مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

حاجة المرأة المعاصرة لمعرفة الزهراء(ع)

حاجتنا لمعرفة الزهراء(ع) الإنسانة التي اسهمت في بناء الحضارة الإسلامية شديدة..

كلمة ألقتها الحاجة عفاف الحكيم في ندوة أقامتها جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية بمناسبة ولادة السيدة الزهراء عليها السلام  في حزيران 2010

للقدوة الصالحة دور كبير في توجيه الناس وبناء المجتمعات. والإنسان منذ يفتح عينيه على الحياة، محكوم بالحركة والبحث، إضافة إلى الإنفتاح والتواصل مع مواقع العطاء والإبداع في حركة التاريخ بشكل عام وذلك لكون النماذج الكبيرة التي ساهمت في صناعة هذا التاريخ هي اكبر من مساحات الزمان والمكان.
 فكيف إذا كان هؤلاء العظماء ممن يمثلون النماذج الكبرى التي ارادتها الرسالات السماوية مشاعل هداية؟
 كيف بالمرأة التي نحن بصدد الإحتفال بمولدها الكريم، والتي شكلت بوجودها ليس فقط الإنموذج الاعلى والاكمل للمرأة بكل تفاصيل حياتها، بل شكلت -الإنسان الكامل- المجسد لكل افكار الدين ولكل حركة الرسالة، بل كانت واحدة من سلسلة ضمت أربعة عشر معصوماً يمثلون القمة في الصفات.
 المرأة التي عاصرت ذاك الزمن الذي كان ينظر فيه للمرأة نظرة دونية، فكانت المدرسة التي حفرت عميقا في النفوس، بحيث نلحظها حين رأت إن الظرف السياسي ومصلحة الإسلام تقتضي منها النهوض، نجدها تقف، تتكلم، تناقش السلطة وحدها، وتدافع عما تؤمن به كأفضل ما يكون الدفاع.
 المرأة التي حملت لواء المعارضة وتركت في عمق الأمة وحركة التاريخ خطاً حاراً متوهجاً لا يستكين لذل أو ظلم مهما علت التضحيات خطاً صنعته مواقفها وصنعه ذوبانها وارتباطها في الله عز وجل.
فاسم فاطمة(ع) الذي اقترن في الأذهان بالعبودية الخالصة لله، كان يكفي لتحريك شعوب بكاملها، ولإسقاط وقيام دول كالدولة الفاطمية التي حكمت 400 عام.
 المرأة التي علمتنا الكثير، على مستوى ادوارها المختلفة كابنة وزوجة وأم وعالمة ومعلمة ومجاهدة وثائرة لا تخشى في الله لومة لائم.
 وانه للإحاطة بتلك الادوار وللوقوف على مدى حاجة المرأة لمعرفة الزهراء(ع)، سنحاول اقتطاف لوحات ومشاهد من تلك الحياة الزاخرة، التي امتدت حوالي إحدى وعشرين عاما،ً كانت هي مساحة العمر التي تستحقها الأرض من رؤية ذلك الوجه الملائكي لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع).
المشهد الأول:
وكان يوم دخل رسول الله(ص) على خديجة وهي في أواخر حملها ليقول لها من جملة ما قال :"هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى. وإنها النسمة الطاهرة الميمونة، وإن الله سيجعل نسلي منها. وسيجعل من نسلها أئمة في أرضه بعد إنقضاء وحيه".
هذه البشارة كانت في العام الخامس من البعثة النبوية الشريفة. ورسول الله(ص) يعيش اصعب الظروف واعقدها، في محيط جاهلي بلغ ذروة القسوة والتحجر.
 فالمرأة تحديدا، محقّرة مهانة، لا قيمة لها إن عاشت أو ماتت، بل إن وأد البنات يومذاك كان من المسلمات التي لا يعترض عليها معترض.
 رفع هذا الحيف من قبل النبي(ص) أحدث صدمة في المجتمع الجديد إذ رفع الإسلام المرأة من تحت التراب ليجعلها قدوة معصومة مطهرة؟
