مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الأستاذة جنان واسطي بور: أزمة التواصل بين أفراد الأسرة: وقاية أطفالنا وعلاقاتنا الأسريّة في العصر الرقمي

كلمة الأستاذة جنان واسطي بور (أستاذة في الحوزة العلمية وباحثة إسلاميّة): أزمة التواصل بين أفراد الأسرة: وقاية أطفالنا وعلاقاتنا الأسريّة في العصر الرقمي

أزمة التواصل بين أفراد الأسرة: وقاية أطفالنا وعلاقاتنا الأسريّة في العصر الرقمي
كلمة الأستاذة جنان واسطي بور (أستاذة في الحوزة العلمية وباحثة إسلاميّة):
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
الأسرة هي اللبنة الأساسيّة في بناء المجتمع فهي كالخلية الحيّة وهي أوّل وعاء تربوي وثقافي يحتضن الأبناء. وتمثل المدرسة الأولى لتشكيل وتوجيه سلوك الفرد وعاداته وطباعه ويعتبر الوالدين القدوة المثلى للأبناء، يرون فيهم صورة الكمال ويقلدونهما وبما كونتها في سلوكهما وتصرفاتهما، ويكتسبون بصورة لاشعورية كثيراً من القيم والمبادئ والمثل والفضائل الأخلاقيّة. ففي الأسرة يتلقى الأولاد الإحساس بما يجب وما لا يجب القيام به والوظيفة الأساسية للأسرة هي تربية الأبناء تربيّة سويّة.
 
التربيّة: 
عمليّة تشكيل الشخصيّة السويّة المتكاملة في جميع جوانبها روحياً وعقلياً ووجدانياً وخلقياً واجتماعياً وجسمياً. فالتربية منهج كامل للحياة (نتيجة فكر الإنسان وتنظيم سلوكه وعواطفه والتربيّة الإسلاميّة هي أنّ تكون هذه التنشئة في جميع الجوانب بناءاّ على المبادئ والتعاليم الإسلاميّة المستعاة في منظومة الأفكار والقيم والمعتقدات المستمدة من السنة النبوية الشريفة). فهي تشكل للناس مرجعاً في تربية النشئ والجيل الجديد والهدف النهائي هو تربية جيل واع ملتزم بالشريعة الإسلاميّة ومؤهل لبناء المجتمع الإنساني بكل أبعاده الإنسانيّة الحرة والقيمة في الخير والصلاح.
 
مراحل وقواعد التربيّة الإسلاميّة:
إنّ إدراك طبيعة المراحل العمرية والتمييز بينها هو من أهم الواجبات التّي ينبغي أنّ تلتزم بها الأسرة، حيث أنّ لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل العقليّة والنفسيّة والسلوكيّة لها تأثير على سلوكه وتفكيره وهو ما يسمى بعلم النفس الفسيولوجي.
قال الإمام الصادق(عليه السلام) في التربية: "اتركه سبعاً وأدّبه سبعاً وصاحبه سبعاً". وعنه أیضاً "دع ابنك یلعب سبع سنین ویؤدب سبع سنین والزمه سبع سنین"(1).
 
المرحلة الأولى: لاعبه سبعاً "سيد سبع سنين"
أي أنّ الطفل في هذا السن يحتاج إلى المزيد من العناية والاهتمام بالجانب العاطفي الّذي له أثر كبير على مستقبله، فقد يوّلد الفراغ العاطفي وعدم الاهتمام بالطفل آثاراً لا تُحمد عقباها. فكثيراً من الشباب المنحرف سببه الفراغ العاطفي في مرحله الطفولة، ولهذا أكدت الروايات الإسلاميّة على ملئ الجانب العاطفي للولد.
الإمام علي(عليه السلام) لابنه الإمام الحسن(عليه السلام): "َوَجَدْتُكَ: بَعْضِي؛ بَلْ وَجَدْتُكَ: كُلِّي حتَّى كأَنَّ شَيئاً: لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَني؛ وكأَنَّ المَوْتَ: لو أَتاكَ أَتاني"(2).
كما أكّد الإسلام على ملاعبة الولد: النبي(صل الله عليه وآله وسلم): "من كان له صبي فليتصاب له"(3)
الإمام علي عليه السلام: "من كان له ولد، صبا"(4)
وقد مارس النبي(صل الله عليه وآله وسلم) بمرأى المسلمين التصابي للأطفال وذلك حينما رأوه يحبو والحسنان(عليهما السلام) على ظهره وهو يقول: "نِعم الجمل جملكما ونِعم العدلان أنتما"(5)
واللعب يختلف عن اللهو، لأنّ اللعب يخالطه تعليم إيجابي لمهارات نفسية وعقلية وخلقية واكتشاف مواهب الطفل، وتنمية قدراته ومهاراته المختلفة.
 
