مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المؤتمر الثاني والعشرون للوحدة الاسلامية

المؤتمر الثاني والعشرون للوحدة الاسلامية: الوحدة الاسلامية والابتلاء بالجمود الفكري والتطرف الديني

الوحدة الاسلامية والابتلاء بالجمود الفكري والتطرف الديني

الحاجة عفاف الحكيم

- قال تعالى في سورة المؤمنون «وإنّ هذه أمَّتُكم أمةً واحدةً وأنا ربُّكم فاتّقون» (آية52)
◦ وحدة الأمة هي لا شك من أهم الموضوعات التي نواجهها في عصرنا الحاضر, فعالمنا الإسلامي يمر بمرحلة   تاريخية محفوفة بالمخاطر الحقيقية إضافة الى سيل ضخم من التحديات على مختلف الصعد.
◦ وإنه في هذا الظرف التاريخي الدقيق والحساس وحيث اليد الآثمة للصهيونية وحلفائها على امتداد العالم بلغت من التآمر على كيان الأمة ووحدتها، ومقدساتها، وقضاياها حدّاً كبيرا فاق كل تصور, فإن الواجب الشرعي والمسؤولية التاريخية تملي على القيِّمين، من علمائنا الأجلاء وكل الواعين من أبناء الأمة، إيجاد حالة من النهوض والقيام لله من أجل إحباط أهداف الاعداء، وتشكيل خط دفاع متماسك صلب يشد بعضه بعضاً.. وتتكسر عليه كل المخططات والمكائد. 
 فموضوع الوحدة الإسلامية اليوم -بلا شك- هو من أهم مستلزمات الوقوف في وجه هذا الصراع، باعتباره الأرضية والقاعدة التي تقوم عليها جميع المستلزمات الأخرى، وهذا الموضوع يزداد أهمية عندما ننظر إلى الظروف العالمية وطبيعة الصراع القائم على المستوى الحضاري.
◦ وإنه رغم عملية الإجتثاث الكبيرة، والتشويه المريع الذي تعرّض له جسد الأمة جغرافياً وسياسياً وإقتصادياً، وحيث أفلح الإستعمار في تمزيق عالمنا الإسلامي تمزيقاً لم يسمع بمثله -فبعد أن كانت أمتنا أمة واحدة ودولة واحدة وشعب واحد، تم تقسيمها إلى أكثر من خمسين دولة صغيرة متناحرة متضادة تقطعها وتقسّمها الحواجز والحدود-
وإنه رغم ما يظهر من قتامة التمزيق وفعاليته في الإجهاز على الوحدة الإسلامية، وعلى مشروع إحيائها واستعادتها, فإن خطره وضرره ربما لا يصل الى نفس مستوى الضرر الذي أحدثه ابتلاء الأمة بآفتي الجمود والتطرف، لأنّ هذا اللون المدمر الفتّاك امتدّ إلى تمزيق الروح وقصف الفكر، وتغيير الوجدان وتشويه معالمه, وهذا لا شك هو الأعظم أثرا والأقوى خطراً من أي تمزيق آخر.


خصائص تيار الجمود والتطرف:
الشهيد مطهري (رض) أجمل خصائص تيار الجمود والتطرف وملامحه في نقاط، مبيّناً خطورة هذه الظواهر التي افقدت أصحابها نور البصيرة، ونعمة التفكر، والتقدير السليم لأولويات الإسلام ومنها: 
1.  الركود الفكري وتعطيل العقل مما أوقعهم في مهاوي التخبط والتقليد الأعمى لسيَر الماضين وطرق تفكيرهم وأساليبهم.
2.  ضعف الأسس والمرتكزات العقائدية.
3.  النظرة السطحية (الضحالة الفكرية).
4.  التقديس الأجوف الزائف.
5.  ضيق الأفق والنظر.
6.  الجهل واعوجاج الفهم.
7.  الرجعية وعبادة القديم.
8.  الرياء وخداع العوام
  وإنه للوقوف على ما شهدته مجتمعاتنا من مؤثرات وأعراض لهاتين الآفتين ومبلغ تأثيرهما تحديدا على وحدة الأمة فأننا نقف مع: 