وها هو رسول الله(ص) الذي لا ينطق عن الهوى، والذي لا يتأثر بنسب أو سبب يردد على مسامعهم.
" فاطمة روحي ونفسي وقلبي وبضعتي وثمرة فؤادي ونور بصري وفلذة كبدي وشجنتي، وإنها مني وأنا منها"
"فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أحبها فقد أحبني"
"فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والأخرين
"
وأيضا ها هو الوحي من الله تعالى زاجراً ذاك الجاهلي الذي عيّر رسول الله(ص) بأنه -أبتر- مقطوع الذرية، باعتبار إن خلفة البنات لا قيمة لها.
فيأتي الرد حاسماً بالغاً معرّفاً بأن الله قد جعل ذرية احب الخلق إليه في هذه الإبنة المباركة اعتزازاً وتكريماً للمرأة.
فكان الوحي الإلهي الذي زلزل المجتمع الجاهلي يومذاك. والمتمثل في قوله تعالى«إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر» سورة الكوثر.
 وهكذا بدأت عملية التحول في وضعية المرأة على يد رسول الله(ص) إلى ان بلغت الذروة، عبر مراحل وتفاصيل حياة سيدة نساء زمانها وكل زمان، منذ أن أبصرت النور وحتى آخر لحظات عمرها الشريف.
المشهد الثاني: فاطمة الإبنة:
  مما تعارفت عليه مجتمعاتنا العربية ان يكنى الرجل ب-أب- وتكنى المرأة ب-أم- غير أن فاطمة الزهراء(س) كنيت بكنية ملفتة تدل على عظم مكانتها وعظم دورها، فقد ورد أنه "كانت فاطمة تكنى بام أبيها".
 فهي(س) باكراً احتضنت جهاد أبيها، إذ كانت منذ صغرها خليطاً من المحبة والشجاعة. افاضت عليه من حنانها وخففت عنه عناء ما عاناه من قومه الذين آذوه. وكانت دائماً على أهبة الإستعداد للدفاع عنه وقد روي إنها كانت الوحيدة في الدفاع عن أبيها عندما رمى عليه ابو جهل بروث البقر وهو يصلي وأصحابه عند الكعبة. فلم يجرؤ احد على التدخل لكنها خرجت واسمعت ابا جهل ما روّعه عن التمادي في حقده. وإلى هذا كانت اشواقها دائماً تطوف حوله. لتتمثل فيما تعيشه من إعتزاز عظيم، بحيث لم يعرف فخر بالإنتساب للرسول(ص) كفخر فاطمة(س) ولم يعرف أب يفخر بخلف كفخر رسول الله(ص) بالزهراء(س).
إذ كانت كما جاء في الروايات"إذا دخل عليها قامت إليه ورحبت به وأخذت بيده فقبلتها بشغف".
وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها ورحب بها وفرش لها رداءه واجلسها. ثم لا يكون عنها شاغل.
  وورد أيضاً. إنه:" كان (ص) إذا سافر يجعل آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فيصلي به ركعتين ثم يأتي فاطمة".
 فالصلة التي كانت تربط فاطمة بأبيها(ص) لم تكن مجرد صلة بين إبنة وأب على نحو ما تعهد من الصلات وإنما كانت علاقة نوعية متفردة، بإعتبار أنه كلما سمت قيمة الأشخاص وتقاربت نفوسها زادت وشائج الود بينها، وكلما زاد التشابه زادت قوة الجذب بين تلك الأرواح، وقد عكست الروايات الإسلامية حقيقة هذه العلاقة التي كانت متبادلة وبنفس الشدة. فمن المعلوم إنه كما شابهت فاطمة اباها في قوة يقينه وصلابة عزيمته فقد شابهته في دقائق سلوكه وانفعاله وقد جاء عن السيدة عائشة أنها قالت"ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله(ص) في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله(ص)".

