مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

اخلقي الأجواء الدينية!!

اخلقي الأجواء الدينية!!

كل ما يشغل بال الأم، ويقلق راحتها، ويسلب منها الشعور بالطمأنينة!
هو خوفها المفرط إزاء سلوك أطفالها.. الذي بدأ يظهر عليهم بالعصيان مرة، والتقليد الأعمى مرة أخرى!
مخالفين بتصرفاتهم الهمجية، حدود توقعاتها واحتمالاتها.
..(.....) سيدة ناجحة بالفعل في حياتها.
لم تستطع أن تقف في وجه أحد أبنائها الذي أتعبها كثيراً.
فما أشد عناده! وما أكثر تمرده!! وكم هي عاجزة عن أن توصله إلى شاطئ الأمان!
حضر والده من سفر طويل استمر ثلاثة أشهر افتقد فيه الأبناء والزوجة حنان الأب وشفقته.
ساعات مرت وزوجها ينظر إلى أبنائه بكل معاني الشوق واللهفة، إلا أنه سرعان ما شعر.. بوجه زوجته الشاحب، ونظرات الألم التي تحاول إخفاءها بابتسامات لم تتعدَ الشفاه فقط!
ـ (....) ماذا هناك؟!
ـ لا شيء على الإطلاق. لا تشغل نفسك بهذه التفاهات، فيوماً ما سأخبرك بالأمر؟
.. تنفس الصعداء ببطء كعادته حين سماعه مثل هذه الأخبار، وقال: ـ أتعلمين السر في ذلك؟!
إن ابننا.. الذي أتعبك لم يكن يريد حزماً وحلاً معقداً، بقدر ما كان يريد بديلاً عني في غيابي، فلا يخفى عليك اصطحابي إياه لإقامة الصلاة في المسجد، ومجالس الوعظ، ووجودي بجانبه أُرشده وأُغذيه بقيم الدين، و... و.... ومن الآن فصاعداً سأكون معه وستعود الأيام الجميلة بيننا كما كانت وعلى أحسن ما يرام.
أبناؤنا.. وإن أغدقنا عليهم من فيض حبنا وحناننا إلاّ أنهم ما برحوا بحاجة ملحة لتقوية روح الإيمان في أعماقهم!
[فالتربية القائمة على أساس معرفة الله وتقواه هي التي تهيئ النشئ المسلم لحمل رسالته ومسؤوليتـه، كذلك فقد جـعل الإسلام للأبـوين بعد ذلك حقوقاً، وجعل العقـوق مـن أكبر
الكبائر][1].
ولذلك جاءت الرسالة المحمدية وطالبت علماء التربية بالاهتمام بالجانب الديني، وخلق الوازع الديني في النفوس، ليقي النفس من الشرور وحالات التمرد، والطغيان والانحراف.
[تسعى التربية الإسلامية بجميع طاقاتها، إلى تكوين الوازع الديني في أعماق النفس، ودخائل الذات بحيث يغالب الدوافع النفسية، ويتولى هو قيادة التسيير والتوجيه لهذا الإنسان.
إن العاصم الوحيد الذي يمكنه أن يحجز الإنسان من الانحراف، ويبعده عن الطغيان، إنما هو الضمير الواعي المترع بروح العقيدة والإيمان، وهو أعظم وازع من الوقوع في حمأة الرذائل والحرام.
ويجهد الإسلام على تكوينه وتقويمه ليكبح جماح الشهوات][2].
 إن حرص التربية الإسلامية على خلق الوازع الديني في النفس البشرية، إنما هو حافز تشجيع، لننطلق منه في رحاب الدين قلباً وقالباً.
في البيت... المجال مفتوح باستمرار!
لا تترددي في خلق الأجواء الروحية في داخله وذلك:

