مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

حقوق المرأة في الاسلام
دراسة في الفوارق الطبيعية بين الرجل والمراة

حقوق المرأة في الاسلام دراسة في الفوارق الطبيعية بين الرجل والمراة

أ. فاطمة دردانه
ترجمة: الشيخ إبراهيم الخزرجي


تمايز واختلاف جذريان
لا ريب في أن الامور المرتبطة بعلم النفس، المختص بالجانبين النفسي والروحي للمراة اشكالية جديرة بالبحث،خصوصا بعد ان تتم معرفة الفوارق والميزات الروحية والنفسية والفسلجية بين النساء والرجال... ومن الموضوعات الفائقة الاهمية ايضا، تقييم اوجه الاشتراك والافتراق والتمايز بين هذين الجنسين، اللذين يمثلان نوعا واحدا ولهما روح انسانية مشتركة، وفي الوقت الذي توجد بينهما اوجه افتراق اساسية حرية بالبحث والنظر والتحقيق.
وبلحاظ هذه النظرة، يعد البحث في الابعاد النفسية للمراة عملا مهما في نفسه، وبحاجة الى دراسة اخصائيين يتمتعون بسعة صدر وعمق في التفكير يمكناهم من القيام بدراسة الامور النفسية للمراة من اجل معرفة اوجه الفرق والتمايز بينها وبين الرجل.
ولا يخفى ما أُنجز، في هذا المجال، من دراسات وما أُلف من كتب؛ الامر الذي يسهل دفع عجلة الجهود، ويساعد في تدعيمها وتكثيفها من اجل استمرار الحركة العلمية وترشيدها اكثر فاكثر. ولهذا ينبغي على العلماء المسلمين تقييم هذاالموضوع ودراسته ضمن اطر التعاليم الاسلامية بغية صيانة الحقوقيين وعلماء الاجتماع من الانحراف، او اتباع منهج يؤدي بهم الى سلوك طريق الافراط او التفريط.
وينبغي، في بداية الحديث، التعرف الى حقيقة لا يمكن اغفالها، وهي وجود الفوارق - اي المعرفة الخارجية والعينية لكل من الجنسين (المراة والرجل) - الامر الذي تثبته الدراسات العلمية. يقول احد الاخصائيين في هذا المجال: «ان بين المراة والرجل - بلحاظ كونهما من جنس ذكوري وانثوي فقط - اختلافا وتمايزا، على خلاف ما ذكره المغالون الرافعون لشعار «المساواة بين حقوق المراة والرجل»، فان لكل من المراة والرجل نشاطات حيوية ورؤية كونية وحالات نفسية متفاوتة ومختلفة عن الآخر، حتى ان علماء النفس العصريين صاروا - وبمقتضى التصنيف بلحاظ التركيبة الفسلجية الى مذكر ومؤنث - في صدد تعيين الروح المذكرة والروح المؤنثة - ودراستهما وبيان ما لهما من حالات».
ولم تتمكن المجتمعات التي حاولت تطبيق اصل المساواة بين الذكر والانثى، في جميع ميادين الحياة ومجالاتها، من انكار هذا التمايز الذي لمسوه بشكل عيني ومحسوس وجربوه من خلال ممارساتهم في الحياة بشكل واضح.
[...]

