المحنة عندما توحد الأسرة: الأزمة المالية.. تعاسة اقتصادية وسعادة زوجية
69% من الزوجات يتمنّين استمرار الأزمة المالية العالمية لأطول فترة ممكنة. ففي الأزمة فائدة مؤكدة لهنّ جعلتهن يشعرن بالاستقرار الأسري، ما أدّى إلى محاولتهن إدخال البهجة على قلوب أسرهن، وفي مقدمهم الأزواج.
باختصار، نقص السيولة المادية، الناتج من الأزمة المالية كان سبباً في زيادة السعادة الزوجية.
هذا ما أكدته أحدث دراسة علمية خرجت من جامعة الأزهر مؤخراً، وحاولت رصد تأثير الظروف الاقتصادية الراهنة التي يعاني منها العالم كله، في الحياة الأسرية والعائلية والعلاقة بين الأزواج والزوجات، فكانت الحصيلة تلك النتائج المثيرة التي أكدها خبراء العلاقات الزوجية.
أما التفاصيل فتحملها السطور المقبلة:
أعدّ الدراسة فريق بحثي تحت إشراف الدكتور محمد عويضة، أستاذ الطب النفسي، وخبير العلاقات الزوجية، وحاول فريق البحث الوصول إلى إجابة شافية حول تأثير الأزمة المالية على الحياة الزوجية. فهل أدّت مثلاً إلى زيادة المعارك الأسرية وإلى تفاقم الخلافات بين الزوجين، أم أنّ العكس هو الصحيح؟
وهل خلقت نوعاً من التوتر والقلق في البيوت وزادت من معدل الاكتئاب بكلّ ما يعني ذلك من تعاسة لطرفي العلاقة الزوجية، أم ساهمت في خلق حالة من السكون والهدوء؟ وهل أدّت إلى شعور كلّ فرد في العائلة بأنّه يواجه ظروف الأزمة بمفرده، أم ساعدت على تكاتف كلّ الأسرة وشعور أفرادها بدفء المساندة؟
بعد فحص حالة 600 أسرة، من مختلف الفئات والطبقات لمدّة أربعة أشهر بالتمام والكمال، وبالتحديد من أوّل كانون الثاني/ يناير 2009 وحتى نهاية نيسان/ أبريل 2009، خرجت الدراسة بتلك النتائج المذهلة، فقد تبيّن أن 69% من الزوجات يفضلن أن تستمر هذه الأزمة أطول فترة ممكنة، والسبب يعود إلى إحساسهن بالاستقرار الأسري في ظل تلك الكارثة الاقتصادية التي تحاصر أسواق المال والأعمال. أمّا أسباب هذا الاستقرار فترجع إلى عدم ميل الرجال للزواج لثاني مرّة، نتيجة مرورهم بضائقة مالية وخوف كلّ منهم من فقدان وظيفته فجأة، أو زيادة حدّة الكساد الذي يعانيه متجره أو مصنعه، وبالتالي، فإن الرجل أصبح يفكّر في بيته وأسرته فقط، ويبحث عن وسائل مبتكرة لتدبير الاحتياجات الأساسية لأولاده وزوجته، وينسى بالطبع التفكير في النساء اللاتي يعتبرهن الرجال إحدى وسائل المتعة والترفيه.
وهكذا أدّت الأزمة المالية إلى شعور الزوجات بقدر كبير من الأمان، وتجنّبت كلّ منهن مشاعر القهر والتعاسة التي تدمّرها حينما يفكّر زوجها في الارتباط بامرأة أخرى.
