الكلمة التي القتها الحاجة عفاف حكيم في المؤتمر الدولي الـ 24 للوحدة الاسلامية / طهران 2011 م
الإسلام دين الرحمة والمحبة والإخاء
قال تعالى:«يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وانتم مسلمون• واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا» ( سورة آل عمران/ 102 -103).
يمثل الإيمان قاعدة انطلاق كبرى في العلاقات البشرية، لكونه يخرج الناس من أتون العداء والشحناء والبغضاء, إلى رحاب الرحمة والمحبة والإخاء، ولذا يذكّر الله تبارك وتعالى المؤمنين عبر الآيات الكريمة بهذه النعمة، التي قلبت حياتهم الاجتماعية رأساً على عقب، فيذكرهم بأن هذا التحول الذي يعيشونه، لم ينطلق من فراغ، ولم يحدث على سبيل الصدفة، وإنما حصل كنتيجة مباشرة لمعطيات الإيمان الحضارية، التي شكلت نقطة البدء لإنسان جديد بات يعشق القيّم، ويتطلع إلى آفاق العلم والمعرفة, ويسعى إلى إحراز تقوى الله.
إنّه الإنسان الذي هجر العصبية، والعنصرية، وانتفض على رواسب الجاهلية رغم استفحالها، وهبّ ممتشقاً سلاح القيم الربانية، التي استحوذت على العقول والقلوب، بعد أن تصدرت سلّم الأولويات في اهتمامات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل البيت(عليهم السلام).
وإنّ مجتمعاً بهذه الكيفية والتطلعات، لا بد له بالضرورة من توفر رابط يربط بينه وبين ربّه ورسالته من جهة، ويربط بينه وبين سائر أفراد المجتمع من جهة أخرى.
وإنّ من أهم الروابط التربوية والروحية التي يحتاجها هذا المجتمع بعد الإيمان بالله تعالى والدين هي نشر قيم الرحمة والمحبة والأخوة، التي تشكل الدعامة القوية التي يقوم عليها البناء، باعتبار أنّ هذه القيم من منظور الإسلام هي بمثابة الروح في الجسد، الذي لا يمكن له أن يستغني عنها.
السيرة النبوية المطهرة وترسيخ القيم
تعتبر السيرة النبوية المطهرة بمثابة العمود الفقري لرسالة الإسلام التي حملها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المجتمع البشري كافة. فكانت الوسيلة الفاعلة والمؤثرة للأسوة والقدوة والتأسي بصاحب الرسالة العظمى(صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت المعيار لحياة المسلم. فهي السراج الوهاج في شؤون الحياة البشرية كلها بحيث يرى فيها كل إنسان صورته وروحه وقوله وعمله وخلقه وأدبه, وإنّ من يتتبع أحداث السيرة النبوية في مكة أو المدينة المنورة ويدرس الجهود الموفقة التي بذلها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الإصلاح والتأسيس والبناء للمجتمع المسلم والدولة الإسلامية, يجد أنّ من أبرز الخطوات التي قام بها (صلى الله عليه وآله وسلم) هي تركيز المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، على ضوء ما حددته التعاليم الربانية، لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره, على نحو تحقيق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه.
ومن هنا ندرك عظمة وأهمية ما نملك، فخلق المسلم وآدابه آداب ربانية مصدرها الوحي, ولذلك فهي ثابتة ومثل عليا، تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه، إنها أخلاق عملية هدفها التطبيق الواقعي وبيان طرق التحلي بها, وإن مصدر الإلزام فيها هو شعور الإنسان بمراقبة الله تعالى له.
غير إننا هنا وبهدف تعميم روح الألفة بين قطاعات الأمة نتوقف مع القيم الثلاث التي ساهمت بتكوّن ونهوض خير أمة أخرجت للناس.
أولاً: الإسلام دين الرحمة
قال تعالى وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة».(الحديد/ آية 27).
وقال تعالى في وصفه لرسول الله والمؤمنين الذين كانوا معه (صلى الله عليه وآله وسلم):«محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم».(الفتح/ آية 29).
ثانياً:الإسلام دين المحبة
لا يوجد دين حمل السعادة لمعتنقيه كالدين الإسلامي.
