مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نحو (نوفل لوشاتو)

نحو (نوفل لوشاتو)

نحو (نوفل لوشاتو): 

كنّا في (سوريا) فعلمنا أن الحكومة العراقية وبعد عدم حصولها على نتيجة من محاصرة بيت الإمام (الخميني)، أجبرته على مغادرة العراق، كان الإخوة بصدد تشجيع الإمام وترغيبه بالمجيء إلى (سوريا) و(لبنان)، إلاّ أنّه سافر أولاّ إلى (الكويت)، وبعد منعه في مركز صفوان من دخول (الكويت) عاد إلى (البصرة)، ومن ثم إلى (بغداد)، ثم توجّه من هناك إلى (فرنسا).
بعد التشاور والدراسة التي أجراها سماحته، قرر أن يذهب إلى (باريس)، وأقام في منطقة (نوفل لوشاتو)(1)، والتي تقع في أطراف (باريس)، ونالت شهرة عالمية بعد ذلك.
كنّا في (سوريا) نترقب الأخبار المتعلقة بالإمام (الخميني) وأنصاره لحظة بعد لحظة، وبعد وصول خبر إقامته في (نوفل لوشاتو)، عقدنا اجتماعاً تناولنا فيه أبحاثاً كثيرة ودارت فيه نقاشات عديدة ومختلفة، فتوصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن نلتحق نحن أيضاً بركب الإمام في تلك المنطقة الواقعة في أطراف (باريس).
ولهذا سارعنا بإنجاز الأعمال المتبقية، وجمعنا أمتعتنا وحقائبنا، وسافرنا إلى (فرنسا). سافر أولاً كل من الشهيد (محمد منتظري)، (محمد غرضي)، (ناصر آلادبوش)، و(سراج الدين الموسوي). بعد يومين سافرتُ أنا بجواز السفر المزوّر والذي يحمل اسم (زينب أحمدي نيلي)، متوجهة بالطائرة إلى (فرنسا).
كان قلبي مضطرباً في تلك الساعة، وكنت أحصي الدقائق والثواني للقاء الإمام (الخميني). كانت لحظات مهيجة ومثيرة، بل كنت في دوامة وغير مستقرّة نفسيّاً.
عندما وصلنا إلى مطار (أورلي) الدولي، توجهنا دون تأخير وعن طريق علامات المرور المنصوبة على أطراف الشوارع نحو (نوفل لوشاتو)، عندما وصلت إلى هناك، انتابني شعور عجيب، وحالاً لا يوصف، إنّه شعور جيد وإلهي، وإحساس بالفخر والرفعة، كنت أتذكر دائماً ذلك المنام الذي رأيت فيه الإمام (الخميني) في عام 1963م، تلك الرؤيا التي كان فيها الإمام يتوجع من شدة ألم الكتف، وكنت أفتش عن طريق لأقدّم له خدمة، فكان هذا الحضور والظهور حالياً في (نوفل لوشاتو) تعبيراً لتلك الرؤيا في المنام.
بعد اللقاء بالإمام (الخميني)، لم أكن أعرف رأسي من قدمي لشدّة الفرح، ولم يتسع جسدي لروحي، فوصل شعوري هذا إلى عنان السماء بقرار الأخوة أن أقوم أنا بالوظائف المرتبطة ببيت الإمام وشؤونه الخاصة، انتابني شوق لا يوصف، قد ملأ وجودي، فخاطبت نفسي: "مرضية ها أنتِ التي قد منَّ عليك بلطفه وفضله هذا كلّه لتكوني خادمة في بين الإمام (الخميني).." وأيّ عمل هو أغلى وأثمن لي من هذا؟ أن أتنفس وأشمّ الهواء في بيت يذفر بعبق وعبير أنفاس الإمام القدسيّة، اعتقدت أن الله سبحانه وتعالى قد عوّضني عن كل ما عانيته من حرمان وهجران ومحن وآلام، عليّ إذا أن أغتنم هذه الفرصة وأستفيد منها لحظة لحظة.
مضافاً إلى قيامي بالشؤون الداخلية توليت ما يرتبط بالشؤون الأمنية في البيت، فقد حالفني الحظ أن أنال سعادة ما أعظمها من سعادة، أن أرى الإمام (الخميني) كل يوم. في الأيام الأولى، كنت أفتح الرسائل التي تصل إلى الإمام، وأشتري الحاجات الضرورية للبيت، وكنت أغسل ملابسه، وأهيىء له طعامه على ضوء البرنامج، فوجودي في هذه الأجواء كان توفيقاً إلهياً، حيث أتعرف عن كثب على نمط وأسلوب الحياة البسيطة والزهد والقناعة للإمام (الخميني)، وأن أعيد بناء نفسي من بركات هذا الحضور، وأستفيد من مكارم أخلاقه، وسيرته العملية وسلوكه العرفاني، لتنتعش روحي وحياتي من جديد.



______________ 
1- NEAPUPHIE. ELE. CHATEAU مدينة صغيرة تقع في ضواحي مدينة باريس، يصل تاريخ (نوفل لوشاتو) من 2000 إلى 2500 عاماً، وقبل ميلاد السيد المسيح(ع)، وكانت عائلة نوفل القوية والارستقراطية هي التي تحكم المنطقة، ومن بينهم يمكن الاشارة إلى (سيمون الأول)، (سيمون الثاني)، (سيمون الثالث)، و(سيمون الرابع). تعد هذه المنطقة ذات مناخ صيفي، وفي هذه المنطقة توجد كلية تعليمية كبيرة أيضاً.


المصدر: 23عاماً..وسط الطوفان (مذكرات المناضلة الإيرنية الحاجة مرضية (دباغ)، إعداد وتقديم: السيد محسن الكاظمي، ترجمة ونشر: دار الولاية للثقافة والإعلام، الطبعة الأولى، 2015م

التعليقات (0)

اترك تعليق