من دون شك، تضيف الدراسة أنّ هذا الشعور بالأمان يتضاعف بعدما تراجعت درجة شك النساء في أزواجهن، حيث رأت معظمهن أن الأزمة جعلت كلّ رجل يقترب أكثر من دينه ويحافظ على تعاليم الشريعة، ويبتعد بالتالي عن النزوات وإقامة علاقات غير مشروعة مع الأخريات، إضافة طبعاً إلى وجود سبب اقتصادي يتمثّل في ضيق ذات اليد وعدم قدرته على تمويل تلك النزوات بكلّ ما تتطلبه من نفقات ضخمة. صحيح أنّ أصحاب هذه النزوات أقلية في المجتمع العربي ولكن المرأة لا تتوقف عن الشك في زوجها، وخصوصاً إذا كان يمتلك بعض المال، وفي ظل الأزمة المالية الحالية تقلّصت الشكوك إلى أدنى درجة فاستراحت كلّ زوجة وأراحت شريك حياتها وذاقا طعم السعادة والاستقرار. كما أنّ الأزمة جعلت الرجل أكثر ميلاً للجلوس في المنزل فترات طويلة، وهجر السهر مع شلّة الأصدقاء حتّى يوفّر قدراً ولو ضئيلاً من نفقاته، ومحاولة ادخار أي مبلغ مالي يساعده على مواجهة الأيام المقبلة التي يتوقع البعض أن تكون أكثر سوءاً.
ندرة المعارك
تقرّ الدراسة بأن من فوائد الأزمة المالية للحياة الزوجية أنّ كل رجل أصبح يتقرّب من زوجته أكثر، فهو بحاجة إلى صديق حقيقي يشير عليه بالرأي السليم من دون غش أو خداع أو بحث عن مصلحة، وخصوصاً في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. كما أنّه يحتاج إلى دعائها له بأن يستمر في عمله بنجاح من دون أن يتعرّض لمضاعفات الأزمة وأضرارها مثل الطرد من الوظيفة، أو تعرّضه لخسائر فادحة، إذا كان من أصحاب المشروعات الخاصة.
كذلك، فإن كلّ رجل في حاجة شديدة إلى أن تتفهّم زوجته ظروفه المالية الجديدة، وتحاول التكيّف معها ومواصلة حياتها الأسرية، برضا، من دون أن تتمرّد عليه أو أن تجعله يشعر بعجزه المالي الذي يحدث في ظل تلك الأزمة. ولذا، فهو يسعى إلى إرضائها واسترضائها بكلّ ما أوتى من قوّة، وهذا سلوك يسعد المرأة ويزيد مستوى السعادة العائلية.
وتؤكد الدراسة أنّ هذا الاستقرار وتلك السعادة الناتجة من الأزمة المالية، عبر عن نفسه في صور عدة، من بينها قلّة المعارك بين الزوجين بل وندرتها في بعض الأحيان. كما أنّ معدلات الطلاق تراجعت في خلال فترة الأزمة بنسبة ملحوظة تجاوزت 60%.
فائدة متبادلة
وما قالته الدراسة حقيقة يؤكدها خبراء العلاقات الزوجية ومن بينهم ليلى طه، الباحثة النفسية بجامعة عين شمس، التي تقول إن للكوارث الاقتصادية فائدة مؤكدة للسعادة الزوجية. وقد حدث هذا في خلال أزمة الكساد العالمي التي حدثت عام 1929 واستمرّت لمدّة عشر سنوات بالتمام والكمال، حيث انخفض في خلالها معدل الطلاق في العالم بنسبة 74%. فعلى الرغم من قسوة الظروف والركود وعدم قدرة الكثيرين على تدبير الاحتياجات الأساسية، إلاّ أنّ المحنة وحدت صفوف الأسرة.
فالمرأة من جهتها تتحمّل أكثر ضيق ذات يد الزوج وقلّة الزاد، وتحاول أن تتكيّف مع هذا الوضع الجديد، بل وتبتكر طرقاً ووسائل جديدة لمواصلة الحياة في ظل قلّة إيرادات شريك حياتها، مثل الاستغناء عن البروتين الحيواني واستبداله بالبروتين النباتي كالبقوليات وغيرها.