المشهد الثالث: فاطمة الزوجة:
دخل رسول الله(ص) على ابنته ليفضي إليها بما جاءها فيه قال(ص):"إن علي بن ابي طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله واسلامه وقد ذكر من امرك شيئاً فما ترين؟".
 بهذه البساطة والعفوية تحدث النبي(ص) إلى ابنته مبيناً ان علياً قد خلت يده من كل ثروة دنيوية غير إنه يتمتع بإيمان عظيم وقيم إسلامية أصيلة.
 وبهذا يتبدى لنا من جهة احترام وتقدير حرية المرأة في اختيار الزوج،بعد أن ردّ كثيرون في هذا الأمر.
 ومن جهة ثانية نلحظ كسر التقاليد البالية التي تجعل المال قيمة أساس، فمهر فاطمة كان في حدود ثمن درع علي(ع) لا أكثر.
 بنت النبي كانت قدوة في تحطيم اعراف الجاهلية وإنه من خلالها تعرّف المجتمع المسلم على القيم والمعايير الإسلامية السامية بإعتبار أن زواجها كان التجربة العملية لرسول الله(ص) وفيه تم تكريس جميع السنن والأصول والمناهج الإسلامية بهذا الخصوص.
إضافة إلى ان هذا الزواج شكل كما نعلم جزءاً من كمال النموذج لأن علياً من النماذج الفريدة في عالم الوجود بعد رسول الله(ص). جاء في الحديث القدسي "يا محمد ان الله جل جلاله يقول لو لم اخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الارض، آدم فما دون".
  وانه عندما اصبحت(س) زوجة للإمام. كانت الزوجة المثالية. التي قدمت أبهى صورة للحياة الزوجية المنسجمة. لكون الزواج لون من التطابق بين الشريكين. لون من التوافق في الأمزجة والأذواق والأفكار وعندما لا يتم التوافق والإنسجام النفسي الواقعي الروحي تدب المشاكل وتنتصب الهموم.
  وقد صوّر امير المؤمنين في احد احاديثه مستوى العلاقة الزوجية النموذجية التي كانت تربطهما فيقول: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل. ولا اغضبتني ولا عصت لي امراً لقد كنت انظر اليها فتنكشف عني الهموم والأحزان".

المشهد الرابع:فاطمة الأم:
  بعد ان وضع رسول الله(ص) يد فاطمة بيد علي(ع) كان ثمرة ذلك الزواج ابناء كالحسن والحسين وزينب وام كلثوم، فيا لها من ام لا نظير لها. ويا لهم من أبناء.
  لكن على الرغم من ان دور فاطمة الأم بلغ الذروة في العملية التربوية، غير أننا نلاحظ هنا أن دورها كزوجة وأم لم يكن على حساب دورها العام، وهو الدور الذي أرتقى إلى درجة الإنفتاح على عمق ما رسمه القرآن الكريم للمرأة.
 لقد كانت الزهراء(س) حضناً دافئاً لأبنائها من جهة، ومن جهة ثانية كانت تنمي فيهم روح المحبة والفداء والتضحية، لتجعلهم رعاة وحماة وحملة للدين الحنيف.
هذه التربية وهذا التوجه شهد به ولدها الحسين(ع) في ساحة كربلاء. حين اعلن للعالم بأن حجر امه الزهراء (س) كان من جملة الأمور التي منعته من خذلان الحق.
 وقد اشار الإمام الخميني(قده) إلى هذا الدور المتميز لسيدة الإسلام(س) في تربية ابنائها العظام إذ يقول:"ربت في حجرة صغيرة وبيت متواضع أشخاصاً يشع نورهم من بسيطة التراب إلى عالم الأفلاك. ومن عالم الملك إلى عالم الملكوت الأعلى. صلوات الله وسلامه على هذه الحجرة المتواضعة التي تبوأت مركز شعاع نور العظمة الإلهية. ودار تربية خيرة بني آدم".
 ويبقى المهم انه كان بين هذه الحجرة وحجرة النبي(ص) مسافة قصيرة تحسب بالخطى ومع ذلك فإن حبه إليها ولابنائها لم يكن ليرويه لقاء، ولذا ظل همه(ص)كلما غدا ان يبدأ يومه ويختمه بزيارة الزهراء، فهو يعودها مع اقبال كل صباح ويودعها مع أفول كل مساء.

