مؤتمر الوحدة الاسلامية الواحد والعشرون
الإعلام الإسلامي ودوره في الوحدة نشر ثقافة والتصدي للإعلام الغربي
الحاجة عفاف الحكيم
قال تعالى في سورة الأنبياء آية 92: «إنّ هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاعبدون»،
وفي سورة المؤمنون آية 52: «وإنّ هذه أمَّتُكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتّقون».
الآيات الكريمة حملت لنا صورة الأمة الواحدة، ومجتمعها العابد العادل الزاخر بالتقوى، وآيات أخرى رسمت معالم الطريق الذي يجب أن نسلكه متآخين متحدّين، مشددة من جهة على اعتصام الجميع بحبل الله تعالى ومن جهة ثانية محذرة من عواقب النزاع والتفرقة «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحُكم» (الأنفال 46).
وأنّه بالالتفات إلى الواقع نجد الحسرة تلف الجميع لعظم ما فُرّط به. فالكلّ يدرك أن ما من شيء في يومنا أمسّ حاجة للمسلمين ولا أشد نفعاً لحاضرهم، ومستقبلهم من تضامنهم وجمع كلمتهم بهدف رصّ الصفوف ونبذ الخلافات وتحقيق كل ما يمكن من مواجهة الأعداء المتربصين بنا من كل جانب، لنعود من جديد "كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً" الكل يدرك أن التحديات التي تحيط بالأمة كبيرة، وعلى جميع المستويات.
ويبقى العجيب في عالمنا الإسلامي هذا الذي لا يختلف فيه عاقلان على ضرورة وأهمية الوحدة والتقريب، ومع ذلك فإنّا لا نجد إلى التئام العقد المتنافر سبيلا، حتى في القضايا المصيرية الكبرى. ويبقى الأتعب للنفس ما هو ماثل في إعلامنا المرئي والمسموع والمقروء وعلى كل المستويات والذي بات بدوره يلف مجتمعاتنا بحالة من الكآبة والإحباط، بدل أن يكون الساعد للنهوض لتأليف القلوب وجمع الكلمة في هذه المرحلة العصيبة.
المسلمون وتحديات المرحلة:
من بين التحديات التي تحاصر وتضغط قد يكون الأشد وقعا" في أيامنا هو التحول الناجم عن سقوط الحدود الزمنية والمكانية وتلاشي المسافات، وحيث العلاقات البشرية باتت أكثر تنظيماً، وسرعة، مع التطور الهائل في تكنولوجيا الانتقال والاتصال بعد اختراع أدوات مكنت الإنسان من أن يرى ويسمع ليس فقط ما يدور حوله، وإنما ما يدور في أرجاء العالم.
وهذه الثورة التقنية العلمية الهائلة، والتي تطورت في كنف العالم الغربي، أفرزت كما نرى تحديات كبيرة على كافة الصعد، وخاصة الصعيد الإعلامي الذي اتخذته قوى الاستكبار مطيّة لبلوغ وتحقيق أهدافها الخبيثة، منذ بدأت الحملات التبشيرية والاستعمارية إلى بلادنا، وصولاً إلى طموحات الهيمنة الأمريكية في يومنا والآيلة إلى تشكيل العالم وفق الطريقة التي تريد عبر إحكام السيطرة على المؤسسات الدولية، وأجهزة الإعلام العالمية من صحف وقنوات فضائية ومطبوعات وغيرها.
وهذا الأمر –كما يلاحظ– في تصاعد مستمر، سواء لجهة التطور التقني أو الاستغلال الشيطاني، وقد بات الجميع يدرك بأن مجتمعاتنا تتعرض إلى حملة استعمارية أشدّ قسوة مما كانت عليه من قبل، باعتبار أنّ الحملة في هذه المرحلة تتصل بغزو الوجدان والثقافات وحرف المجتمعات كلياً بهدف تحقيق إدارة شؤون الكرة الأرضية من خلال مجتمع آحادي أمريكي جديد.
أيضا" من تحديات المرحلة؛ تبرز مسألة إثارة الفتن والنعرات المذهبية في عالمنا الإسلامي، ومعها ظاهرة الطعن والتجريح والتفسيق والتكفير التي تتطلب جهداً، وبرامج طويلة الأمد لكيفية معالجتها واستنقاذ الأمة من براثنها نهائياً. هذه الظاهرة التي لا تنسجم مع أخلاقنا الإسلامية العالية، والتي تريد أن تشغل مجتمعاتنا لتبتعد بها عن جوهر الصراع الحقيقي مع أعدائها من الصهاينة والأمريكيين الجدد.