المرحلة الثانية: أدبه سبعاً
وهذه مرحلة التعليم والتأديب وبيان الصواب والخطأ في مَن شبع من اللعب وأُشبع حباً وحناناً من والديه، لأنّ لفظة لاعبه تعني أنّ الوالدين يشتركان مع الطفل في اللعب، مما يقرّب العلاقة بينهما وبين طفلهما فيسهل عليهما التعليم والتأديب في هذه المرحلة وهي مرحلة التقويم والتهذيب وعلاج السلوكيات الخاطئة بأساليب تربوية ناجحة والتأديب له قواعده وشروطه: "لا تضربه واهجره ولا تطل"(6)
 
إنّ الضوابط الإسلامية في تأديب الطفل تتضمن ثلاث مبادئ تربويّة مهمه وهي:
١. لا تضربه: الابتعاد عن استخدام الضرب كأسلوب للتأديب لأنّ الضرب يسبب تدني في تقدير الولد لذاته وكذلك يوّلد عنده شحنه عدوانيه، فلربما يسعى لتفريغها على الآخرين لاسيما من هو أصغر منه سناً وكذلك يحرمه من فرصه اكتساب المهارات لحل المشاكل ومواجهتها.
 إذاً ما هو البديل في تأديب الأطفال ودفعهم إلى التخلي عن السلوك غير السوي؟
٢. اهجره ولا تطل: الهجران هو التواصل بالحد الأدنى وفق أسلوب يميل إلى الجدية مما يدفع بالطفل إلى إعادة النظر في أفعاله لكسب مودة ورضا وقبول الأهل والحفاظ على موقعه ومكانته لديهم. والمطلوب هو جرعة متواضعة من إحساس الطفل بالذنب ولكن لو زادت هذه الجرعة لكانت الآثار السلبيّة أكثر من الفائدة المرجوة كالإحساس بعدم الأمان، بالرفض لدى الوالدين وما يصحبه ذلك من القلق والتوتر وبأنّه دون مستوى توقعات الأهل...
 فالعقاب والتأديب مهم من أجل تقويم الطفل. إنّ حب الأهل (الوالدين) من المسلمات والقطعيّات وإنّما يزعجهم الفعل الغير صحيح الذّي يقوم به الطفل وليس الطفل نفسه. بمعنى آخر, عدم التهديد له بفقد حب والديه مهما كان الأمر. 
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(7).
مع كلّ الظلم والإسراف من قبل الإنسان فإنّ الله تبارك وتعالى يخاطبه: (عبدي وعبادي).
 3. تجنب محاسبه الطفل على كل صغيرة وكبيرة: إذ إنّ بعض الأفعال قد لا يستلزم أكثر من تجاهلها.
 في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(عليه السلام): "الرحمة في تعليمه والعفو عنه والستر عليه..."
عن الإمام علي(ع) "وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقي فيها من شيء قبلته"(8).
 
المرحلة الثالثة: صاحبه سبعاً
وفي نهاية السبع الثانيّة يكون اليافع قدّ اكتمل استعداده لاستقبال العالم الخارجي وهنا مرحلة: صاحبه سبعاً.
الدعوة إلى مصاحبة الولد كي يأخذ من والديه مكارم الأخلاق ويتعلم منهما كيفية التفاعل مع المجتمع في أمور البيع والشراء والتعاطي مع أفراده في كافه القضايا الاجتماعيّة. فيصبح الولد راشداً ناضجاً ومن مظاهر هذه المرحلة عند الولد هي:
١. الاستقلالية: إذ يرى الطفل نفسه مستقل وله إرادة وله رأي. ولهذا أكدّ الإسلام على مشاركته في هذه المرحلة، "فشاوره" "واتخذه وزيرا" ولا بد من احترام رأيه خصوصاً في قضاياه الشخصيّة. فهذه المرحلة، مرحلة تربوية شاقة لرغبه الولد في الاستقلال من جهة وتوسيع علاقاته خارج الأسرة من جهة أخرى. فهو بحاجة إلى التوجيه المستمر والإرشاد والتعليم ومساعدته في رسم طريق الحياة. كما يحتاج إلى رحابة صدر وانفتاح من الوالدين مصحوباً بالحسم في بعض المواقف الهامة والحرجة.
ومن سمات هذه المرحلة هي الحوار مع الأبناء. فالحوار بين أفراد الأسرة هو إشارة الأسرة الناجحة والمبنيّة على أساس العلاقة الحميمة بعيداً عن الاستبداد والسيطرة واختزال الآخر.
 
