفيه إضافة: ونالت قريش منه ما لم تكن تنال.
19ـ السيرة الحلبية: ج ١، ص ٣٤٦.
20ـ بحار الأنوار: ج ٤٣، ص ١٣١ نقلا عن كشف اليقين.
21 و 22 و 23 ـ السيرة الحلبيّة: ج ١، ص ١٣٧.
24ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ١٤، ص ٥٩ قال: خديجة بنت خويلد وهي عند رسول اللّه(ص) محاصَرة في الشِعب.
25ـ بحار الأنوار: ج ١٦، ص ٢ ومثله في روايات متعددة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ٤، ص ١١٩ و ١٢٠.
26ـ بحار الأنوار: ج ١٦، ص ١٠ ـ ١٢.
27ـ نفس المصدر.
28ـ تاريخ الخمس في أحوال أنفس نفيس: ج ١، ص ٢٦٦.
29ـ بحار الانوار: ج ١٨، ص ٢٤٣.
30ـ بحار الأنوار: ج ١٦، ص ٤ نقلا عن الخرائج والجرايح: ص ١٨٦ و ١٨٧.
31ـ السيرة الحلبية: ج ١، ص ١٦٩ الهامش.
32ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج ١٦، ص ٤٦ و ٤٧.
المصدر: كتاب سيد المرسلين: الشيخ جعفر السبحاني، ج1.
اترك تعليق