مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

وصيّة السيدة خديجة(ع)

وصيّة السيدة خديجة(ع)

أما هذا الخير الكثير لخديجة فهو جوار ربها بعد أن جاهدت في سبيله هذه السنوات حتى اللحظات الأخيرة التي عاشتها مع رسول الله(ص).
ولذا: أخذت توصي رسول الله بوصاياها فقالت:
"يا رسول الله اسمع وصاياي أولاً فإني قاصرة في حقك فاعفني يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"حاشا وكلا، ما رأيت منك تقصيراً فقد بلغت جهدك وتعبت في داري غاية التعب ولقد بذلت أموالك، وصرفت في سبيل الله جميع مالك".
قالت: يا رسول الله، الوصيّة الثانيّة: أوصيك بهذه وأشارت إلى فاطمة، فإنها غريبة من بعدي فلا يؤذيها أحد من نساء قريش، ولا يلطمن خدها ولا يصحن في وجهها، ولا يرينها مكروهاً.
وأما الوصيّة الثالثة: فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك فإني مستحيّة منك يا رسول الله. فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرج من الحجرة فدعت بفاطمة وقالت: يا حبيبتي وقرة عيني قولي لأبيك إنّ أمي تقول: أنا خائفة من القبر أريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفنني فيه فخرجت فاطمة وقالت لأبيها ما قالت أمها خديجة.
فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسلم الرداء إلى فاطمة وجاءت به إلى أمها فسرت به سروراً عظيماً"(1).
إلا أن قلب خديجة عليها السلام بقي متعلقاً بأمر آخر لم تكشفه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم تظهره لابنتها فاطمة صلوات الله وسلامه عليها؛ لأنه أمر خاص ومتعلق بخصوصيّة المرأة، والأمر حينما يكون من خصوصيّات المرأة فإنه محفوف بالحياء ومتّشح بالستر لأن مصدره العفة.
ولذلك لم تجد غير أسماء بنت عميس معيناً لها في حمل هذه الوصيّة، وذلك بعد أن دخلت عليها فوجدتها –بأبي وأمي- تبكي، فقالت: "أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين، وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبشرة على لسانه بالجنة؟!. فقالت –عليها السلام-:
ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تقضي إليها بسرها وتستعين لها على حوائجها وفاطمة حديثة عهد بصبي وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ.
فقلت: يا سيدتي لك عليّ عهد الله إنّ بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر"(2).
وتمر الأيام والشهور وتزف فاطمة الزهراء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما وتحضر زفافها أسماء بنت عميس، ولا بد لها أن تبرّ قسمها لخديجة عليها السلام في هذه الليلة.
فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر النساء بالخروج من الدار فخرجن وبقيت أسماء، فلما أراد الخروج رأى سوادها فقال: "من أنت؟.. –قالت- فقلت: أسماء بنت عميس. فقال: ألم آمرك أن تخرجي؟
قالت، فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، وما قصدت خلافك ولكني أعطيت خديجة عهداً وحدثته.
فبكى صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "تالله لهذا وقفت؟".
قالت، فقلت: نعم والله، فدعا لي"(3).
ولا يخفى على اللبيب ما في بكاء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من الدلالات عند سماعه حديث أسماء بنت عميس، وهي تقصّ عليه وصيّة خديجة بفاطمة عليهما السلام.
وإني لا أدري أأعجب من حنان خديجة وحبها لابنتها فاطمة عليها السلام أم أعجب من حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة وبكائه عند سماعه ذكرها.
أما سبب بكاء خديجة عليها السلام فلأنها كانت وحيدة فقد قاطعها نساء قريش وهجرنها فلم يبق لديها من تبث له حزنها وتوصيه بفاطمة، ولعل دخول أسماء كان استثنائيّاً أو لعلها سمعت بمرضها فحنت عليها فجاءت تعاودها فوجدت خديجة متنفساً لها.



الهوامش:
1- شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري: ج2، ص 235.
2- البحار للمجلسي: ج43، ص 138؛ كشف الغمة للأربلي: ج1، ص 375؛ كشف اليقين للعلامة الحلي: ص 198.
3- المصادر السابقة.


المصدر: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، دراسة، وتحقيق السيد نبيل الحسني، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، ج4، ط١، ٢٠١١م، كربلاء المقدسة العراق.

التعليقات (0)

اترك تعليق