مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

 سيداو.. عجز العلمانية ومخاطر الطروحات النسوية

سيداو: عجز العلمانية ومخاطر الطروحات النسوية.. ما هو موقف الاسلام منها؟

بعد مرور أعوام على إجازة الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة [أي منذ عام 1979]*، ما زال الجدال محتدماً حولها، فهناك من يؤيد التوقيع عليها، وهناك من أبدى تحفظه على ما يخالف الشريعة الإسلامية من موادها، وهناك من عارض التوقيع على الاتفاقية بحكم أنها نصت في المادة "28" منها بأنه " لا يجوز إبداء أي تحفظ يتعارض مع روح الاتفاقية وغرضها"، مؤكدة في تفسيره[1] (بأن هذا النوع من التحفظ يخالف قاعدة أساسية من قواعد القانون الدولي، ولهذا فإنه يعتبر ساقطاً وباطلاً).
وقد أدخلت بعض الدول الغربية ما أسمته (الاعتراض) على مثل هذه التحفظات، وركزت في ذلك على تحفظات بعض الدول الإسلامية بحجة أنها تتعارض مع روح الاتفاقية. [مخاطر الاتفاقية تغيير جذري في النظام الاجتماعي].
لكل ذلك لا بد من إخضاع هذه الاتفاقية للدراسة المتأنية والبحث الموضوعي المستفيض، ودراسة ما يمكن أن يترتب على التوقيع عليها من نتائج في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية قبل اتخاذ قرار بشأنها. فالاتفاقية تحتوى على مواد يمكن أن تؤدي إلى تغيير جذري في النظام الاجتماعي، ومن بين موادها ما يتعارض، صراحة أو ضمنياً، مع الدين الإسلامي، فضلاً عن أن  تطبيق بعض موادها يؤدي إلى نتائج سلبية غير مرغوب فيها، ويقنن بعضها الآخر لنشاط المنظمات الأجنبية ذات الأهداف المتعارضة مع مصالح الدول وأسبقياتها في الريف والحضر[2].[...]
إن غياب الرأي الإسلامي عند إعداد هذه الاتفاقية لهو مدعاة للمطالبة بمراجعتها، ولذلك لا يمكن وصفها بأنها اتفاقية دولية لأنها تطرح حلولاً لمشاكل المرأة تقوم على الفكر الغربي المادي العلماني الذي يهمش دور الدين في المجتمع، ولم يراعِ التباين الثقافي الواسع بين المجتمعات، واختلاف أوضاع المرأة ومشكلاتها من مجتمع إلى آخر، واختلاف الموروث التاريخي والديني والوضع الجغرافي والاقتصادي. فإن ما يصلح لحل مشاكل المرأة في الدول المتقدمة قد لا يصلح بالضرورة لحل مشاكلها في الدول الأخرى، كما أن تطبيق بعض بنود الاتفاقية سيقود إلى بروز تعقيدات أخرى جديدة على أرض الواقع. ثم أن المشكلات التي نجمت عن القيم الغربية تحمل على الشكّ في صلاحيتها لتكون نموذجاً يُحتذى به على نطاق العالم.
نصت الاتفاقية في مادتها الثانية على "إبطال القوانين والأعراف دون استثناء بما فيها تلك التي تقوم على أساس ديني، واستبدالها بقوانين دولية"، وهي بذلك تخول للاتفاقات الدولية حق إلغاء القوانين والتشريعات الوطنية والدينية، وتمنح القانون الدولي الحاكمية والهيمنة على سائر الدساتير والتشريعات الوطنية، وفي ذلك مساس بسيادة الدول وتهميش قيم وثقافات الدول النامية، وفرض ثقافة آحادية على الشعوب وعدم اعتراف بالتنوع الثقافي والديني. وبذلك فإن هذه المادة تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي نص على "احترام حقوق الاعتقاد والممارسة". وليس أدل على تعارض لاتفاقية أحكام الشريعة الإسلامية من أن ثمان عشرة بنداً متفرقة في سبع من موادها تعارض قوانين الأسرة في الإسلام.
ومعلوم أن (من حقائق الإسلام الثابتة أنه ليس عقيدة فحسب، بل هو عقيدة ونظام حياة يشمل جميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأحكام الأسرة فيه كأحكام الصلاة والصيام، والخروج على جزئية منه كالخروج منه كله)[3]   لقوله تعالى: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌّ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون»[4]   كذلك قال تعالى: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً»[5]
لقد منحت الاتفاقية المرأة حقوقاً دون أن تلزمها بواجبات، وذلك مدخل لكسب تأييد النساء لها، ومن البديهي أن الحق لابد أن يقابله واجب ليقود إلى التوازن المطلوب في المجتمعات.

