مرقد السيدة خولة بنت الحسين (ع) في لبنان
ظل القبر مجهولا لفترة طويلة من الزمن ويروى أن الفضل في اكتشاف القبر يعود إلى رجل من بعلبك يملك البستان حيث دفنت السيدة خولة (ع) وينقل عنه أنه ذات ليلة رأى في منامه طفلة صغيرة قالت له ( أنا خولة بنت الإمام الحسين مدفونة في بستانك وحددت له المكان المدفونة فيه وطلبت منه بان يحول مجرى ساقية المياه التي تنبع من رأس العين عن قبرها لأن المياه تؤذيها.
وعندما تكرر المنام لمرات عديدة عندها قصد السادة من آل مرتضى وأطلعهم على رؤياه فتوجهت جماعة منهم إلى المكان وحفروا حفيرة حتى عثروا على قبر يحوي جسد طفلة كأنها دفنت حديثا وعملوا على استخراجها وإبعادها عن مجرى الماء وبنوا فوق قبرها قبة صغيرة للدلالة عليه.
مرت الأيام وانتشر الخبر بين الناس فتوافدوا من كل حدب لزيارة القبر الشريف فاضحى محجة لكل محبي أهل البيت (ع) لاسيما أيام عاشوراء ولم تقتصر وفود الزائرين على المناطق اللبنانية بل تعدته لتشمل الدول المجاورة والبعيدة مما حتم توسعة المقام والذي مرت عليه مراحل تجديد وبناء عديدة حتى أصبح على الشكل الحالي .
مر المقام الشريف بمراحل عمرانية عدة, فبعد أن كان عبارة عن بناء من الحجر تبلغ مساحته 36 مترا مربعا في وسط هذا البناء يعلو الضريح المطهر ولا تستوعب الغرفة إلا لعشرة أشخاص فقط, أصبح اليوم وبفضل أعمال الخير يتسع لعدد كبير من الزوار الوافدين إليه من كل صوب(1).
موقع المقام الجغرافي:
يقع المقام في مدينة بعلبك, فإذا كنت قاصدا المدينة من الجهة الجنوبية فما إن تصل إلى محاذاة تلة الشيخ عبد الله اليونيني يبدو إلى يسارك مئذنتان طويلتان تتوسطهما قبة زرقاء كبيرة يشدك مظهرها للولوج إليه للتزود من معينه.
تبلغ مساحة المقام بكامل أقسامه المنوي إتمامه حوالي 5000متر مربع, يتألف المقام من طابقين يحويان مسجدا وحسينية بالإضافة إلى مكتبة تبلغ مساحتها 75 مترا مربعا وديوان وقاعة استقبال ورواق لخدمة الزوار كما يوجد منزل لخادم المقام وبعض الملحقات.
ويحيط بالمقام الذي يُبنى اليوم بأرقى هندسة الأشجار الصنوبرية والحرجية، ووسط بناء المقام شجرة سرو معمِّرة ونادرة عمرها يربو على مئات السنين، وقيل إنها واحدة من الأشجار التي زرعت مع بناء القلعة، وعشعش في تلك الناحية العصافير ما يضفي على المقام بهجة ورونقاً نادرين، وهذا المكان قد سجّل في مديرية الآثار لما يمتلكه من قيمة أثرية إضافة إلى قيمته الدينية والمعنوية، ويعتبر المكان حجاً للزوار من كافة المناطق اللبنانية، وذاع صيت المقام وكرامة صاحبته التي كانت ضمن ركب السبايا إلى الأمصار العربية والإسلامية. فصرتَ تجد القاصدين لزيارتها من سوريا وإيران ودول الخليج والدول الإسلامية الأخرى.
بعض الوثائق النادرة التي تثبت قِدم الضريح وربما تؤكد على هوية من فيه:
أ- وُجد نقش أثري على القبر عندما تمّ اكتشافه من قِبل الرجل من "آل جاري"، وكان مهشماً بعض الشيء، مساحته (660سم مربع) تقريباً، وعليه أربعة أسطر مكتوبة بالخط الكوفي القديم، وقد عمل الأب "رنزفال" على دراسة هذه الكتابة لمعرفة محتواها، حتى وصل إلى أنّ النقش هو شاهد ضريحي وأنّها -أي الكتابة- علوية الانتماء.
أما الأسطر الذي تمكن من قرائتها هي ما يلي:
1- ...حسين بن علي...رضي.
2- ...الله عنه في ذي الحجة...
3- ...سنة سبع وسبعين وا...
4- ...ربِّ اغفر له وارحم...(2).