المشهد الخامس: فاطمة العالمة المعلمة:
 وهنا نلتقي بالعلم والعمل سعياً لتبليغ الرسالة، وحيث فاطمة(س) المعلمة الأولى للمسلمات اللواتي كن يقبلن على بيتها مستفسرات متعلمات فتفيض عليهن مما وعته من علم رسول الله. فكان بيتها المدرسة الأولى في الإسلام للمرأة وانه رغم فقدان التدوين في عصرها. والذي حرمنا من أكثر أخبارها فإن ما بين ايدينا من المصادر التاريخية يمكن ان يعطينا ملامح عن إنصرافها لتثقيف الناس من حولها افراداً وجماعات.
 ومن ذلك إن امرأة جاءت تسألها مسائل علمية فأجابتها عن سؤالها الأول وظلت المرأة تسأل حتى بلغت اسئلتها العشرة ثم خجلت من الكثرة فقالت:"لا أشق عليك يابنة رسول الله. فقالت فاطمة: هاتي وسلي ما بدا لك. إني سمعت ابي يقول: إن علماء أمتي يحشرون فيخلع عليهم من الكرامات على كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله".
 كذلك ما أشاروا إليه من أن تثقيفها لم يقتصر على النساء بل كان الرجال يقصدونها كذلك مستفسرين، ومن أمثلة ذلك إن الصحابي الكبير عبدالله بن مسعود جاءها يوماً فقال:"يا ابنة رسول الله هل ترك رسول الله عندك شيئاً نتعلمه. فقالت للجارية: هاتي تلك الأوراق. فطلبتها فلم تجدها فقالت فاطمة ويحك اطلبيها فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً".
 كانت وهي الزوجة والأم والأبنة الجادة المجاهدة تجمع نساء المهاجرين والأنصار لتتلوا عليهم ما تسمعه من حديث لرسول الله(ص) كانت المعلمة في الوقت الذي كانت حياتها محاصرة بشتى المتاعب وكانت تشعر ان مشاكلها ومتاعبها لا تقف دون القيام بمسؤولياتها في توعية المؤمنات.

المشهد السادس: فاطمة والقرب من الله:
 في الرواية (عن الحسن البصري) أنه :"ما كانت امرأة في هذه الأمة أعبد من فاطمة. كانت تقوم حتى تتورم قدماها".
• وإنه بالالتفات- إلى المعايير العرفانية- نجد إن الفناء هو أعلى مراتب القرب من الله سبحانه .
والفناء- كما عرفه أحد علمائنا الكبار (آية الله مكارم الشيرازي ) يعني تجاهل ونسيان كل شيء، وكل ذي نفس. بل وحتى الذات في مقابل الخالق جل وعلا.
أي أن يصل المرء إلى مرحلة لا يرى فيها الوجود الدنيوي إلا سرابا، ولا يشاهد هذا العالم المخلوق إلا كظل باهت زائل، يرى الله في كل مكان، ويبحث عنه في كل مكان.
  وأنه من خلال هذه المعايير نلتفت إلى المقام السامي لسيدة نساء العالمين، ونطلع على الحقيقة التي أشار إليها رسول الله(ص).
  ففي مستدرك الصحيحين إن رسول الله(ص) قال لأبنته فاطمة:"أن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك".
  وفي صحيح البخاري:"فاطمة بضعة مني فمن اغضبها فقد اغضبني".
  ففاطمة الزهراء(س) التي صهرت ارادتها في كل ما يريده الله ويرضاه، وعاشت ذاك اللون من السبح والإنقطاع والذوبان والفناء، بحيث صار رضاها وغضبها مرآة لرضى الله ورسوله وسخطهما فلا شك بأن هذه الدرجة السامية لا يمكن ان تعادل بأي شيء.