 ظاهرة الجمود والركود الفكري:
    هذه الظاهرة أو النمط من التفكير المنغلق الذي ابتليت به الأمة كان له انتشاره في الوسطين السني والشيعي، وقد أطلق عليه الشهيد مطهري مصطلح التحجر بمعنى الجمود وإنعدام المرونة والليونة وهي حالة تشاهد عند الإنسان حين تنعدم له المرونة في الموقف من أي فكرة أو ظاهرة جديدة, وحيث الشخص الموصوف بالتحجر يضع لنفسه أصولاً ثابتة وأطراً محددة، ويفترض أنّه لا يطرأ عليها أي تغيير, عاملاً على تحويل العادات والتقاليد إلى مقدسات، فهو دائم الدوران في فلك الماضي دون أن يفسح في المجال لولادة حالات الإنتاج الفكري أو العلمي أو الثقافي, بل يجعل من نفسه حاجزاً أمام الحيوية والإبداع..
وقد حذر الإمام الخميني (رض) من خطر ظاهرة التحجر هذه بقوله "وما هو بالضئيل خطرُ المتحجّرين والحمقى المتظاهرين بالقدسية في الحوزات الدينية، فلا يغفل الأعزاء، طلبة العلوم الدينية، ولا للحظة عن هذه الأفاعي ذات الظاهر الخداع... وعلى حد زعم بعضهم؛ فإن عالم الدين يكون جديراً بالإحترام والتكريم عندما يكون غارقاً في التعبد المنغلق بشكل كلّي.. وإلاّ فإنّ عالم الدين المعني بالسياسة أو المدبر والذكي هو ذو أهداف ومطامع مشبوهة... وكأن تعلّم اللغات الأجنبية يعد كفراً ودراسة الفلسفة والعرفان تعد معصية وشركاً, وإني على يقين من أنه لو كان قد كتب لهذا التيار الإستمرار لأصبح وضع الحوزات الدينية وعلمائها كوضع كنائس القرون الوسطى". 
  وقد ذكر الإمام الخميني (رض) مرة أن ابنه السيد مصطفى شرب مرة من ماء في زير خزفي بإحدى المدارس الدينية, فقام بعض أولئك المتحجرين بغسل الزير الخزفي بالماء لتطهيره, وذلك لأن الإمام كان يدرس الفلسفة.
  وهكذا نجد إنه عندما يجعل الدين في  مواجهة حركة العلم والحياة، فإن الخاسر في هذا الصراع حتما سيكون الدين نفسه، باعتبار أنّ سنن التاريخ أثبتت أنّه عندما يتوقف المنتمين للدين عن الحضور الحيوي في أجواء العلم والعطاء، فإن الدين سيتجمد في نفوسهم، وينكفيء عن حركة الصراع وحركة التطور والإبداع.
◦ فالخوارج -على سبيل المثال- وبالرغم من أنّهم ذوو ميول شديدة نحو الجهاد في سبيل عقائدهم وأفكارهم, وكانوا من المتعبدين والمتنسكين, يمضون الليل في العبادة، إلاّ أنّهم كانوا جاهلين وحمقى، ونتيجة لجهلهم فإنهم لم يكونوا يفهمون الحقائق, بل يفسرونها تفسيراً سيئاً، فأصبحوا من ذوي النظرة الضيقة والقصيرة المدى, ويفكرون بأفقٍ محدودٍ جداً. كانوا يرون الإسلام محصوراً في جدران أربعة من أفكارهم، ويعتقدون أنّ جميع من سواهم لا يفهمون البتّة، بل هم من أهل جهنم.
◦ هذا النمط من التفكير -كما يؤكد العديد من المفكرين- تسلل ونفذ إلى العالم الإسلامي طوال تاريخه, فعلى الرغم من أنّ سائر الفرق تعدُّ نفسها مخالفة لهؤلاء، إلا أنّ التفكير السائد عند الخوارج هو السائد أيضاً في أذهان تلك الفرق.
وبهذا امتدت هذه الآفة لتصيب بشرارتها الساحات الإسلامية... و بالتالي أنتج جماعة من المتخلفين التكفيريين الذين وضعوا الإسلام في مواجهة العالم، من دون أن يميزوا بين صديق وعدو أو يراعوا المصالح والأولويات.