فالجهل المذهبي الذي ابتلى به البعض، لا بد له من معالجة حاسمة وواعية تتناسب مع عظم المسؤولية التي تقع على عاتق كل فرد في هذه الأمة، وذلك من أجل القضاء عليه واستبداله بالدعوة المستمرة إلى الحوار الهادئ البناء الذي ينطلق من القواعد القرآنية، ومرتكزاتها الثابتة الأصيلة، والسعي لإرساء مفاهيم الوحدة والتقريب في سائر النظم التربوية والإعلامية، انطلاقاً من أنّ المطلوب في عملية التقريب ليس دمج المذاهب لتذويب معتقداتها بل تقريبها الذي يعني تجميع العناصر المشتركة للوفاق والاتفاق، وما أكثرها بين المسلمين الذين يتوجهون، يومياً، من سائر أماكنهم إلى قبلة واحدة خمس مرات في اليوم ويشاركون سنوياً في مناسك حج موحّدة مكاناً وزماناً وطريقة، في أروع مظهر من مظاهر الوحدة، متجاوزين معه الجغرافيا والعرق واللغة واللون والمكانة الاجتماعية.
ما وراء الفتن:
في هذا الإطار كم تبدو حاجتنا عظيمة، أفرادا" وأمة، للتنبه لدور القوى المستكبرة وعملائها من حولنا. هذا الدور الذي يرتكز على استغلال عواطف المسلمين، وجرّهم نحو الخلافات إضافة إلى استخدام قدراتهم البيانية والمالية في تأجيج نيران الخصومة وإثارة الحساسيات بينهم. فقاعدة فرّق تسد ليست بغائبة عن أذهاننا، بعدما عرفنا مخططاتهم الخبيثة. لذا لا بد من اليقظة اتجاه كل ما يُقدم للأمة من مشاريع تحت ذريعة حقوق الإنسان وإزالة الإرهاب ومكافحة الطائفية وغيرها، مما حفلت به مخططاتهم الخبيثة.
الإعلام الغربي وإحباط مساعي الوحدة بين المسلمين:
من البديهي القول إنّ المسيطرين على الإعلام العالمي، اليوم، على اختلاف منابره، يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإبقاء الأمة الإسلامية في حالة الضعف، والضياع، والانقسام والتي عملوا لها طويلاً عبر أهداف واستراتيجيات بعيدة الأمد.
فطوال فترة احتلالهم لبلادنا، عملوا على إنشاء النظم السياسية والأجهزة التشريعية والمؤسسات التعليمية والإعلامية على النمط الغربي. ومن ثم اتجهوا لاستبدال الاستعمار العسكري بالاستعمار الثقافي والفكري، باعتبار أن الأول ينتهي برحيل العسكر، وأما الثاني فتبقى له الديمومة والاستمرارية التي تؤسس لاستيعاب الشعوب في منهج الثقافة الغربية. ولقد كان من أخطر ما فعلوه هو زرع بذور التفرقة بين المسلمين، والعمل على إحباط كل مسعى يؤسس لنهوض الأمة وتقدمها إضافة إلى الانحياز التام ضد أي فكرة إسلامية صحيحة تبعث العافية في الجسد الواحد...
والخلاصة إن الغرب استطاع في أيامنا أن يحقق ما يريده وان يقطف ثماره من خلال الإعلام الموجه وفضائياته.
لقد حقق، ومن دون مقاومة، ما لم يستطع تحقيقه طوال الحقبات الماضية من تدمير لأخلاق المسلمين والقضاء على مثلهم وقيمهم، حتى باتت أمنية الأسرة المسلمة أن تجلس أمام الشاشة الصغيرة وهي مطمئنة لمستقبل أطفالها، بعد أن فقدت الأمل بعملية ترشيد هذه الوسائل، وتنقيتها من كل ما يخدش الكرامة من البرامج المستوردة والرديئة.
ضرورة توفير إعلام إسلامي قادر وقوي:
مما لا شك فيه أننا نمر اليوم، في مرحلة هي من أخطر المراحل التاريخية التي تحتاج إلى عمل إعلامي إسلامي عالمي متخصص، يمتلك القدرة على التواجد والتحدي ومواجهة الإعلام المضاد والقنوات الفضائية المتدنية.
