مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

قلب الأم يعيش على نبض قلوب الأبناء

أمهات حوّلن الأزمة إلى مشوار من التحدي والمثابرة، وارتقين بأبنائهن إلى مصاف التميز

تحمل الأم طفلتها المصابة بالشلل بالتعاون مع الخادمة لتتيح لها فرصة اللعب في مدينة الملاهي كباقي الأطفال. في قلب تلك الأم الكثير من الألم ولكن ابتسامة طفلتها تعوّض عنها الكثير. يوحي المشهد بقلب الأمومة النابض. أمومة لا تيأس من رحمة الله، هو مشهد قد ينسحب على معظم أمهات المعوقين اللواتي تغلبن على إعاقة أبنائهن وحوّلن الأزمة إلى مشوار من التحدي والمثابرة وارتقين بأبنائهن إلى مصاف التميز.
تلك نماذج لأمهات مناضلات حاولن أن يؤكدن أن الإعاقة لا تقف عائقاً أمام ممارسة دورهن ولا طموحات أبنائهن، فحولن العجز إلى عزيمة.
"كل الأسرة" التقت بعضهن ممن عانين وثابرن وناضلن وعايشن حكايات أمل تمتزج بالفرح. حكايات خلاصتها أن قلب الأم يعيش على نبض قلوب أبنائها.[...].

