دور المرأة الصالحة في دوام الأسرة وبقائها
إن حیاة الإنسان تتشکل من جانبین: الدنیا والآخرة.
أما الدنیا فهو دار عمل والآخرة دار بقاء وجائزة ونتيجة، وکلاهما صعب ولا یمکن تحصیل أي منهما إلا بمشقة، أما مشقة الدنیا لأجل العمل وصور الأعمال متنوعة، وبعضها جاذبة وجاذبیه بعضها أکثر من الآخر خصوصا في النفس.
فلذلک یمکن أن نقول أن الدار الذي فیه العمل أصعب من الدار الذي فیه الجائزة. ولذلك الآخرة نتيجة العمل في الدنیا. یعني من یعمل عملا في الدنیا فیری نتیجته وثمرته في الآخرة.
لأن النشاطات الدنيوية بالرغم من أنها متنوعة ومتفاوتة ومؤثرة في سعادة الإنسان ولکن حصیلتها تضغط بکلمة واحدة وهي ترك الذنوب.
وإن ترك الذنوب وإن کان ترکا ولیس بفعل ولکن في الروایات عن أئمة أهل البیت(ع) نلاحظ أنهم قالوا أنه أشد اجتهادا.
ففي ذلك قالت فاطمة ابنة رسول الله(س): اَشَدُّ النّاسِ اِجتهاداً مَن تَرك الذُّنوب.
وترك الذنوب لأجل التقرب إلى الله تعالی هو التقی من الله تعالی.
وأما علة صعوبته التي قالتها فاطمة ابنة رسول الله(س) لأن ترك الذنوب ففي الحقیقة جهاد ومن أعظم أقسام الجهاد وهو جهاد أکبر وجهاد النفس، وواضح أن للجهاد صعوبة ومشقه في الدنیا ولکن من تحمل هذه الصعوبة وهذه المشقة في الدنیا کان له مستقبلا عالیا في الآخرة، لأن الآخرة للمتقین.
دور المرأة الصالحة في دوام الأسرة وبقائها:
مما أحب الله تعالی تأسيسه في الدنیا ورغب عباده ببنائه هو تأسيس بناء الأسرة، حیث قال رسول الله(ص) في رواية رواها الشیخ الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا بُنِيَ بِنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنَ التَّزْوِيجِ .
وسائل الشيعة: کتاب النکاح، أبواب مقدمات، باب 1 ح 4.
وهذا البناء أي الأسرة يتشکل من رجل وامرأة، ولکل واحد منهما دور کبیر في بقائها ودوامها وتهنئة عیشها، وإن الله عز وجل قد ألقى مسؤولية الأسرة وإدارة هذا البناء العظیم على عاتق الاثنين؛ أي الرجل والمرأة، والزوج والزوجة.
لأنهما أساس هذا البناء قبل کل أحد.
الرجل یدیر قسما من هذا البناء والمرأة أيضا تدیر قسما آخر منه. فالرجل هو الذی یحافظ علی الأسرة والمرأة أيضا هي التي تحافظ على الأسرة، ولکن المهم أن لا يغفل أحدٌ من النّاس أهميّة دور المرأة في صلاح المجتمع، بحیث بدون أن تؤدّي المرأة دورها، لا يمكن لأحد أن تجعل حیاته حیاه طیبه وتسیر فیها.
وإنّ أهميّة دور المرأة في الأسرة والمجتمع تكمن من أهميّة الرّسالة التي تؤديّها المرأة في المجتمع، وهي رسالة تربویة وخصوصا تربیة الإنسان،
نعم هذه رسالة المرأة في المجتمع الإنساني ولذلك نعتقد ونقول بأهمية دورها.
حتی یمکن لنا أن نقول مستفیدا من الروایات: أن المرأة هي قلب المجتمع، وبالتالي إذا صلح القلب صلح المجتمع وصلحت الأسرة.
فصلاح المجتمع وصلاح الأسرة وبالنتيجة صلاح الأمة الإنسانية وفي مقابلها فساد هذه المجامیع رهین المرأة.
ولأجل هذا المهم رغب الله تعالی الإنسان عموما والمرأة خصوصا بالصلاح والإصلاح، وحتی حین شرع الله عزّ وجلّ الزّواج، وجعل فيه السّكينة والطمأنينة، أنعم الله على عباده المؤمنين بنعمة الزّوجة الصّالحة، ففي الحقيقة الزّوجة الصّالحة هي بمثابة جائزة يكرم الله بها عباده المؤمنين، فتكون للرجل الرّاحة والأمان بسبب الزوجة الصالحة، في الدّنيا والآخرة.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سعادة المرء الزوجة الصالحة. وسائل الشيعة (آل البيت) ج 20 ص 41.