 ظاهرة التطرف الديني:
 وهذه منشؤها أيضاً الإنغلاق على الفهم الآحادي الذي لا يقبل التطور، ولا التغيير، والنقد إنه الفهم الذي يصطدم بتجددات الحياة ومتغيرات العصر وتحولات الزمن ومقتضيات التقدم.
فأزمة التطرف أزمة حقيقية مروّعة، بل هي أخطر ما واجهته الأمة من أزمات، لكونها تعصف في عمق المجتمع فتقوده سريعاً نحو نتائج عنيفة تؤدي في النهاية إلى التصادم والتحارب, اضافة إلى أنَّ المتعصّب المتطرف يقدس أفكاره بشكل مطلق، ويحتكر الحقيقة لنفسه ويخطّئ الآخرين دوماً دون الرجوع إلى أحكام الحوار والنقد.

○ مظاهر التطرف: 
◦ في العديد من الآيات الكريمة، خاطب الله تبارك وتعالى سائر الناس، مشدِّداً على ضرورة أن يسيروا وينظروا ويتفكروا في خلق السموات والأرض، بهدف تحقيق الإستفادة من الإلتفات إلى قوانين الكون وسنن الحياة، وإلى عظمة التنوع والتعدد والإختلاف والتناسق الموجود من حولهم، في كل شيء، سواء في عالم السموات والأرض، أو عالم الحيوان والنبات والإنسان...
غير أنّ ذهنية الجمود والتعصب والتطرف خرجت من كل إستفادة، منكفئةً على ذاتها، منعزلة عن العالم الخارجي، وغير قادرة على قراءته لضيق النظر, فهم لا يرون عالم الآخرين وأفكارهم ويرفضون الإعتراف بحقهم في الحوار.
وإنه بجمودهم ونظرتهم هذه حمّلوا الإسلام ما ليس فيه, وشوهوا صورته وزيفوا حقيقته، وذلك بسبب قلة الفهم والعلم والإخلاص فيهم, وإن من أبرز مظاهرهم:
1- عدم الإقرار بمبدأ التعدد والتنوع في الرأي إضافة إلى إنغلاق الفرد وجموده على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الأمة وقضاياها.
 2- الميل إلى التشديد والتضييق والتزمت مع الغلظة في التعامل، والخشونة في الإسلوب، والفظاظة وسرعة الغضب، مع التحرك كدعاة بخلاف الهدي الإلهي «ادعُ  إلى سبيل ربّك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»  (النحل125)
 3- التعصب والتصلب وفرض الرأي بدون مراعاة لسنّة الإختلاف الفكري والنفسي والروحي لدى الناس, فهم يكفّرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله, مع أنّ تكفير المسلم أمر خطير، وهذا يمثل قمة التطرف الذي يجعل صاحبه في واد وسائر الأمة في واد آخر.
 4- ومن مظاهر التطرف الرغبة بالهدم لا بالبناء وسوء الظن بالأخرين، والنظر إليهم من منظار أسود قاتم، يخفي كل حسنة ويضخّم كل سيئة. ولو رجعوا إلى القرآن والسنّة لوجدوا فيهما ما يغرس في نفس المسلم حسن الظن بسائرعباد الله, قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا" من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثمٌ» (الحجرات 12) 
 5- الجمود على النصوص الدينية وعدم مراعاة أحوال الزمان والمكان، إضافة إلى الغرور وإزدراء الغير والإعتقاد بأنهم أفضل ذاتاً وعملاً من الآخرين، وبأنهم ملكوا مع مفاتيح الجنة الحقيقة المطلقة والله تعالى يقول «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتَّقى » (النجم 32)
◦ من هنا فإن السلاح الأقوى في تمزيق الأمة وتفتيت مقومات الوحدة فيها، بات اليوم، التعصبَ والغلوَّ المطلق والأعمى الذي بات يتمظهر بأشكال مختلفة.
  فبهذا التعصب المقيت الذي يثبّت فيه هؤلاء أنفسهم، بحيث لا يعترفون معه للآخرين بوجود, يصبح من المستحيل معه التلاقي بأحد، لأنّ التلاقي إنما يكون في منتصف الطريق ووسطه, وهؤلاء لا يعرفون الوسط ولا يعترفون به.
 ويبقى الأشد خطورة فرض الرأي على الآخرين بالقوة, والقوة هنا قد تجرح وتفتك معنوياً بما هو أشد تهديداً من الإرهاب الحسّي، لأنها قد تكون اتهاما بالإبتداع والكفر أو الإستهتار والمعصية أو ما شاء لهم سوء الظن.
   لقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا, وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.
 وإنه بالإلتفات إلى التاريخ الإسلامي، نجد أنّ جماعة كهؤلاء كانوا في عصر النبي (ص)، وكانوا أكثر الناس إيلاماً لقلب النبي والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم.
وقد بيّنا ما وقع فيه الخوارج الذين كانوا من أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية صياماً وقياما ًوتلاوةً للقرآن، فحيث ورد عن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال:"قسم ظهري اثنان عالم فاسق وجاهل متنسك" وقال (ع) أيضاً:"هلك فيّ اثنان محبّ غالٍ ومفرط قالٍ".
وقد حدّث النبي (ص) محذّراً وملفتاً في العديد من الأحاديث الشريفة حول ذهنية التطرف والجمود والإنغلاق، مبيناًً مبلغ الخطورة وأهمية التنبه بقوله (ص): "كلما قطع منهم قرن نشأ قرن ثم يخرج في بقيتهم الدجال".