1 ـ ممارسة العبادات الدينية بشكل جماعي:  
 أنت تؤدين فرائضك على أحسن صورة!
هذا حسن جداً!!
ولكن!
الأحسن منه أن تطلبي من صغارك المشاركة الجماعية لإتيانها.
في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن و... و...
كلها تعطيك وبأسرع مما تتوقعين النتائج الإيجابية الجيدة، فما أجمل أن تؤدوا جميعاً الصلاة جماعة في المنزل، وإن لم تتهيأ الفرصة لخمس صلوات، فليكن على الأقل لمرة واحدة في اليوم.
جاء في الحديث: "الصلاة في جماعة تفضل على كلّ صلاة الفرد بأربعٍ وعشرين درجة، فتكون خمساً وعشرين صلاة"[3].
"من صلى الخمس في جماعة فظنوا به خيراً"[4].

2 ـ عيني لك وقتاً لقراءة المصحف المبارك:  
لا تنعزلي عن أفراد أسرتك مُدعية بأنك لا تستطيعين الترتيل، وسط ضوضائهم وضجتهم، بل هي فرصة سانحة لك تماماً.
إقرئي القرآن وفي وسطهم، وبصوت رخيم مسموع، فالآيات المباركة، تلعب دور السحر في أذهان الجميع حيث تضفي على القلوب الرهبة والخشوع والإجلال:
(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)[5].
فلا تكتفي بقراءته أمامهم، بل طالبيهم وشجعيهم على قراءته وتدبر آياته ومعانيه، وكوني معينة لهم في حفظه وترتيله.
قال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً، يرجون تجارةً لن تبور)[6].
إذا ناشدتنا وطالبتنا الآيات القرآنية والأحاديث المروية عن النبي(ص) وآل بيته الأطهار بقراءة القرآن وترتيله وتدبر معانيه!
فما بال من علَّم ولده قراءته؟!
جاء في الحديث: "من علم ولداً له القرآن، قلده قلادة يعجب منها الأولون والآخرون، يوم القيامة"[7].
وفي حديث آخر: "من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه ويعلمه القرآن"[8].
"الحافظ للقرآن، العامل به، مع السفرة الكرام البررة"[9].
عن أبي صدقة، قال: حدثني جعفر عن آبائه عليهم السلام، أنّ هذا من دعاء النبي(ص): (اللهم ارحمني بترك معاصيك أبداً ما أبقيتني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، واجعلني أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم نوّر بكتابك بصري، واشرح به صدري، وفرِّج به كربي، وأطلق به لساني، واستعمل به بدني، وقوني على ذلك فإنه لا حول ولا قوة إلاّ بك)[10].

3 ـ عوّدي نفسك على المستحبات:  
إن تعودك على المستحبات، هو أولاً تعويدك لأبنائك لممارسة الأمور الاستحبابية في حياتهم، وإلزامهم التعود عليها، واعتبارها أمراً إلزاميّاً لا بد منه.
"يذكر أحد علماء التربية والاجتماع أن أُمه كانت سبباً رئيسياً في اختياره درب الهدى، لكثرة ما كان يجد فيها الالتزام الحرفي لكل الواجبات والمستحبات، وعلى وجه الخصوص، أثناء قيامها لصلاة الليل، تقوم بإيقاظه وإيقاظ إخوته ليشاهدوها على سجادتها راكعة ساجدة مستغفرة!!
هذه الأجواء الدينية في المنزل، كانت كفيلة بخلق جيل صالح مقتدر والفضل كما ذكرت يرجع إلى الوالدين في الأسرة.

