مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

رؤيا بعض الصحابة لخديجة عليها السلام في منامها وحثها لهم على نصرة الإمام الحسين(

رؤيا بعض الصحابة لخديجة عليها السلام في منامها وحثها لهم على نصرة الإمام الحسين(ع)

لم تزل رزية أهل البيت عليهم السلام ومصابهم بالإمام الحسين(ع) وأبنائه وأصحابه من أعظم الرزايا التي حلّت على الإسلام والمسلمين، بل: لم يشهد بين من بيوت الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ألماً وأذى مثلما شهده بيت المصطفى(ص) بهذه الفاجعة.
ولذلك:
لا يمكن تحديد حجم الأذى والألم الذي نزل بكل من له نسب أو سبب برسول الله(ص) فضلاً عن الأقربين لسيد الشهداء عليه السلام كأمه وأبيه وجده وأخيه لاسيما جدته خديجة الكبرى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وعليه:
فليس من الغريب أن يرى بعض الصحابة كسليمان بن صرد الخزاعي خديجة عليها السلام في منامه وهي تحثه على نصرة آل البيت عليهم السلام بعد وقوع مأساة الطفوف.
أما لماذا سليمان بن صرد دون غيره؟
فذلك لنهوض سليمان وبعض أصحابه وخواصه من التابعيين كالمسيب ابن نجبة القزازي وجمع من أهل الكوفة لقتال بني أميّة وإسقاط حكمهم بعد أن أقدموا على قتل ريحانة رسول الله(ص) وأهل بيته في كربلاء.
(فخرجوا من الكوفة وكانوا أربعة آلاف فأتوا عين الوردة وهي ناحية قرقيسياء فلقيهم جمع من أهل الشام وهم عشرون ألفاً عليهم الحصين بن نمير)(1)، لتشهد هذه البقعة صوراً يندر وجودها في التضحية والثبات حتى الممات تحت مواسي السيوف وأسنة الرماح ونصال السهام.
وتكشف بعض الروايات عن شدة القتال واستماتة التوابين في هذه المعركة (إن سليمان وأصحابه بقوا يقاتلون فيها سبعة أيام حتى قتل أصحاب سليمان، عدا سبعة وعشرين رجلاً مثخنين بالجراح المفرط، فالتمسوا منه الفرار فأبى إلا القتال حتى يقتل ويلقى الله ورسوله وهما راضيان عنه).
ولأنه كان صادقاً مع الله ورسوله في نفسه فقد (رأى سليمان في الليلة الثامنة وهو نائم خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام، فقالت له خديجة: "شكر الله سعيك ولأخوانك، فإنكم معنا يوم القيامة".
وقالوا: له: "أبشر، فأنت عندنا غداً عند الزوال")(2).
(فلما أصبح سليمان بن صرد ترجل عن جواده يقاتلهم فرماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فقتله فسقط وقال: فزت ورب الكعبة –فقطع رأسه- وحمله أدهم بن محرز الباهلي إلى مروان بن الحكم)(3).
فصلب الرأس بدمشق، مع رأس المسيب بن نجبة الفزاري، وكان له رضي الله تعالى عنه يوم قتل ثلاث وتسعون سنة(4).
ولعل بعض القراء يجهل حال سليمان بن صرد ومقامه بين صحابة رسول الله(ص)، ويعتقد بما يطبل له متزلقو بني أميّة في كيل التهم له ولأمثاله وأصحابه المجاهدين الذين حاربوا السلطان الجائر بالقول والفعل فنعتهم بنو أميّة بالخارجين على الحاكم أو محاربة أولي الأمر ونسوا أن الباطل لا يدوم والكاذب مفضوح وإن طال به الأمر؛ وإلا كيف لم يقنع أخلافهم بولاة الأمر في وقتنا المعاصر وهؤلاء الولاة لهم حق الطاعة كما كان أسلافهم يقولون؟ وكيف يسمون أنفسهم بالمجاهدين وغيرهم بالخارجيين.
وأنّى لأتباع السلف بنكران الطاعة والخروج على الولاة وهم اليوم يحيون تحت راية الدول الغربيّة أو الشرقيّة التي تعتقد بماركس وبوذا وغيرها؟! إنه واقع لن يجد له الخلف من فهم بفعل ما حرفه السلف.
[...] وعليه: تدل رؤياه وتشرفه بحضور خديجة الكبرى، وسيدة نساء العالمين فاطمة وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين صلوات الله وسلام عليهم أجمعين على منزلته ليهم، وصدق جهاده في سبيل الله تعالى؛ وهذا أولاً.
وثانياً: تكشف هذه الحادثة عن حجم الأذى والألم الذي نزل برسول الله(ص) وأهل بيته بما جرى في كربلاء من مصائب لم يزل الإسلام يئنّ منها حتى يأذن الله تعالى لمهدي آل محمد بن فاطمة صلوات الله عليه وعلى آبائه بأخذ الثأر لتلك الدماء الطاهرة.


الهوامش:
1- الطبقات لابن سعد: ج4، ص 292.
2- متدركات علم الرجال للشيخ علي النمازي: ج4، ص 137.
3- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج4، ص 292.
4- نفس المصدر السابق.


المصدر: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، دراسة، وتحقيق السيد نبيل الحسني، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، ج4، ط١، ٢٠١١م، كربلاء المقدسة العراق.

التعليقات (0)

اترك تعليق