المرأة .. أدوار متعددة: هي قد ولدت ميادين الحياة المتعددة وأثبتت كفاءتها فيها
رغم أن إبداع المرأة قد تمثل في (إيجاد كائنات حية جديدة) ورغم أن المرأة انشغلت بتكرار الحياة الجديدة في صورة أفراد جدد. إلاّ أنها مع ذلك قد ولدت ميادين الحياة المتعددة وأثبتت كفاءتها فيها.. وقد اكتسبت العلم والمعرفة وساهمت في بناء الحضارة الإنسانية، فما زالت الصناعات اليدوية والفنون المنزلية مدينة إلى إبداع جداتنا ومهارتهن في هذا الباب ـوإن كنا لا ندري اسم جدة واحدة من جداتنا هؤلاءـ ولكن التاريخ دوّن هذه الإبداعات.
يقول هنري ماريون: انه من الخطأ عدّ المدنية كأنها من صنع معشر الرجال وحدهم، فالنساء حتى متى يخضعن لنا وفي حين نحكمهن ونتحكم فيهن صاحبات تأثير شديد في الهيئة الاجتماعية. وظهرت النساء الشاعرات والأديبات والعالمات والطبيبات، رغم النظرة الضيقة التي عانتها المرأة عبر التاريخ، واختزال هويتها في إطار الجسد الأنثوي الضيق.
أزمة المرأة
لقد عاشت المرأة أزمة داخلية عاصفة، جعلتها تنظر إلى نفسها على أنها المخلوق الأدنى والأحقر والأضعف، فقد كتبت إحدى بنات الطبقة العليا في الصين: (نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان، ويجب أن يكون نصيبنا أحقر الأعمال)، وعانت المرأة من الوأدين المعنوي والمادي الكثير سواء في العصور السابقة أو اللاحقة.
رغم ذلك كله بقيت المرأة تنظر إلى الرجل على أنه العنصر المتفوق، وتحاول اللحاق به وتمثيل أدواره من خلال هويته هو لا هي!! فجورج ساند لما عرضت مقالاتها جوبهت بالرفض حينما قدمتها بالثوب النسائي، ولكنها لما ارتدت البدلة الرجالية نجحت! ونفس الأمر يقال عن جان دارك التي حاربت وانتصرت بثياب الفرسان، فلما عُلم أنها امرأة أحرقت لأنهم وصموها بالساحرة التي يسكن جسدها الشيطان!! وفي حقيقة الأمر فهم لم يتقبلوا مجيء المرأة المحاربة معهم وانتصارها، فالمرأة موسومة بالضعف والجبن والحقارة.. فـ(كيف نتوقع من المرأة المنزوية في دارها أن تكون لها نفس القدرة العقلية التي نالها الرجل، من جراء احتكاكه بالعالم واهتمامه بالمسائل الخطيرة العمومية والخصوصية. فإنها ما برحت تعامل إما بالازدراء أو بالتملق وكلاهما مضر على السواء، وقد نجم عن ذلك أنها عاشت في عزلة وجهل واكتفت بإنماء مواهب سطحية تبهر أكثر مما تفيد، والرجال غالباً ما يكرهون النساء العالمات صاحبات الخلق القوي والعقل الراجح)! وقد يكون الرأي الرجالي مؤلماً وقاسياً في وقت واحد! فهذه هي النظرة الضيقة التي حاصرت المرأة إلى عصرنا الراهن ولنا أن نتساءل عن النساء الموهوبات؟
والواقع هو أن البنات بالرغم من تساوي ذكائهن مع ذكاء الصبيان في كل مراحل الدراسة التي تتراوح بين المدرسة الابتدائية والجامعة، فإن نسبة ضئيلة منهن تختار منافسة الرجال في عالم المهنة والأعمال. وحتى في مجتمع كالمجتمع الأمريكي فإن ثمة تنازعاً يقوم في نفوسهن بين تحقيق أنوثتهن والسلوك مسلك النساء وبين امتهان مهنة ما.. تقول إحدى المربيات الأمريكيات ما معناه: إن الرجال قلما يتطلعون إلى النساء اللواتي يضعن النظارات على عيونهن، مشيرة بذلك إلى أن الرجال لا يتطلعون إلى النساء العالمات!!