الاختلاف والتمايز شاملان
ولا ينحصر تاثير الاختلاف بين الرجل والمراة في الصور الظاهرية والاشكال الخارجية لكل منهما، بل ينسحب على جميع ابعادهما الوجودية، ما يستدعي تثبيت التمايز والاختلاف بينهما، الامر الذي يمكن من القطع بصحة كون الفوارق الجسدية هي من ابرز ما يميز بينهما.
يقول ترمن: «ان كل خلية في بدن الانسان تحمل علامة ذلك الجنس بعينه...».
«... وان في آحاد خلايا البدن، بما فيها الاجهزة العضوية، وخصوصا القوة العصبية، فيها من العلامات ما يدل على انها من ذلك الجنس».
ولا ريب في وجود علاقات ومؤثرات بين الاشكال والصور الظاهرية وبين الجوانب الفسلجية والروحية للانسان، فان لهيئة البدن وفسلجته، من حيث الحجم والابعاد من الطول ونحوه ومقدار الجمجمة ووضعها، وايضا الدماغ وسائرالاعضاء، تاثيرا بالغا على حالات الانسان النفسية والروحية، هذا مع غض النظر عن الفوارق العضوية والفسلجية الموجودة بين الجنسين.
يعكس الاختلاف في الطول والوزن والشكل والهيئة وكثير من الخصائص الفسلجية الاخرى الفوارق الشخصية الموجودة بين الجنسين..
ان هناك اسسا يقر بها علم النفس - حتى علم النفس في الجنس الواحد - وهي عبارة عن وجود تاثيرات لاوضاع الجسد وفسلجته على الحالات النفسية العارضة على الانسان، ولذلك يصنف علماء النفس القضايا النفسية على اساس الشكل والهندام، اذ ان للشكل الباطني عندهم وللهيكل العظمي او لطول القامة وقصرها تاثيرا على النفس، كما انهم يقولون ان لكل شخص خصائص مختصة بشخصه تميزه من الاخرين، بحيث يكون ذلك مؤثرا، نظير الوقوع في الجريمة، الاستعداد والكفاءة في التعلم، الذوق الفني المرهف، نوع النزعات وغير ذلك. [...]
الفوارق الفسيولوجية

وسنحاول، الآن، الاشارة الاجمالية الى بعض الفوارق الفسلجية بين الجنسين:
1 - التكامل لدى البنات والبنين
ذكر الاخصائيون ان: «... التكامل لدى الفتيات اسرع منه لدى الفتيان، بمعنى ان اشتداد العظم لدى الفتيان وبروز الاسنان وتكامل الغدد التناسلية يكون لدى الاناث اسرع منه لدى الذكور، فتتقدم الفتيات على الفتيان في العمر بلحاظ المعدل المتوسط - بما يقرب من السنة او السنتين، ويكون ذلك ثابتا في جميع مراحل الطفولة والبلوغ»((346)).
2 - المقدرتان البدنية والعملية
لا ريب في ان القدرة البدنية، لدى الكائنات الحية، تكون اقوى لدى الجنس الذكر منها لدى الانثى، لما للذكور من قدرة على تحمل الشدائد والصعاب تفوق قدرة الاناث، اذا ان القدرة التي يتمتع بها الجنس المذكور والتي تمكنه من دخول حلبة الصراع في الحياة، تكون اشد خطورة وصلابة: «.. فالذكور، وبلحاظ سعتهم الوجودية - خصوصا بلحاظ القوة العضلية - اكثر قوة ونشاطا من الاناث في جميع مراحل الحياة... باستثناء ما بين مرحلة الحادية عشرة الى الرابعة عشرة من العمر لدى الفتيات؛ حيث يشاهد فيها لديهن تطور وتقدم بسيط، ولكن مع ذلك يبقى النشاط لدى الذكور اكثر منه لدى الاناث في جميع مراحل الحياة».
3 - الغدد التناسلية والانجاب
يختلف وضع الغدد التناسلية لدى الرجل عن وضعها لدى المراة اختلافا ملحوظا، حيث تختلف الغدد في كل منهما بنحو خاص، فان الغدد المذكورة تتحمل مسؤولية البناء والحفاظ على النسل وبقائه، كما انه يوجد اختلاف كثير ايضا بلحاظ الزمان بين النشاطات التي يقوم بها كل من الذكر والانثى. والاختلاف المتقدم ثابت في امور جانبية اخرى كالتاثيرات الجينية والسلوك والطبائع الوراثية الكثيرة والمليئة بالاسرار والعجائب. والموضوع الاكثر اهمية من ذلك كله هو ان هذا الامر لا ينتهي الى هذا الحد بل يترك آثارا واسعة وكثيرة في البنية والهيكل الوجودي العام (جسديا ونفسيا) بالنسبة للمراة والرجل.
والفوارق والتمايزات بين افراد النوع البشري تؤكد هذا التمايز بين هذين الموجودين تماما، كما تترك الفوارق المذكورة اثرا على البعد العاطفي لدى الجنسين، وكذا على البعد النفسي، كما يتاثر الذهن والفطنة والذكاء بهذه الفوارق ايضا، بل هي تؤثر ايضا تاثيرا كبيرا على الاذواق والطباع والمشاعر الفنية المرهفة للانسان، وهي تترك، اخيرا، اثرا على شخصية كل من المراة والرجل فتصنع منهما شخصيتين متمايزتين ومختلفتين، ولنترك في هذا المجال الحديث للاختصاصيين:

«... لا تتوقف مهمة الغدد التناسلية عند حفظ النسل والنوع البشري وحسب، بل لها تاثير ايضا في تشديد النشاطات الفسلجية والنفسية والمعنوية في الانسان وتقويتها، فنحن لا نجد بين «الخناثى» فلاسفة وعلماء كبارا، بل ولا نجد فيهم حتى مجرمين محترفين!»
إن [للأعضاء المرتبطة بالتناسل لدى الإنسان] نشاطات واسعة النطاق، فانها أول ما تصنع الخلايا المذكرة أو المؤنثة... ويترشح منها في الوقت نفسه مواد تصب في الدم تظهر آثارها في أنسجة أبداننا وأحاسيسنا، ومن ثم تخلق فينا خصائص الرجولة أوالأنوثة، كما وتدب في جميع نشاطاتنا الجسدية رشحات القوة والشدة. [...]
إن على المرأة السعي الى استثمار مواهبها الطبيعية وفاقا للمنهج الفطري والغريزي الذي فطرت عليه، بلا تقليد اعمى للرجال في ذلك، فان مهمة المراة تجاه تكامل البشرية أعظم من مهمة الرجل ومسؤوليته تجاه ذلك، فلا يصح لها الاستخفاف بهذا الامر او إهماله.
كما ان مقتضى القول بتساوي مهمة المرأة والرجل، او القول بتساوي حقوقها مع الرجل، مقتضى ذلك الاخلال بالدورالاساسي الذي يؤديه كل منهما، ما يؤدي الى حصول اضطرابات جدية في المجتمع الانساني.

تمام الكمال
والحري بالتأمل، في ما يرتبط بموضوع تعديل الجنس وتبديله الى صف واحد، او جعل سلوك الانثى كسلوك الذكر واعطائها صفة الذكورية، ان الحري بالتأمل، في هذه الحالة، أنّ هذه التعديلات في الجنس تعطي القيمة والاصالة للجنس المذكر، وهي محاولة لاستفزاز المرأة من أجل اللحاق بالرجل، لكي تتوحد طريقة تفكيرها وعملها ومشاعرها وعواطفها وكل شيء فيها مع الرجل، وان يكون دورها في الحياة كدور الرجل، وفي ذلك منتهى التحقير والاذلال للمراة، فان ملاك الافضلية ليس بصيرورة المراة رجلا ليحاول القائلون بحقوق المراة انتهاج هذا الطريق بجعل المراة رجلا، وليمنحوها من خلال ذلك هوية وشخصية متجاهلين بذلك الدور الرفيع الذي لا بد للمراة من القيام به.
ان تمام الكمال في المراة هو كونها امراة، وهذا هو الكمال عينه، ذلك ان ارضية التكامل البشري ما زالت موجودة لدى المراة ايضا، كما ان في كون الرجل رجلا كمال ايضا، فلكل من المراة والرجل دور يؤديه حسب ما تمليه عليه القوانين الالهية، وانهما يحملان على عاتقيهما مهمة يستوجب العمل بها الكمال المنشود والسعادة في الدارين. [...]
 بناء على ذلك، نجد ان القوانين القسرية، كقوانين الفسلجة التي يخضع لها البدن، قد حددت للنشاط البشري طريقا، وان على كل من المراة والرجل سلوك ذلك الطريق، ذلك ان تكامل كل منهما منوط بسلوك الطريق المذكور والذي له نحوعلاقة وارتباط بهدف الخلقة لكل منهما، اي الهدف الذي يتناسب مع الخصائص الجسدية والنفسية للجنسين معا.
وفي هذه الحالة، لا بد من ان يكون المناط والمعيار للقوانين في التربية والتعليم وجميع مرافق الحياة الاجتماعية، لا بد من ان يكون مناسبا لكل من الجنسين.
«... يجب على ذوي الاختصاص بعلم التربية والتعليم اخذ الفارقين: العضوي والنفسي بين الرجل والمراة، وما لهما من وظائف خاصة، بنظر الاعتبار، وان الالتفات الى هذه المسالة المهمة في بناء مستقبل متحضر امر في غاية الاهمية..».
ولا يسعنا، في هذا المقال، تقييم الدور الذي يمكن للمراة ان تؤديه حين تتلبس بلباس الرجل، او ما يؤديه الرجل من دور حين تلبسه بلباس المراة، كما في بعض البلدان، كما لا يسعنا دراسة ما ينتج عن ذلك من اضطراب وفوضى ومشاكل في المجتمع الانساني او ما يتسبب عنه في المستقبل.

