أخوات السيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام
هالة بنت خويلد، الأخت الأولى لأم المؤمنين خديجة عليها السلام:
تعدُّ هالة بنت خويلد من حيث الشهرة أوفر حظاً من أخواتها الأخريات، فقد ورد اسمها في الصحاح وفي كتب التاريخ والسيرة من خلال دخولها على رسول الله(ص) بعد الهجرة إلى المدينة حسبما دلت عليه النصوص.
كما أن هالة بنت خويلد هي شقيقة أم المؤمنين خديجة عليها السلام(1).
أولاً: ما رواه الشيخان في الصحيح، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أنها قالت: "استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله(ص)، فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال اللهم هالة.
قالت –عائشة- فغرت! فقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها"(2).
والحديث فيه دلالات منها:
1- أنّ هالة بنت خويلد قد تكون أصغر سناً من خديجة عليها السلام، وقد تكون أكبر منها إلا أنّ الله تعالى قد أمدّ في عمرها فكانت تزور النبي(ص)، في حين لم نشهد مثل هذه الزيارات لبقية أخوتها، فقد يكنّ قد هلكن قبلها، وقد يكون إسلامهن قد تأخر.
2- أنّ هذه الزيارة كانت في المدينة المنورة بدلالة وجود عائشة وقولها (قد أبدلك الله خيراً منها).
3- أنّ الرواية تكشف عن غيرة عائشة المفرطة من خديجة عليها السلام، وحيث إنّ المرأة لا تتولد عندها الغيرة إلا بظهور حب الزوج لضرتها لاسيما أنها شاهدت ارتياع النبي(ص) حينما سمع استئذان هالة، فإن الرواية تكشف أيضاً عن الحب الكبير الذي يحمله رسول الله(ص) لأم المؤمنين خديجة عليها السلام.
ويبدو كذلك من النصوص أنّ عائشة كانت تكرر هذا القول في محضر رسول الله(ص) وتنال من السيدة خديجة عليها السلام كما يروي أحمد في المسند.
فقد قالت: (كان النبي(ص)) إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، قالت: فغرت يوماً فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيراً منها.
قال –(ص)-: ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء"(3).
ثانياً: واشتهرت هالة أيضاً من خلال ولدها أبي العاص بن الربيع ال1ي تزوج من ربيبة رسول الله(ص) زينب، ولم يثبت من خلال الفصول الأولى للكتاب تحديد بنوة زينب إلى واحدة من أخوات خديجة عليها السلام، فإما أنّ أمها قد توفيت سريعاً وإما أنّ زينب هي تجهل ذلك من الأصل ولم يخبرها أحد أو قد أخبرت بذلك ولكن الأمر لم يصل إلى تلك الشهرة التي يستحق، فالأمر مرتبط بأرحام خديجة وليس بها عليها السلام، فضلاً عن أننا وجدنا في حال مرور أبي طالب سلام الله عليه بمرحلة من الفقر فإنّ رسول الله(ص) قد اتفق مع عمه العباس بن عبد المطلب لتخفيف مؤونة أبي طالب فأخذ النبي(ص) علياً فتكفل به، وأخذ العباس عقيلاً فتكفل به.
والحال نفسه قد يكون جرى مع خديجة عليها السلام فبادرت إلى التخفيف عن مؤونة إحدى أخواتها أو إخوانها فتكفلت بزينب ورقية وأم كلثوم فنشأن في دارها وتربين تحت كنفها لاسيما أنها عُرفت بتلك الأخلاق الحميدة والسجايا الفاضلة، وسعة الحال، وكثرة المال.
ثالثاً: إن لهالة بنت خويلد خصوصيّة أخرى فهي أم رقيّة وأم كلثوم –كما مر بيانه سابقاً- ولذلك لها مكانة خاصة في نفس النبي(ص) يكشفها حاله عندما سمع استئذانها فضلاً عن أن لها خصوصيّة عند أختها خديجة وأنها كانت قريبة إلى قلبها فقد قامت بتنشئة بناتها (رقية وأم كلثوم) ولذلك حنّ لها النبي الأكرم(ص) وما يدل عليه:
1- أنّ بقية أخوات خديجة(ع) لم يقمن بتلك الزيارات لرسول الله(ص) كما سيمر بترجمتهن.
