مواقف الشهيدة بنت الهدى الجهادية
تُعدّ الشهيدة بنت الهدى رحمها الله رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق، فلم تتصدّ لهذا العمل ولم تقم بمهامّه غير السيّدة آمنة الصدر، في الوقت الذي تصدّى للعمل الإسلامي في أوساط الرجال عددٌ من العلماء والمفكّرين والشباب الملتزمين.
فلم تكتفِ الشهيدة رحمها الله بأن تُجاهد بلسانها وكتاباتها، بل تعدّته إلى أكبر من ذلك، حيث عاشت مع الحركة الإسلامية التي نظّمها وسيّرها وقادها أخوها المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه. كانت مع الحركة الإسلامية منذ انبثاقها، وما مشاريعها الإجتماعية، ونشاطاتها الثقافية إلاّ جزءا من الحركة الإسلامية المنظّمة.
عاصرت الشهيدة بنت الهدى عدّة أحداث سياسية هامة:
منها: اعتقال الحكومة العراقية المجرمة للشهيد الصدر في مستشفى الكوفة عام 1972م.
ومنها: أحداث عام 1974م، حيث اعتقل عدد غفير من كوادر الحركة الإسلامية في العراق، وإعدام خمسة منهم.
ومنها: أحداث عام 1977م، حيث انتفضت مدينة النجف الأشرف، تلك الإنتفاضة الحسينية الجماهيرية التي أرعبت نظام بغداد، ممّا حدى بهذا النظام أن يعدم عدداً من الشباب الحسينيين الأبرياء بحجّة خروجهم على القوانين وإثارتهم الشغب، واستدعت الحكومة آنذاك الشهيد الصدر إلى بغداد وعاتبته على عدم تلبية طلباتهم في شجب هذا الأعمال واستنكارها.
وكانت الشهيدة رحمها الله تعيش عن قرب من هذه الأحداث، حيث منحتها حسّاً سياسياً تستطيع بواسطته إدراك ما يجري حولها، وما سيؤول الأمر إليه.
ومنها: أحداث عام 1979م، هذا العام الذي شهد تحرّكاً سياسياً واسعاً في العراق، حيث جاءت الوفود ومن شتى أنحاء العراق مجدّدة البيعة للإمام الصدر، طالبة منه المسير قدماً في تطبيق حكم الله في الأرض، فأحسّت حكومة بغداد بخطورة الموقف وتفاقمهِ، وخوفاً من أن يفلت زمام الأمر منها أقدمت على اعتقال السيد الشهيد الصدر في 19 رجب.
فقد بدأت مسيرة المواجهة الجهادية للسيدة الشهيدة(بنت الهدى) منذ الاعتقال الأول للسيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه عام 1971. حيث اقتحمت قوات الأمن المجرمة منزل السيّد الشهيد ولم يكن فيه إلاّ المرحومة والدته وزوجته وأطفاله وأخته الشهيدة بنت الهدى وخادمه محمد على محقق، وكان رضوان الله عليه في ذلك الوقت تحت العلاج في مستشفى النجف. وهنا كان دور بنت الهدى في حماية بيت الشهيد الصدر والدفاع عن الصبية والأطفال من الوحوش الكاسرة، ذلك عن السّيد الشهيد ليس له من الأولاد إلاّ السيد جعفر حفظه الله وكان صغيراً أما الباقي فهن بنات صغيرات هنا حفظت الشهيدة الأسرة وأدت الواجب وذهبت إلى المستشفى لعيادة أخيها وتفقد حاله ولم تأبه لقوات الإرهاب والإجرام التي كانت تطوقه ودخل اسمها سجلات الأمن لتبدأ صفحات المواجهة الحقيقة التي انتهت بالاستشهاد.
ثم عندما جاءت انتفاضة صفر عام 1977م- 1397 وتعرض السّيد الشهيد رضوان الله عليه للاعتقال وكانت تلك الأيام عصيبة على تاريخ النجف حيث عمّ الخوف والرعب في كل مكان وكان حشود السلطة في كل مكان وكان يعتقل كل من يقع في قبضتها أما بنت الهدى فكانت البطلة التي وقفت دون خوف في رباطة جأش وشجاعة غريبة حتى عاد السيد رضوان الله عليه من بغداد.