المشهد السابع:فاطمة والمعترك السياسي:
  وهنا ندخل في الجانب الجهادي والسياسي موطن معاناة المرأة المعاصرة، لنقف على تفاصيل ووقائع التحرك الحقوقي البارع أو الدور السياسي والفكري النشط في مقابل السلطة، والذي نهضت به الزهراء(س) قبل ما يزيد على الألف وأربعمائة عام.
  يومذاك تجاوز دورها الهموم والمسائل العادية مرتفعاً إلى مستوى حمل الهم العام. فكان دورها دور المناصرة للأمة وللعقيدة والمبدأ.
لذا نجدها نهضت وخرجت وتحدثت واعلنت رأيها صريحاً وأتخذت الموقف الواضح من أخطر المسائل التي تتعلق بمصير الأمة كلها في تلك اللحظات التاريخية الهامة.
 وحتى لا نبقى في إطار التعميم فإننا نشير إلى أنه حين انتزع النظام الحاكم- فدك- من يد فاطمة، بعد رحيل رسول الله، فإن سيدة الإسلام قامت للمطالبة بحقها عن طريقين:
الأول: هو كون فدك هدية الرسول(ص) لها.
والثاني: هو إنها ميراثها من أبيها(ص) (بعد ان ردت دعوى الهدية) غير إنه لم تقبل شهادتها ولم يقرّ بحقها.
 وعليه فإن فاطمة(س) لاحظت إن هذا التجاوز الواضح وما رافقه من تجاهل للأحكام الإسلامية، سيؤدي بالأمة حتماً إلى إنحراف كبير عن تعاليم الإسلام وسنن الرسول الأكرم لذا بدأت بالتحرك للدفاع عن حقها.
 وكان أن أقبلت سيدة نساء العالمين مع لمة من نساء بني هاشم إلى مسجد النبي(ص)، لتعلن عن ظلامتها ورأيها أمام جمهور المسلمين وسادات المهاجرين والأنصار، من خلال خطبة غراء تضمنت تفسيراً للقضايا العقائدية والسياسية والاجتماعية، وكانت تضج بنبض ثوري ينفذ إلى روح الإنسان وقلبه، ذاكرة الأحداث التي رافقت بعثة النبي(ص) وبركات وجوده ومسألة الخلافة ومصير المسلمين،وهذا ما يظهر حقيقة حضورها الكبير كمحدثة بليغة وخطيبة مقتدرة وزعيمة قائدة في معترك الدفاع عن الحق والجهاد في سبيل الله.
 خطبة الزهراء(ع) افرزت العديد من الدروس، في أدق مسائل الفلسفة وأسرار الأحكام. والتحليل التاريخي السياسي والمقارنة بين العرب في زمن الجاهلية وبين حياتهم بعد ظهور الإسلام. إذ تضمنت محاور ومباحث ذات أهداف واضحة يلزم دراسة كل منها بصورة مستقلة للوقوف على تلك الخطبة أو المرافعة القيّمة التي قدمتها أبنة رسول الله(ص) والتي قل نظيرها.
 لذا عندما نراجع في ايامنا صفحات التاريخ فإنا سندرك اهمية وحقيقة كل كلمة جرت على لسان الزهراء(س) لجهة العواقب التي حلت بمجتمعاتنا بعد أن القى الهرج والمرج ظله المشؤم، وذاق المسلمون مرارة ذلك التقصير في حماية الحق.
 أخيراً ما نبغي الإلتفات إليه والإستفادة منه. هو إن ابنة رسول الله وسيدة الإسلام كانت في حاتها الزاخرة منطلقة من خلال كونها إنساناً لا من خلال كونها أنثى، وذلك لأنه ليس في الإسلام فصل بين القيم والافكار التي يجب أن تحكم مسيرة المرأة وسلوكها وقضاياها وشؤونها. وبين الافكار والقيم التي يجب ان تحكم سلوك الرجل ومسيرته ومواقفه. بل إن الإسلام في كل الأمور ينحو منحى واحداً ويسير مسيرة واحدة ويسعى إلى هدف واحد.
