مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

لنفهم الحجاب ونضمن العفّة في المجتمع

لنفهم الحجاب ونضمن العفّة في المجتمع

الحجاب في منظور الفقه الإسلامي؛ هو اللباس الذي يستر جسد المرأة، لذا فهو أحد الفروض الواجبة على المرأة.

ربما يتبادر سؤال لدى البعض؛ عن علّة فرض الإسلام للحجاب على المرأة؟
إن فرض الحجاب على المرأة هو لمصلحتها قبل أن يكون شيئاً إضافياً وثقيلاً عليها، فهو يضمن لها عدم الانزلاق في مهاوي الابتذال والامتهان، وذلك؛ لأن المرأة محلٌّ لعيون المفتونين، فإذا تكشفت وأظهرت مفاتنها تبعتها الشهوات، وتكون سبباً في انحرافات أخلاقية عدّة، مثل كثرة النظر المحرم الذي يُعد مقدمة لانحراف آخر، ويطلق عليه اليوم بـ «التحرّش الجنسي»، ومن ثم الزنا (الاغتصاب).
من هنا جاء تشريع الإسلام بالحجاب لهذه الأسباب التي تنطلق من تكوين الإنسان وما يحمله من غرائز، فنزلت آيات عديدة في فرض الحجاب كقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، (سورة النور: 31)، والخمار هو ما يتدلى من الرأس فيغطي الصدر، وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، (سورة الأحزاب: 53).
وكما يعلم القارئ الكريم، أن كتابات وبحوثاً وأحاديث كثيرة شهدتها الساحة حول الحجاب وفلسفته وفوائده، بيد أن المطلوب في يومنا هذا، تسليط الضوء على جوهر الحجاب أكثر من ظاهره، كأحد أشكال الملابس التي على المرأة ارتداءه، لأن «العبرة بالنتائج»، كما يُقال، والمهم الآثار الحقيقية التي يفترض أن يتركه الحجاب على سلامة النفوس ونظافة القلوب والتماسك الاجتماعي بشكل عام.
فالحجاب الذي ترتديه المرأة ينبغي أن يحقق السلامة النفسية والقلبية لمن هو غير محرم عليها، وقد بيّن هذه الحقيقة القرآن الكريم بكل وضوح وبتعبير رائع: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ﴾، (الأحزاب: 53)، علماً أن الخطاب القرآني جاء موجهاً لنساء النبي الأكرم، بيد أن عموم علته دليل على عموم حُكمه، وجاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ}، (سورة الأحزاب: 59)، والجلباب هو الرداء أو الإزار الكبير الذي تستر به نفسها فلا يبدو منها شيئا.
ومن مصاديق السلامة النفسية والقلبية ما بشّر به القرآن الكريم في الآيات المباركة: {قل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ..}، (سورة النور: 30-31)، وذكر المفسرون؛ إن سبب نزول هذه الآية أن شاباً من الأنصار استقبل امرأة بالمدينة، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن، فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان، فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه فقال: والله لآتين رسول الله ولأخبرنه، قال: فأتاه فلما رآه رسول الله قال له: ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل بهذه الآية الكريمة.

وأما شروط الحجاب الذي تتحقق من خلاله الغايات المطلوبة؛ فقد ذكرها الفقهاء، نذكر منها:
أولا: أن لا يكون شفافاً، ولا يبين ما وراءه.
ثانيا: أن لا يكون ضيقاً، ولا يبين ملامح من بدنها، كما قال النبي، صلى الله عليه وآله: «نساء كاسيات عاريات» أي تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية ولكن في الحقيقة هي عارية؛ مثل من تكتسي الثوب الرقيق يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا.
ثالثا: أن لا يكون زينة، فان كان على غرار الأثواب الأخرى التي تدخل فيها الزينة أو ما يسمى «الموديل»، فلا يجوز للمرأة إظهار زينتها أمام الأجنبي، وفي تعريف هذا المصطلح الفقهي؛ هم أولئك الذين يحل لهم الزواج من هذه المرأة، تقول الآية الكريمة: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ}.
رابعاً: أن لا تتشبه بالرجال، فقد لعن النبي، صلى الله عليه وآله، المتشبهات من النساء بالرجال، كما لعن المترجلات من النساء وتشبهها بالرجل في لباسه أن تلبس ما يختص به نوعا وصفة في عرف كل مجتمع بحسبه. من هنا نفهم؛ أن تأكيد الإسلام على ضرورة الالتزام بجوهر الحجاب وآثاره على المجتمع، فهو لا يعني المرأة وحسب، كما هو حال سائر أنواع الملابس النسائية، وإنما يعني جميع من في الشارع والحي السكني والأسواق، فضلاً عن المحارم داخل البيت، وفي الأجواء العائلية لمن هم من غير المحارم، فمن يتحدث اليوم عن مشكلة النظر المحرم وإفرازاته السيئة والخطيرة، عليه أولاً؛ التحقق من طريقة لبس الحجاب، أو طريقة خياطته وتصميمه، لأن أيدي المصمم أو المصممة لأنواع الحجاب المتوفر في الأسواق، لها دور رئيسي في تحريك أعين الشباب هنا وهناك. وكلما كان الحجاب تحت اسم «الجبّة» أو «المانتو» أو غيره، مجسداً لمفهوم الحجاب والستر، كانت المرأة مساهمة في جزء من حملة إشاعة العفّة بين الشباب والرجال في المجتمع.



--------------------
المصدر: مجلة الهدى.
* فضيلة الشيخ حيدر العامري، أستاذ في الحوزة العلمية


التعليقات (0)

اترك تعليق