مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة واستعادة الدور الفكري

المرأة واستعادة الدور الفكري: هل تستطيع المرأة أن تدفع وتسهم في تجديد رؤية الفكر الإسلامي تجاهها؟

لعل أبرز حقيقة يمكن أن نقررها في مجال الحديث عن رؤية الفكر الإسلامي المعاصر لمسألة المرأة، هي أن هذه الرؤية لن تتغيّر أو تتجدّد بالصورة التي تقبل بها المرأة وتنسجم معها، ما لم تساهم هي نفسها في تغيير وتجديد هذه الرؤية على الصعيدين المعرفي والعملي.
والسؤال المطروح هو: هل تستطيع المرأة أن تدفع وتسهم في تجديد رؤية الفكر الإسلامي تجاهها؟
يفتح هذا السؤال الباب للنظر الى مدى إسهامها الفكري والثقافي في الميادين والمجالات المتصلة بقضاياها وشؤونها، وفيما إذا كان هذا الاسهام متقدماً ويتحرك بوتيرة متقدمة، أو متراجعاً ويتحرّك بوتيرة متراجعة، أو متأرجحاً بين التقدّم والتراجع، فيتحرك تارة بوتيرة متقدمة، وتارة بوتيرة متراجعة.
والذي يعنينا في هذا الشأن، وبشكل أساسيّ، هو رؤية المرأة وتقييمها لهذا الإسهام الفكريّ والثقافيّ.
لا  يرادُ من هذا الطرح بالتأكيد حصر اهتمامات المرأة بقضاياها وشؤونها، وكأنها لا معرفة لها ولا خبرة إلا في هذه القضايا والشؤون، وهذا ما تنتقده المرأة وترفضه، وتعدَه انتقاصاً من حقها، وإنما باعتبار المرأة الأقرب الى هذه القضايا والشؤون، وكونها الأكثر دراية ومعرفة بها، وبوصف أن هذه القضايا والشؤون في إدراكها قد تعرّضت للتعسّف وسوء الفهم، وظلّت تُفسَّر بطريقة تفتقد شروط  العدالة والمساواة، وباتت بحاجة الى مراجعة وتصحيح، وذلك حين غابت أو غُيّبت المرأة عن النظر والإسهام في هذه القضايا والشؤون.
ويأتي الحديث عن هذا الموضوع، في وقت بدأت فيه المرأة تعلن عن تقدّمها في الميادين الفكرية والثقافية، وأخذت ترفع صوتها، وتطالب بالإصغاء والاستماع إليها وهي تتحدّث بنفسها عن تلك القضايا والشؤون، وعياً وإدراكاً منها أنها قد تأخّرت كثيراً بالإسهام الفكري والثقافي في هذا الشأن، وأنّها أخطأت أو تضرّرت حين تركت الرجل يخوض في قضاياها وشؤونها، ويستحوذ عليها بخلاف رغبتها، الوضع الذي ضاقت به ذرعاً. وقد بدت في سعيها هذا وكأنها تريد أن تستعيد حقها في الحديث عن نفسها، تأكيداً لوجودها وحضورها، ورفضاً للواقع الذي فرض عليها غيابها أو تغييبها.
ومنذ إعلانها عن هذا الموقف الذي كشف عن وعي جديد بدأ يتشكّل عندها، وعن يقظة في مسلكيّاتها الفكريّة والثقافية، أخذت المرأة تلفت النظر إلى طبيعة ما تطرحه من أفكار وتصوّرات ووجهات نظر، أكدت على الحاجة إليها، وضرورة الانفتاح والتواصل معها، وبرهنت على قيمة ما يمكن أن تضيفه في هذا المجال، وبالشكل الذي يثري الفكر الإسلامي وتدفع به نحو نقاشات جادة، وتحرّضه على استعادة الجدل حول القضايا والشؤون بطريقة جديدة ومختلفة عن السابق.
ومن الممكن القول إنّ الفكر الإسلامي قد تأثّر ضعفاً في تكوين رؤيته عن المرأة، بسبب الضعف الذي كانت عليه في التعبير عن رؤيتها الفكرية والثقافية، وهذا ما ندركه حينما حاولت التغلّب على ذلك الضعف، والاندفاع في التعبير عمَا تحمله من أفكار وتصوَرات، بحيث لم يعد بالامكان الحديث عن رؤية الفكر الإسلامي للمرأة بدون العودة إلى خطابها هي، ونظرتها إلى ذاتها، وإلى تلك القضايا والشؤون المتصلة بها.
ولعلَ في إدراك المرأة أن الوصول الى مثل هذه القناعة، أو الاقتراب منها، والالتفاف إليها، يمثل إنجازاً فكرياً وثقافياً لها، يفترض أن يتحول إلى مكسب أخلاقي واجتماعي، تستفيد منه في تدعيم مطالبتها بضمان حقوقها، وتحسين نوعية حياتها.
ولا شك في أنّ الفكر الإسلامي قد تأخر كثيراً في الوصول إلى مثل هذه القناعة، وهذا التأخر يُعزى إلى عصور التراجع الطويلة التي مرّت على الثقافة الإسلامية،  كما يُعزى كذلك الى الضعف الذي أصاب المرأة، وأدى بها إلى العزلة والانكماش، وأفقدها الفاعلية، وأقعدها عن الكفاح في سبيل حقوقها وقضاياها،  الكفاح الذي كان موجوداً لكنه كان مبتوراً ومتقطّعاً زمناً وتاريخاً، ولم يكن متجدّداً ومتراكماً على الصعيدين الفكري والاجتماعي.
مع ذلك،  يبقى أن التأخّر في الوصول إلى هذه القناعة، أفضل من عدم الوصول إليها.