وبالتالي فإن هذا يعني أن المرأة في مجتمعاتنا إذا ارادت أن تنطلق من هذه النظرة فإن عليها ان تلتفت إلى ان دورها كأنثى، يجب أن لا يأخذ من حياتها اكثر من الحجم المرسوم وإنه يلزمها ن تتذكر دائماً بإن دور فاطمة(س) كإبنة بجانب أب عظيم. وكزوجة بجانب إمام عظيم، وكأم بجانب أبناء عظماء، دورها هذا على سعته وعمقه لم يكن على حساب دورها العام.
لذا في الذكرى المباركة لسيدة النساء الأسوة والقدوة والمثال، الذي أقامه رسول الله(ص) ليكون المحور والمثال لنساء الأمة لا في العفة والطاهرة وحسب، وإنما في كيفية حمل الرسالة والنهوض بالدور والتكليف ان منيت الأمة بأي لون من الوان الإنحراف سواء كان فكرياً أو سياسياً او اجتماعياً.
لذا لا بد لنا في اجواء الذكرى ان نلتفت من موقع مسؤوليتنا كنساء بإتجاه صناعة الدور الريادي الذي نتطلع إليه، والذي يتناسب مع انتمائنا ومع فعل التأسي وحاجة المجتمعات التي تشتد يوماً بعد يوم لمشروع نسائي عالمي انقاذي يحتضن قضايا المرأة المعاصرة ليس فقط في بلاد المسلمين وإنما على امتداد العالم.
من هنا بإن الإنموذج القدوة على الصعيد النسائي بات يشكل اليوم احد ضرورات المرحلة الراهنة في حركة المرأة بعد ان اطبقت القوى الشيطانية على هذا الملف جاعلة من قضايا المرأة وهمومها معبراً للهيمنة وفق برامج تمكن من الاختراق لتأطير الشعوب بعيداً عن هويتها وحاجاتها الحقيقية.
حاجتنا لمعرفة الزهراء(ع) الإنسانة التي اسهمت في بناء الحضارة الإسلامية وأثرت في التاريخ الإسلامي أيما تأثير وكان جهادها في الميادين المختلفة جهاداً نموذجياً، بحيث كانت حياتها في جميع الابعاد مليئة بالعمل والسعي والسمو الروحي، بل كانت تضج بالوان العطاء والبذل  والصبر والشجاعة والقدرة الفائقة على التحمل
حاجتنا لمعرفتها(س) هي حاجتنا للقدوة والمثل، هي حاجتنا للشخصية التي جمعت كل العناصر الحيّة التي تتوازن وتتكامل فيها الشخصية الإنسانية المثلى، هي حاجتنا لبناء أنفسنا. وبناء أسرنا وتوجيه مجتمعاتنا.
 وإنه من اجل تكريس هذه المعرفة، فإن حفيد الزهراء الإمام الخميني المقدس أعلن يوم ولادتها يوماً عالمياً للمرأة قائلاً:"إذا كان لا بد من يوم للمرأة فأي يوم أسمى من يوم ولادة فاطمة الزهراء(ع) المرأة التي هي موضع اعتزاز اهل بيت الوحي والتي تسطع كالشمس على مفرق الإنسان العزيز".


كلمة ألقتها الحاجة عفاف الحكيم في ندوة أقامتها جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية بمناسبة ولادة السيدة الزهراء عليها السلام  في حزيران 2010

التعليقات (0)

اترك تعليق