مال خديجة عليها السلام قام عليه الإسلام
أشارت العديد من المصادر التاريخية وغيرها إلى كثرة مال خديجة عليها السلام وآثاره في تحريك الاقتصاد في مكة ودوره في دعم الرسالة المحمدية، وما رافق ذلك من امتعاض لبعض الكتاب الذين وجدوا مغرمهم في إثارة الشبهات حول هذا المال، ولذا وجدت لزاماً مناقشة هذه الأقوال والردّ على هذه الشبهات.
المسألة الأولى: حجم مالها
لقد تناول المؤرخون وغيرهم حجم مال خديجة عليها السلام فكان كالآتي:
1- روى الشيخ الطوسي في أماليه في أمر علي عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فمما ذكر: (وأمر أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم.
قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله –يعني ابن أبي رافع- أو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجد ما ينفقه هكذا؟
فقال: إني سألت أبي عما سألتني، وكان يحدّث بهذا الحديث، فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجة عليها السلام)(1).
2- قال المسعودي: وكانت خديجة بنت خويلد من مياسير قريش وتجارها تستأجر الرجال وتبعثهم في مالها(2).
3- قال السيد ابن طاووس: (ولمّا كان بمكة كان له مع ماله ومال كفيله وعمّه أبي طالب مال خديجة التي يضرب بكثرة مالها الأمثال)(3).
4- قال المجلسي: (كانت أكثر قريش مالاً وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ينفق منه ما شاء في حياتها)(4).
ونقل في وصفها: (بأنّها كانت ملكة عظيمة، وكان لها من الأموال والمواشي ما لا يحصى)(5).
5- قال التستري: (إنّ أهل الأثر مجمعون على أنّ خديجة كانت أيسر قريش وأكثرهم مالاً وتجارة)(6).
6- قال الشيخ أبو الحسن البكري: (كان لخديجة في كلّ ناحية عبيد ومواشٍ، حتى قيل: إنّ لها أزيد من ثمانين ألف جمل متفرقة في كلّ مكان)(8).
المسألة الثانية: خديجة تهب جميع ما تملك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
هذه الصورة التاريخية عن حجم المال الذي تملكه السيدة خديجة عليها السلام قد انتقل إلى ملكية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك من خلال ما قامت به خديجة عليها السلام من تقديمها هذا المال هبة إليه صلى الله عليه وآله وسلّم بعد زواجها منه ليتصرّف فيه كيفما يشاء، فقد روى المجلسي قدس سره: (إنّ خديجة قالت لعمّها ورقة: خذ هذه الأموال وسر بها إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وقل له: إنّ هذه جميعاً هدية له، وهي ملكه يتصرّف فيها كيف يشاء، وقل له إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك، وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد –صلى الله عليه وآله وسلم- إجلالاً وإعظاماً له،
فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إنّ خديجة تشهدكم على أنّها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا لمحمد –صلى الله عليه وآله وسلم- وجميع ما بذل لها مقبول منه وهو هدية منها إليه إجلالاً له وإعظاماً ورغبة فيه، فكونوا عليها من الشاهدين(8).
والسؤال المطروح هو: ماذا عمل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المال؟
أولاً: لم تشر الروايات الصحيحة إلى أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد استفاد من هذا المال لغرض التجارة، أي أنّه لم يستخدمه في التجارة بعد أن انتقل إليه من خديجة عليها السلام.
بمعنى آخر: لم يستخدمه صلى الله عليه وآله وسلم خلال الفترة التي سبقت البعثة النبوية والبالغة خمس عشرة سنة، وهذا يدلّ على حكمته البالغة، فقد قطع بهذا الصنيع الطريق على أعدائه في مختلف الأزمنة من التقوّل والافتراء عليه في غرضه من الزواج بخديجة عليها السلام على الرغم من هذه السنين.
ثانياً: أمّا بعد البعثة فقد استخدم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذا المال في الإنفاق في سبيل الله تعالى ونشر كلمة التوحيد.
حتى قال: "ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة عليها السلام"(9).
(وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفك من مالها الغارم، والعاني، ويحمل الكل، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة)(10).
الهوامش:
(1) الأمالي للصدوق: ص 468.
(2) البدء والتاريخ للمسعودي: ج1، ص 226.
(3) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس: ص 406.
(4) بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 16، ص 20.
(5) مستدرك سفينة البحار للنمازي الشاهرودي: ج9، ص 478.
(6) الصوارم المهرقة لنور الله التستري: ص 326.
(7) بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج16، ص 22، نقلاً عن أبي الحسن البكري في كتابه اللمع؛ الخصائص الفاطمية للكجوري: ج1، ص 449.
(8) بحار الأنوار للمجلسي: ج 16، ص 22.
(9) الأمالي للشيخ الطوسي: ص 468؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج1، ص 140؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج19، ص63؛ التعجب لأبي الفتح الكراكجي: ص 103؛ مستدرك سفينة البحار: ج3، ص 34. مستدركات علم الرجال للشاهرودي: ج8، ص 572.
(10) الأمالي للطوسي: ص 468.
مصدر: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، دراسة وتحقيق السيد نبيل الحسني، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، ط1، 2011م، كربلاء المقدسة- العراق.
اترك تعليق