○ التطرف الديني والتحذير من فتن آخر الزمان
◦ لقد إتفق أكثر الفقهاء المسلمين على تحريم التطرف والغلو بجميع صوره وأنواعه, وبيّنوا ذلك عبر أساليب مختلفة, تارة بالنهي عن ذلك، وتارة بالتحذير من مشابهة الكفار في الغلو، وتارة ببيان أن الغلو سبب للهلاك قال تعالى «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غيرَ الحقّ ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبلُ وأضلّوا كثيرا" وضلّواعن سواء السبيل » (المائدة 77).
وقال رسول الله (ص): "يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم يغلو في الدين".
 وإنه بالإلتفات إلى النصوص الشريفة التي جاءت عن النبي (ص) وخصوصاً في آخر حياته الشريفة, نجد أنه كان يكثر التحذير من الفتن التي ستحدث من بعده، حتى أنه كان يؤكّد المكان الذي ستجري فيه فتنة معينة، أو صفات الأشخاص الذين سيشعلون الفتن.
◦ وإن من تلك الفتن التي حذر منها النبي (ص) فتنة التطرف في الدين التي تعيش الأمة تداعياتها اليوم.
وعليه كان لا بد من إلقاء الضوء على تلك الفتن من خلال ما ورد عنه (ص) "إن أقواماً يتعمقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرمية" وفي اللغة العربية التعمق هو المبالغة في الأمر وطلب أقسى غايته.
وفي الحديث عن الإمام الكاظم (ع): "لا تعمق في الوضوء" أي لا مبالغة بإيصال الماء زيادة إلى الإسباغ المطلوب. فيستفاد من هذه المعاني ان التعمق المنهي عنه في الحديث الشريف هو الإفراط والمبالغة والتشدد والتطرف في الدين.
فالإسلام هو دين الوسطية كما قال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» (البقرة 143).
وهو يدعو إلى الإعتدال وعدم الإفراط والتفريط في أي شيء، ولنا أن نلمس هذه الحقيقة في التعاليم الإسلامية الواردة في كافة المجالات العبادية، والإجتماعية، والسياسيةن والإقتصادية.