وقد يكون الحل الأقرب والأفضل عبر تثمير الجهود الوحدوية والتقريبية، ودفعها باتجاه عمل استنهاضي، يؤسس لوضع إستراتيجية شاملة لمسألة تنظيم الإعلام الإسلامي وربط جميع وسائله بمرجعية تراعي الثوابت الإسلامية، وتراعي مصلحة الإسلام العليا فيما تقدم وتبثّ، وتضع لهذا خطوطاً حمراء يمنع تجاوزها. لأن ما نتطلع إليه هو:
إعلام إسلامي مستدام وأصيل، وله ثوابته التي ترتبط بأحكام ديننا ومفاهيمنا وأخلاقنا وقيمنا وأعرافنا وليس إعلام اللحظة أو الساعة واليوم.
- إنه إعلام يحمل خصائص الدعوة العالمية لرسالة الإسلام المحمدي الأصيل، ويمتلك تراثاً تاريخياً تتصدره سيرة وسنة المصطفى وآل بيته صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. فهو بالتالي إعلام غني قوي وقادر، إعلام بحده الأدنى مصيري يحمل هموم قضايا مصيرية، وإلى هذا هو إعلام متبصر يعي ويدرك الأمور الضاغطة على المسلمين، وبالتالي هو أكثر التزاماً بقضايانا وأكثر التصاقاً بانشغالاتنا وهمومنا.
إعلام يحمل على عاتقه مسؤولية نشر ثقافة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية ويجعلها في سلم أولوياته.
إعلام همه غرس الفضيلة ونشر العقيدة وإشاعة الأخلاق وترسيخ القيم.
الإعلام الذي نريده ونتمناه هو باختصار إعلام رسالة، وبالتالي هو إعلام جامع همه توحيد المسلمين، وجمع كلمتهم من أجل تحمل مسؤولياتهم اتجاه القضايا التي تحظى بإجماعهم كقضية فلسطين والقدس والأقصى الشريف، ومقاومة العدو الصهيوني في أكناف بيت المقدس ولبنان. وكقضية الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب وأمور كثيرة أخرى.
- هو إعلام على عاتقه مسؤولية عظيمة، وهذه المسؤولية تتطلب منه عناية فائقة بأطفال المسلمين، لتوجيههم وبما يتفق حضارياً واجتماعياً وسياسياً مع مجتمعنا العربي والإسلامي، بحيث يسعى لتوفير اهتمام حقيقي بتاريخ الأمة وحاضرها، ومستقبلها، ويهتم بالنماذج التي تعكس حياة أمتنا بأحداثها وظروفها، كما يتيح للبراعم والناشئة في أصقاع العالم التعرف على دينهم وأحكامه وتعاليمه.
إعلام يدرك مسؤوليته اتجاه المجتمعات العربية والإسلامية التي تتعرض إلى هذا الحجم الضخم من البث المباشر، والذي تقوم به الأقمار الصناعية التي يتجاوز عددها الأربعين قمراً وهي تعمل في إطار شبكات عربية (فرنسية، المانية، بريطانية، سويدية).
وإنه من المؤكد -كما تقول إحدى الدراسات- أن استقبال البرامج والمواد التي تبث من هذه المحطات، سوف تلعب دوراً خطيراً في التأثير على العادات والتقاليد والثقافة العربية والإسلامية، بل يمكن أن تمحوها في بعض شرائح المجتمع.
دور الإعلام الإسلامي في نشر ثقافة الوحدة
إن واقع العجز العربي والوهن الإسلامي والمكر العالمي فتح الباب على مصراعيه لمخططات العدو التي باتت لا ترى عاتقاً يحول دون إكمالها لبسط نفوذها سوى الإسلام.
وإنه في الوقت الذي يؤلمنا ويقلقنا واقع التجزئة الذي تعيشه الأمة. إلا أننا نتطلع إلى المستقبل بعين الثقة وعليه فإن الجميع مطالب بتقديم كل ما يستطيع من أجل تثبيت دعائم الفكر الإسلامي الأصيل، ونشر وتعزيز ثقافة الوحدة في مجتمعاتنا. مع سعي مركز لجهة ترشيد وتنظيم الإعلام في بلادنا، الإعلام الذي هو اليوم، عصب الحياة، والذي بإمكانه أن يلعب دوراً فاعلاً وكبيراً في بلورة وصقل وتمتين نظمنا الثقافية والتربوية، وفي عملية جمع شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم. وكمثال لعملية جذب الأمة، يمكن الالتفات إلى المقاومة الإسلامية الباسلة على أرض فلسطين ولبنان حيث العدو المشترك هو الصهيونية العالمية والشيطان الأكبر أمريكا.
