مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة ودورها الاَّمتناهي (2)

المرأة ودورها الاَّمتناهي (2)

  المرأة: منبع الإلهام
إذا قيل في السابق "وراء كل عظيم امرأة"، فإنّ تلك المقولة انطلقت من عالم الوجدان لا البرهان، واستفيدت تلك الحكمة من سير التجارب لا مكتشفات العلم.
أمّا إذا يقال اليوم إنّ الأنوثة وراء كل إبداع، وأنّها مصدر كل اندفاع، وأنّها تمثل في حياة الإنسان ينبوع الحركة ومنبع الإلهام، فإنّ كل هذا لا يعد اليوم شعراً أو حكمة، بل عاد يستند إلى العلم وإنجازات التقدُّم في علمي النفس والاجتماع.
يقول بير داكو (عالم النفس الفرنسي) بهذا الشأن: "إنّ الأنوثة ليست ضعفاً، إنّها ليست عجزاً، وهي ليست كل ما حُكِي حول موضوعها..
فإنّ الأنوثة استطاعة في حد ذاتها.
والأنوثة تمثل مدخرة الشخصية.
والأنوثة هادئة بصورة آلية لأنّها سلبية على نحو قوي، فهي موصولة بالواقع مباشرة، إنّها في حالة التنصت على الأشياء والموجودات، ومرتبطة بالزمن..
بل يمكن القول إنّ الذكورة*** ليست مبدعة على الإطلاق، ذلك أن كل إبداعية تحدث في داخل الشخصية فهي تحدث في دائرة القطب المؤنث.
ولا يتصور المرء مثل مدام كوري أو مثل بيتهوفن يعبِّران في الخارج عن عمليهما دون أن يتركا أوّلاً للإلهام أن يتجمّع، أو كذلك، هل يتصور المرء أن ثمة إمكاناً لوضع سطح بيت من البيوت على الفراغ؟
والفاعلية المبدعة التي برزت إلى الخارج منوطة بالاستقبالية التي تهيِّئها، ونوعية الفاعلية التي تبرز إلى الخارج منوطة باستطاعة الاستقبالية. ذلك إنّما هو القانون الأساسي.
وعندما يبدع خارجياً رجل أو امرأة، فإنّهما لا يفعلان سوى استخدام إبداعيتهما الداخليتين.
ومن الجوهري أن نضيف إنّ الأنوثة استطاعة لا متمايزة"(1).
إنّ الذكورة والأنوثة متكاملان في الحياة، ولا يغني أحدهما عن الآخر، والعلاقة بينهما ليست علاقة تفوُّق وتسلُّط واستغلال، بل هي علاقة تمايز تحمل تكاملها في تمايزهما، إذ بتمايزهما يستطيعان أداء الأدوار الحياتية المختلفة، وبتمايزهما يشكلان زوجاً جميلاً ومبدعاً، والاختلاف في التكوين أكّد حاجة بعضهما إلى البعض الآخر: حالة متكافئة في كونها حاجة أساسية لاستدامة الحياة رغم اختلاف نوع الحاجة وكمّها.
إلا أنّ توزُّع الأدوار هذا لا يعني عدم اختصاص بعضهما بصفات فريدة جعلت منه فريداً ورائعاً في بابه، وهكذا كانت الأنوثة تعني: الإلهام والإبداع في بابنا هذا، فيما كانت الذكورة لا تفعل سوى "التصنُّع سواء كان الأمر بصدد عمل فنِّي رائع أم عمل فنِّي هزيل.. فليست الذكورة متصفة بالعبقرية على الإطلاق، إنّها مجرد العامل المنفذ للأنوثة (أو للحياة الداخلية)"(2).
وطبيعي أنّ المقصود هنا هو جزء الأنوثة في الشخصيّة الإنسانية: رجلاً كان أم امرأة، بناءً على النظريات الحديثة لعلم النفس، والتي تؤكِّد وجود هذين القطبين في كل نفس إنسانية، مع انسحاب أحدهما إلى الخلف وبروز الآخر، والذي يعطي الإنسان هويته الذكورية أو الأنثوية.