2- أنّ النبي الأكرم(ص) لم يبد اهتماماً ملحوظاً كما هو الحال مع أميمة بنت رقيقة بنت خويلد حينما جاءته تبايعه مع بعد النسوة –كما سيمر لاحقاً- وهذا كله يكشف عن حقيقة المكانة التي لهالة بنت خويلد عند رسول الله(ص).
خالدة بنت خويلد، الأخت الثانية لأم المؤمنين خديجة(ع):
اقتصر المؤرخون على ذكرها تحت عنوان "أسلاف النبي(ص)" فأُدرج اسمها مع زوجها علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة(4)، هو أحد أصهار رسول الله(ص).
ولم يذكر لنا التاريخ متى ولدت ومتى ماتت، أسلمت أم لم تسلم، وكم رزقت من الأولاد، وما شأن زوجها، كل ذلك لم يرد له ذكر في كتب التاريخ والسيرة.
رقيقة بنت خويلد، الأخت الثالثة لأم المؤمنين خديجة(ع):
وحالها أفضل من حال أختها خالدة، وإن كان ابن حبيب البغدادي (المتوفى 245هـ) قد اقتصر على ذكرها في أسلاف النبي(ص) حينما تزوجا عبدالله بن بجاد بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب فولدت له أمة الله بنت عبدالله بن بجاد.
إلا أن اسمها قد ورد في كتب الرجال من خلال ابنتها أميمة كأحد الرواة عن رسول الله(ص)، وفي كتب التاريخ من خلال بنات أميمة المعذبات في الله بمكة، هنّ الآتي ذكرهنّ:
أولاً: أميمة بنت رقيقة من أصحاب رسول الله(ص):
فأما كونها من رواة الحديث النبوي الشريف فقد ترجم لها ابن حجر بقوله: "أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرة، هي بنت بجاد، وأمها رقيقة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة.
روت عن النبي(ص)، روى عنها محمد بن المنكدر وبنتها حُكيمة بالتصغير(5).
وحديثها عن النبي الأكرم(ص)، أخرجه مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، والترمذي؛ قال مالك: حدثني محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة، أنها قالت: أتيت رسول الله(ص) في نسوة بايعنه على الإسلام. فقلن: يا رسول الله! نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف.
فقال رسول الله(ص): فيما استطعتن وأطقتن.
قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. هلم نبايعك يا رسول الله! فقال رسول الله(ص): إني لا أصافح النساء. إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة. أو مثل قوله لامرأة واحدة(6).
ولها حديث آخر تتحدث فيه عن أمها رقيقة حينما التقاها رسول الله في الطائف، خرج إليها طالباً النصرة بعد وفاة عمه أبي طالب رضوان الله تعالى عيه.
والحديث أخرجه الطبراني وابن حجر، من طريق عبد ربه بن الحكم عن أميمة، عن رقيقة، قالت: جاء رسول الله(ص) إلى الطائف يطلب النصر من ثقيف فدخل عليّ فسقيته سوقياً فشرب وقال: "لا تعبدي طاغيتهم ولا تصلي إليها".
فقلت: إذن يقتلوني.
قال: "فإن جاؤوك فقولي ربي، رب هذه الطاغية، ووليها ظهرك غذا صليت".
قالت: أميمة فحدثني أخواي وهب وسفيان ابنا قيس، قالا: لما أسلمت ثقيف، قال لنا النبي(ص): ما فعلت أمكما؟
قالا: ماتت على الحال التي فارقتها عليها. قال: أسلمت أمكما إذن"(7)
ثانياً: إن بنات أميمة من المعذبات بالله في مكة:
قال ابن سعد في الطبقات: واغتربت أميمة وتزوجها حبيب بن كعيب بن عتير الثقفي فولدت له النهديّة، وأم عبيس، وزنيرة، وأسلمن بمكة قديماً وكنّ ممن يعذب في الله فاشتراهن أبو بكر الصديق فاعتقهن، فقال له أبوه أبو قحافة: يا بني انقطعت إلى هذا الرجل وفارقت قومك وتشتري هؤلاء الضعفاء؟ فقال له: يا أبه أنا أعلم بما أصنع.