الحوار الأسري
هو التفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة وتبادل الأفكار والآراء الجماعيّة بعيداً عن العنف والتعصب, وما يترتب عليه من استماع وإنصات واحترام الآراء المطروحة من قبل أعضاء الأسرة, مما يؤدي إلى خلق الإلفة والتواصل.
 
أهميه الحوار الأسري
١. يعد الحوار الأسري أساساّ للعلاقات الأسريّة الحميمة بعيداً عن التفرق والتقاطع.
2. يساعد على نشأة الأبناء نشأة صحيحة سوية صالحة بعيدة عن الانحراف الخلقي السلوكي.
3. يتعلم الفرد (الأبناء) أهمية احترام الرأي فيسهل التعامل مع الآخرين.
4. يعزز الثقة في أفراد الأسرة مما يجعلهم أكثر قدرة على تحقيق طموحاتهم وآمالهم.
 
الأسباب التي تؤدي إلى انعدام الحوار الأسري
1. تباين المستوى الثقافي والعلمي بين أفراد الأسرة يقلل من فرصة الحوار، وذلك ظناً منهم بعدم فهم كل طرف لما يحمله الطرف الآخر.
2. انشغال كل من الأب والأم بأعمالهما ومهماتهما بعيداً عن الأبناء والمنزل. 
3. انعدام الثقة بقدرة الحوار على إحداث النتيجة المطلوبة.
4. الجهل بأساليب الحوار الفعالة. 
5. عدم أخذ الحوار على محمل الجد باعتباره ترفاً زائداً للإبن، فيمكن الاستغناء عنه. 
6. دخول الفضائيات التّي احتلت الوقت الذي تقضيّه الأسرة في الحديث.
7. اختلاف معطيات العصر من جيل إلى آخر، فجيل الآباء يختلف عن الأبناء تماماً.
8. الاعتماد على القوة من قبل الوالدين وإهمال عاطفة الأبناء. 
9. دكتاتورية بعض الآباء التّي تجعلهم يرفضون الحوار مع أبنائهم، اعتقاداً منهم أنّهم أكثر خبرة من الأبناء، فلا يحق لهم مناقشة أمورهم. 
10. الترف المادي الزائد عن حده الطبيعي حيث تشكل الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر وشاشات السينما جزء من حياة الأبناء وهم في أعمار صغيرة، فأخذت وقت طويل منهم عن أسرهم، فابتعدوا وانقطع الاتصال الحواري معهم، وانعدم تعليمهم فنون الحوار. 
11. الثورة المعلوماتيّة والانفجار المعلوماتي الذّي احتل الوقت وغزا الأسرة في عقر دارها, حيث تشكل الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر وشبكات التواصل الاجتماعي جزءاً كبيراً من حياة الأبناء وهم في أعمار صغيره فأخذت وقتا طويلا منهم، فابتعدوا عن أسرهم وانقطع التواصل والحوار الأسري.
إنّ انقطاع التواصل والحوار الأسري أدى إلى تباين المستوى الثقافي والعلم بين أفراد الأسرة وتقليل فرصة الحوار، وذلك ظناً منهم بعدم فهم كل طرف لما يحمله الطرف الأخر. مما أدى إلى تفكك الأسرة وانتشار البغض والحقد بين أفرادها.
 