ب- وثيقة يعود تاريخها إلى عام 1100هـ، أي منذ ما يقارب الـ327 عام، وقد حددت موقع القبر، وهي: "سبب تحريره وموجب تسطيره أنه حضر قدامنا (الحاج محمد الغربية) ابن (المرحوم علي الغربية) وقد أوقف حقلته التي في جيرة السيدة خولة، وغرباً الطريق، وشمالاً حقلة الحاج...، وشرقاً كرم (السيد خليل) ابن (المرحوم السيد علي) وقِبلة كرم أمام جاري، إلى السيدة خولة بنت الإمام الحسين عليها وعلى آبائها أفضل السلام وأتم التسليم، وقد حررنا هذه الرقمية لأجل البيان، كذلك عُدّ أنها... في الأحرف".
الفقير إلى الله الشاهد علي العطار 5 جمادى(2) 1100هـ.
الحاج فخر الدين والفقير إلى الله الشيخ رجب إمام جامع الداحس(3).
وهناك أيضاً بعض الوثائق تعود للعامين 1200هـ و1352هـ(4).
وصف المقام وتطوره العمراني:
في إطلالة على وصف المقام وتطوره العمراني نلاحظ أن المقام كان عبارة عن بناء حجري مربع (غرفة) طول ضلعه ستة أمتار يحوي الضريح الشريف الذي يضطجع في الزاوية الشمالية الغربية على يمين الداخل، وقد أقيم فوقه صندوق خشبي مزخرف بآيات قرآنية وأشكال هندسية يفوح منها شذا القداسة وعطر النبوة، وللمقام جدران سميكة تحمل أربعة عقود حجرية مقوّسة تعلوها قبة حجرية صغيرة، وقد توسط محراب بسيط الجدار الجنوبي، وتشير البلاطات الخارجية إلى وجود مسجد صغير كان بإزاء المزار الذي تظلله شجرة سرو قديمة العهد المعروفة بنموها البطيء وباخضرارها الدائم. وقد قيل عنها أنها إحدى الشجيرات اليتيمات التي كانت ضمن الجنائن الرومانية الشهيرة والتي كانت محيطة بالمعابد الرومانية في العصر الروماني (64 ق.م. عام 330 م). وقيل أيضاً: إنها زرعت للدلالة أو العلامة وكأن حولها أو قربها شيئاً مقصوداً، إذ يتردد بين العوام أن الإمام زين العابدين (ع) أمر بزرعها للاستدلال من خلالها على ضريح السيدة خولة (ع).
أما الآن فقد تم توسعة المقام بمبادرة الخيرين وبمبادرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لها الأجر الأكبر عند الله بتحسين هذا المقام، فأول ما يطالعك بأعلى المقام من الخارج لوحة كبيرة مكتوب عليها: "بمباركة ولي أمر المسلمين السيد علي الخامنئي وبرعاية وكيله الشرعي العام الشيخ محمد يزبك تم تجديد وتوسيع المقام في عام (1416 هـ)، وذلك عربون وفاء لشهداء المقاومة الإسلامية وعوائلهم الأبرار". فأصبح المقام بالحالة الجميلة التي نراه الآن. مقام كبير يتألف من ققص حديدي كبير، يتخلل هذا القفص فتحات صغيرة على شكل نوافذ، وبداخل هذا القفص احتفظ بالقفص الخشبي الصغير والقديم والذي يحتوي بداخلة ضريح السيدة خولة (ع).
وهذا القفص الحديدي مزدان بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة وأقوال لأئمة أهل البيت عليهم السلام من جميع الجهات. ثم لو نظرت إلى جدران المقام العالية فكيفما توجه نظرك تجد أقوال وأحاديث مزخرفة بطريقة جميلة يختلط فيها الألوان ما بين الأزرق والأبيض والكحلي، بطريقة تبهر النظر، حتى كتابة الأقوال والآيات القرآنية فقد كتبت بخطوط عربية مختلفة الأشكال والألوان. ووجدنا من المناسب ذكر بعض هذه الأقوال والكتابات مثلاً:
نبدأ بآية قرآنية شريفة:"قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِيْ القُربَى" (5).
وهناك حديث قدسي: "مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله".
وأيضاً من أقوال الرسول (ص): "مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهلك".
هناك بيت شعر لأحد أئمة أهل السنة وهو الشافعي يقول فيه:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له.
أيضاً من الأشعار:
لا أضحك الله من الدهر إن ضحكت وآل محمد مظلومون قد قهروا
ويوجد في المقام أيضاً لوحات خشبية مختلفة الأحجام مكتوب عليها زيارة السيدة خولة (ع)، وقد كتبت هذه الزيارات بخطوط تختلف من لوحة إلى لوحة، فمنها ما كتب بخط ذهبي، ومنها ما كتب بطريقة ملونة, ومنها ما كتب بخط أسود إلخ..(6)
الهوامش:
1- موقع جريدة الانتقاد.
2- خير الدين، حيدر، السيدة خولة (ع)، دار الماضي والحاضر والمستقبل. ط2، 2001م، ص17.
3- نفس المصدر، ص40.
4- مجلة حب الحصيد، العدد الثاني، ص166-167.
5- سورة الشورى، الآية: 23.
6- موقع طلبة جامعة البحرين.
اترك تعليق