الاتفاقية والمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة:
تطرح الاتفاقية المساواة المطلقة والتماثل التام بين الرجل والمرأة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والقانونية كحل أوحد وأساسي، مقننة بذلك ممارسة المرأة لجميع أنواع المهن، الشاقة منها واليسيرة، وتلقيها لنفس التدريب المهني المتقدم والمتكرر الذي يتلقاه الرجل وكذلك أعمال التلمذة الحرفية لتتساوى مع الرجل حتى في تقلد المناصب الدستورية والنيابية وقيادة الجيش والدولة. وتنادي الاتفاقية بتعميم موانع الحمل والترويج لها في الريف والحضر وإدخال معلوماتها في مناهج التعليم لتقلل المرأة من إنجابها وتتفرغ للعمل المأجور خارج البيت. ونسبة لصعوبة التوفيق بين الإنجاب المتكرر الذي يشمل معاناة الحمل ورعاية الرضع بالإضافة إلى أعباء البيت والعمل معاً، فالمرأة العاملة كثيراً ما تضطر لاستخدام موانع الحمل للتقليل من نسلها وهذا ما أثبتته الإحصاءات التي أجرتها إحدى وكالات الأمم المتحدة في أربعين دولة نامية وتبين من تلك الإحصاءات أنه كلما كثر عدد النساء العاملات كلما قل مستوى الخصوبة في الدولة [6].
وتتخذ الاتفاقية المذكورة مثالاً تحتذي به الأنوثة، بل إن موادها تقدم المرأة وكأنها رجل في صفاتها وقدراتها، وهو نفس مفهوم الحركة الأنثوية (Feminism Movement) التي تدعي أن اختلاف المرأة والرجل ناتج عن البيئة والتنشئة وليس لاختلاف خصائصهما الفطرية مما حدا بدعاة هذه الحركة لاستعمال لفظة النوع (Gender). وتطالب الاتفاقية المرأة بالقيام بجميع الأعمال التي يقوم بها الرجل، شاقة كانت أو يسيرة، وبذلك فهي تلقى على المرأة أعباء إضافية من أجل توفير لقمة العيش، وتجعلها تعيش في صراع نفسي بين متطلبات العيش وبين مشاعر الأمومة.