فقضية فلسطين والمقاومة على أرضها وأرض لبنان هما اليوم، في وجدان كل مسلم يشعر بانتمائه لهذه الأمة وينبض قلبه بالإيمان الصادق ويجيش صدره بعزة الإسلام.
فالقدس من جهة هي الرمز والشعار الذي حمله كل من تلك المقاومتين، ومن جهة ثانية هي أرض النبيين والمرسلين ومؤل الصالحين.
إنها أرض البركة التي وصفها الله عز وجل بأنها مباركة في خمسة مواضع في القرآن الكريم هي:
أولاً: قوله تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله» (الإسراء 1)
وإن هذه الأرض التي بارك الله تبارك وتعالى حولها تشمل كما يقول عدد من المؤرخين؛ أرض جبل عاملة في جنوب لبنان، هذه الأرض التي أحتضن ترابها رفات عدد كبير من الأنبياء والصالحين.
ثانياً: قوله تعالى «ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين» (الأنبياء 71)
ثالثاً: قوله تعالى «وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا» (الأعراف 137)
رابعاً: قوله تعالى «ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها» (الأنبياء 81)
خامساً: «وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها المسير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين» (سبأ 18).
فالقدس في الاعتقاد الإسلامي سامية المكانة، إنها قضية الأمة عربها وعجمها وهي مسؤولية الجميع فيها رجالاً كانوا أو نساءً وشيباً أم شباب.
وإنه من هذه القاعدة، كان خيار المقاومة الإسلامية على أرض لبنان المقاومة التي اتخذت من قائدها ومرجعها الإمام الخميني المقدس، قائداً وقدوة في تحديد الخيار المسلح مهما كانت الظروف والصعاب والتحديات، وحيث أعلن حينها بوجوب مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم واجتثاث إسرائيل من الوجود، فكان أن استلم المقاومون البواسل زمام المبادرة، والتي تحولت لاحقاً –أي المقاومة الاسلامية- إلى مشروع كبير ومضاد للمؤامرة الصهيونية الأمريكية التي تستهدف المنطقة برمتها.
وإن إسرائيل هذه التي تم زرعها في قلب عالمنا العربي والإسلامي لإنهاكه والقضاء عليه، هي اليوم رأس الرمح الأمريكي في حربه للمسلمين، هي اليوم بحسب السياسة الأمريكية غير إرهابية، حتى لو ارتكبت من الجرائم أفظعها، وحتى لو تمردت على القرارات الدولية وامتنعت من التوقيع على اتفاقات حظر الأسلحة النووية فإنها في تصنيف خارطة العالم الأمريكية دولة تريد السلام.
أما سائر الدول التي وقفت بإباء وشموخ وأبت الخضوع للإملاءات الأمريكية فهي إرهابية وعنصرية ورجعية وغيره.
وإنّه تبعاً لهذه الخارطة الأمريكية، امتدت اليد الصهيونية الإجرامية في حرب إبادة مستمرة للشعب الفلسطيني الآبي، ومن ثم امتدت إلى لبنان المقاومة، فكان التدمير والتهجير وقتل أعداد كبيرة من الأبرياء كان آخرها فظائع وأهوال وجرائم عدوان تموز.
يبقى أخيراً: أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين هي اليوم، أقوى عامل استنهاضي في الأمة قاطبة، وذلك بعد التمكن من اجتياح كافة الحواجز المصطنعة واقتحامها كافة المجتمعات. وبعد أن فتحت لهم ملايين المؤمنين والمستضعفين وعلى امتداد العالم عرش قلوبها.
فالمقاومة بشقيها -فلسطين ولبنان- عادت من جديد بفلسطين كقضية وبالقدس والأقصى وسائر المقدسات إلى خارطة وجدان الأمة، بعد أن كاد هذا كله أن يغيب. وهذا هو العامل الأهم والمدخل السليم ليس فقط على صعيد الوحدة والتقريب، وإنما أيضاً على صعيد توفير إعلام إسلامي عالمي يمتلك القدرة على التواجد والتحدي والمواجهة...
كلمة ألقتها الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الحادي والعشرون للوحدة الاسلامية والذي يقيمه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، وذلك في2-5- 2008 الموافق 25-ربيع الثاني 1428
اترك تعليق