مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور المرأة في بناء الحضارة الإنسانية

دور المرأة في بناء الحضارة الإنسانية: فالبناء الحضاري الذي ينهض به الرجل والمرأة معاً، يتم من خلال العديد من المهام والو

 يتعامل الإسلام الحنيف مع المرأة باعتبارها إنساناً، كما يتعامل مع الرجل في هذه المسالة بغض النظر عن الذكورة، والأنوثة اللتين لهما مطالبهما، و خصائصهما أيضاً.. وباعتبار أن المرأة إنسان كالرجل، فإنّ الخطاب الحضاري الذي يوجهه الإسلام لبناء الحياة الكريمة على ظهر هذا الكوكب، يخاطب به الرجل والمرأة على حد سواء..
«يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى» (الحجرات /13)
«هو الّذي أنشأكُم مِن نفس واحدة» (الأنعام / 98)
«هو الّذي خَلَقَكُم مِن نفس واحدة وجعلَ منها زوجها ليسكن إليها» (الأعراف / 189)
على أن أي خطاب عام للمؤمنين أو الناس أو الذين آمنوا، يرد دون تخصيص إنما المراد به: الإنسان بشكل عام، «الرجل والمرأة معاً» أما في التشريعات أو المفاهيم التي تخص الطبيعة الخاصة للرجل أو المرأة، فإنّ الخطاب يتوجه لهذا الجنس أو لذاك ، حسب الخصوصية، والمهمة وطبيعة المخاطب.. من قبيل:
«الرِّجال قوّامونَ على النساءِ بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقُوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً إنّ الله كان عليّاً كبيراً» (النساء / 34)
«ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميلِ فتذروها كالمعلّقة وأن تصلحوا وتتّقوا فإنّ الله كان غفوراً رحيماً» (النساء / 129).
وما عدا الخطابات الإلهية الموجهة للرجل أو المرأة وفق متطلبات التكوين الطبيعي لأي منهما ، فإنَّ كافة الخطابات الرسالية موجهة لكل إنسان بغض النظر عن كونه ذكراً أو أنثى كما أشرنا..
ولذا فأن كافة التوجيهات، والقيم، والمفاهيم، والأحكام التي تبشر بها الرسالة الإسلامية، من أجل صنع المجد، وإقامة الحضارة الإنسانية الكريمة تضع المؤمنين بها أمام المسؤولية الإلهية والتاريخية، لإقامة الحق ونشر الهدى، وتحقيق أهداف الرسالة، وبناء الحياة..
فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة لدين الله، وبث مبادئه، وقيمه وأمثال ذلك من مهمات رسالية، لبناء الحضارة الإسلامية، ينهض بها كل من الرجل والمرأة على حد سواء كلُّ من موقعه:
«المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم» ( التوبة / 71)
«يا أيّها النبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك» ( الممتحنة/ 12)
فالبناء الحضاري الذي ينهض به الرجل والمرأة معاً، يتم من خلال العديد من المهام والوظائف:
1 ـ حضور الرجال والنساء المؤمنين برسالة الله، ومنهاجه في ساحة البناء الحضاري.
2 ـ أن تتولى تلك الأمة بعضها للبعض في الضراء ، والسراء وتتناصر لإقامة الحق، وتتواصى بمواصلة الطريق.
3 ـ أن تشيع تلك الأمة المعروف ، وتصر على هدم المنكر.
4 ـ أن تقيم فرائض الله عزّ وجلّ كالصلاة، والزكاة، وما إليهما من التزامات، وفرائض.
5 ـ أن تتمثّل طاعة الله عزّ وجلّ ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يأمران، وفيما ينهيان عنه، وأن تكون تلك الطاعة شـاملة كاملة، غير انتقائية، فلا تطيع الجماعة في شيء، وتعصي في أشياء حسب مصالحها، ورغباتها مثلاً.
6 ـ هذا ويفيد ذكر الزكاة وأداؤها في الآية المذكورة، كما هو الراجح أن تنفق الأمة الصالحة الواقفة تحت راية الله عزّ وجلّ، من أموالها، وتبذل من إمكاناتها المالية، ما يتوفر للنهضة الإسـلامية بها من أن تشق طريقها في معركة الحياة.

