مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

قراءة في كتب الشهيدة بنت الهدى

قراءة في كتب الشهيدة بنت الهدى

تجاوزت الشهيدة بنت الهدى، الهموم الشخصية التي تستنزف القدرات البشريّة إلى الهموم الرساليّة. وقد كتبت في الأعداد الأولى لمجلة الأضواء، التي تشرف عليها جماعة العلماء في العراق، كتبت نداء حارا تطالب فيه المرأة بالعمل ومشاركة الرجل المسؤولية.
وقد اعتبرت الشهيدة، هذه المجلة طريقا للوصول إلى المسلمات، فتقول عن المجلة (تستطيع أن ترفع عن كاهلي بعض ما أحسه من مسؤولية تجاه ديني أولا وبنات جنسي ثانيا).
وكما عاشت الشهيدة الهمّ الرسالي في حياتها، عاشته في مؤلفاتها وكتبها.
فقصائدها ذات مضامين عالية يستلهم منه المؤمنون في عملهم، وهذا من معين أدبها الهادف.
أنا كنت أعلم أن درب الحقّ بالأشواك حافل
خال ٍمن الريحان ينشر عطره بين الجداول
لكنني أقدمت أقفو السـير في خطو الأوائل
فلطالما كان المجاهد مفردا بين الجحــافل
ولطالما نصر الإله جنوده وهم القلائـــل
فالحق يخلد في الوجود وكل ما يعدوه زائل
سأظل أشدو باسم إسلامي وأنكر كل باطل


وقد تكرست مؤلفاتها لخدمة المسيرة الإسلامية، ونستعرض خلاصة ما جاء في قصصها:

ففي كتاب (امرأتان ورجل) طرحت شبهات وإشكالات، ترد على عقيدتنا ثم ردّتها بقوة الدليل وقطعية البرهان وبصياغة أدبية رائعة عن طريق المراسلة بين سائل حائر ومجيب واع. وتعلّم القصة في نفس الوقت أن المؤمن الواعي يحسب لكل شيء حسابا، فحتى المراسلة يجب أن تكون هادفة وأن تمتزج فيها العواطف بالفكر المعبر وأن تكون مشعل هداية للمرسل إليه.

وكتاب (لقاء في المستشفى) فيه دحض لفلسفات مادية بطريقة سلسة مفهومة، على شكل حوار يشد القارئ لأنه يترقب العلاج لأحداث عائلية واجتماعية من صميم الحياة اليومية.

وكتاب (الخالة الضائعة) فيه مجموعة قصص تبين عدة مفاهيم لتنظيم الحياة الأسرية والاجتماعية وهذه المفاهيم حسب تسلسل القصص.
إن انتهاج المبنى الإسلامي في تربية الأبناء له آثاره الايجابية في الحياة، بعكس اختيار المسلك اللا إسلامي، حيث ستكون نتائجه سلبية ويسبب شقاء الأبناء والآباء على حدّ سواء.

