من مسائل حرجة في فقه المرأة: تأملات في منهج الإستنباط الفقهي في مجال أحكام المرأة والأسرة
في كتابه "الستر والنظر" من سلسلة مسائل حرجة في فقه المرأة، يورد الشيخ محمد مهدي شمس الدين ملاحظات وتأملات في منهج الإستنباط الفقهي في مجال أحكام المرأة والأسرة فيقول:
على الفقيه أن يلاحظ النصوص الواردة في السنة في شأن المرأة والأسرة على ضوء التوجيه القرآني من جهة، وباعتبارها متلازمة متكاملة من جهة أخرى.
أمّا ملاحظتها بمعزل عن التوجيه القرآني من جهة، وباعتبار كل نص فيها يعالج حالة مستقلة أو تفصيلاً معزولاً عن سائر التفاصيل، في حالات، وتفاصيل وضع المرأة وعلاقتها بالمجتمع والأسرة ووضع الأسرة في علاقتها الداخلية وعلاقتها بالمجتمع؛ فهو منهج لا يتناسب مع طبيعة الموضوع، ويؤدّي إلى خلل في عملية الاستنباط.
ومن أمثلة ذلك، وهي كثيرة:
أ- أنّ من المسلّمات الفقهية أنّ الأم تتمتع –بالنسبة إلى أولادها- بمركز معنوي وحقوقي لا يكاد يساويه مركز. وهذه الأم باعتبارها زوجة تكاد تفقد حرمتها وكرامتها الإنسانية إلى الزوج-الأب، على بعض المباني الفقهية، بحيث لا يزيد أمرها عن كونها موضوعاً جنسيّاً، ومدبرة منزل فقط.
ب- أنّ من الثابت في التشريع اشتراك النساء والرجال في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأنّ الفقهاء يعملون بروايات من قبيل ما رواه الكليني بسنده عن عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق، قال: "ذكر رسول الله (ص) النساء، فقال: اعصوهن في المعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر، وتعوّذوا بالله من شرارهن وكونوا من خيارهن على حذر".(1)
وهذا الحديث معتبر من حيث السند، وبمضمونه وردت عدّة أحاديث مرفوعة وضعيفة.
طبيعة النصوص المروية في شأن المرأة في السنة:
إنّ النصوص المروية في السنة في شأن المرأة على قسمين:
أحدهما –نصوص معتبرة ضعيفة السند أو مرسلة أو مرفوعة، لا تصلح لأن تكون أدلة على الحكم الشرعي.
ثانيهما –نصوص معتبرة شرعاً بين صحاح ومُوَثَّقات وحِسان. فهي من حيث السند صالحة للدلالة على الحكم الشرعي، إذا ثبت أنها واردة لبيان الحكم الشرعي الإلهي، ولم تكن تدبيراً لمواجهة حالة طارئة، أو توجيهاً خاصاً بشخص معين في حالة معيّنة.
وتتوقف صلاحية هذه النصوص للإستدلال بها على ألا تكون مخالفة لكتاب الله الذي هو المعيار في صلاحية ما روي في السنة للدلالة على الحكم الشرعي.
وقد جرى كثير من الفقهاء في فقه المرأة على العمل بما روي من النصوص من دون احتراز عن الأحاديث الضعيفة ومن دون محاكمة لمتون الأحاديث المعتبرة.
وقد اعتبروا العرف مرجعاً في فهم كثير من النصوص، وهو عرف لم يثبت أنه بجميع تفاصيله كان سائداً في عهد النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) ليصلح مرجعاً في فهم النصوص. بل من المعلوم إجمالاً –في بعض الحالات- وتفصيلاً –في بعض الحالات- أنّ بعض عناصر هذا العرف تكوّن من العادات والأعراف الدخيلة المستحدثة التي لم يصنعها الشرع وإنما أنتجها الإرث الثقافي الذي تأثرت به المجتمعات الإسلامية نتيجة لتفاعلها مع أهل الأديان والثقافات الأخرى.
وهذا النوع من الأعراف لا يصلح مرجعاً لفهم النص الشرعي.
فلا بدّ من تمحيص النصوص للكشف عن مراد الشارع المقدّس بالرجوع إلى الكتاب والسنة المعتبرة لمعرفة موقع المرأة في نظام القسم ونظام الحقوق والواجبات الإسلاميين، ومحاولة فهم النصوص الواردة في بيان أحكام المرأة في الأسرة الأبويّة والزوجيّة وفي المجتمع على ضوء ما يؤدّي إلى البحث عن موقع المرأة في نظام القيم ونظام الحقوق والواجبات، مضافاً إلى العرف الثابت صلاحيته للمرجعية في فهم النص عند التباس دلالته اللفظية.
إنّ دراسة النصوص على هذا الأساس ستكشف عن أنّ بعضها قد ورد متأثراً بعرف خاص حادث وطارئ، ومن ثم فهو لا يكشف عن الحكم الشرعي الإلهي، لأنه لم يصدر لبيان هذا الحكم، وإنما عكس حالة إجتماعية وثقافية حادثة اقتضت الظروف التكيّف معها.
فلا بدّ في هذه الحالة من معاملة النص على أساس النظرة النسبيّة في الأحوال، لا على أساس الإطلاق في الأزمان والأحوال.
هذا بعد الفراغ عن كون النص في نفسه واجداً لشرائط الحجيّة من سلامة السند، وعدم مخالفته للقرآن.
الهوامش:
(1) الوسائل، كتاب مقدمات النكاح، الباب94، ج20، ح1، ص178-179. والكافي، ج5، ح2، ص516.
المصدر: شمس الدين، الشيخ محمد مهدي: مسائل حرجة في فقه المرأة، الكتاب الأول، باب الستر والنظر، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط4، بيروت- لبنان، ص23-25
اترك تعليق