والفتاة الذكية التي تخاطر في إظهار ذكائها جهاراً تحد من فرصتها في أن تصبح زوجة ولذلك نرى بعض الفتيات الموهوبات ـشأنهن في ذلك شأن بنات جنسهنـ يملن إلى الزواج ويصرفن جهودهن في تكوين عائلة والعناية بها..
معظم النساء بما في ذلك المتفوقات، يتخلّين عن مطامحهن المهنية ليفرغن لأزواجهن وأطفالهن وبيوتهن، وفي هذا كما هو واضح حرمان للعلوم والآداب والفنون من كثير من المواهب المختارة.
ورغم أنّه لا يجوز التغاضي عن الدور الأمومي والأسري باعتبار أن الأسرة الناجحة هي انطلاقة المجتمع الناجح وعماد نجاحها المرأة، ولكن يا ترى ألا يتم النجاح الأسري إلا بقتل المواهب التي وهبها الله تعالى لها!
وتلعب التربية الأسرية والخلفية الاجتماعية دوراً كبيراً في تحديد صورة المرأة الناجحة، ضمن هوية واحدة أو هويتين وتقصي الهوية الإنسانية الجامعة.. (فإن أسلوب التربية لا يغذي في المرأة روح التفوق) وكانت الفتاة في الأسر العريقة تدرب على النجاح في الحصول على الزوج الثري والاحتفاظ به، وكان هذا التدريب هو أهم مادة في منهج تعليمها.
المرأة المسلمة في التاريخ
والأمر لا يستثني المرأة الغربية أو العربية، وقد عاشت المرأة المسلمة الانفتاح العقلي والإبداعي في عصر الرسالة وجعلها تنطلق إلى آفاق أوسع بكثير من المرأة الغربية نفسها وحققت إبداعات مثالية.. والأمر الجدير بالذكر إن نشاط المرأة المسلمة كانت عبر هويتها النسائية فلم تحاول ارتداء زي الرجال أبداً بل شاركن في الحروب كنساء، وكن خطيبات بزي النساء، ولكن الوأد المعنوي القاسي الذي تعرضت له المرأة المسلمة عبر تشويه معاني ومباني القرآن الكريم الذي جاء ليسمو بالمرأة إلى علا إنسانيتها العظيمة، وصوّر الناجحات في مواقف المبايعات والمهاجرات والمؤمنات والصابرات.. هذا الوأد الأسود عطل المرأة المسلمة قروناً عديدة وقوقع عقلها في إطار الاستعباد والانغلاق، حتى إذا ما غزانا الاستعمار الثقافي عجزت عن الدفاع عن عقيدتها فضلاً عن تحديد هويتها.
(لقد عاشت المرأة دائماً وفق مقاييس ليست هي مقاييسها وهي تعيش هذه الحال في أيامنا هذه أكثر مما كانت تعيش بالأمس)، ولهذا فالأزمة المعاصرة تبدو نفسها أزمة جورج ساند وجان دارك وإن لم تعد هناك ضرورة لارتداء أزياء الرجال، فالمرأة ما زالت تظن ان نجاحها في الحياة عبر هوية الرجل وعبر طريقه فـ(المرأة العصرية أكثر ميلاً للذكورة، فهي تعتقد أن هذا الأمر هو وسيلتها للاستقلال والحياة والحرية، وما دام المجتمع حتى الآن ينكر عليها الحق في أن تعيش حياة مكتملة وفق طبيعتها فهي مضطرة للتنكر لهذه الطبيعة).
لابد إذا من عودة إلى وعي المرأة وإنسانيتها ولابد من فهم وتقدير للأدوار المناطة لكلا الجنسين دون إفراط أو تفريط.
لقد اشتركت زينب (ع) في ثورة الإمام الحسين (ع) ومارست أدوارها بنجاح منقطع النظير كان له الأثر الأكبر في بيان أفق الثورة وخلودها ولكنها انطلقت من زاوية المرأة العظيمة وليس من زاوية الرجل.
المصدر : النجاح في عالم المرأة للكاتبة كفاح حداد
اترك تعليق