الشهيد القائد مصطفى بدر الدين "ذو الفقار" هو الوالد «الممتلئ بكل الصفات الجميلة» بحسب ابنته مروى
الأب الاستثنائي:
استطاع السيد رغم ظروفه الأمنية الصعبة أن يكون والداً استثنائياً لابنه علي ولبناته الخمس. لم تشغله كل الملفات العسكرية التي كانت موكلة إليه عن متابعة تفاصيل حياتهم. قبل بداية الحرب في سوريا، كان يخصص لكل واحد منهم «كزدورة» في السيارة، «تكون فرصة للحديث ولمعرفة أخبارنا»، يقولون. تذكر زينب (أكبر أولاده) «مشاوير الثلج مع بابا عندما كنا أطفال»، أما زهراء فتذكر «العجّة التي كان يحضرها لنا كوجبة للسحور في شهر رمضان المبارك، كان يوقظنا، وكان حريصاً على التزامنا بواجباتنا الدينية، كان هذا الموضوع إلى جانب التحصيل العلمي خطاً أحمر بالنسبة له».
تبتسم سارة، مضيفةً أن الشهيد كان خير معين في كتابة فروض الإنشاء، «كان يملك قلماً رائعاً، وخطاً جميلاً». أحبّت يوماً أن تثبت لوالدها أنها ورثت عنه حبه للتعبير بالكتابة، فاستغلت مناسبة عيد الأب لترسل له رسالة مرفقة بباقة من الورد، «وقد أخبرني أحد مرافقيه بعد استشهاده، أنهم وجدوا تلك الرسالة معلقة في غرفته في سوريا، لقد كان حريصاً على الاحتفاظ بها بالرغم من أنه مضى على إرسالها عشر سنوات تقريباً». يحدثنا أولاد السيد عن «مواهبه»، كأب «كان يجيد صنع الفرح والدهشة في تفاصيل يومياتنا، ولو بأبسط الوسائل». كان «يحرص عند إحضار الحلوى لنا عندما كنا صغاراً، أن لا يقدمها بطريقة عادية»، يقولون، «كنا نستيقظ صباحاً لنجدها مرتبة أرضا من أسرّتنا وصولاً إلى باب المنزل، فنسارع إلى جمعها بمتعة كبيرة».
ابتسامة الشهيد مصطفى، هي الأكثر حضوراً في مخيلة أولاده، ربما لأنها لازمت وجهه خلال لقائه الأخير بهم، احتفلوا وقتها بعيد مولده، «أضحكنا كثيراً، وضحك معنا، كان يتميز بحس الفكاهة» تقول زهراء، فتعلق مروى أنه «كان يعمل في مقالب أنا وعلي»، مشيرة إلى أنه «كان يضحك كثيراً عند وقوعنا في الفخ». عقب بداية الحرب في سوريا، لم يعد باستطاعة «ذو الفقار» التواجد مع أسرته لفترات طويلة، لكن بالرغم من ذلك، يؤكد أولاده أنه كان «الحاضر الغائب» في حياتهم. «كنا نترك له خبراً، فيتصل بنا فوراً، أما عندما يأتي فكان كل واحد منا يأخذ قسطاً وافراً من الحب، يكفيه شهوراً».
نسأل أولاد السيد الذي كان غطاساً ماهراً يهوى مشاهدة الأفلام الوثائقية، بحسب ابنته زهراء، عن فترة صدور القرار الاتهامي بحقه من قبل المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تخبرنا مروى (ابنته الصغرى) أنه كان يضحك عندما كانت تسأله عن الأمر، هنا تشرح زهراء أن «هذا القرار وما تبعه من حملة تشويه بحق والدي، كان آخر اهتمامات السيد، كان تفكيره في مكان آخر، أبعد من ذلك بكثير، وشهادته خير دليل على ذلك». تتابع زهراء أنها وإخوتها اعتادوا على عدم الحديث مع الوالد في تفاصيل تتعلق بحياته الأمنية وبعمله، «كنا نعلم منذ أن كنا صغاراً أنه قائد كبير في المقاومة، وقد علّمنا ذلك ممارسة الصمت مع أصدقائنا وكل من حولنا، حتى أن التنقل من منزل لآخر، بات أمراً روتينياً، كنا نشعر أننا شركاؤه في القضية».
لو عاد…
ماذا لو عاد؟ نسأل والدة السيد وأولاده. يستحيل السؤال أمنية جميلة. تبتسم سارة، تُسرّ بأنها كانت تتمنى لو أن ما حدث «هو مجرد واحدة من لعبه الأمنية، انتظرت اتصالاً منه، يكذّب فيه الرحيل، من المؤكد أن شخصاً مثله لا تليق به إلا الشهادة، لكن النكران صنيعة الفقد وما يحمل من ألم». تحرص أم عدنان على الحديث إلى «ابني مصطفى، أحياناً أغني له، كما عندما كان طفلاً».
يؤمن أولاده أن «الشهداء أحياءٌ ولكن لا تشعرون»، يحدثون والدهم كما لو كان حاضراً بجسده، ويؤكدون أنه يجيبهم. يحملون قضيته وأفكاره أكثر من أي وقت مضى، ويدركون أنهم بأمان أكثر من أي وقت مضى، وأن أعداء «السيد» يستشعرون بأسه أكثر من أي وقت مضى. «سيبقى شبحه يلاحقهم، لن يعرفوا الطمأنينة»، تقول سارة بثقة.
المصدر: موقع قناة المنار.
اترك تعليق