بدرية عبيد: محمد طريقي إلى الجنة!
عندما تتحدث بدرية عبيد (أم محمد خلفان) عن تجربتها. يشعر المرء بأن الحياة هي صراع بين أن نكون أولا نكون.
اختارت، وهي والدة لخمسة أبناء، أن تكون قدر أمومتها وقدر إيمانها، لا تتحدث عن معاناة بل عن نعمة ابتلاها بها الله ليدرك مدى صبرها.
ستة عشر عاماً هي عمر ابنها محمد أصغر الأبناء المصاب باستسقاء في الدماغ وشلل رباعي، وفق التشخيص لحالته التي اكتشفت بعد ثلاثة أشهر إثر "الولادة في إحدى المستشفيات الخاصة دون إخضاع الطفل لأي فحص".
جمعت عائلتها وأطلعتهم على الأمر وعلى مفهوم الإعاقة، كانت أم محمد مدرسة وهذا الوضع أمدّها بثقافة المواجهة: "بدأت أثقف نفسي وأسأل زميلاتي في مجال التربية الخاصة ودعمتني الأسرة والمحيط".
تصف الرحلة مع ابنها بالممتعة: "بدأت مع محمد رحلة العلاج الطبيعي وممارسة السباحة ولم تقصر مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في دعم الجانبين النفسي والتوعوي، وشكلت اللقاءات مع أمهات من اللواتي عانين داعماً لنا في استكمال المسيرة".
لم تنته رحلة التحدي: بدأت أدمجه اجتماعياً وأصطحبه معي إلى أي مكان، وكانت رحلة العلاج بالقرآن الكريم ويحفظ اليوم ثلاثة أجزاء منه، وهذا ما قوّم لسانه وحسنّ مخارج الحروف عنده. تقول: "أصقلت ثقافته الدينية يتمنى أن يكون مؤذناً، ويقصد مسجداً لأداء الصلاة، وهو يجلس في الصف الأول، وهو في اعتقاده أن أول ما ينظر الله إلى المصلين، ينظر إلى الصف الأول، فيرحمهم، كما يقصد مسجد الصحابة للصلاة على الموتى وكسب الأجر".[..]
رعت الأم قدرات ابنها بالتعاون مع المدرسة. تكاتفت العائلة وبات محمد المميز بين أفراد الأسرة دون تمييز. تؤكد تلك الأم على أهمية أن نجعل أبناءنا يستمتعون بحياتهم ولا نصادر رأيهم: "مؤخراً رسم دائرة وكلما قام بإنجاز ولو متواضع. أعزز ثقته بنفسه. أنا سعيدة معه. نخرج ونلعب ونستأنس".[...]
أم محمد متفائلة: "غداً أفضل من اليوم" تقولها وهي تنظر إلى المستقبل على أمل أن تدخل الجنة من باب الصبر و"نحن استمدينا الصبر من عيالنا ومحمد طريقي إلى الجنة".
نبيلة المغربي: أشعر بأني مميزة لوجود أحمد في حياتي!
نبيلة أحمد المغربي. والدة لثلاثة أبناء هم أحمد (16عاماً) وفارس (13عاماً) وياسمين (4سنوات). أحمد مصاب بمتلازمة داون وهي عبارة عن عدم انتظام في الصبغيات سببه وجود صبغي زائد في الزوج الحادي والعشرين.
تلك الحقيقة لم تدركها الأم إلا بعد ستة أشهر من الولادة بعد أن أصيب أحمد بعارض برد وقصدت أكثر من طبيب في مصر، داخل المستشفى. وقف الطبيب ليخبرها بأن ابنها "متخلف".
تركت تلك الصورة غصة لدى أم أحمد التي لم تدرك طريقة للتعامل مع ابنها سوى الضرب. كان أحمد يكبر وتنمو عدوانية في ظل جهل بكيفية التعاطي معه: "تم الكشف عنه وانتهى الموّال ولم تكن هناك من إرشادات. كنت أضربه ثم أجلس بالقرب منه أبكي".
حانت فرصة دخوله إلى مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، جلسة إثر أخرى، تغيرت المعاملة، وغاب الضرب: "الجلسات النفسية والإرشادية جعلتني أندم على المرحلة السابقة، بدأت عدوانيته تخف وانعدم سلوكه السلبي".
اليوم كبر أحمد ودخل في مرحلة المراهقة، يتدرب في قسم الزراعة في "مدينة الشارقة". إلا أنه يفتقد بعد الظهر لأي نشاط لتفريغ طاقته.[...].
أم أسماء: كدت أخنق طفلتي بيدي لجهلي بطريقة إرضاعها:
معاناة أم أسماء مختلفة نوعاً ما، تعاني ابنتها من تشوه ولادي يصيب الشفة العليا للطفل ويطلق عليه "الشفة الأرنبية". وهو تشوه ترافقه جملة مشكلات صحية، توضح: "كان أمراً غريباً على المجتمع والمحيط ولكني تقبلتها بشكل عادي.
بدأت دوامة البحث عن العلاج: "لم أستوعب صعوبة الأمر وبالأخص أن الكثيرين لم يفهموا حالتها وإمكان إرضاعها من دون وجود "سقف حلق". بعد ولادتها قبعت في المستشفى أياماً عدة وعندما وضعوها في حضني، شعرت وكأنهم أعطوني قطعة لحم".
تسترجع وبصوتها الكثير من الحسرة: " كنت أرضعها زجاجة الحليب وكدت أخنقها بيدي وأنا غير مستوعبة أني أكاد أقتلها بيدي لجهلي بوضع الزجاجة بالشكل الصحيح".
كان علاجها يحتاج إلى أن تصل إلى وزن 5 كيلو. أخضعتها للعملية في عمر ثلاثة أشهر وناهز عدد العمليات التي أجرتها (22) عملية حتى اليوم استهدفت سقف الحلق والشفة والأذنين ولم تجد النجاح الكامل حتى قامت بتسفيرها إلى ألمانيا على حسابها الخاص
استكملت معاناتها تلك الأم التي لا تتوقف طويلاً عند دورها وتعتبره بديهيا: "كانت ابنتي بحاجة لعلاج طويل ووصفوا لها دواء للصرع ضرب خلايا الدماغ بعد أن استمرت تتناوله حتى عمر 11 عاما".
انتسبت أسماء إلى روضة تربية خاصة وبعد سنتين، تم فصلها بحجة أن عمرها يخولها لدخول المدرسة حيث تم تسجيلها في مدرسة تربية خاصة حتى عمر 13 عاماً.
تتسم تلك الأم بعفوية بالغة، تقول بحب: "أعيش من أجل أبنائي ولم يؤثر الوضع عليّ أبداً وكنت أتعامل معه بشكل عادي".
أسماء هي الأقرب: "أشعر بعاطفة كبيرة تجاهها لكثرة قربنا لبعضنا البعض، أرسلتها إلى سوريا لمدة سنتين، مما عزز ثقتها بنفسها وبضرورة تمكينها مهنياً كما تعلمت كيفية التعامل مع الحياة وباتت تعتمد على نفسها في الكثير من الأمور".
أسماء: ليحفظ الله لي أمي!
تبلغ أسماء اليوم 28 عاماً وتعمل مساعدة في مجال العلاج الطبيعي، تعبر عن سعادتها بما تقوم به. تحب أمها كثيراً: "هي كل شيء بالنسبة لي والله "يخليها" لي. ساعدتني كثيراً". تقول وهي تقبل يد والدتها.
ملتزمة ومطيعة وتهوى الأشغال اليدوية وتتمتع بقوة الملاحظة وحب العلم. هكذا تصفها الوالدة التي تتشارك معها في بعض الأعمال المنزلية.
في بعض الأوقات، تخرج بمفردها إلى مراكز التسوق وفق مدة تحددها الوالدة وتبتاع بعض أغراض المنزل.

المصدر: مجلة كل الأسرة، العدد 947
.

التعليقات (0)

اترك تعليق