○ أسباب التطرف:
   لا ريب إن من الأسباب الأساسية لهذا التطرف والغلو هو ضعف البصيرة، وقلة الفهم، والمعرفة بحقيقة الدين.
◦ من هنا كان لا بد من التصدي لمعالجة هذه الظاهرة من خلال دراسة أسبابها الفكرية، ووضع الأسس الشرعية لتربية وإعداد جيل إسلامي جديد على مستوى الجامعات، والحوزات، والمعاهد، والمجتمع ككل ليكون هو البديل الذي يحمل الإسلام بإشراقه ونقائه إلى العالم.
◦ يبقى أنّه لا بد من دراسة شاملة لكافة الأسباب الأخرى المختلفة، والتي منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو  إجتماعي وإقتصادي، أو نفسي، أو هو خليط من هذا كله...


 التطرف والإعلام الغربي:
◦ لقد جسّم الإعلام الغربي والمرتبطون به قضية التطرف, وسَعت أبواقه في حملتها لتشويه الإسلام وجعل صفة التطرف صفة ملازمة للمسلمين بل للإسلام, حيث تمّ وصف الكثير من الحركات الجهادية المقاومة للإحتلال على أرضها، والمطالبة بحقوقها والمعترف بها رسمياً وعالمياً بالتطرف. إذ ليس تطرفاً عندهم أن يتعصب اليهود ضد جميع أديان الأرض، وشعوبها، وأن يقتلوا الآمنين في فلسطين، ولبنان وسائر الأراضي المحتلة، وأن يرتكبوا من الجرائم ما ينوء بتفاصيله الإعلام العالمي مجتمعاً.
◦ غير أن الإعلام الغربي والصهيوني وجد في ظاهرة التطرف فرصته السانحة، من أجل الكيد وشحن الحقد ضد المسلمين, فاجتهد في مضاعفة الإشكالية بمختلف الوسائل، والأساليب الخسيسة، عاملاً بصورة متواصلة علىالتركيز على نقاط الخلاف وإبراز معالم التناقض والفرقة، وزرع النزاع بين أفراد المجتمع الواحد. حتى باتت ثقافة الفتنة تطالعنا في كل مكان في المجتمع، بدءاً بالإعلام المرئي والمسموع والمقروء وانتهاءً بالمدارس وهذا من أخطر ما يمكن أن تصاب به الأمة..

○ كيف نواجه التطرف:
◦ لمواجهة حالة التطرف التي حذّر منها رسول الله (ص) والتي باتت مع الشحن الشيطاني والنفخ الحقود لقوى الإستكبار والصهيونية،  تجتاح مجتمعات المسلمين, لا بد لنا من أمور:
أ) نشر الثقافة الإسلامية التي تدعو إلى التراحم والتسامح والمحبة، واللاعنف، والتعايش، والإخاء والعمل على مواجهة ثقافة الفتنة والتطرف، عبر إجراء تحليل معمق لظاهرة التطرف والإرهاب، وتمهيداً لاقتراح سياسات ثقافية فعالة قادرة على مواجهة هذه الظواهر على المدى الطويل, ثقافة التطرف لا بد من مواجهتها بثقافة التوحيد, ثقافة عدم التفرق والإعتصام بحبل الله.
ب) تربية الشباب على الإنفتاح واحترام الرأي الآخر, واعتماد مبدأ الحوار على كافة المستويات، من خلال التركيز على المؤتمرات التي هي السبيل الأمثل لتوسيع قاعدة التلاقي بين أبناء الأمة، من أجل تشخيص الأمراض والعلل، واحتواء كافة ظواهر التعصب وأساليب الغلو والتفريط وإحلال التديّن الصحيح بديلاً.
ج) العمل على توضيح ونشر النصوص الدينية المتعلقة بالدعوة إلى الله تعالى وكيفية النهي عن المنكر ومعنى الجهاد والشهادة, وأحكام التعامل مع الآخرين على إختلاف أفكارهم ومذاهبهم، وغير ذلك من المفاهيم الإنسانية التي دعا إليها الإسلام ومحورها التوازن والوسطية.
د) تفعيل المنابر للتعريف بالفضائل الإسلامية، ومواجهة العنف الناشئ عن التعصب والجهل بالقيم الإسلامية الصحيحة, إذ لا بد من سعي جدي لتصحيح الأخطاء، والسلوكيات المنافية للإسلام في المجتمعات الإسلامية.
ﻫ) التأكيد على دور المؤسسات الخيرية والمجتمع المدني في نشر التعايش، وثقافة الإختلاف والتسامح والحوار، والسعي إلى تبني إستراتيجية بعيدة المدى لحفظ وصيانة مجتمعاتنا الإسلامية، إضافة إلى مشروع حضاري لحفظ الفضائل الإسلامية والتعريف بها من خلال إعلام إسلامي رسالي هادف.
و) السعي لإبراز عالمية الإسلام الأصيل في أخلاقه وقيمهن والعمل على دفع الشبهات عنه من خلال تطوير المناهج الثقافية والتربوية بحيث تكون قادرة على مواجهة كافة اساليب التشويه، وصولاً إلى مساعدة الناس على فهم أكبر للعنف والتعصب والإرهاب الحقيقي، وكيفية التعاطي لمواجهتها.