وهنا يأتي دور المرأة: الأُم، فهي التي تغذّي بروحها هذا الجانب الأنثوي في الإنسان، وهي التي تهذّب وتربّي فيه شخصيّته، بقطبيها الموجب والسالب.
وإذا كان مصدر الإبداع ومبعث الإلهام في الشخصية الإنسانية – رجلاً أم امرأة – هو قطبها الأنثوي، فإنّ دور المرأة في المجتمع الإنساني كان أيضاً نسخة من دور الأنوثة في ذات الإنسان.
فإنّ المرأة، بنتاً أم أمّاً أم شريكة حياة، هي التي تبعث في الإنسان قوّة تحدِّي الظروف وتلهمه روح الكفاح من أجل الصمود والتقدُّم ومن ثمّ الخلق والإبداع..
لأنّها تجتمع فيها عناصر المقاومة وتشعّ من روحها طاقة الاستمرار.
إنّها مجتمع الصبر والانتظار في بوتقة واحدة ولا عمل ولا أمل بدونها، ولذا خرج الأبطال يخوضون المعارك، وانطلق المبدعون يسجِّلون الانتصارات بدفع من النِّساء وبتشجيع منهنّ.
إذا كانت الأنوثة: نقطة الاستقرار في المجتمع البشري.
وإذا كانت الأنوثة: معبد الحبّ للإنسان.
وإذا كانت الأنوثة: مركز الإبداع ومنبع الإلهام للرجل والمرأة، على السواء.
فلماذا تخجل المرأة من أنوثتها ولا تفتخر بها؟
ولماذا يحتقر الرجال النساء، ويوصفونهنّ بأسوأ الأوصاف؟
وكيف يجمع الرجال بين حاجتهم التكاملية والأساسية لوجود المرأة وبين استضعاف هذا الوجود وإضعافه؟
وبعد ماذا يجني العالم حين ينحو بالنِّساء لأن يكنّ رجالاً، ولن يكن كذلك، بل أقصى ما يمكن أن يكنّ هو أن يصبحن رجالاً ممسوخين.
ولكن هل يمكن لكل الرجال أن يعطوا للوجود ما تهبه امرأة؟
إنّ الأنوثة كنز البشرية، كما إنّ الذكورة هي الأخرى ذخيرة لها، ولا يمكن للبشرية أن تتقدّم إلا بالحفاظ على هذا الكنز والاستفادة من تلك الذخيرة بالشكل الطبيعي الذي هيأهما الله تعالى لذلك وسخّر طاقاتهما باتجاه الوحدة والتكامل مع المجتمع.
ولذا كان من الواجب أن تكون أوّليات برامج النِّساء: الحفاظ على أنوثتهنّ، بل تنمية تلك الأنوثة لتزهر وتثمر وتغني المجتمع بوجودها المبارك والمعطاء.
ويحتاج ذلك إلى مناهج تربوية سليمة، كما يحتاج إلى أن نعي الآثار المدمِّرة والخطيرة التي تتركها مناهج "تذكير الأنثى"، والتي يمكن أن تكون أحد الأسباب الرئيسية وراء أزمة الإنسان المعاصر وفقده للأمن والسلام وميله نحو العنف والعدوانية.
إنّ المرأة يجب أن تعتزّ أنّها أنثى، بل يجب أن يكون ذلك مدعاة للتباهي والفخر، أليست هي واهبة الإنسان وجوده وشعوره بالحياة؟.

الهوامش:
1- بير داكو، المرأة: بحث في سيكولوجية الأعماق، ترجمة وجيه أسعد، الدار المتحدة للنشر، ص223 – 224.
2- نفس المصدر، ص225 – 226.
*: أي الجانب الذكوري في الرجل والمرأة.

- مأخذ: د.إحسان الأمين - موقع بلاغ، بتصرف.

التعليقات (0)

اترك تعليق