مهمات البناء الحضاري
ومن مهمّات البناء الحضاري، وإقامة صرح الحق: الدفاع عن الإسلام الحنيف، رسالة، ودعوة، وأمّة، وحريماً، ودولة:
ومسؤولية الدفاع في الشريعة الإسلامية لا تقتصر على الرجال دون النساء أبداً، وإنما يشترك فيها الجميع كل بامكاناتة المتاحة من مال، ورأي، وسلاح، وحماية للجبهة الداخلية وعمليات الدفاع المدني، وأمثال ذلك، واستنفار جميع الطاقات من أجل المواجهة..
إنّ مسـؤولية الدفاع عن كيان الرسالة، يختلف في شروطه عن الجهاد الابتدائي كما يقرر فقهاء الشريعة الإسلامية، لأن جهاد الدفاع تفرضه ضرورة الحماية لبيضة الإسلام من هجوم العدو الكافر، أو البغاة، مما يقتضي حشد طاقات الأمة كلها لمواجهة عدوان المتربصين، والحاقـدين، بما في ذلك طاقات الرجال والنساء.. خلافاً للجهاد الابتدائي ذي الطبيعة الهجومية الذى يقرر وقته ومكانه وأبعاده سلطان المسلمين، والذي يوفر المستلزمات الكافية للقيام بذلك العمل الجهادي المطلوب عند توفر شروطه الذاتية، والموضوعية.. ولذا فإنّ العمل الجهادي الابتدائي لا يشمل المرأة، كما لا يشمل الكثير من شرائح الأمة، خلافاً للجهاد الدفاعي الذي يفرض حالة الدفاع على عموم المسلمين، بمختلف شرائحهم وإمكاناتهم الذاتية.
ويمكن للذوق الإسلامي أن يتصوّر عمل المرأة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والإداري، وغيرهما ضمن حالة الجهاد الدفاعي، فاذا تصورنا أن الأمّة الإسلامية في مرحلة البناء الحضاري، ومواجهة التبعية والتخلّف الاقتصادي، والثقافي، وتآمر قوى النفوذ العالمي للاستعمار على وجودها ورسالتها، للحيلولة دون انطلاقتها نحو البناء، والتغيير، وبناء الحضارة تعيش ظروفاً قاهرة من التحدي والعمل المعادي المضاد، فهل يمكن أن نتصوّر أن طبيعة المعركة التي يخوضها المسلمون ضدّ أعدائهم في الجبهات المختلفة تفترض أن تنهض المرأة المسلمة بفعاليات، وأنشطة وأعمال اقتصادية أو إدارية أو ثقافية، أو ميدانية مختلفة لا تنهض بها في الظروف الاعتيادية التي تعيشها الأمّة المسلمة مثلاً؟!
إنّنا إزاء هذه الحالة نتصوّر مستويين من العمل الذي تباشره المرأة في ميدان البناء والتغيير وعمليات المساهمة في التنمية:
أ ـ مستوى الحالة الاعتيادية التي تعيش فيها الأمة حالة طبيعية بالنسبة لإجراء الشريعة، وإقامة العدل، والنصر على الأعداء، والتأثير في العالم، والمنطقة، إضافة إلى تنامي وتيرة التنمية، والعطاء على المستوى السياسي والاقتصادي، والثقافي وما إلى ذلك.
ب ـ مستوى الحالة الاستثنائية كالحالة التي تعيشها الأمة المسلمة في عصرنا هذا حيث الاستلاب، والتدهور، والتبعية والتآمر الكافر عليها، وعدم وضوح الهوية، وتأثير النفاق، وأضرابه، وغير ذلك.. فهل من الصحيح أن نفترض إن المرأة المسلمة تبقى نشاطاتها الحضارية، والاجتماعية، والسياسية كما تواضعت عليه في الظروف الاعتيادية والطبيعية؟
إنّ هذه التصوّرات تسـاهم بدرجة كبيرة في بلورة دور المرأة في المجتمع الإسـلامي، حسب الظروف التي تمر بها النهضة الإسلامية والوضع الذي يواجهه الإسـلام الحنيف، كرسـالة، والوضع الذي يواجهه المسلمون كاُمّة تنفتح على مهماتها الرسالية من موقع العمل على صناعة المجد، وإقامة صرح الإيمان، وحضارة الأنبياء الطاهرة..
كما أن هذه النظرة تساهم في بلورة المواقف الاستراتيجية لحركة المجـتمع، ومهام كل فرد منه، اضافة إلى بلورة المواقف والمهام في الظروف الطارئـة، التي تواجهها حركة الأمّة المسلمة مع مراعاة الواقع البيولوجي، وروح الفضيلة التي ينبغى أن تسود المجتمع الإسلامي، وحضارته الصالحة التي يقيمها الرجل والمرأة معاً.
وفقاً للمفهوم الحضاري الإلهي الذي توحي به الآية الكريمة:
«ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة» (البقرة / 28)
«المؤمنونَ والمُؤمنات بعضهم أوليـاء بعض يأمرونَ بالمعروفَ وينهونَ عن المُنكر ويُقيمونَ الصلاة ويؤتونَ الزّكاة ويطيعـونَ الله ورسوله أولئكَ سَيرحمهم الله» (التوبة / 71)

مأخذ: المرأة بين الواقع التاريخي والدور المغيب- الشهيد عبد الزهراء عثمان
       موقع بلاغ

التعليقات (0)

اترك تعليق