دور المرأة في الأُسرة في النظرة الإسلامية
دور المرأة في الأُسرة في النظرة الإسلامية
يتبيّن دور المرأة في الأُسرة لوظائفها الخاصة من نواحي متعددة:
أولها: أنّها زوجة صالحة، يسكن إليها الزوج حيث يكون الإيمان بالله والعلم الذي تحصل عليه نتيجة ندب الإسلام إليه، هما القائدان لها لأن تكون زوجة صالحة في بيت الزوجية يسكن إليها الزوج.
قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)(1).
وقال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)(2).
فالعلاقة الزوجية هدفها السكن (الاطمئنان) لكلا الطرفين، فكلّ طرف يجد راحة وسعادة في بيت الزوجية بسبب وجود الآخر.
وكلامنا بما أنّه في الزوجة، فيجب أن تكون الزوجة صالحة توفّر السكن والاطمئنان للزوج وتسعى لنشر السعادة والهدوء في بيت الزوجية، فيترقّب منها أن تأتي بكلّ ما من شأنه توفير هذه الحالة.
ومن مميّزات صلاح المرأة أنّها ذات دين تحفظ الزوج إذا غاب عنها في نفسها وماله، وتسرّه إذا حضر عندها، وتطيعه إذا أمرها.
فقد ورد في معتبرة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «ما أفاد عبد فائدة خيراً من زوجة صالحة، إذا رآها سرّته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله»(3).
وورد في معتبرة بريد بن معاوية العجلي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال الله عزّ وجلّ: إذا أردتُ أن أجمع للمسلم خير الدنيا وخير الآخرة جعلت له قلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وجسداً على البلاء صابراً، وزوجة مؤمنة تسرّه إذا نظر إليها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»(4).
وورد عن عبدالله بن ميمون القدّاح عن الإمام الصادق عن آبائه قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله: ما استفاد امرئ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»(5).
وقد ورد عن النوفلي عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من سعادة المرء الزوجة الصالحة»(6).
ثانيها: أنّها أُمّ مربّية، فمن مسؤوليات المرأة حسب الرؤية الإسلامية (القرآنية) أنّها أُمّ مربّية، تتبنّى دور الرعاية والتربية للأبناء، وهو الدور المختصّ بالمرأة، ولا يمكن أن يتناسب مع تركيبة الرجل وأدواره المكلّف بها.
وفي الخطاب القرآني حيث يؤكّد على برِّ الوالدين من ناحية تربيتهم للولد، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلا كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)(7).
فبرّ الوالدين بالإحسان لهما له سبب، وهو الدور التربوي الذي يقومان به، فالأب له دور تربوي وكذا الأُمّ، وهذه الآية تؤكّد على الدور التربوي بمعناه العام الذي يشمل الأب والأُمّ.
ولكن هناك نصوص قرآنية تتعلّق بالدور التربوي للأُمّ، ويتمثل في موردين:
الأوّل: الحمل والرضاعة، وهو على رأس الأدوار التربوية التي تضطلع به الأُمّ، فقد جاء في سورة لقمان: (وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(8).
وجاء في سورة الأحقاف: (وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً)(9).
فالأُمّ تقوم بدور عظيم في سنتين ونصف السنة، ألاّ وهو الحمل والرضاعة.
.
الثاني: الحنان والرعاية (الحضانة)، ويظهر هذا الدور من خلال تجربة أُمّ موسى، فيظهر مستوى الحبّ والحنان الذي كان يتدفّق من قلب أُمّ موسى اتجاه ابنها، قال تعالى في سورة القصص: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْن لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لاِخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُب وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْت يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)(10).
فخوف أُمّ موسى وحزنها في بداية الأمر، وقرّة عينها في نهاية الأمر، تعبير بليغ عن الحبّ والحنان اللذان هما من الشروط التربوية المهمة لرعاية الطفل.
وفي معرض الحديث عن الأُسرة لا بأس بذكر كلمة الرئيس السابق «جورباتشوف» في كتابه عن البروستريكا فقال ما مضمونه: «إنّ المرأة بعد أن اشتغلت في مجالات الإنتاج والخدمات والبناء، وشاركت في النشاط الإبداعي، لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية من أعمال المنزل وتربية الأطفال».
وأضاف قوله: «لقد اكتشفنا أنّ كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وإنتاجنا تعود جميعاً إلى تدهور العلاقات الأُسريّة، وهذه نتيجة طبيعيّة لرغبتنا الملحّة والمسوَّغة سياسياً بضرورة مساواة المرأة بالرجل»(11).
__________________
(1) الأعراف: ١٨٩.
(2) الروم: ٢١.
(3) وسائل الشيعة ١٤: باب ٩ من مقدّمات النكاح، حديث ٦.
(4) المصدر السابق: حديث ٨.
(5) المصدر السابق: حديث ١٠.
(6) المصدر السابق: حديث ١٢.
(7) الإسراء: ٢٣ـ ٢٤.
(8) لقمان: ١٤.
(9) الأحقاف: ١٥.
(10) القصص: ٧ ـ ١٣.
(11) من مقال لمحمود كريم سليمان بعنوان: أساليب تغريب المرأة وآثارها، مجلة البيان www.albayan ـ magazine.com
المصدر: من كتاب أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
اترك تعليق