ففي الجانب الاجتماعي يطرح عنوان المحبة, ويعبر عنه بأنه لب الدين وحقيقته وجوهره, فالحب في الله والبغض في الله يمثلان التوحيد ونفي الشرك لأساسيات هذا الدين, لذلك تعددت الروايات التي عبّرت عن أن الحب هو الدين, فعن الإمام الباقر(عليه السلام):"وهل الدين إلا الحب", وقال تعالى:«حبب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم»(الحجرات/آية7).
وقال تعالى أيضاً:«إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله»(آل عمران/آية31)
فالحب لله تعالى أساس ومحور في حياة الإنسان المسلم فهو أساس لكل حب آخر لذا لا بد أن يكون أشد من أي حب آخر في حياته .
«قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين»(التوبة/ آية24).
ثالثاً:الإسلام دين الإخاء
الأخوة هي أقصى درجات القرب فيما نعرف من وشائج الصلة المتقابلة بين الناس, والتعبير عن العلاقة بين المؤمنين بالأخوة يرسم عمق هذه الصلة.
قال تعالى:« إنما المؤمنون إخوة»(الحجرات/آية 10).
فأفراد هذه الأمة, أعضاء في أسرة واحدة يشملهم ما يشمل أعضاء الأسرة الواحدة من التضامن والتعاون والتعاطف.
تعميم روح الإخوة والمحبة بين قطاعات الأمة
لا شك بأن كل مؤمن صادق الإيمان يتمنى من أعماق نفسه أن يرى أمته ومجتمعه متوحداً متماسكاً بعيداً عن الصراعات والنزاعات, بعيداً عن روح الطائفية الضيقة وفقدان حالة الرحمة والتسامح والمداراة الإسلامية.
فمسؤولية الجميع الشرعية هي الحفاظ على هذا الدين في مقابل ما نواجه من هجمة, نائين بأنفسنا ومحيطنا ومجتمعنا بعيدا عن التعصب والعصبية والتكفير, عاملين على بذل الجهد في الخطاب والتوجهات إلى مواجهة المتسللين والمنحرفين الذين يعملون على تمزيق الأمة بشعاراتهم وأعمالهم المسيئة للإسلام والمسلمين والتي تصب في مصلحة المستكبرين وأغراضهم وأهدافهم.
كما لا بد لعلمائنا المخلصين من أخذ دورهم بالتصدي لرسم أولويات المرحلة ولتوعية الناس من حولهم من اجل أن يساهم الجميع في حفظ مصالح الأمة ووحدتها, أولوية تحكم الخطاب والأفكار ومنهاج العمل والخطوات.
فالجمهورية الإسلامية اليوم بقيادة السيد القائد الخامنئي وفاعلية الرئيس الدكتور أحمدي نجاد هي بحمد الله تعالى تقوم بكل إمكانياتها بتعزيز هذا المبدأ الذي أحياه الإمام الخميني(رض) وجعله أولوية.
فهذا الإمام العظيم الذي كان مشبعاً بالإسلام كان طرحه وتفكره بحجم الإسلام-كما رأينا- وليس بحجم مذهب أو فئة.
كان يرى الأمة باتساع كل مكوناتها, فالسنة والشيعة بحسب رؤيته يشكلون الإسلام الواحد, وهم هدف واحد لأعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر والذين لا يفرقون بين مسلم وآخر أي يكن مذهبه وهو يقول في هذا المجال:"إن الذين يريدون إيجاد التفرقة بين إخواننا أهل السنة والشيعة أنهم يعملون لصالح أعداء الإسلام ويتآمرون لصالحهم. ويريدون تحقيق غلبة أعداء الإسلام على المسلمين، يجب أن نكون يقظين, وأن نعلم أن هذا الحكم«إنما المؤمنون أخوة» هو حكم الهي انهم أخوة وليست بينهم حيثية غير الأخوة وأننا مكلفون جميعا بالتعامل كالإخوان, وأنه يجب أن يحترز الأخوة السنة والشيعة عن أي اختلاف. إن اختلافنا اليوم هو فقط لصالح أولئك الذين لا يعتقدون لا بالمذهب الشيعي ولا بالمذهب الحنفي ولا بسائر الفرق الأخرى.
لقد أدرك الإمام(قده) ببعد نظره وبفهمه للإسلام مدى أهمية مظهر الوحدة في تأليف المسلمين والتقريب فيما بينهم فقام من منطلق كونه مرجع تقليد أولاً.