4 ـ الدعاء.. سلاح المؤمن:  
قال رسول الله(ص)"أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام"[11].
"قال أمير المؤمنين(ع): لا تستحقروا دعوة أحد، فإنه قد يستجاب اليهودي فيكم، ولا يستجاب لنفسه"[12].
فالدعاء قد يؤدي بالغرض ما لا يؤديه أي شيء آخر، فهو حوار بين المخلوق وخالقه وهو أرضية لإعلان التوبة والعفو والغفران عن اقتراف الذنوب والآثام.
فالدعاء يخلق من أبنائنا ـ جيلاً ملتزماً، مؤدياً لحقوق الله، مترفعاً عن الوقوع في الزلات والقبائح، إضافة إلى ذلك فإنه دواء لكل داء.
قال الإمام الصادق(ع)"عليك بالدعاء، فإن فيه شفاءً لكل داء"[13].
والدعاء إما لأجل الاستغفار عن الذنوب، وإما للوالدين والأقربين، وإما للمؤمنين والمؤمنات، وإما لشفاء المرضى، وإما للإخوان وإما... و....
إذن الدعاء وسيلة من وسائل التضامن الاجتماعي والتكاتف الأخوي، فيولّد في المرء ـ روحاً جديدة محبة للآخرين، متمنية لهم كل خير، أكثر ما يتمناه المرء لنفسه.
.. عن أبي عبد الله(ع) قال:
"كان أبي يقول: خمس دعوات لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى: دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم، ودعوة الولد الصالح لوالديه، ودعوة الوالد الصالح لولده، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب، فيقول: ولك مثله"[14].

5ـ تربية الحيوانات والطيور:  
هل تصدقين؟
إن تربية الطيور والدواجن، تحرك الهاجس الديني عند الطفل، لما يراه من عظمة الخالق، في إبداعه وتصويره للكائنات، إضافة إلى ذلك، حب الطفل للطيور والدواجن ورحمته بهم وشفقته عليهم، يخلق في نفسه الحب للمخلوقات جميعاً، فلذا وردت الروايات والأحاديث مشجعة على ذلك.
"عن داوود الرقيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأيت حماماً خرج من تحت سريره فقلت له: جُعلت فداك، أُهدي لك طيوراً عندنا بلقاً تقرقر
فقال أبو عبد الله(ع): تلك مسوخ من الطير إذا كنت متخذاً فاتخذ مثل هذه فإنها بقية حمام إسماعيل عليه السلام"[15].
"عن أنس قال: قال النبي(ص): الشاة في البيت ترُدّ سبعين باباً من الفقر"[16].
وقال: الشاة في الدار بركة، والسنور في الدار بركة، والرّحا في الدار بركة والشاة بركة، والشاتان بركتان، والثلاثة بركات كثيرة.
قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: إتخذوا في بيوتكم الدواجن يتشاغل بها الشيطان عن صبيانكم"[17].
"وقال أبو الحسن(ع): لا ينبغي أن يخلو بيت أحدكم من ثلاثة وهنّ عمّار البيت: الهرة والحمام والديك"[18].

6 ـ الاهتمام بحديقة المنزل من أشجار وزهور وأوراد:  
الاهتمام بحديقة البيت وزراعة الزهور والأوراد وسقي الأشجار فإن في ألوانها ورائحتها وثمارها ما يبيّن بوضوح عظمة الخالق وإبداعه في الكون...

________________________________________
[1]  التربية وبناء الأجيال في الإسلام/ أنور الجندي: ص174.
[2]  النظام التربوي في الإسلام: ص219.
[3]  ميزان الحكمة: ج5، ص410.
[4]  ميزان الحكمة: ج5، ص410.
[5]  سورة الحديد: الآية: 16.
[6]  سورة فاطر، الآية: 29.
[7]  ميزان الحكمة: ج5، ص75.
[8]  ميزان الحكمة: ج5، ص75.
[9]  ميزان الحكمة: ج5، ص75.
[10]  ميزان الحكمة: ص77، ج5.
[11]  ميزان الحكمة: ج5، ص418.
[12]  مكارم الأخلاق: ص271ـ 272.
[13]   مكارم الأخلاق: ص275.
[14]   مكارم الأخلاق: ص275.
[15]   مكارم الأخلاق: ص130ـ 131.
[16]   مكارم الأخلاق: ص130ـ 131.
[17]   مكارم الأخلاق: ص132.
[18]   مكارم الأخلاق: ص132.


المصدر: كتاب الحياة الزوجية (مشاكل وحلول)، صباح عباس.

التعليقات (0)

اترك تعليق