وفي رجب عام 1979م – 1399هـ بدأت قوات الأمن المجرمة تتواجد بكثافة لتطوّق منزل السّيد الشهيد الصدر تمهيداً لاعتقاله كانت رحمها الله تراقب الحشود المجرمة بين الحين والآخر وقالت سيعتق السيد في الصباح، ذهبت إلى غرفتها ثم جاءت بمجموعة من الصور والرسائل فقالت أريد أن احرقها لكي لا تقع بيد السلطة فوضعتها في صفيحة وحرقتها في سطح الدار، وأبقت مجموعة صغير منها كان تعتز بها. ثم جاء مدير أمن النجف واجتمع بالسيد الصدر فاستمعت للحوار الذي دار بينهما وعندما خرج الشهيد مع مدير أمن النجف خرجت معه وإذا بها تقف عند سيارة الاعتقال قائله في خطبته: الله أكبر... الله أكبر.
انظروا –وأشارت إلى الجلاوزة المدججين بالسلاح ورشاشات الكلاشنكوف– أخي وحده بالسلاح –بلا مدافع بلا رشاشات أما أنت فبالمئات مع كل هذا السلاح، هل سألتم أنفسكم لِمَ هذا العدد الكبير؟ ولِمَ كل هذه الأسلحة؟
وأخذت تنظر إليهم نظر المنتظر الجواب تتلفت يمينا ويساراً ثم قالت: أنا أجيب، والله لأنكم تخافون ولأن الرعب يسيطر عليكم ولأنكم تعلمون أن أخي ليس وحده، كل العراقيين معه وقد رأيتم ذلك بأعينكم وإلا فلماذا تعتقلون فرداً واحداً لا يملك جيشاً ولا سلاحاً بكل هذا العدد من القوات.
إنكم تخافون ولولا ذلك لما اخترتم اعتقال أخي في هذا الوقت المبكر في هذا اليوم.
ألستم تزعمون إن الناس معكم وفي حزبكم؟ ممن تخافون؟ وممن تخشون؟ اسألوا أنفسكم من تخدعون؟ أنفسكم أم الناس؟! إننا والله لا تخاف من شيء ولا منكم ولا من غيركم، لا نخاف من سجونكم ومعتقلاتكم ومرحبا بالموت إذا كان في سبيل الله، ثم خرجت الشهيدة بعد ذلك إلى حرم أمير المؤمنين(ع) لتخبر الناس باعتقال السّيد رضوان الله عليه.
يقول المؤلف: "قلت لها يجب أن تتريثي حتى تعرفي ما يجري للسّيد لعّل السلطة تطلق سراحه ويعود، ثم إن خطابك وتحديك للسلطة فتح صفحه جديدة في ملفات الأمن وقد يؤثر ذلك على السيد نفسه".
قالت: "إن المسؤولية الشرعية والواجب الديني يفرض عليّ اتخاذ هذا الموقف يجب أن أفعل شيئا هل خلقنا لنأكل ونشرب؟ إن زمن السكوت قد ولى لابد أن نبدأ صفحه جديدة من الجهاد والصراع، إن النظام بات يسقط بالسكوت، لقد سكتنا طويلاً وكلّما سكتنا كلّما كبرت محنتنا لماذا أسكت وأنا أرى مرجعاً مظلوماً يقع في قبضة هؤلاء المجرمين، ألم ترهم وقد تجمعوا عليه كالحيوانات المفترسة؟ لِمَ أصبر؟ إن اليوم يوم جهادنا".
قلت لها: إن ما قد يصدر منك في الحرم قد يؤدي بك الإعدام.
فقالت: الله يشهد إني أتمنى الشهادة في سبيله، لقد قررت أن استشهد منذ اليوم الأول الذي جاءت فيه الوفود فأنا أعرف هذه السلطة متوحشة، قاسية، مجرمة، لا تفرق بين رجل وامرأة، صغير أو كبير أما أنا فسواء عندي أعيش أو أقتل مادمت واثقة عن مطلبي هو رضا الله سبحانه ومن أجله عز وجل. وبعد ساعة وقفت رضوان الله عليها عند قبر أمير المؤمنين ونادت بأعلى صوتها: "الظليمة.... الظليمة... يا جدّاه يا أمير المؤمنين لقد اعتقلوا ولدك الصدر، يا جداه إني أشكو على الله وإليك ما يجرى علينا من ظلم واضطهاد".
ثم خاطبت الحاضرين فقالت: "أيها الشرفاء المؤمنون هل تسكتون وقد اعتقل مرجعكم؟ هل تسكتون وإمامكم يسجن ويعذب؟ ماذا ستقولن غداً لجدي أمير المؤمنين إن سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم؟ اخرجوا وتظاهروا واحتجوا".