الآثار السلبيّة الناتجة عن انعدام لغة الحوار الأسري:
ينظر الكثيرون إلى الحوار على أنّه ليس ذو قيمة، غير ملتفتين لأهميته وقيمته على الحالة النفسيّة والمعنويّة التّي ممكن أنّ تبنى في الأسرة. ولكن المتطلع إلى السلبيات التّي ممكن أنّ تحدث جراء عدم الإلتفات لهذه القضية على أنّها محور هام في العلاقة وتاج لحل كثير من المشاكل الأسريّة، ربما يُولي عدم اهتمام بشأن قضية الحوار في داخل الأسرة إلى:
1. انعدام الثقة بين أفراد الأسرة.
2. تفكك الأسرة وانتشار البغض والحقد بين أفرادها.
3. البحث عن البديل وربما كانت الهاويّة بالنسبّة لأي فرد لا يجد من يستمع له. فعالم الاستشارات الزوجيّة والأسرية تئن من كثرة لجوء كلاً من الزوجين لرفقاء النت والسقوط في المحرمات، وأسبابها العلاقة الأسريّة البعيدة عن الحوار ومعرفة الداخل من النفس. فانجراف الكثير من الشباب إلى الخطيئة سببها هو تنشئتهم وعلاقتهم الغير حميمة داخل أسرهم حيث لا يجدون فيها من يخاطبهم ويحاورهم ويجيب عن تساؤلاتهم.  
4. يؤدي انقطـاع الحوار بين الأبوين وأبنائهما منذ الصغر إلى انقطاع صلة الرحم في الكبر. 
5. المشاكل النفسية المترتبة على انقطاع لغة الحوار في داخل الأسرة سواء بين الأزواج مع بعضهم أو بين الآباء وأبنائهم. ففي مؤتمر "التربية الوجدانية للطفل" القاهرة: في الفترة من 8-9 أبريل 2006م، خرج المؤتمر بتوصيّة "أنّه لا بد من إيجاد لغة الحوار بين الوالدين والأطفال لما لها من مردود إيجابي على التربيّة الوجدانيّة للطفل". فانعدام الحوار يجعل من الفرد إنساناً معزولاً رافضاً لشتى أساليب الحوار والمناقشة مع الآخرين في حياته المستقبلية، فيغلب عليه طابع الانطوائيّة.
6. إنّ عدم وجود الأذن الصاغيّة للطفل في المنزل، تجعل منه فريسة سهلة لرفاق السوء لبحثه عن من يستمع له ويعبر عن قيمته وذاته، والتنفيس عما بداخله.
7. الأمراض الجسدية التّي تظهر على أفراد الأسرة كلها مبناها من كتمان الأمور وخاصة السلبيات التّي لا تجد من يستمع لها ويحن عليها. وقد أكدّت دراسة أجراها مختصون في مجال علم النفس على أنّ تعرض المراهقين من الذكور والإناث للضغوط بشكل مستمر ممن يعيشون ضمن عائلات “مضطربة” قد يساهم في إصابتهم بالأمراض العضوية لاحقاً. ويوضح الباحثون وهم علماء في جامعة كورنيل الأمريكيّة بأنّ الأبناء المراهقين قد يتعرضون لضغوط تؤثر في أعضاء الجسم وأنسجته مثل ضغط الدم والقلب والشرايين نتيجة عدة عوامل مثل الاضطراب الأسري.
 