وفي رواية عن عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: ما أفاد عبد فائدة خيرا من زوجة صالحة إذا رآها سرته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله. وسائل الشيعة (آل البيت) ج 20 ص 39.
کما أن الزوجة الصالحة من سعادة المرء، کذلك الزوجة غیر الصالحة لا قیمه لها أصلا ولها دور لفساد المجتمع.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّمَا الْمَرْأَةُ قِلَادَةٌ فَانْظُرْ مَا تَتَقَلَّدُ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ خَطَرٌ لَا لِصَالِحَتِهِنَّ وَلَا لِطَالِحَتِهِنَّ فَأَمَّا صَالِحَتُهُنَّ فَلَيْسَ خَطَرُهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ هِيَ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَمَّا طَالِحَتُهُنَّ فَلَيْسَ خَطَرُهَا التُّرَابَ التُّرَابُ خَيْرٌ مِنْهَا .
وَقَالَ أبو عبد الله ع: خَمْسُ خِصَالٍ مَنْ فَقَدَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ لَمْ يَزَلْ نَاقِصَ الْعَيْشِ زَائِلَ الْعَقْلِ مَشْغُولَ الْقَلْب: فأولها صحة البدن، والثانية الأمن، والثالثة السعة في الرزق، والرابعة الأنيس الموافق.
قلت: و ما الأنيس الموافق؟
قَالَ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ وَالْجَلِيسُ الصَّالِحُ وَالْخَامِسَةُ وَهِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ الْخِصَالَ الدَّعَةُ.
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: إذا أردت أن أجمع للمسلم خير الدنيا وخير الآخرة جعلت له قلبا خاشعا، ولسانا ذاكرا، وجسدا على البلاء صابرا، وزوجة مؤمنة تسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله. وسائل الشيعة: 20/40.
وفي حدیث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ...... وأوحي إلى موسى عليه السلام أني أعطيت فلانا خير الدنيا والآخرة وهي امرأة صالحة. جامع أحاديث الشيعة ج 20 ص 52.
قصة في دور المرأة الصالحة والنیل إلى سعادة دنیویة وأخروية:
روي أنه كان يعيش في مكة رجل فقير متزوج من امرأة صالحة.
قالت له زوجته ذات يوم: يا زوجي العزيز ليس عندنا طعام نأكله ولا ملبس نلبسه؟ فخرج الرجل إلى السوق يبحث عن عمل، بحث وبحث ولكنه لم يجد أي عمل، وبعد أن أعياه البحث، توجه إلى بيت الله الحرام، وصلى هناك ركعتين وأخذ يدعو الله أن يفرج عنه همه.
وما أن انتهى من الدعاء وخرج إلى ساحة الحرم وجد كيساً، التقطه وفتحه، فإذا فيه ألف دينار.
ذهب الرجل إلى زوجته يفرحها بالمال الذي وجده لكن زوجته ردت المال وقالت له: لابد أن ترد هذا المال إلى صاحبه فإن الحرم لا يجوز التقاط لقطته، وبالفعل ذهب إلى الحرم ووجد رجل ينادي: من وجد كيساً فيه ألف دينار؟
فرح الرجل الفقير، وقال: أنا وجدته، خذ كيسك فقد وجدته في ساحة الحرم، وكان جزاؤه أن نظر المنادي إلى الرجل الفقير طويلاً ثم قال له: خذ الكيس فهو لك، ومعه تسعة آلاف أخرى، استغرب الرجل الفقير، وقال له: ولما؟
قال المنادي: لقد أعطاني رجل من بلاد الشام عشرة آلاف دينار، وقال لي: اطرح منها ألف في الحرم، ثم ناد عليها، فإن ردها إليك من وجدها فادفع المال كله إليه فإنه أمين. و ها أنا قد فعلت ما قاله لي ودفعت المال إليك.
ایها الاخوه و الاخوات! هذه القصة واقعیا أو خیالیا فهي مصداق ما قال الله تعالی: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).
ومعلوم أن هذا الریق لأجل تقوی الرجل وتقی الرجل لأجل ترغیب زوجته وهي امرأة صالحة، وصاحبة دور کبیر في السعادة.
وأما السؤال المهم في هذا الموضوع هو أن المرأة فلابد أن تعمل بأي عمل أو تسیر بأيه سیرة حتی تکون امرأة صالحه وموجبه للسعادة؟
وهذا السؤال سؤال مهم واقعي ولابد لنا من الجواب عنه طيلة الخطب الآتية.
اترك تعليق