 أثر الجمود والتطرف على وحدة الأمة:
◦ لاحظنا كيف أنّ الجمود الفكري الذي ابتليت به الأمة أدّى إلى نشوء وإثارة العصبيات المذهبية التي لها جذورها في الواقع الإسلامي، بحيث حوّلها إلى حالات طائفية عصبية متطرفة تختزن الكفر والتضليل لمجرد الإختلاف في رأي أو اجتهاد. وهذا ما أثر على وحدة الأمة وتماسكها وبالتالي على وحدة صفوفها، ودليلنا حالة الإنقسام التي طرأت على وحدة المجتمع داخل المسجد الإسلامي في كل بلد، أو منطقة، أو حي، بحيث أصبح لكل طائفة مسجدها الذي تلتقي فيه بأتباعها بعيداً عن أتباع الطائفة الأخرى.
◦  ترى لِم لم نحمل من الماضي هذه الوحدة وإنما حملنا ما يعمّق الخلافات، ويحولها إلى فتن وحروب تأكل الأخضر واليابس.
 لِم لم نحمل الحديث الشريف لرسول الله (ص) بأبعاده أنّ "التبسّم في وجه إخيك صدقة".
 ولِم لم ندرك بالعمق أنّ قضية الوحدة الإسلامية هي قضية أمر بها القرآن الكريم وأمر بها رسول الله (ص) وأهل البيت (ع)، وأنّ هذه الوحدة هي بذاتها قيمة دينية، ومشروع ديني يجب أن يمارسه الفرد في كل أسرة قبل أن تمارسه الحكومات والدول.

○ تعامل النبي (ص) مع مخالفيه: 
بالإلتفات إلى السيرة المطهرة نجد أنّ النبي (ص) -كما نعلم- تقبّل غير المسلم في المدينة واحترم عقيدته وديانته، واحترم وجوده، ولم يكره أحد منهم على الإسلام. وحتى اليهود لم يحاربهم (ص) إلاّ عندما أعلنوا الحرب، ونقضوا العهد، حاربهم دفاعاً عن كيان ووحدة الأمة الإسلامية.
◦ ونجد أنّ نهج أهل البيت (ع) كان نهجاً اعتمد على حفظ وحدة المسلمين والكيان الإسلامي, حيث أنَّ الأئمة (ع) رجّحوا وحدة المسلمين على حقهم في الخلافة إبتداء من أمير المؤمنين (ع).
◦ كما أنّ التاريخ الإسلامي يكشف عن التعايش الإيجابي الكبير بين السنة والشيعة في عدد من الدول الإسلامية، حتى بات التعايش بين هاتين الطائفتين في القرن الأول والثاني والثالث، بل الرابع والخامس أيضاً في المدينة والكوفة والبصرة وإيران مثالاً يحتذى به، كما إن هذا اللون المفرح من التعايش بينهما طيلة القرون المتمادية في لبنان وإيران، والكويت، والعراق وغيرها، عزز فكرة الإنسجام والترابط بينهم.
◦ ولو أن هذا التاريخ في بعض فصوله حافل بخلافات ونزاعات شتّى، إلا أن الحقيقة أنّ هذه الإختلافات كانت خارجة عن المسيرة الطبيعية للعلاقة بين الإثنين، وإنما نشأت نتيجة ظروف خاصة وتدخل خاص بتأجيج من بعض المتطرفين.


