نقد ودراسة معاهدة إلغاء التمييز ضد المرأة (القسم الأول- الأسرة نموذجاً)
المقدمة:
لا يخفى أن أحد أسباب التي أدت إلى إبرام المعاهدات والمواثيق وعقد المؤتمرات الدولية هو الظلم وانعدام العدالة وإهدار حقوق شريحة من المجتمع منذ عهد قديم عبر التاريخ وحتى الآن والذي يأخذ أحياناً صوراً مقبولة في الظاهر. (لقد كان الجنس إلى جانب عوامل أخرى يؤدي دائماً إلى ظهور صور مختلفة من الظلم ضد المرأة. وأصبحت بمرور الوقت أمراً ثابتاً وجزءاً من ثقافة المجتمع بسبب خصوصيات المرأة كقدرتها على الصبر والتحمل الفائق كعوامل داخلية بالإضافة إلى عدم وجود آليات قانونية لإحقاق الحق وتراكم أنواع الظلم المتنوعة..) علا سوند/ 2003م/ ص13.
إن بعض الظلم الذي تتعرض له المرأة وحقوقها وموقعها على المستويات الشخصية والأسرية والاجتماعية يعود إلى الأسس النظرية الفكرية للمجتمعات ويعزو البعض الآخر ذلك إلى القوانين الموضوعة في تلك المجتمعات فيما يعود القسم الآخر إلى أسلوب تعامل الأفراد أو الحكام مع المرأة. وتعمل المجتمعات المختلفة والمؤتمرات الدولية بشكل عام على تغيير القسمين الأخيرين مما يؤدي بطبيعة الحال إلى إيجاد تغييرات في الرؤية والفكر...
معاهدة إلغاء التمييز وتاريخها:
لقد تمت المصادقة على هذه المعاهدة التي تحظى بدعم كفاح المرأة الأوروبية ضد التمييز في الثامن عشر من كانون الأول عام 1979 في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وربما يمكن القول أن أول الاعتراضات في هذا المجال تمثلت باعتراض المرأة الفرنسية أوائل القرن التاسع عشر احتجاجاً على سيادة الرجل وهيمنته في ميثاق حقوق الإنسان الفرنسية.
حيث أدت هذه الحركة إلى تشكيل مكتب أنصار المرأة الذي أكد على عدة نقاط هي:
- تتمتع المرأة أمام الرجل وخاصة في الحياة الزوجية بالاستقلال وحرية الاختيار والحقوق الإنسانية.
- المرأة حرة ومستقلة من الناحية الفكرية والإنسانية.
- ينبغي أن تشارك المرأة في القضايا السياسية وتتساوى مع الرجل في الحقوق (هاجري/ 2003/ ص14).
وعلى الرغم من وجود مثل هذه الحركة فإننا نرى رؤى مستوحاة من النظرية الإحتقارية إلى المرأة حتى في الأسس الفكرية للمثقفين الأوروبيين. حيث أن مفكرين مثل جان جاك روسو كانوا يعتقدون بأن المرأة هي بطبيعتها كائن ضعيف ولا تعمل على نشر عقيدتها ورؤاها بشكل واسع (نقلاً عن علا سوند/ 2003/ ص13) لكن الحركات المطالبة بالعدالة للمرأة أدت في العاشر من كانون الأول عام 1984 إلى المصادقة على الميثاق العالمي.
ومنذ عام 1984 بدأت الجمعية العامة العمل ضمن ميثاقي " الحقوق السياسية والمدنية" و "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
وبسبب عدم وجود الصراحة في هذين الميثاقين قامت الحركات والتيارات النسوية وبدعم من القوى الكبرى وضغط الأمم المتحدة بإعداد مسودة معاهدة القضية النسوية في نوفمبر عام 1967 حتى تم في نهاية المطاف المصادقة عليه في عام 1979. وتتضمن هذه المعاهدة مقدمة وستة أقسام وثلاثين موضوعاً خاصاً بحقوق المرأة.