المرأة حين ترفع صوتها
في العقد الأخير من القرن العشرين، وتحديداً منذ النصف الثاني منه، أخذت المرأة تسجّل حضوراً متّصلاً ومتواتراً وبشكل يلفت الانتباه إلى أفكارها ومواقفها، الحضور الذي مثَل حدثاً فكرياً يمكن أن يُؤرّخ له في تاريخ تطوَر علاقة الفكر الإسلامي بهذه المسألة. فقد كشف عن منحى جديد في منهج النظر إلى حقوق وقضايا المرأة. واللافت في الأمر هذه المرة، أنّ المرأة هي التي دعمت هذا المنحى الجديد، ورسّخته بوصفه نهجاً في مسلكيّات الفكر الإسلامي المعاصر.
ويمكن الكشف عن هذا المنحى، في طريقة نظر الفكر الإسلامي إلى قضايا المرأة من خلال مسلكين، مسلك عبَر عنه مجموع المواقف والأفكار التي صدرت من المرأة ودافعت عنها منذ تلك الفترة، ومسلك عبَرت عنه بعض الأعمال الفكريّة الجادّة والمتميَزة التي أنجزتها مجموعات نسائية.
أما المسلك الأول والذي يتصل بالمواقف والأفكار، منها تأكيد العديد من الناشطات في العمل الإسلامي والنسائي والسياسي كذلك الباحثات على ضرورة قيام حركة فقهيّة تجديديّة في ما يتصل بالرؤية للمرأة، كذلك إلى صياغة خطاب إسلامي جديد حول المرأة.
كذلك أكدّ بعضهنّ على اعتماد الرؤية القرآنية كمنهج للبحث في قضايا المرأة خاصة في مجالات الفقه والتشريع، كذلك الدعوات إلى تشجيع المرأة لولوج المجالات العلمية وتطوير المؤسسات العلمية المتخصصة.
كما طالبت العديدات بالسماح للمرأة في المشاركة السياسية في مختلف مستوياتها.
وأما بشأن المسلك الثاني، والذي يعبّر عن بعض الأعمال الفكرية التي حاولت المرأة من خلالها تأسيس منهجيَات جديدة في النظر إلى قضايا المرأة المسلمة، فيمكن الحديث عن محاولتين جادَتين ومتميَزتين وهما:
أولاً: المحاولة الفكرية التي كشف عنها كتاب "المرأة العربية والمجتمع في قرن" الصادر عام2002م، والدعوة لتأسيس حقل خاص بدراسات المرأة من منظور اجتماعي حضاري إسلامي.
ثانياً: المحاولة الفكرية التي كشف عنها كتاب "دعونا نتكلم" الصادر عام1999م، وفي ترجمته العربية عام 2002م، والدعوة لبناء منهج للعمل الفكريَ الفعَال في النظر إلى قضايا المرأة المسلمة.

المصدر: الميلاد، زكي: الإسلام والمرأة (تجديد التفكير الديني في مسألة المرأة). ط1، مركزالحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، 2008.
(بتصرف)

التعليقات (0)

اترك تعليق