مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

العللُ الظاهرية والحقيقية وراء زواج خديجة بالنبيّ(ص)

العللُ الظاهرية والحقيقية وراء زواج خديجة بالنبيّ(ص)

إن الإنسان الماديّ الّذي ينظر إلى كل ما يحيط به من خلال المنظار المادي ، ويفسره تفسيراً مادياً قد يتصور (وبالأحرى يظن) أن «خديجة» كانت امرأة تاجرة تهمُّها تجارتها، وتنمية ثروتها، ولأنها كانت بحاجة ماسة إلى رجل أمين قبل أي شيء، لذلك وجدت ضالتها في محمَّد الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتزوجت منه، بعد أن عرضت نفسها عليه ومحمَّد(ص) هو الآخر حيث أنه كان يعلم بغناها وثروتها، قبِل بهذا العرض رغم ما كان بينه وبينها من فارق في السن كبير.

ولكن التاريخ يثبت أن ثمة أساباباً وعللا معنويّة لا مادية هي الّتي دفعت بخديجة للزواج بأمين قريش وفتاها الصادق الطاهر.

وإليك في ما يأتي شواهدنا على هذا الأمر:
1
ـ عند ما سألت «خديجة» ميسرة عما رآه في رحلته من فتى قريش «محمَّد» فخبّرها ميسرة بما شاهد ورأى من «محمَّد» في تلك السفرة، وبما سمعه من راهب الشام حوله أحسَّت «خديجة» في نفسها بشوق عظيم ورغبة شديدة نحوه كانت نابعة من اعجابها بمعنوية محمَّد(ص) وكريم خصاله، وعظيم أخلاقه، فقالت من دون إرادتها: «حسبُك يا ميسرة؛ لقد زدتني شوقا إلى محمَّد(ص)، إذهبْ فانت حرٌ لوجه اللّه، وزوجتك وأولادك ولَك عندي مائتا درهم وراحلتان» ثم خلعَت عليه خلعة سنية.

ثم إنها ذكرت ما سمعته من «ميسرة» لورقة بن نوفل وكان من حكماء العرب: فقال ورقة: «لئنْ كانَ هذا حَقاً يا خديجة إنّ محمَّداً لنبيُّ هذهِ الامُّة»(1).
2
ـ مرَّ النبيّ(ص) يوماً بمنزل «خديجة بنت خويلد» وهي جالسة في ملأ من نسائها وجواريها وخدمها وكان عندها حبرٌ من أحبار اليهود ، فلما مرّ النبيّ(ص) نظر إليه ذلك الحبر وقال: يا خديجة مري مَنْ يأتي بهذا الشاب ، فارسلت إليه من أتى به، ودخل منزلَ «خديجة»، فقال له الحبر: إكشفْ عَنْ ظهرك فلما كشف له قال الحبر: هذا واللّه خاتم النبوة فقالت له خديجة: لو رآك عمه وأنت تفتّشه لحلّت عليك منه نازلة البلاء وان أعمامه ليحذرون عليه من أحبار اليهود.

فقال الحبر: ومن يقدر على «محمَّد» هذا بسوء، هذا وحق الكليم رسولُ الملك العظيم في آخر الزمان، فطوبى لمن يكون له بعلا، وتكون له زوجة وأهلا فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.

فتعجَّبت «خديجة»، وانصرف «محمَّد» وقد اشتغل قلبُ «خديجة» بنت خويلد بحبه فقالت: أيها الحبر بمَ عرفت محمَّداً انه نبي؟

قال: وجدتُ صفاته في التوراة انه المبعوثُ آخر الزمان يموت أبوه وامُّه، ويكفله جدّه وعمه، وسوف يتزوج بامرأة من قريش سيدة قومها وأميرة عشيرتها، وأشار بيده إلى خديجة فلما سمعت «خديجة» ما نطق به الحبر تعلق قلبُها بالنبيّ(ص) فلما خرج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك محمَّدٌ فهو الشرف في الدنيا والآخرة(2).
3-
لقد كان ورقة بن نوفل (وهو عم خديجة وكان من كُهّان قريش وقد قرأ صحف شيث عليه‌السلام وصحف إبراهيم عليه‌السلام وقرأ التوراة والإنجيل وزبور داود  عليه‌السلام) يقول دائماً: سيُبعَثُ رجلٌ من قريش في آخر الزمان يتزوج بامرأة من قريش تسود قومها (أو تكون سيدة قومها، وأميرة عشيرتها)، ولهذا كان يقول لها: «يا خديجة سوف تتصلين برجل يكون أشرف أهل الأرض والسماء»(3).

هذه قضايا ذكرها بعض المؤرخين، وهي منقولةٌ ومثبتة في طائفة كبيرة من الكتب التاريخية، وهي بمجموعها تدل على العلل الحقيقية والباطنية لرغبة خديجة في الزواج برسول اللّه(ص)، وإن هذه الرغبة كانت ناشئة من إعجاب خديجة بأخلاق فتى قريش الأمين، ونبله، وطهارته، وعظيم سجاياه وخصاله وحبها لهذه الاُمور، وليس هناك أي أثر في علل هذا الزواج لأمانة محمَّد(ص) وكونه أصلَح من غيره لهذا السبب للقيام بتجارة خديجة(ع).

__________________
1
ـ بحار الأنوار: ج ١٦، ص ٥٢.
2
ـ السيرة النبوية: ج ١، ص ١٩١، السيرة الحلبية: ج ١، ص ١٣٦.
3
ـ بحار الأنوار: ج ١٦، ص ٢٠ و ٢١ نقلا عن كتاب الأنوار لأبي الحسن البكري.


المصدر: كتاب سيد المرسلين: الشيخ جعفر السبحاني، ج1.

التعليقات (0)

اترك تعليق