وقد اعترف اتباع القول بحرية المراة وحقوقها بما ذكرناه آنفا، لقد اعترفوا بذلك مرارا، وها نحن نشير اشارة خاطفة الى احدى تلك المشاكل المتسببة عن ذلك:
ان من جملة ما ينجم عن هذه الظاهرة المشؤومة والهدامة من اضرار، هو تخريب الاسرة التي لا يمكن ان تتلافى الاضرارالمتسببة عن هذا التخريب باي نحو من الانحاء.

[تنبّؤ عجيب!]
وتحدثت بعض التنبؤات الخيالية للمستقبل عن توظيف امهات لغرض الانجاب التجاري وجعل الابناء رهن الطلب. إن هذا الامر مزعج حقا لانه لا يحل ابدا محل الصرح العائلي الذي يجمع شمل الاسرة، ولا يمكنه إن ينوب عن العلاقات الانسانية التي تجمع بين اعضاء الاسرة الواحدة، وغير ذلك من الامور الكثيرة المرتبطة بهذا الموضوع.
فهل تحصل السكينة والالفة والرحمة - التي يجدها الرجل الى جانب المرأة والمرأة الى جانب الرجل وهما معا الى جانب الابناء - من قبل الامهات الموظفات (للانجاب التجاري) او الابناء الذين يعدون انتاجا لشركات تجارية خاصة؟! وكيف يمكن ان تكون هناك علاقة وارتباط بين وشائج المجتمع البشري وبين هذه الطائفة من الاباء (الاباء الذين يطلبون الولد من خلال المؤسسات والمراكز الطبية) وادعيائهم؟!
وهل يمكن للانسان أن يأمل من هذا النوع من العلاقات المصطنعة والآلية ما يمكن الحصول عليه من العلاقات الانسانية الودية (الفطرية) النابعة من صميم المشاعر الجياشة والمحبة والالفة؟!
وقد قرن هذا النمط من التفكير الذي انتهجه بعضهم الانسان بالآلة وشبهه بها، واستبدل حقيقته وهويته ليكون شيئا من الاشياء، وأبدل دور الاسرة الانساني بدور الماكنة الآلي المتدني، الآلة التي بإمكانها القيام بعدة اعمال في آن واحد. وهذا النحو من الفكر، وان كان وليد الانانية والالحاد والفكر الرأسمالي، ودعاته معدودون، الان، [...] فان الافكار والقوانين التي تجري على خلاف نواميس الطبيعة والسنن الالهية لا يمكن ابدا ان تصمد او تستمر، وان الفطرة الانسانية النقية والهداية الفطرية للاديان الالهية سوف تبطل هذا النوع من الافكارالخاوية وتجعلها في هامش التاريخ.

بتصرف
موقع مجلة المنهاج عدد 26

التعليقات (0)

اترك تعليق