الإطار العام للمعاهدة:
في نظرة أولية وعامة على بنود وفقرات هذه المعاهدة يلاحظ بأن المعاهدة تسعى إلى إقرار المساواة بل التشابه بين المرأة والرجل في جميع المجالات الفردية والاجتماعية. ويأتي هذا السعي في امتداد وجهة عمل المرأة وتحررها من إطار البيت ومن تربية الأولاد، وتدعو المعاهدة إلى مساواة المرأة مع الرجل في جميع المجالات. وقد أعطت هذه المعاهدة أهمية قليلة للاختلافات الجسدية والنفسية بين هذين الجنسين. غير أن الذين دوّنوا هذه المعاهدة يعتقدون بأن هذه الاختلافات والفروق كانت مؤقتة. ومن أجل استعادة المكانة الواقعية للمرأة، وإلغاء كل أشكال التمييز ضدها جرت الإشارة في المعاهدة إلى أن هذه الاختلافات تكون عادة خلال فترة الحمل والرضاعة ما يعني استحالة إلغاء الاختلافات الجنسية وما تقتضيه ذلك.
لذلك أورد المحققون بعض الإشكالات على هيكلية هذه المعاهدة منها:
أ- عدم الاهتمام بالواقع:
إن الاعتراف بأهمية شيء أو عدم الاعتراف به من قبل الأفراد لا يستطيع تغيير الحقائق العينية؛ فالجنس أحد الفوارق والاختلافات البشرية سواء يتم الالتفات إليه أم لا يتم. فجنس المرأة غير جنس الرجل علماً أن جنس الرجل أمر اعتباري يمكن إسقاطه، لكن الاختلاف العيني بينهما لا يمكن غض النظر عنه. ولا ينبغي وضع القوانين الحقوقية بدون أخذ هذه الحقائق بنظر الاعتبار.
ب- الاهتمام بجانب واحد:
إن للإنسان أبعاد مختلفة معنوية سياسية اجتماعية اقتصادية وأسرية وغيرها، لكننا نرى أن المعاهدة تؤكد فقط على البعد الاقتصادي للمرأة لأداء دورها في النظام الاقتصادي العالمي الحديث. والخطوة الأهم في تحقيق هذا الهدف هي إلغاء الحقوق التقليدية للمرأة وإحلال الحقوق الاقتصادية الحديثة محلها.
ت- نفي تعدد الثقافات:
تعود مسألة توحيد الثقافات إلى أن المعاهدة تطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلغاء القوانين المنافية لهذه المعاهدة، وإحلال قوانين منسجمة محلها حيث أنّ مثل هذه الخطوة تعتبر الأنسب لتحقيق أهداف الرأسمالية. ذلك أن تعدد الثقافات يعتبر مانعاً كبيراً أمام تنامي واتساع رقعة سلطة الرأسمالية الجديدة على الأمم.
ث- تجاهل القوانين الخاصة لكل بلد:
للقوانين التي تحكم دول كل منطقة هوية وطنية خاصة. لذا فإن المصادقة على مقررات في أجواء غير وطنية يؤدي إلى ضغوطات غير قانونية من قبل النظام الدولي، والأهم هو أن أجواء المعاهدات الدولية تابعة لهيكلية نظام التسلط الدولي، وهل أن هذا النظام عادل وسلمي وإنساني؟ (مهدوي زادكان و../2004م/ 31-35).