تحديات العصر الرقمي والثورة المعلوماتيّة
إذاً عندما تتخلى الأسرة عن دورها ومسؤولياتها في التربية يستفحل البديل المفروض من طبيعة الحياة العصرية، فيغزو القيم والمبادئ والعادات والتقاليد فيطمسها ويقولبها بقالب الثقافة الغازية أي "تأطير عقل الإنسان" ومحاوله طمس ثقافته المحليّة وإضعاف مخيلته عن طريق تقديم نماذج جذابة جديدة من أجل إيقاعه في استلاب عقلي، فكري، معرفي. وهذا يمثل تحدياً للموروث الثقافي الأسري والاجتماعي.
إنّ الكثير الكثير من شبابنا يستخدمون وسائل العصر الرقمي مثل الشاشات الفضائية والإنترنت والهاتف الجوال من أجل قتل أوقات الفراغ وليس استثمار هذه الوسائل بما يعود عليهم بالمنفعة وتنميّة مهاراتهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة.
 لقد بات أثر العصر الرقمي وأدواته واضحا على الشباب المسلم ولاسيما ثقافتهم، ونكاد نلمسها يومياً ونتحسسها من خلال التأثير في طريقة الكلام والملبس، بل وحتى في السلوك اليومي مما جعل شبابنا متلقين لثقافة واحدة، وهي الثقافة الغربية. ففي الوقت الذي وقفت الحكومات والجهات العربيّة والمسؤولة على حماية الثقافة العربية عاجزة عن تسويق الثقافة الإسلاميّة، قامت الدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية بوضع الخطط الإستراتيجية لتسويق ثقافتها إلى شعوب العالم الثالث ومنها الشعوب المسلمة.
يؤكد ما جاء أعلاه التقرير السّري للكونغرس الأمريكي حول تحقيق أهدافه السياسيّة الأمريكيّة الخارجيّة من خلال السيطرة الإعلاميّة إذ يشير التقرير فيقول: (يمكننا أنّ نحقق بعض أهداف سياستنا الخارجيّة من خلال التعامل المباشر مع شعوب الدول الأجنبية بدلاً من التعامل مع حكوماتها. ومن خلال استخدام أدوات وتقنيات الاتصالات الحديثة، يمكننا اليوم أنّ نصل إلى قطاعات كبيرة أو مؤثرة من السكان في هذه البلاد، وأنّ نقوم بإعلامهم والتأثير في اتجاهاتهم، بل ويمكن في بعض الأحيان أنّ نحرضهم على سلوك طريق عمل معين)(9)
تماشيا مع ما تقدم، تسعى الدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى تطوير ثقافتهم وعاداتهم ومحاولة فرضها بأسلوب مقبول وناعم ولین على شعوب العالم ومنها الوطن العربي؛ وذلك عن طريق أدوات العصر الرقمي ،ففي هذا الخصوص (يشير بريجينيسكي إلى ضرورة خوض المعركة الإيديولوجية على كل الساحات بدءاً من حقوق الإنسان وصولاً إلى تصدير نمط الحياة الأمريكي، وذلك من خلال استثمار تكنولوجيا الاتصال والاستفادة القصوى من ريادته الجينز والديسكو والعلوم والعادات الأمريكية). (كتابة بين عصرين)
من هنا فإنّ تغيير شخصية الإنسان واختلال العلاقات العائلية، وتغيير منظومة القيم، وتهميش الثقافة المحليّة والوطنيّة هو نتاج لهذا الزخم الثقافي الوافد، وتقبل ثقافة الآخر والهرولة نحوه. حيث أصبح يمثل رموزا مكانية تتأصل بفعل القوة المتدفقة في ظل غياب جهاز المناعة في الداخل. وبموجب ذلك يصبح الفرد والأسرة، بل الدولة بكل قطاعاتها أمام تحدي كبير يدعو في ذات الوقت جميع الأطراف السابقة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها للحيلولة دون انسلاخ الشباب المسلم من منظومة قيمة وعاداته وتقاليده الأصليّة.
 
إضافة لما تقدم، يعتقد معظم الخبراء بأنّ معظم وسائل العصر الرقمي سيما الفضائيات الوافدة على المجتمع الإسلامي ستخلق العديد من المشاكل أبرزها:
1- عدم الاستقرار في العلاقات الاجتماعيّة التقليدية وربما حدوث اضطراب اجتماعي.
2- التأثير في القيم والأفكار والمواقف والاتجاهات، ومحو للقيم المحليّة واستبدالها بأنماط جديدة من السلوك والقيم الأخلاقيّة والعقائد التّي قدّ تتعارض مع طبيعة الحياة العربيّة الإسلاميّة.
3- إضعاف دور الأسرة في التنشئة الاجتماعيّة، وانشغال أفراد الأسرة بالفضائيات مما يقلل من فرص الاهتمام بالواقع والهروب منه بدلاً من مواجهته.
4- إحداث خلل في التوازن التنموي، وسيادة الروح الاستهلاكيّة وطغيان قيم وعادات مجتمعات تختلف بشكل كبير عن مجتمعاتنا.
5- ازدياد الانحراف الاجتماعي بين الشباب بسبب طبيعة المضامين الإعلاميّة للفضائيات الوافدة حيث تزداد أشرطة الجنس والعنف والمخدرات والرعب وأساليب الجريمة الحديثة في ساعات الإرسال اليومي لهذه المحطات التلفزيونية.
6- أتاح ازدياد عدد وسائل العصر الرقمي من تلفزيونات فضائية وانترنت وهواتف والفيديو كاسيت والفيديو ديسك... إلخ التحول من التجميع في مكان واحد داخل البيت أو السينما إلى التشتيت.
7- أدى زيادة انتشار ألعاب الفيديو وغيرها داخل المنازل وهي وسائل تعتمد على الاستخدام الفردي إلى تقليص العلاقات الاجتماعيّة داخل الأسرة الواحدة ومن ثم المجتمع الواحد ومن ثم تكريس العزلة.
 