 أخيرا"
لقد باتت مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتوحيد صفوف الأمة أمام أعدائها أملٌ من الآمال التي يتطلّع إليها جميع المخلصين في الأمة على امتداد ساحاتها.
◦ فبفضل الإمام الخميني (رض) وثورته المباركة، عادت الأمة إلى قوتها وحيويتها، وترسّخ مفهوم الوحدة بل تجذّر في قلوب أبنائها وشهدت مجتمعاتنا الإسلامية دفعاً ونهوضاً عظيماً؛ ثقافياً وسياسياً وعسكرياً، تداعت على أثره مشاريع قوى الصهيونية والإستكبار في المنطقة. وحيث كانت الضربة الكبرى التي قسمت ظهورهم هي أن تلك  الفئة القليلة المتمثلة بأبناء المقاومة الإسلامية, أبناء حزب الله على أرض الجنوب اللبناني هزمت الجيش الصهيوني الذي كان يدّعي أنه لا يقهر ولا يهزم وأركعته ومرغت أنفه في التراب.
◦ وحيث أعقب ذلك  تنبّه القوى الشيطانية التي إنتفضت مذعورة، عاملة على استخدام المكر والإنحراف الإسلامي المتمثل بالتكفيريين المتطرفين لإشعال النزاع الطائفي البغيض بين السنّة والشيعة؛ جناحا الأمة, والطرفان اللذان استطاعا بلورة أشجع المواقف ضد الإحتلال الإسرائيلي. ففي لبنان حققت المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله أكبر إنتصار عسكري عربي ضد الكيان الصهيوني الغاصب، في حرب تموز 2006، وحيث تزامن مع ذلك تعمق الشعور في الأوساط الفلسطينية بضرورة التصدي للإحتلال وعدم المساومة مهما بلغت التضحيات.
ورغم الأحداث الهائلة وشلال الدم الزاكي الذي شهدته غزة الصامدة والصابرة على جراحها، إبان العدوان الوحشي الهمجي الذي شنّه العدو الصهيوني في أوائل العام 2009، فقد تُوّج هذا العدوان بإنتصار الإرادة الثابتة والعزم الكبير للشعب الفلسطيني الأبي بكامل مجاهديه رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً.
غير إن ما ينبغي الإلتفات إليه, هو إن المقاومة الفلسطينية بكامل فصائلها في غزة، عندما نهضت وصمدت وضحّت لم تفعل ذلك دفاعاً عن طائفة، وإنما دفاعاً عن الأمة كلها عرباً ومسلمين.
وأن حزب الله في لبنان عندما خاض معركة الكرامة ضد إسرائيل، لم يفعل ذلك دفاعاً عن طائفة دون أخرى, وإنما دفاعاً عن قضايا الأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين.
وعندما أصّرت الجمهورية الإسلامية في إيران على رفض أي لون من الوان  الإعتراف بالكيان الإسرائيلي الغاصب ودفعت ثمن ذلك غالياً حتى الآن إنما كانت تنظر بعين المسؤولية إتجاه دين الله.  
في ذكرى المولد النبوي الشريف, علينا أن نجد السبيل إلى وحدة أمتنا التي هي مصدر قوتنا الثقافية، والسياسية، والإقتصادية، والأمنية، وأن نعمل جادين على رفع لواء التقريب، ونعمل على التخطيط لحل مشاكلنا ونصرة قضايانا, فقضية القدس الشريف وفلسطين هي قضية الأمة، وينبغي أن تتوحد الأمة كل الأمة خلفها وصولاً إلى تحرير الأرض الطاهرة من براثن الصهيونية والاستكبار.
وعلينا دائماً وأبداً أن لا ننسى الأخاء الذي أتت به رسالة محمد (ص) والنداء الإلهي «واعتصموا بحبل الله جميعا" ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا» (آل عمران 103)
صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم والحمدلله رب العالمين


 كلمة ألقتها الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الثاني والعشرون للوحدة الاسلامية والذي يقيمه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، وذلك بتاريخ 13-15 آذار 2009 الموافق لـ 15-17 ربيع الأول 1430


التعليقات (0)

اترك تعليق