فجاءها أحد خدّام الحضرة الشريفة وكان متعاوناً مع السلطة فحاول منعها أثناء ندائها وصرختها، فنهرته وصرخت بوجهه وقام إليه بعض من كان في الحرم فانهالوا عليه بالضرب فولى هارباً.
وما أن شاع خبر اعتقال السيد الصدر حتى هرعت بنات الزهراء بالعشرات إلى منزل السّيد متحديات السلطة وقوات الأمن التي كان تطوّق المنزل وكثير منهن ممن شاركن في المظاهرة الاحتجاجية التي انطلقت من الحرم الشريف أو ممن جئن إلي بيت السّيد الشهيد فد تعرضن للاعتقال والتعذيب واستشهد بعضهن وأخفت السلطة أثر البعض الآخر إلى هذا اليوم.
المظاهرات الاحتجاجية أجبرت السلطة على الإفراج عن السّيد الشهيد الصدر، بعد ساعات من ذلك اتصل السيد الشهيد الصدر من مديرية الأمن العامة وأخبر أهله بأنه سيصل إلى النجف بعد ساعات بعد هذا الاتصال بساعة تقريباً وكان السّيد الصدر في ريقه من بغداد على النجف اتصل المجرم (أبو أسماء) مدير الشعبة الخامسة وطلب أن يتحدث مع السّيدة الشهيدة بنت الهدى في هذه المكالمة ألهاتفيه قال لها ما هذا الضجيج والتظاهرات ضدنا؟
فقالت له: وهل تعلم ما فعلت قوات أمنكم وهل أنت لا تعلم باعتقال السيد؟! إن الناس هرعوا للاحتجاج والاستنكار على أعمالكم وتصرفاتكم.
فقال: ليس هناك ما يوجب ذلك كل ما في الأمر إن القيادة طلبت أن تلتقي بالسيد ليس إلاّ وليس هناك أمر باعتقاله فقد كان هذا المجرم مضطرب ومرتبك في حديثه فقد أخبر السلطة بالمظاهرات والاحتجاجات الكبيرة في النجف الأشرف ومدن العراق مما دعا السلطة إلى الإفراج عن السيد الشهيد.
- احتجاز السيد في بيته بعد الإفراج عنه ومنعوا دخول الناس عليه قطعوا الكهرباء والماء عن البيت، قطعوا الهاتف لكي لا يعلم أحد ما يجري من مشاكل ومصائب داخل البيت.
ولم ترهب هذه الأحداث الشهيدة بنت الهدى وكانت أكثر أهل البيت حيوية ونشاط ولم تعر الصعاب أية أهمية إذ قالت: ما أكثر الأيام التي عشتها من دون كهرباء وهاتف عشنا وتعلمنا على ضوء المصباح النفطي، أما الماء فكان قليلاً نكتفي منه بما يبرد في الكوز إنه أمر بسيط يجب أن لا نهتم به.
لكن ما يزيد همها إحساسها بالمسؤولية التي كان السّيد الشهيد يشعر بها تجاه أطفاله الأبرياء الذين يلتفون حوله وهم لا علاقة لهم بكل ما يجري، ولا ذنب لهم يستحقون عليه عقاباً، كانت هذه القضية تشغل حيزاً من تفكيره كأب مسؤول عن أسرته.
هنا كان دور الشهيدة رضوان الله عليها وما تتمتع به من مقومات تربوية وروحيه وذكاء وحكمة تنشرا أريجاً يطغي على كل الهموم وتبث ف القلوب اطمئناناً يجعلهم يشعرون وكأنهم يعيشون في سعادة غامرة وحياة هانئة، وكانت تقص عليهم قصص الأنبياء والأئمة عليهم السلام وتختار منها ما يناسب الحالة ويؤدي الغرض وتركز عليه، كانت تحكي لهم عمّا قاست هي في طفولتها من صعاب وضنك في العيش والحرمان من كل متطلبات الحياة وتمزج ذلك بدعابة وفكاهة ترسم بها على وجوههم السرور وفي الوقت نفسه كانت تدفع هؤلاء الأطفال إلى الظهور أمام أبيهم بعدم التأثر والضجر من الحصار والحرمان.
المصادر:
www.alnoor.se -1
2- www.alshuhadaa.com
3- wasat-sadr.com
اترك تعليق