القصة بشكلها الإسلامي الجديد مع الشهيدة آمنة الصدر
لم تقتصر الشهيدة بنت الهدى في عملها التبليغي على إلقاء المحاضرات والدروس، والكتابة في مجلّة الأضواء الإسلامية ـبالرغم ما لهذين المنبرين من دور كبير في توعية الفتيات المسلمات وجعلهنّ أقرب إلى عقيدتهن ورسالتهن الإسلاميةـ بل تعدّته إلى مجال أوسع ورحاب أكبر، وهو كتابة القصة الإسلامية الهادفة، والتي تستطيع بواسطتها أن تُوصل صوتها ودعوتها للحقّ إلى أكبر عدد من النساء في العالم العربي.
فبدأت بكتابة القصة، آخذه بنظر الإعتبار أولوية الهدف وثانوية الجانب الفني، مخالفة في ذلك الاُدباء العراقيين حيث يُعيرون أهمية كبرى للجانب الفني ويفضّلونه على الهدف.
وقد أشارت رحمها الله إلى هذه النظرة الخاطئة عند الاُدباء بقولها: "استحال بعض اُدبائنا مع كلّ الأسف إلى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا أقل، أفكارهم غريبة عنهم، بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم، تستهويهم الصيحة، وتطريهم النغمة، وتسكرهم الرشفة، فيغنّون بأمجاد الأعداء وهم في غفلة ساهون، ويهلّلون للأفكار السامّة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئاً، قد تشبّعوا بالثقافة الأجنبية التي أدخلها الإستعمار إلى بلادنا منذ عهد بعيد، وهي التي انحرفت بجيلنا الناشىء ذات اليمين وذات اليسار، وحرصت على تشويه انتاجاتنا الأدبية بكلّ أشكالها ونواحيها، ومن جراء هذا الفهم الخاطىء للثقافة الدخيلة انتشر في ربوعنا مفهوم استعماري عدائي موجّه نحونا نحن بنات الإسلام بالذات"(1).
إذاً فكتابتها للقصة لم تكن عن هواية أو احتراف، بل لهدف معيّن، وهو مخاطبة الجيل الناشيء باُسلوب قصصي بسيط، وإيصال التعاليم الإسلامية إليه وبهذا الاُسلوب، وقد أشارت الشهيدة رحمها الله إلى هذا المعنى بقولها: "إنّ تجسيد المفاهيم لوجهة النظر الإسلامية في الحياة هو الهدف من هذه القصص الصغيرة"(2).
وقالت أيضاً: "ولهذا فإنّ أيّ فتاة سوف تقرأ في هذه القصص "مجموعة صراع" أحداثاً عاشتها بشكل أو بآخر، أو تفاعلت معها، أو مرّت قريباً منها".
ثم تقول: "سوف تجد في كلّ قصة الموقف الإيجابي الذي تفرضه وجهة النظر الإسلامية في الحياة، والبون الشاسع بين نظافة هذا الموقف وطهارته وتساميه، وبين الانخفاض والانحطاط الذي تُمثّله وجهات النظر الأخرى في الحياة"(3)
وقالت أيضاً: "فلستُ قصّاصة ولا كاتبة للقصة، بل إني لم أحاول قبل الآن أن أكتب قصة"(4).
وقالت أيضاً: "ما قمتُ به لا يعدو عن كونه محاولة بنّاءة لفتح الطريق وتعبيده، بغية السير في إحياء جهاز إعلامي صامت من أجهزة الإعلام التي تواكب سيرنا ونحن في بداية الطريق".
واستطاعت بنت الهدى رحمها الله ـومن خلال القصص التي كتبتهاـ أن تضع حلولاً لكثير من المشاكل التي تواجهها العوائل المسلمة في العالم الإسلامي الذي غزاه فكر الشرق والغرب.
فهي تعالج بدقة متناهية وبأسلوب لطيف مسألة الزواج، وما آلت إليه نظرة المسلمين اليوم بالنسبة لهذا الأمر المهم، حيث أصبح الزوج الأمثل هو الذي لديه ثروة طائلة أو شهادة مرموقة، أمّا الأخلاق والتمسّك بتعاليم الدين الحنيف فهي أفكار رجعية يجب محاربتها. والزوجة المثلى هي التي تملك جمالاً فائقاً وإن كان كاذباً، حيث تجلس صاحبته ساعات وساعات في صالة التجميل لتخفي وجهها الحقيقي وتَظهر بوجهٍ آخر أكثر جمالاً من واقعها العمل الإسلامي، معاناة المرأة العاملة، السخرية، التشويه، الجمال، التجميل، الحجاب. كلّ هذه عناوين لمشاكل عالجتها الشهيدة بنت الهدى في قصصها وبأسلوب مُقنع، مستعملة في ذلك العبارات السلسة، والكلمات الرقيقة.
وقد أثّرت هذه القصص أثراً كبيراً في حلّ كثير من المشاكل العائلية، وقد أقبلت الفتيات -ولا زالت- على اقتناء هذه القصص وقراءتها، وطبعت عدّة طبعات، مما يدلّ على طلب القرّاء لها.
قصة "الفضيلة تنتصر" مثال لإبداعها الأدبي المتميز:
في هذه القصة تنفذ الشهيدة إلى قلب المرآة من خلال الجانب العاطفي الذي يميزها وتضغط على هذا الزر لتصل إلى الهدف المرسوم وإثارة مشاعر الخير والفضيلة وعالجت بذلك الأسلوب الأدبي الشيق الأخطاء الاجتماعية والتقاليد والأعراف الخاطئة المتفشية في أوساطه وراحت تبرز مفاسدها بشكل مضحك ومثير تارة وبشكل عاطفي حزين تارة أخرى.
ولا يخفى على أحد أن قصصها كانت تستهوي غير المتدينات أيضاً لأنها لم تكن قصص التاريخ الإسلامي في صورته الأولى أو عن واقع الإيمان والتقوى لدى نساء العقيدة ورجالها، بل كانت قصص الواقع المعاش والحياة الاجتماعية بما فيها من مشاكل وعقبات ومصاعب يغرق المجتمع في تيارها.
الهوامش:
1 ـ مجلّة الأضواء: العدد التاسع للسنة الاُولى ربيع الثاني 1380هـ، تشرين الأول 1960م.
2 ـ مقدّمة قصة: «صراع من واقع الحياة».
3 ـ مقدّمة «الفضيلة تنتصر».
4 ـ مقدّمة «الفضيلة تنتصر».
المصادر:
1- الشيخ محمد رضا النعماني: الشهيدة بنت الهدى سيرتها ومسيرته.
2- موقع الدكتورة خولة القزويني.
اترك تعليق