أن المؤمن يسعى في حياته وراء هدف وهو رضا الله سبحانه وتعالى، وما دام الإنسان واثقا من تحقق هذه الغاية فلا يزهد في سعيه مهما كانت ردود الفعل التي تواجهه ولو لم يجد إنسانا واحدا يستجيب إليه.
على المؤمن أن ينتهج النهج الرباني في التقييم وأن لا يهتم بالشكليات وإن الكمال لا يأتي من طراز المعيشة والملبس. وإن الهدايا هي الأخرى ينبغي أن لا تكتسي طابعا ماديا، وما الهدايا إلاّ تعبير رمزي عن المحبة. ووصلة خير بين الأحبة.
يكون اختيار الشريك المناسب، بالترفع عن الماديات التي شوهت مفهوم العلاقة الزوجية المقدسة التي أوجدها الله تعالى لتكوين لبنة صالحة يترعرع في جنباتها جيل خير من الأبناء.
وإن السعادة الزوجية لا تعتمد على المال والجاه والمقام ولكنها تنطلق من زاوية التقارب الروحي والفهم المشترك لحقيقة الحياة.
على الزوجة عدم تحميل الزوج والأسرة، المتاعب المالية والنفسية والضغط على البيت، من أجل حب الظهور أمام الوسط النسوي والتصنع من اجل المباراة بالمظهر الخارجي.
الدعوة إلى عدم الضعف أمام الشهوات والاستجابة لنداء الضمير الذي يأبى على الإنسان التفريط بنعيم دائم من أجل لذّة وقتية.
إن الحرية هي التي تعطي معنى الحياة.
وإن المؤمنين هداة فيما بينهم. والمؤمن لا يُمنى بخسارة مهما قدم من تضحيات، لأن الله يعوضه بالرضا والرضوان، وهذا التعويض الرباني يحول مرارة الحياة إلى حلاوة، ويساعد المؤمنين على تحمّل الآلام فلا يصيبهم اليأس والاستسلام.
والعمل الناجح هو الذي يحمل مقومات البقاء والاستمرار. وإن الإيمان هو أساس الاطمئنان النفسي. والمؤمن عندما يسير في طريق الله عليه أن يعرف أن الوصول إلى النهاية ليس بالأمر الهيّن، وأنه بحاجة إلى المزيد من البلورة الروحية والإعداد.
إن الإنسان كما يسلم جسمه لطبيب جراح ليتخلص من آفة تنهك جسمه كذلك عليه أن يسارع للتخلص من الآفات الروحية التي تحول بينه وبين السعادة.

وأما كتاب (ليتني كنت أعلم) فهو يتضمن مجموعة من القصص الهادفة في تربية النفس وعلاج بعض الأمراض الروحية وخلاصاتها كالتسلسل:
• على الإنسان أن يذكّر نفسه دائما أن وراءه محكمة عادلة حتى لا يقع في الغفلة والنسيان.
المستوى الإيماني أهم شيء في اختيار الزوج.
المؤمن بقضية يدافع عنها بكل إخلاص ولو كلّفه ذلك حياته.
على الإنسان أن يحاسب نفسه قبل المثول بين يدي حاكم عادل حيث لا إنكار ولا مغالطة ولا موارية.
إن الفقير الحقيقي هو الذي يتأرجح كيانه الاجتماعي على كفة ميزان المادة فهو يرتفع مع ارتفاع أرقام ما يملك وينزل مع هبوط رصيده الخاص، لذلك فهو فقير إلى الأموال التي تسند وجوده.
على المرء أن لا ينظر إلى المحن من جانب قساوتها وفداحتها. وإنما ينظر إلى الدروس والفوائد المعنوية التي تعطيها لكي يتمكن الإنسان من استقبالها بصدر رحب وعزيمة لا تلين.
إن الإنسان لا يتكامل إلا بعد المرور بمختلف التجارب والمحن.
يجب أن يكون التعامل مع الدنيا، من حيث هي الطريق الذي يمهد إلى رحمة الله ورضوانه. والدنيا هي أيام تجربة وفترة اختبار للحصول على درجات أعلى. ومن هذا الجانب يتعلق الإنسان بها، ومن الجانب الآخر ينفر منها لحبائل غدرها وشرور كيدها.
من الصعب أن يغامر الإنسان بحياته الزوجية، بان يختار شريك غير كفوء من الناحية الفكرية والروحية، زاعما أن الحب سوف يتغلب على التباعد الفكري والروحي، لان الحياة الزوجية بناء مقدس لا يمكن أن يرتفع على أساس مضعضع.
يجب أن يكون الاهتمام في العمل من أجل الله، وأن يعالج الإنسان الأحداث ببساطة حتى لا تسمح الروح للآلام أن تعشعش فيها. وما أسعد الروح وهي ترتفع عن الدنيا لتكتمل بنور الإيمان.
هذه الروح تشعر بالرضا دائما وتهون عندها الصعاب وتجعل وجه صاحبها يشرق بشعاع الإيمان، فلا طريق لليأس والاستسلام.

