الوردة الشامية في الأمثال والأهازيج الشعبية
ومنه أنواع لا رائحة لها وهو يستعمل للزينة بكل أنواعها، ومنه ما يدخل في صناعة العطور والصناعات الغذائية والدوائية، وفي المشروبات الساخنة الشعبية والجوري البلدي الشامي من أشهر أنواعه؛ إذ إن رائحته تُشم من مكان بعيد، ويستنبت في الأحواض والمساكب، ويتطلب حديقة كبيرة لحجمه، وفي بعض الأحايين ينبت البلدي بشكل بري حول سياجات البساتين والحقول صانعاً سوار جميلاً من الألوان وله استعمالات طبية عديدة.
الجوري الدمشقي في التراث الشعبي:
التراث الشعبي غني بما جاء فيه عن الجوري. فقد دخل الأدب الشعبي عامة، سواء في الزغرودة أو المثل أو الاصطلاحات، كما تدخّل في الأكلات الشعبية إن كان في المربيات أو المشروبات الساخنة، وفي الملابس وبعض المأثورات والصور على الخوابي والقدور وغيرها من الأواني، أو أسماء الأشخاص.
الجوري في الزغرودة الشعبية:
عند "جلوة" العروس تكون في أبهى زينتها وفي أكمل حليتها. وهنا رأى الشاعر الشعبي المجهول ورأت المزغردة أن تأخذ الجوري لهذا الرمز الجميل ليعبر عن اللحظة الجميلة وعن حالة العروس بالقول:
أربع خواتم ذهب بكفك منقوش
ويا ليت طبع مكة تحتك مفروش
ويا ريتني ورد شامي
عاروس الخدود مرشوش.
فالجوري في الزغرودة يكمل الصورة، وخدود العروس تصبح أجمل إذا زُينت به أو رُشّ عليها.
وفي الوصف نرى كم زيّن الجوري العروس في زغرودة ملأها بالجمال والغنائية:
يا زهر يا زهر ما وصفوك وصافي.
عريس عريس توصافي توصافي
عندك قمر ما انتصر وتكملو وصافي.
أما زغرودة " الصمدة" التي يدخل فيها الورد الشامي في العمق والشكل فهي رقيقة ومن قراءتنا لها نستمتع بهذا الوصف الجوري المتواجد بشكله ورائحته وإيحاءاته:
والخد شحم الكلي ومقمعا بالدم
ويا ورد شامي خلي للخبا والشم.
الجوري في التشبيهات والكنايات الشعبية:
لقد دخل الجوري التشبيهات والكنايات وحمل اللغة اليومية للناس ورمزها، وصور بعض ملامحها وأخرجها صوراً مزينة. فمثلاً في حالة وصف شيء جميل لونه أحمر يقال "أحمر مثل ورد الشامي" أي أن لونه حلو رائق وحمرته صافية، إن هذا التشبيه يدلنا بوضوح على ماله من جاذبية ودلالة شعبية. وفي تشبيه آخر نلمس سحره ومطابقته للأحلام الرائعة حيث يقال "وجهو مثل طبق الورد" فبطبقه /الزر مدور وتدويره جميل وكامل.
لهذا شبه الوجه المدور بتدوير طبقه، هذا الطبق الذي يعايش الإنسان في الحديقة والمسكبة إذ يتملاه ويتأمله رانياً متطلعاً ويختزن كل هذا ثم يطلق التشبيه وهو مثل طبق الجوري و"خدها وردة جورية" وهذه كناية عن جمال خد الأنثى التي لها خد مكتنز وتداخل نعومته البيضاء حمرة طبيعية محببة تجذب الناظر وكأنه ينظر إلى وردة جورية.
الورد الشامي الجوري في الأكلات الشعبية:
1-أدخل الإنسان الوردة الشامية ضمن أكلاته الشعبية وخاصة في المربيات فهناك مربى مشهور يعرف باسم "مربى زهر الورد" أو "معقود الورد" وهو على أنواع مختلفة فمنه: مربى الزهر أي زهرة الورد مفردة، ومنه مربى الأطباق أي كل طبق مع أزهار متنوعة.
2- دخل الجوري في مشروبات الإنسان الزهرية أي الزهورات ويشرب أما وحده "كمغلي زهر الجوري" أو مع غيره من الأزهار، ويدعى المشروب حينئذ "الزهورات".
الجوري في الأسماء الشعبية:
دخل الجوري لجماله في الأسماء الشعبية كدلالة رمزية هامة واصطلاح اسمي محبب فسميت الأنثى باسم "جورية " وهذا الاسم منتشر في ريفنا بكثرة الذي يكثر فيه الجوري ويسمى المولود أيضاً باسم "جوري" للأسباب التي ذكرناها.
دلالات الجوري:
الجوري من الورود التي تحمل عدة معان تزيينية وعاطفية ونفسية واجتماعية؛ إذ يستعمل للزينة المنزلية كباقات في المزهريات والحدائق، ويستعمل للزينة الفردية إذ تزين به النساء بوضع طبق على صدورهن. أما معانيه العاطفية فهو يحمل كل معاني الحب، إذ يحمله المشوق ويتذكر محبوبته ويحمل بعد فراق طويل للنجوى والتأمل، وللذكرى وخاصة لحبيب بعيد، أو غائب، وللحب الشديد، والعاطفة العنيفة، وعند اللقاء بعد غياب طويل يمكن أن تقدم أطباقه هدية للحبيب وباقته تعبير عن اللباقة والنعومة.
وننتقل إلى المعاني النفسية فيه، إذ إن له مكانة ومنزلة في الوجدان. فالنفس ترتاح وتسكن عندما تشم رائحته وتلمس زهره وتنشق عبيره وتركن إلى ما يثيره من إحساس بالراحة والرفاهة، عدا أنه يأخذنا إلى موانئ وشواطئ وبحار ومنازل وخيالات، ويرسل الأحلام التي يدركها المحب. أما معانيه الاجتماعية فدلالاتها كثيرة، إذ يدرج في باقات الأعراس الجماعية وباقات الزيارات العامة والمناسبات، وله صوره ورموزه وسماته الخاصة.
المصدر : الباحثون العدد 58 نيسان 2012
المهندس محمد الشبعاني.
اترك تعليق