وكان مع النهديّة يوم اشتراها طحين لسيدتها تطحنه أو تدق لها نوى؛ فقال لها أبو بكر: ردي إليها طحينها أو نواها؟
فقالت: لا حتى أعمله لها، وذلك بعد أن باعتها وأعتقها أبو بكر، وأصيبت زنيرة في بصرها فعمي فقيل لها: أصابتك اللات والعزى؛ فقالت لا والله ما أصابني، وهذا من الله، فكشف الله عن بصرها ورده إليها فقالت قريش: ها بعض سحر محمد –(ص)-.
وهذا الحديث لا يستند إلى الصحة لما يأتي:
1- تقتضي الرواية أن يكون هؤلاء النساء في الرق وأنهنّ مملوكات إلى بعض نساء قريش، وهذا لا يصح مع ما عرفت به خديجة من حسن الحال ووفرة المال، فكيف بها تترك بنات أختها، وقد أسلمن وهن تحت سطوة الرق وذل العبوديّة حتى يأتي أبو بكر فيبذل ماله لعتقهن!
2- بل أين رسول الله(ص) عنهن لماذا يتركهن يذهبن للعذاب ولا يصنع لهنّ شيئاً، في حين نجده(ص) يواسي عماراً وأهله ويبشرهم بالجنة.
3- إنّ أمهن أميمة كانت قد أسلمت في عام الفتح حسبما أظهرت الرواية السابقة من مجيئها لمبايعة النبي(ص) مع مجموعة من النسوة فكيف كنّ بناتها من المعذبات في مكة وتحت الرق والعبوديّة؟
أفيكون إسلامهن مقدماً على أمهن أميمة، أم أنهن كنّ قد أسلمن معها، فلماذا لم يأتين مع أمهن لمبايعة النبي(ص)، وهنّ لم يكن متزوجات؟!
وعليه: يظهر من الرواية أنها أرادت أن تسجل لأبي بكر دوراً مصطنعاً يقترب به إلى السلاطين في عتقه لبعض المسلمين بأسلوب مفضوح سرعان ما تكشف زيفه وبطلانه.
هند بنت خويلد، الأخت الرابعة لأم المؤمنين خديجة(ع):
ويقال هي نفسها هالة بنت خويلد كما أشار إلى ذلك العيني(8)، وابن عساكر حينما ترجم لابن العاص بن الربيع(9)، وكذلك ابن كثير(10).
الهوامش:
1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج4، ص 1702.
2- صحيح البخاري، باب: تزويج النبي(ص) خديجة(ع): ج4، ص232.
3- مسند أحمد بن حنبل، من حديث عائشة: ج6، ص 118؛ فتح الباري لابن حجر: ج7، ص 103؛ الاستيعاب: ج4، ص 1825.
4- كتاب المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي: ص 100؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج6، ص 635.
5- الإصابة لابن حجر: ج8، ص 31، برقم 10855.
6- كتاب الموطأ: ج2، ص 983؛ مسند أحمد بن حنبل: ج6، ص 356؛ سنن الترمذي: ج3، ص 77.
7- المعجم الكبير للطبراني: ج7، ص 81؛ الإصابة لابن حجر: ج3، ص 108.
8- عمدة القارئ للعيني: ج4، ص 302.
9- تاريخ دمشق لابن عساكر: ج67، ص 8.
10- البداية والنهاية لابن كثير: ج6، ص 390.
المصدر: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، دراسة، وتحقيق السيد نبيل الحسني، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، ج4، ط١، ٢٠١١م، كربلاء المقدسة العراق.
اترك تعليق