أمّا الرجل، فهو يقدّر هذا للزوجة ويرغب في رد التحية لها بأحسن منها، من خلال معاملتها برقة متناهية، والحرص على الاستماع لها، والكلام معها وتلبية ما يستطيع من طلباتها. وكلها أشياء تؤثّر بالإيجاب في مستوى السعادة الزوجية وتجعل حالتهما النفسية أفضل وأكثر اتزاناً.
شهامة المرأة
وفي السياق نفسه، يوضح د. سعد عبد العظيم –أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة– أنّ المرأة، وعلى عكس ما يعتقد البعض، تتسم بقدر كبير من الشهامة يفوق الرجل، فإذا رأت شخصاً يعتدي على آخر من دون وجه حق في الشارع، فإنّها تتمنى أن ترفع الظلم عن الضحية، ولكن قوّتها الجسدية لا تسمح لها بذلك، وهنا يقتصر تدخّلها على الاستغاثة بمن يمكنه إنقاذ المضروب. وهذه الشهامة تدفعها إلى مساندة زوجها في حال مروره بضائقة من أي نوع. إذ يظهر وقتها معدنها الحقيقي وتبدو بمئة رجل، وفي ظل الأزمة المالية العالمية ظهرت شهامة الأنثى ومدّت يد العون لشريك حياتها لكي تساعده على تجاوز المحنة من دون مضاعفات، وهو سلوك أسعد الرجال ما أدى إلى زيادة تقديرهم واحترامهم لزوجاتهم، بكل ما يعني ذلك من تأثير إيجابي على مستوى السعادة الزوجية.
فرصة ذهبية
وفي تقدير د. سوسن عثمان –عميدة معهد الخدمة الاجتماعية السابقة وخبيرة العلاقات الزوجية– فإن المرأة تريد أن يكون الرجل ضعيفاً بعض الشيء حتى لا ينفرد بالسلطة ويصبح الآمر الناهي داخل البيت. والأزمة المالية تحقق لها هذا الشعور لأنّ الرجل يترنّح تحت ضربات الكساد الذي يجتاح الأسواق، وتقل مكاسبه إذا كان صاحب مشروع تجاري أو صناعي، أو يخسر بعضاً من مدّخراته إذا كان من مدمني التعامل مع بورصة الأوراق المالية، أو يصبح مهدداً بالبطالة إذا كان موظفاً في مؤسسة خاصة. وهكذا قدّمت الأزمة المالية العالمية للمرأة فرصة ذهبية لكي تشعر ببعض القوة في مواجهة الرجل الذي كان يتميز عليها بقدرته على الكسب. صحيح أن الأزمة قد تقلّل أيضاً من إيرادات حواء إلاّ أنها لم تتأثّر نفسياً بالقدر ذاته الذي يشعر به الرجل، لأنّها في النهاية ليست مسؤولة عن الإنفاق على المنزل ولا تهتم كثيراً بقضية تلبية احتياجات أفراد الأسرة، لأنّ هذا من صميم مهام آدم وحده. وهي هنا تلعب دور المساعد له بإرادتها. فإذا لم تستطع فلن يضيرها عجزها في شيء لأنّ العبء الأساسي يقع على كاهل رجل البيت. فالرجل وحده هو الذي يتأثّر ويشعر بالضعف والضآلة والاهتزاز في مواجهة شريكة حياته في ظل الأزمة المالية، ما يجعل الزوجة تشعر بأنّهما على قدم المساواة في المكانة والقوة داخل عش الزوجية. وهذا الإحساس يرفع من معنوياتها ويدفعها إلى محاولة إدخال البهجة والسعادة على كلّ أفراد الأسرة وفي مقدمهم الزوج الذي يحاول الرد بشكل إيجابي على هذا الموقف فيمتلئ البيت بالدفء والودّ والاستقرار.
مأخذ: الملف التربوي الصادر عن مركز الدراسات الاجتماعية والتربوية عدد 19
نقلاً عن كل الأسرة عدد 823
اترك تعليق