كيف يمكن حماية الأسرة المسلمة في ظل العصر الرقمي؟
لأجل حماية الأسرة المسلمة بشكل عام والشباب المسلمون بشكل خاص يتطلب الأمر وضع استراتيجيّة متكاملة تتظافر فيها جهود كلّ من الأسرة ذاتها وکل مؤسسات الدولة ذات العلاقة ولاسیما وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. وتحقق أبعاد تلك الاستراتيجية من خلال العمل علی:
1- زیاده وبناء العدید من المؤسسات الثقافیّة والاقتصادیّة والریاضیّة والاجتماعیّة والعلمیّة لاستیعاب طاقات الشباب وتوجههم فی إطار الوعي والمسوؤليّة حیث تتولد عندهم المناعة الذاتیة المتمکنة منذ نعومة أظافرهم. فمع وجود هذه المؤسسات المتعددة والبنّاءة لا یمکن أنّ یوجد وقت فراغ لدی الشباب یجعلهم یحرصوا علی متابعة وسائل العصر الرقمي لدرجة الإدمان.
2- تحسین الوضع الاقتصادي للمجتمع بشکل عام وفئة الشباب بشکل خاص من خلال توفیر فرص العمل لهم للقضاء علی عنصر البطالة من جهة، وتوفیر مستلزماتهم الذاتیة من جهة أخری.
3- تطویر دور الأسرة بوصفها المدرسة الأولی فی حیاه الفرد من خلال عمل العدید من الندوات والمؤتمرات لأولیاء الأمر وإعلامهم بالطرق والآلیات الجديدة للتعامل مع الشباب في ظل العصر الرقمي.
4- توجيه الأسرة المسلمة، وتوعیتها بالمخاطر التي تثبتها الفضائیات الأجنبیّة ولاسیما تلك التّي تعمل علی تهدیم وتخریب العقل العربي المسلم من خلال تشویه منظومة القیم، العادات، والتقالید العربیة والإسلامیّة.
5- استغلال وسائل وأدوات العصر الرقمي المرئیّة، المقروءة، والمسموعة لبث البرامج الثقافیّة بالقدر الذي یرسّخ حصانة لدی الأسرة والشباب المسلم، وفي الوقت ذاته تعمل علی تهمیش ما یبث عبر الفضائیات الوافدة.
6- تطویر أجهزة الإعلام المحلیّة لاسیما التلفزیون بما یلبي رغبات واتجاهات الشباب، وجعل البرامج والأفلام أکثر حیویة وقریبة لمشکلاته. وجعله مشارکاً فعّالاً في صنع هذه البرامج ضماناً لإعادة الثقة بأجهزته الإعلامیّة مع محاولة تقلیل ساعات مشاهدة الفضائیات الوافدة.
7- بناء رسالة إعلامیة وطنیة وقومیة تؤکد علی الوحدة العربیّة للوطن العربی وتتفق مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتُلبّي حاجات الشباب، وتکون قدر الإمکان معبّرة عن أفکاره وتضع حلولاً لمشکلاته.
8- محاولة تنظیم وقت المشاهدة للشباب من قبل الأسرة قدر الإمکان. وأنّ یظهر دور السلطة للأسرة من خلال الحوار الدیمقراطي ولیس القهر فی عملیّة اختیار البرامج المشاهدة.
 
 
 
 
_________________________
1- مَن لا یحضره الفقیه الجزء الثالث.
2- نهج البلاغة.
3- وسائل الشيعة: جزء 115.
4- وسائل الشيعة: جزء 115.
5- بحار الأنوار: جزء 42.
6- بحار الأنوار :جزء 101.
7- سورة الزمر: الآية 53.
8- نهج البلاغة.
9- الأمركة الإعلامية على أوروبا ص 44.

التعليقات (0)

اترك تعليق