وفي فصول كتابها (صراع من واقع الحياة) بينت عدة مفاهيم إسلامية وأعطت حلولا لمشاكل نفسية واجتماعية وخلاصاتها حسب التسلسل:
العامل في سبيل الله يصمد أمام المتاعب والاستهزاءات من الذين يرزحون تحت وطأة المقاييس الخاطئة. وقد استهزئ بالأنبياء والأوصياء من قبل.
الإنسان يسير على مفترق طريقين أحدهما باتجاه اللذّة المادية الذي يفتح أبواب الدنيا بنعيمها الموهوم. والثاني باتجاه السعادة الواقعية الذي يؤدي إلى الهداية ويثبّت الأقدام.
تبيان مساوئ المال الحرام، وكيف أن الغذاء منه يملأ الجوف نارا، والكساء منه يكسي سرابيل القطران. وإن العيش القليل من الحلال أفضل من الغنى بالحرام الذي يعقبه عذاب الله تعالى.
عدم الاعتماد على المظاهر لإبراز الشخصية في المجتمع. وعدم نسيان النفس في مناسبات الفرح، وإن المؤمن صاحب مبادئ إنسانية ن فلا يدوس على قيمه ومثله بما يخالف الشرع.
الإشادة بدور اللقاءات الدينية في تثبيت الدين ومعرفته، وإن على المؤمن تهيئة سبل الهداية للآخرين، ثم تتطرق في القصة إلى أهمية الحجاب في المجتمع. وتدعو القارئ أن يكون الحوار والنقاش للدفاع عن الحق، وبأسلوب هادئ مؤدب.
وإن جوهر الإنسان هو الفكر وما وسائل الحياة إلا أشياء عرضية زائلة.
كما وتحذر القصة، الخيرين من الزهد بالخير والإحسان لمواجهة الآخرين لهم، بنكران الجميل، وإن الله تعالى يحفظ للإنسان، أجر ما فعل من خير وإحسان. كما وتعلم القصة كيف يكون الإنسان دائم القرب من الله وذلك بالإخلاص له تعالى.
في القصة تذكر الشهيدة بنت الهدى عدة حالات نفسية مرضية تعاني منها فتاة مسلمة فقد فقدت حالة الأمان وسيطر عليها القلق فقضى على إرادتها واستسلمت لليأس وعاشت في حيرة حولت حياتها إلى جحيم وتعطلت جميع نشاطاتها اليومية. وهي حالات ليس بالغريبة على مجتمعنا، ثم تعالج (رض) الحالات بواسطة إنسانة مؤمنة، انتشلت تلك الفتاة من أمراضها وجعلتها تتغلب على اليأس، برجاء الله تعالى، وعلمتها أن المؤمن يتحكم بعواطفه ويسيطر عليها بزمام الإرادة.

وأما كتاب (الباحثة عن الحقيقة) فقد طرحت فيه مسألة جوهرية في الدين، فهو ليس مجرد رموز ونعوت تملى من قبل الأهل، ولا هو مجرد النطق، بالشهادة، وإنما هو عقيدة ونظام.
وما من شيء يحقق السعادة سواه، وحتى العلم، لأنه في الوقت الذي يوفّر أسباب الراحة، عندما يتحكم عامل الخير به، يوفر كذلك الشقاء عندما يتحكم به عامل الشرّ.
وفي هذه القصة بينت رؤى الإسلام على لسان عالم دين، حتى تضع، في نفس الوقت علماء الدين أمام مسؤولياتهم، وفي قصتها هذه يقوم العالم بهداية شابين تربطهما علاقة حب، ويكتنف هذه العلاقة نوع من الغموض وتتوالى الأحداث لتشد القارئ، حيث لا يبقى كدر، على تلك العلاقة التي اشتدت أواصرها بفهم حقيقة الإسلام فعاشا في أسعد حال.

من خلال هذا الاستعراض السريع وجدنا كيف كرّست الشهيدة بنت الهدى ذوقها الأدبي في خدمة الدين، فجسّدت في قصصها، المفاهيم الإسلامية بشكل أحداث وقضايا من واقع الحياة وهي تؤمن بأن هذه الطريقة تقدم عطاءا أكبر، من حالة طرح المفاهيم على المستولى النظري.
فالشهيدة بنت الهدى في مؤلفاتها وخلال محاضراتها وحواراتها وكل حياتها عاشت الهموم الكبيرة وعبأت قواها وطاقاتها للجهاد ضد التخلف والانحراف.


المصدر: موقع العراق.

التعليقات (0)

اترك تعليق