إيشاع بنت فاقوذا.. زوجة النبي زكريا عليه السلام
هي زوجة زكريا عليه السلام وأخت حنة أم مريم عليها السلام بنت عمران، تزوجها زكريا عليه السلام ولم تحمل منه وكانت عاقراً، وبلغت من العمر كثيراً حتى انقطع حيضها، وكانت أكبر من أختها حنة، وقيل أصغر منها.
ذكر في "المعالم" في تفسير سورة "كهيعص" قوله تعالى: (قال ربِّ إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقيا) أي قال زكريا: عودتني الإجابة فيما مضى، وقوله تعالى: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً) أي: ابناً، وقوله تعالى: (يرثني ويرث آل يعقوب..) قال الحسن: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة لأن زكريا عليه السلام كان نبياً مرسلاً، ورأس الأحبار. وقوله تعالى: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى..) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لم تلد العواقر مثله. وقوله تعالى: (قال رب اجعل لي آية..) أي دلالة على حمل امرأتي، لأنها عاقر وقد كبرت وأسنت قال تعالى: (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) أي: صحيحاً سليماً من غير بأس ولا خرس، وكان الناس ينتظرون خروجه من وراء المحراب، فخرج عليهم متغيراً لونه، فأنكروه وقالوا له: ما لك؟ فكتب لهم في الأرض (.. أن سبحوا بكرة وعشيا ... ) لأنه كان يخرج عليهم بكرة وعشياً، فلما كان وقت حمل امرأته إنشاع ومنع من الكلام خرج إليهم وأمرهم بالصلاة [إشارة]، ولماتم حملها ولدت يحيى عليه السلام ولما صار له من العمر ثلاث سنين أتاه الله الحكم صبياً، قرأ التوراة وهو صغير وذكر في "تاريخ ابن الوردي": أن إيشاع ولدت يحيى عليه السلام قبل ما ولدت مرين عليها السلام عيسى بستة اشهر، فكان مولد يحيى سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الاسكندر، ولهبوط آدم عليه السلام خمسة آلاف، وخمسمائة وأربع وثمانين.
وكان لهردوس حاكم اليهود بنت أخ، فأراد أن يتزوجها حسبما هو جائز في دين اليهود، فنهاه يحيى عليه السلام عن ذلك، فطلبت أم البنت من هردوس قتل يحيى فامتنع، فعاودته هي والبنت وألحت عليه، فأمر بذبح يحيى عليه السلام فذبح لديهما قبل رفع المسيح بمدة يسيرة.
وذكر في "تاريخ الدول": ولد يحيى قبل عيسى بستة اشهر، ونبئ وهو صغير، وكان لليهود ملكاً اسمه آجب، وقيل: هردوس، وكان يكرم يحيى، وكان يحب بنت أخيه. وقيل: بنت زوجته، فشاور يحيى بأن يتزوجها، فمنعه، فبلغ [منعه] أم البنت، فعمدت حين جلس هردوس للشرب وزينت بنتها وأرسلتها إلى هردوس لتسقيه الخمر، فإذا راودها تأبى حتى يعطيها رأس يحيى في طشت، ففعلت، ولما راودها أبت وطلبنا منه ذلك، فبعث الملعون إلى يحيى، وهو يصلي في محراب داود عليه السلام فذبحوه وحملوا رأسه في طشت، وأدخلوه على هردوس، والرأس يتكلم ويقول: لا تحل لك، ووضعوه قدام تلك العاهرة، ثم أمر هردوس بدفنه، والدم يغلي منه ويفور، فوضعوه في حفرة، في دار هردوس.
ثم خسف الله بهردوس وزوجته وبنتها العاهرة، وذلك سنة خمسة آلاف وستمائة وأربع عشرة.
وذلك الذبح قبل رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، واستمر الدم يغلي ويفور ثلاثة وأربعين سنة، حتى سلط الله على اليهود طيطرس، وقيل: بخت نصر، وقتل اليهود وخرب بيت المقدس، وقد قتل من اليهود نحو سبعين ألفاً فعند ذلك أهبط الدم الذي كان يفور من رأس يحيى، وماتت أمه إيشاع قبل ذبحه بسنين، ودفنت في بيت المقدس، وقد أسنت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وذكر في "الإتقان" يحيى أول من سمي بنص القرآن، ولد قبل عيسى بستة أشهر، ونبئ صغيراً، وقتل ظلماً، وسلط الله على قاتله، بخت نصر وجيوشه، وإنما سمي يحيى لأنه أحياه الله بالإيمان وقيل: أنه أحيا به رحم أمه، وقيل: لأنه استشهد والشهداء أحياء، وقيل: معناه يموت، كقولهم المفازة للمهلكة، والسليم للديغ.
وذكر في "كشف الأسرار" قوله: لم أعطاه الحكم صبياً؟ قال: لأن أباه قال: (واجعله رب رضياً) فأكرمه في أول الحال بالحكمة ليكون مرضياً من أول عمره إلى آخره، وأكرمه بالحكمة في صباه ليعتاد الصلاح، لأن النفس ما عودتها به تتعود [عليه]، لأنه كان فيه ثلاثة أشياء وهي: قوله تعالى: (.. وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين..) وأما تلك الحكمة: فإن الله أكرم أربعة من الصبيان بأربعة أشياء: يوسف بالوحي في الجب، وعيسى بالنطق في المهد، وسليمان بالفهم، ويحيى بالكلمة. فإن قيل: لم ابتلاه الله بالقتل؟ قيل: لأنه ليس في الدنيا درجة بعد النبوة أبلغ من الشهادة، فأكرمه الله بها.
المصدر: كتاب الروضة الفيحاء في أعلام النساء: ياسين بن خير الله بن محمود بن موسى الخطيب العمري.
اترك تعليق