ثم من موقعه كولي لأمر المسلمين وقائد لهم-حينذاك- بإصدار فتواه الشرعية المتعلقة بالحج ومفادها: حرمة إقامة صلاة الجماعة في غير أماكن إقامتها الشرعية، وأماكن إقامتها الأساسية هي الحرم المكي والمساجد العامة المحيطة به, فإذا أراد الحجاج أن يقيموا صلاة الجماعة فعليهم أن يصلوا مع جماعة المسلمين, ويأتموا بالأئمة المكلفين بإمامة الصلاة إلى أي مذهب انتموا وهذا الحكم يفيد حرمة إقامة صلاة في المنازل والفنادق وأماكن السكن.
والهدف الأساسي لهذا الحكم الشرعي الذي قال به الإمام الخميني هو إظهار وحدة الأمة الإسلامية.
لقد نقل الإمام الخميني بهذه الفتوى مسألة التقريب من الإطار النظري إلى الإطار العملي, كيف لا وهو الذي يملك سلطة الأمر باعتباره حاكماً وولياً لأمر المسلمين يومذاك.
هذا النهج نفسه يتابعه اليوم أيضاً سماحة الإمام السيد القائد الخامنئي (دام ظله) ويضعه في سلم أولوياته.
وقد رأينا في الأشهر الماضية كيف كان تأثير وصدى الفتوى التي أطلقها سماحته على مستوى الأمة بأسرها، والذي كان بخصوص تحريم الإساءة لزوج النبي الأكرم وإلى الرموز الإسلامية لإخواننا من أهل السنّة.
أخيراً مسؤولية المخلصين في الأمة
1. إن المطلوب من أبناء الأمة المخلصين اليوم رجالاً ونساء هو أداء التكليف الشرعي، بتطبيق مفهوم الوحدة الإسلامية كواجب عيني للحفاظ على الإسلام والمسلمين وإعطائه الأولوية بحركتنا وعملنا اليوم.
2. امتلاك وضوح الرؤية لمواجهة الصراع، وتحديد معرفة العدو من الصديق وتوضيح ذلك للأمة عبر كل الوسائل المتاحة.
3. إحياء روح الثقة بالنفس لدى كافة أفراد الأمة وإعادة روح العزة للمسلمين وتثبيت الثقة بالله تعالى الذي وعد هذه الأمة بالنصر والعزة «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» ( محمد/آية 7)
4. العلماء كما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هم ورثة الأنبياء، لذا لا بد لهم من اخذ دورهم الحقيقي الهام وتحمل مسؤولياتهم الشرعية في الدعوة إلى الوحدة، إنهم صمام أمان هذه الأمة وقد تحملوا ولا زالوا يتحملون مسؤولية توحيد الأمة وتوجيهها فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) "مثل العلماء كمثل النجوم في السماء, يهتدي بها من ظلمات البر والبحر, فإذا انطمس النجوم, أوشك أن تضل الهداة".
فهم الأساس في توجيه الأمة وتوحيدها وكشف مخططات الاستعمار ودسائسه، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية إعادة الحالة المذهبية إلى وضعها الطبيعي، عبر البحث عن المساحات المشتركة التي تلتزم بها جميع المذاهب الإسلامية وما أكثرها.
5. تعزيز قيم الرحمة والمحبة والإخاء في مجتمعاتنا، لكونها تشكل القواعد المنظمة للسلوك، ولكونها إذا اجتمعت أوجدت تلك الألفة الروحية واللمسة الإلهية التي يقذفها الله تعالى في قلوب الأصفياء من خلقه والأتقياء من عباده.
فهذه القيم الإنسانية والإسلامية السامية, هي القوة الدافعة التي حركت كما رأينا قبل أسابيع ثورة الشعب التونسي، ومن ثم ثورة الشعب المصري وشبابه البواسل. وهي التي تقف كما نلاحظ وراء كل التضحيات الجليلة لمجاهدينا العظام على أرض فلسطين ولبنان, وهي التي مكنت جماهير المقاومة من الارتفاع والصمود رغم الأهوال والدمار الذي صبته ترسانة العدو الصهيوني.
فهؤلاء العظماء من الرجال والنساء،الذين اشتعلت قلوبهم بحب الله والرسول وآل بيته(عليهم السلام) اندفعوا نحو ساحات التضحية والبذل لعطاء بغير حساب.
اترك تعليق