[الإسلام يسمو على معيار النوع الاجتماعي]
وتنظر الاتفاقية للمرأة كفرد وليس كعضو في أسرة يتكامل فيها الرجل والمرأة، وتجعلها في حالة صراع وتنافس دائم مع الرجل. وبالمقابل فإن الإسلام يسمو على معيار النوع (Gender)، ويجعل الالتزام الأخلاقي والتقوى معياراً للتفوق لقوله عزّ وجل: «يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم»[7]. ولا يعنى ذلك أن الإسلام يعترض على عمل المرأة خارج بيتها، إذ لا يوجد نص شرعي يمنع المرأة من العمل ما دام العمل مشروعاً وما دامت هي ملتزمة فيه بآداب الشرع بحيث لا يكون على حساب أسرتها. يحدثنا التاريخ والسيرة أن بعض المسلمات في صدر الإسلام مارسن التجارة والزراعة والحرف اليدوية والتمريض، وشاركن في الجهاد وفي الشورى واختيار الخليفة وفي البيعة والهجرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى أنكرن على الخلفاء. وحرَّم الإسلام التمييز بين الأولاد والبنات في المعاملة في الأسرة، ومنح المرأة من التعليم والملكية والتصرف في أموالها قبل الزواج وبعده، وساوى بين الجنسين في الإنسانية والمسؤولية والجزاء. وقد أحصى الباحثون مائة حق أعطاه الإسلام للمرأة[8]. وقد برزت عالمات كبيرات على مدار التاريخ الإسلامي منهنّ السيدة عائشة (رض) التي قال عنها ابن أختها عروة بن الزبير: "ما رأيت أحداً أعلم بطب ولا فقه ولا شعر من عائشة"، والمعروف أن السيدة عائشة أخذ عنها العلم كبار الصحابة، كما برزت كذلك الطبيبات والفقيهات وراويات الأحاديث.
إن تدنى أوضاع المرأة المسلمة الراهن لا يمكن أن ينسب لأحكام الشريعة، وكما يرى مالك بن نبى: "إن ذلك يحتاج إلى تجديد في المسلم لا تجديد في الإسلام الذي كان أول تشريع يعطي المرأة حقوقاً واسعة" [9]. ويقول العلامة محمد الغزالي: "بأن الذين ينادون بالمساواة التامة على أسـاس علماني هم أنفسهم يطالبون بعدم المســاواة في بعض الأمور بسبب وضع المرأة الطبيعي الخاص فيعفونها من العمل في المناطق النائية والأوقات المتأخرة ومن الأعمال العنيفة في فترة الحمل" [10].
ويرى محمد أبو القاسم حمدان: "بضرورة طرح مفكري العالم الإسلامي لتصوراتهم حول فعالية دور المرأة المسلمة في مجتمعها بعمق في إطار المبادئ والقيم الإسلامية فلا مساواة على الطريقة الغربية ولا تعطيل لفعاليتها ودورها في المجتمع" [11]
إن إخراج المرأة بهذه الصورة الشاملة التي تدعو لها الاتفاقية يضر بفئات المسنين والعجزة والأطفال داخل الأسر، وكم من شعارات واختراعات جديدة انبهر بها الناس أول الأمر ولكن لم تلبث أن أثبتت التجربة فشلها أو ضررها بالإنسان أو البيئة. وهذا ما يفرِّق بين القوانين الربانية والقوانين الوضعية، فالأولى تتميز بالثبات لأنها من وضع الخالق العليم والثانية تخضع للتجربة فإما ثبت نجاحها فاستمرت أو فشلها فألغيت.
حصلت المرأة في الغرب على حقوقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد صراع وكفاح طويل وثورات على مفاهيم بالية، في حين أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها منحة قبل أن تطالب بها وهي موجودة في أصولنا الثقافية ولا نحتاج إلى التوقيع على المواثيق، ولكننا في حاجة إلى إحيائها وتنقيحها من العادات والتقاليد المخالفة للشرع ومن التأويلات الخاطئة لبعض الفقهاء، والعمل على إزالة الظلم الواقع على المرأة في مجتمعاتنا. كما أن مجرد استعادة الحقوق والامتيازات الممنوحة للمرأة في التشريع لا يكفي لتحسين وضعها، بل لا بد من التوعية بها عن طريق التعليم ووسائل الإعلام المختلفة.

وأخيراً وليس آخراً، سألت العلامة البروفيسور عبد الله الطيب، رئيس مجمع اللغة العربية بالسودان، عن صحة لفظة التمييز ضد المرأة كترجمة للعبارة الإنجليزية ( Discrimination against Women) فأجاب بأن هذه الترجمة غير صحيحة وكان ينبغي أن تترجم إلى الظلم أو الإجحاف. إلا أنه للأسف أصبح مصطلحاً متعارفاً عليه في هذه الاتفاقية ولا خيار لنا إلا باستعماله.


الهوامش:
[1]  / كتاب الاتفاقية واللجنة صحيفة وقائع رقم (22) الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بتاريخ يوليو 1995م.
 [2]  منظمات تنظيم الأسرة الأجنبية أو التابعة للأمم المتحدة كما سيفصل لاحقاً.
[3]د. فاطمة عمر نصيف: قضية المرأة.
[4]  سورة البقرة الآية (85).
[5] سورة الأحزاب الآية (36).
[6] Population & Women.U.N.No.1 1994
[7] سورة الحجرات الآية (13).
[8]   انظر النشرة التي أصدرتها الجمعية الطبية الإسلامية ببريطانيا لمؤتمر المرأة العالمي الرابع ببكين.
[9]   مالك بن نبي: شروط النهضة.
[10]   محمد الغزالي : قضايا المرأة المسلمة.
[11]   محمد أبو القاسم حمدان: المرأة بين التقاليد الإسلامية والتقاليد الغربية

 
مصدر: مركز دراسات المرأة-  أ.عواطف عبد الماجد إبراهيم
*محرر الموقع.

التعليقات (0)

اترك تعليق