الأسرة ونتائج تطبيق المعاهدة:
في المجتمعات الشرقية لا يتم تعريف الأسرة فقط على أساس اتفاق مادي محض بعيداً عن العلاقات العاطفية والنفسية. لذلك فإن هذه المجتمعات تتحمل أكبر الآثار السلبية والنتائج المرة من تطبيق بنود المعاهدة لأن المعنويات والماديات امتزجت مع بعضها في المجتمعات الشرقية، بحيث أن الحسابات المادية والاقتصادية المحضة التي يعتمدها العالم الغربي ويجعلها أساس كل سعادة وشقاء، ليس لها مكانة مهمة في المجتمعات الشرقية، على الرغم من أن القيم، الموجودة لدى سائر الأسس الشرقية، تسير نحو الأفول والانهيار نتيجة تأثير التطور التكنولوجي والهجمة الغربية الثقافية، وفرض المعايير الغربية من قبل الأوساط الدولية والسلطات الأجنبية. ومن بين هذه الأمور يمكن الإشارة إلى طرح المساواة بين الرجل والمرأة في ظروف غير متكافئة والنظرة الرجولية إلى الزواج، وفرض شروط الرجل على المرأة، والنظر باحتقار إلى احتياجاتها كامرأة خاصة في إطار الأسرة.
احتقار دور الأمومة والزوجية:
تقول جماعة غير حكومية تدعى "جمعية الأمهات الأميركيات" في رفضها هذه المعاهدة: ينبغي على الأميركيين أن يعلموا بأن الهجمة على الأمومة، والدين والسيادة الوطنية أصبحت مرة أخرى على مقربة من حدودنا. ويعلم هؤلاء أنه على الرغم من أن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان يدافع بوضوح عن كيان الأسرة والأمومة، فإن معاهدة إلغاء التمييز ضد المرأة تنقض في الفقرة الرابعة عشر ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: (المادة 5، الفقرة ب/ المادة 10، الفقرة ج) وتعتبر أدوار الأمومة والزوجية أدواراً تقليدية، كما أنها تعتبر كل استنتاج استنتاجاً تقليدياً مستنسخاً تجاه دور المرأة والرجل صورة تقليدية ومخالفة للمساواة.
(مجموعة مقالات/ 2003 م/ 131)
ويقول الكاتب الأميركي "سونا شارون" في مقال تحت عنوان: "أخطاء الحركة النسوية":
تعتبر حرية المرأة بالنسبة لنا زياد في الإيرادات والعائدات حيث جلبت لنا سجائر خاصة بالنساء وحق اختيار العيش المنفرد، وتأسيس الأسر ذات الفرد الواحد، وإيجاد مراكز أزمة الاعتداء والاعتبارات الفردية والعشق الحر و... لكن مقابل ذلك فإنها نهبت شيئاً آخر يتضمن سعادة الكثير من النساء هو وجود الأسرة (السيد صديقي /فصلية كتاب النقد/ العدد 12/ ص69) (كتاب حقوق المرأة) ومن هنا فإن هذه المعاهدة تقضي على كثير من رغبات المرأة الأسرية فيما تقوم توصيات الأوساط الدولية على أساس أنها تعكس ذلك. إن توصيات لجنة إلغاء التمييز إلى الدول الأعضاء تشير بشكل واضح إلى أن نظرة المعاهدة إلى دور المرأة كأم وكذلك إلى دور أزواجهن إلى أنها توصيات تتضمن الاحتقار.
إن اللجنة وجهت انتقادات إلى روسيا البيضاء واليابان بسبب إبقاء هاتين الدولتين على جائزة الأم ويوم الأم، وعدم إلغاء هاتين الجائزتين كذلك بسبب الإبقاء على دور الأمومة على شكلها التقليدي. ولذلك طلبت من مسؤولي هاتين الدولتين إلغاء كل برنامج يومي يشير إلى وجود اختلافات جنسية بين الرجل المرأة. ولا شك إن هذا النوع من التوصيات الصادرة من لجنة إلغاء التمييز يكشف الأهداف الحقيقية لها، ويوضح كيف إن نظرة الحركات والتيارات النسوية المهيمنة على المعاهدة تتناقض مع الدور التاريخي والأصيل للمرأة في المحافظة، والمراقبة، وتعليم، وتربية الأطفال ونقل القيم والثقافات من قبل المرأة إلى الأجيال القادمة.
المصدر: مجلة الطاهرة، العدد213.
اترك تعليق